التحدي...سلاح سراج الدين لمجابهة التطرف والعنف
الخميس 28/يناير/2016 - 11:57 م
طباعة
•الكتاب: التحدي.. رؤية ثقافية لمجابهة التطرف والعنف
•المؤلف: د. إسماعيل سراج الدين
•الناشر: الهيئة المصرية العامة للكتاب
في كتابه "رؤية ثقافية لمجابهة التطرف والعنف" الذي صدر مؤخرًا، حاول الدكتور إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية تقديم عدد من الأفكار والمقترحات لمجابهة التطرف، بعد تأكيده على أن التطرف تخطى كل ما هو معقول وإنساني، وأن مجابهة الإرهاب وعنف المتطرفين يحتاج إلى استعمال القوة العادلة لإعادة هيبة الدولة وسيادة القانون، وضمان حقوق المواطنين في الأمن والسلام، وأن الفكر الذى يولدّ العنف يجب مجابهته بالفكر، وهذا هو التحدي.
لذ اختار سراج الدين لكتابه عنوان" التحدي"، ويقع الكتاب في 314 صفحة، قدم فيه عبر 6 أجزاء رؤيته للواقع الثقافي العربي عامة والمصري خاصة، وبعض الأفكار لمواجهة التطرف بشكل علمي وفعال، وجاء الجزء الأول تحت عنوان" الثقافة في مصر والعالم العربي"، والثاني"نظرة إلى المستقبل: ثورة معرفية جارفة، أما الجزء الثالث فجاء تحت عنوان" حول التطرف والعنف"، والرابع خاص بـ "ديناميكية التغيير الثقافي، والجزء الخامس جاء تحت عنوان "عناصر الاستراتيجية الثقافية"، في حين اختص الجزء السادس بـ"البرامج الخاصة"، تشمل برامج متنوعة للارتقاء بالتراث المحلى واحياء ثقافة العلم والبحث العلمي في المنظومة التعليمية، والاهمام بالسينما والمسرح، الخ.
ويقول سراج الدين "لقد انحطت الثقافة في مصر، فلم تبقَ ساحة للحوار الفكري الراقي، ولم تصبح كما كانت مجالاً مفتوحًا للرأي والرأي الآخر بما يقدمه ذلك من ثراء ثقافي وزخم معرفي، بل صارت البلاد منتدى للاجتماعيات، وغلب الطابع الشخصي والشللي على الموضوعي في العمل العام، حيث غابت الموضوعية والالتزام بالعقلانية والمنهج العلمي، وغاب وضوح الرؤية واختفت الشفافية وسادت الشائعات، فتجد في كل موضوع يطرح تميل الأفواه على الآذان همسًا، ثم يرتفع الهمس ليكون حديثًا على الشفاه، وينتشر الحديث حتى يسمعه كل ذي أذن، وتكتسب الشائعة مصداقية التكرار والشيوع، إلى أن تأتي شائعة أخرى لتحل محلها، ويدور مثل هذا الحديث السطحي في دوائره المفرغة فلا ينتج جديدًا ولا يقدم لَبنة لصرح المعرفة ولا يقيم بناء الثقافة بل يسهم في تقويض مؤسسات المجتمع".
وفى الجزء الأول تطرق سراج الدين لبعض الأفكار وخاصة ما يمر به العالم العربي من تحديات، وإنه بالرغم من وجود تنوع ملحوظ في مستويات التعليم والتنمية الاجتماعية وفى شكل المؤسسات السياسية المنوط بها إدارة الحكم وفى ثروات المواطنين ومستوى دخولهم، إلا انه يعانى من ظروف سياسية يصعب تخيل الأسوأ منها، من الانعزال الثقافي إلى الحروب الأهلية وصولا إلى الأشكال الجديدة من الهمجية متمثلة في أشكال التطرف والعنف، والعنف المنتشر في كل البقاع مع الارهاب يتحديان بعض الحكومات القائمة التي لا تمتلك سوى شرعية محدودة، وأصبح الملايين من اللاجئين بلا مأوى سواء داخل بلادهم أو بعد عبورهم حدود الدول المجاورة، مثلما يحدث في سورية والعراق واليمن.
كما تطرق إلى ظهور الشباب في هذه المرحلة كقوة ثقافية لا يستهان بها، والإشارة إلى أنه مع ظهور حالة من الفوران الشبابي الذى انتشر في المنطقة العربية عقب ثورات الربيع العربي، وسيطرة القوي الدينية المنظمة على الكثير من الثورات، وما ترتب على ذلك من الانقسامات في المجتمعات إلى فوضي وحروب أهلية، وظهرت الأشكال الأكثر تطرفا من الإرهاب الهمجي الذى طفا على السطح على أيدي ما تلقب نفسها باسم "الدولة الإسلامية"، كان ذلك نتيجة منطقية للإفلاس الفكري للعديد من الأنظمة العربية على مدى فترات طويلة من الحكم سابقة على ثورات الربيع العربي، بعد عجز هذه الأنظمة عن تجديد العقد الاجتماعي بشكل حقيقي.
واستعرض الكتاب أوجه الضعف وأوجه القوة في المشهد الثقافي في مصر والعالم العربي، محللا ما وصل إليه الشعر والرواية، كتب وبرامج الاطفال، المسرح، التراث الشعبي، السينما، الرسم والنحت، الخ
وفى الجزء الثانى، تطرق إلى الأعمدة السبعة للثورة المعرفية الجديدة، واشارته إلى انه من أجل تحقيق مجتمع المعرفة والاقتصاد القائم على التكنولوجيا لابد من ثورة معرفية تقوم على سبع أعمدة، وهى البنية والحياة والتنظيم،
الصورة والنص
التعقيد والفوضي
الحوسبة والبحث العلمى
التقارب والتداخل والتحول
منهجية الدراسات البينية وصياغة السياسيات المناسبة
وشدد على أن "الكتاب" تم الاعتماد عليه باعتباره الوسيط الأساسي في الخطاب الثقافي، بالرغم من قنوات التواصل الثقافي الأخرى مثل المسرح والسينما، ومع الإيمان بأن الكتاب سيستمر ليس بوصفه شكلا ماديا مطبوعا، ولكن بصفته مجموعة من الكلمات التي تحتل حيزا معينا فتعلم القارئ وتسليه وتخاطب عقله من خلال سحر النص وجاذبيته.
نوه سراج الدين إلى أن الثورة في تكنولوجيا المعلومات والاتصالات تسير بسرعة مذهلة، وهذا الفيض من البيانات والتقنيات القادرة على احداث تحولات لأمر يدعو للقلق، ويثير صورا لعوالم مستقبلية مرعبة ومجتمعات فقدت كل إنسانيتها.
أما الجزء الثالث، اختصه سراج الدين للحديث حول التطرف، من حيث ظهور قوة التطرف نتيجة أنظمة الحكم الشمولية، والتوسع في تحليل الوضع الذى أدى إلى تفاقم أفكار التطرف والإرهاب وجذب كثير من الشخصيات لاعتناق هذه الأفكار، والتعمق في تحليل الظاهرة، مع الإشارة إلى أن العنف ليس وحده مجرد الأفعال السياسية العنيفة التي يقوم بها المراهقون والناضجون في الشوارع، ولكنه العنف المتغلغل في المجتمع ذاته ويشمل العنف ضد المرأة وانتهاك الطفولة، إلى جانب عنف الجريمة والعنف السياسي وعنف الدولة وعنف الإرهاب.
وتغلغل سراج الدين في البنية الاجتماعية التي تساعد على غرس بذور التطرف، والانتهاء بروشته للعلاج تتلخص في ضرورة التوصل إلى تصميم استراتيجية للعمل الثقافي من أجل نبذ العنف وتشجيع التعددية ليس عملا هندسيا دقيقا ولكنه تصميم لرؤية جماعية، وهى رؤية مستمدة من العالم كما يبدو في هذه اللحظة.
واختص الجزء الرابع بالحديث عن ديناميكية التغيير الثقافي، والإشارة إلى أنه لا يوجد مجتمع دون ثقافة، حيث تهب الثقافة المشتركة أعضاء المجتمع المعايير الاجتماعية للسلوك البشري، وانه عندما يتخذ السلوك البشري الطابع الجماعي فإنه يتحول من سلوك فردى إلى سلوك الجماعة، وتشكل التفاعلات بين أنماط السلوك مظاهر المجتمع الحى.
وفيه تطرق لمهام النخب المثقفة في القيام بدور ايجابي في مجتمعها، وضرورة أن يطور المثقفون اساسا معرفيا منظما لفهم عدد من المفاهيم الرئيسية مثل المجتمع، الثقافة، الجماعة، الهوية، الخ
وشدد على ضرورة ان يتحرك المثقفون والفنانون معا، ويمتلكوا جرأة التفكير في القضايا المحجوبة عن التفكير، وان يذهبوا إلى مساحات في الفكر خشي غيرهم الاقتراب منها حتى لا يسقطوا أنفسهم ضحايا النمط السائد من التفكير.
أما الجزء الخامس، طرح فيه سراج الدين كثيرًا من التساؤلات بشأن حدود حرية التعبير، هل يجوز جرح شعور الآخرين، والخوض في المحرمات الثلاث الدين والحكم والاخلاق، إلى جانب التطرق لإشكاليات حرية التعبير والإرهاب ووضع الأقليات.
وفيه طرح رؤية مستقبلية بشأن تعزيز دور وسائل الإعلام للقيام بدور ايجابي، مع القاء الضوء على اهمية التبادل الثقافي، والتأكيد على دور الاسرة، في القيام بدور محورى في هذا الشأن، مثل دور صلاة الجمعة والازهر الشريف، مع التطرق إلى عدد من التعريفات وتسليط الضوء عليها فيما يمر به المجتمع من تغيرات مثل الحكم الرشيد، والمجتمع المدني وتغيير الخطاب السياسي.
أما الجزء السادس والأخير فقدم بتوسع عددًا من المقترحات للارتقاء بثقافة العلم والبحث العلمي والسينما والمسرح والاهتمام بالفنون والمسابقات وخاصة في الجامعات وعدد من الافكار الايجابية التي يمكن ان تلعب دورا ايجابيا في هذا الشأن.
لذا نحن في أمس الحاجة إلى مشروع ثقافي متكامل لتغيير الأوضاع كلية، ولكن لن تنجح هذه الجهود ما لم يتم تنفيذ هذا المشروع بشكل بعيد المدي يمتد إلى القوانين والسياسات والمؤسسات، يشمل حكم القانون والحكم الرشيد، واضفاء الطابع المؤسسي على التغييرات المقترحة، بمعنى ينبغي أن تؤثر الاصلاحات الثقافية المقترحة في المؤسسات الاجتماعية السائدة في المجتمع، وتعيد التأكيد على سيادة القانون وتقلل الاعتماد على "الشخص" وتؤكد في العمل على "المؤسسات" بكل ما تعنيه "المؤسسية" من معان: قواعد العمل الواضحة، الشفافية في الادارة، الركون إلى الكفاءة، وهكذا، كذلك لابد أن تصبح عملية اصلاح الاطار الثقافي في أي مجتمع إلى حد كبير شأنا تصاعديا أي يتدفق من مساحات الابداع والتغيير على مستوى المجتمع، بدلا من كونه شانا تنازليا في شكل تعليمات سلطوية.
وأكد سراج الدين" انه لا يمكن أن نتخيل الطفرة الثقافية المرموقة إذا كانت مصر مازالت مجتمعًا لا يحترم العلم والمعرفة، ولا يقدر الخيال والإبداع، ولا يسمح للصوت المخالف والرأي المغاير بأن يعبر عن نفسه، إن هذه الأوضاع تحتاج منَّا وقفة صريحة مع أنفسنا، وبصفة خاصة مراجعة أوضاع مؤسسات الثقافة والإعلام والبحث العلمي والتعليم والتعليم العالي وإصلاحها جميعًا.