الإخوان بين الصراعات الفكرية والتنظيمية

السبت 13/فبراير/2016 - 08:56 م
طباعة الإخوان بين الصراعات
 
تابع العديد من المراقبين مايجرى داخل التنظيم الأقدم فى الحركات الإسلامية من خلافات ، بين من اعتبرهم البعض جيل قديم وأخر  جديد ضج من طريقة إدارتهم وفشلهم ، الذى أورد الجماعة المهالك وعاد بها الى الوراء لعقود ،تاركا أعضائها ما بين مقتول ومسجون ومطارد فى الداخل أو الخارج،  تحدث البعض عن إنقلاب إخوانى على القيادة المنتخبة وانقلاب على الإنقلاب ، وتراشق بين مجموعتين وصراع على المكاتب الإدارية للجماعة والمنابر والأموال وولاء القواعد الإخوانية .

الإخوان بين الصراعات
البعض إختزل الصراع فى الفجوة الجيلية بين الأعضاء ، أو فى الخلاف حول طريقة مقاومة النظام السياسى بين الثورة أو الإصلاح ، لكن الخلاف فى تقديرى أعمق بكثير مما يطرحه البعض حول الخلاف على طريقة العودة للمشهد ،سواء للفضاء السياسى أو الدعوى أو لهما معا ، فى تقديرى أن الخلاف وصل الى منهج التغيير وهل التزم الأعضاء بالخط الفكرى للجماعة ، أم أن إنحرافا فى الإستقامة على الأهداف هو الذى خلف هذه الهزيمة الشاملة ، بمعنى أخر هل الجماعة فى حقيقة أفكارها وفى منهجها تؤمن بالتغيير من خلال التوسل بالثورة والقوة والعمل المسلح كما فهم بعض أفرادها ؟ أم أن الخط الصحيح للجماعة هو الخط الهادىء السلمى المتدرج من خلال المؤسسات القائمة ، ومحاولة التسلل لها بهدوء وبدأب والتغيير من خلال امتلاك السلطة فيها 

الإخوان بين الصراعات
نحن أمام تيارين تقاسما الفشل بامتياز ، الأول قاد الجماعة منذ العام 1947 ممثلا فى النظام الخاص الذى تمرد على سلطة البنا حتى وصلت الأمور الى طرد عبدالرحمن السندى للبنا من أحد إجتماعات النظام الخاص ، وامتد عمر تلك الفئة بأفكارها وسلوكها فى مجموعة القطبيين التى ظلت تدير الجماعة من وراء ستار منذ مقتل البنا وحتى وفاة الهضيبى ، حتى ظهرت للعلن فى الخلافات بينهم وبين التلمسانى الذى لم يفلح من الخروج من قبضتهم وقبضة مصطفى مشهور،  الذى كان المرشد الفعلى للجماعة منذ وفاة الهضيبى فى العام 1973 وحتى وفاته فى العام 2002 دون أن تتراجع سلطة رجال التيار القطبى ، الذين عادوا للمشهد بشكل سافر مع نهاية ولاية محمد مهدى عاكف وظهور أحد رجالهم محمد بديع كمرشد عام للجماعة فى 2010 ، حيث شارك مع أركان مجموعته فى النزول بالجماعة الى حضيض السياسة والدعوة ، بخيارتهم فى الحكم والسياسة التى عكست خيالهم الفقير ورؤيتهم المغلقة التى قادتهم الى هذا السلوك ، منذ صعودهم فى أعقاب مشاهد يناير الى سدة الحكم سواء عبر امتلاكهم الأغلبية فى البرلمان أو جمعهم السلطة التنفيذىة مع التشريعية بوصول أحد رموزهم لحكم مصر ، على خلفية تشوه البنيان السياسى المصرى ، هذا الفريق لاشك فشل بامتياز منذ تبدت انحيازاته وطمعه فى الإستحواذ على السلطة ودخوله فى لعبة التوظيف المتبادل مع المجلس العسكرى السابق ، بدء من مشهد التعديلات الدستورية فى مارس وصولا الى مشهد النهاية بالإعلان الدستورى الذى أصدره مرسى فى 22/11/2012،  والذى كتب نهاية تجربة هذا الفريق بثورة 30/6/2013 التى كتبت تلك النهاية الشعبية التى انحاز لها الجيش المصرى ، أما الفريق الثانى من قيادة الجماعة والذى أدار الجماعة بعد فض اعتصام رابعة العدوية بدء من سبتمبر 2013 وليس فبراير 2014 كما يتصور البعض ، فقد حركته مشاعر الغضب والثأر التى فسرت سلوكه المراهق فى التعويل على العنف والصدام مع الشعب والمؤسسات ، حتى بعد رسالة فض الإعتصام القوية التى لم يفهمها هذا الفريق مراهنا على العديد من الأوهام ، قبل أن تقوده أفعاله الى الإنتحار والفشل هو الأخر،  حتى شهدنا فى الأخير مشهد  الصراع بين من تشاركوا الفشل فى إدارة الجماعة ، يتشاركون الى جانب الفشل السياسى الفشل الإخلاقى الكامل بالصراع على قمرة القيادة فى سفينة تغرق وكل منهم يدعى التمسك بقواعد السلامة التى كتبها المؤسس حسن البنا 

الإخوان بين الصراعات
الحقيقة أن كلا التيارين معذورون فى ادعاء الإلتزام بخط حسن البنا المؤسس ، حيث لايعدم كل فريق نصوصا ومواقف للبنا تؤكد سلامة موقفه وصدق تمثيله لأفكار الرجل ، الذى صمم جماعته وصك أفكارها ومقولاتها الرئيسية لتكون الحية التى تلتهم كل الحيات الصغيرة ،فهو دائما كان يتماهى مع المحيط الذى يجعله قريبا من العقول والقلوب بخطاب يغازل المزاج العام ، حين دعت ظروف التأسيس للتماهى مع المزاج السائد للشارع المصرى كان القناع المناسب هو القناع الصوفى الذى قدم نفسه وجماعته من خلاله ، باعتبارها جماعة دعوية تهتم بمكارم الإخلاق ومساعدة الناس على الإتصال بربهم والحفاظ على الأذكار والأوراد ،وعدم الإنشغال بالسياسة والإهتمام بالتزكية الفردية والجماعية وترديد الأذكار والمأثورات الفردية والجماعية ،ساهم هذا القناع فى توسع تجنيد الأعضاء الى حد كبير ، باعتبار أن هذا التدين الصوفى الهادىء هو الأقرب ولا يزال منسجما مع طبيعة الشعب المصرى ، الذى يحب أل البيت ويتبرك بالأولياء والصالحين وعندما إمتلك القلوب والعقول وتصور انه جند العدد الكافى من الأتباع ،انتقل الى خطوة التكوين بمعنى تعبئة نفوس وعقول الأتباع بحقيقة فكرته التى فصلها فى رسائله ، حيث أظهر انها فكرة سياسية تتوسل بكل الوسائل فى بلوغ أهدافها وهى الوصول الى حكم مصر مقدمة لحكم كل بلدان العالم الإسلامى ، والدعوة لعودة الخلافة كأطار سياسى لوحدة المسلمين واستدعاء الشكل الأمبراطورى القديم الذى تصور البنا نفسه من خلاله خليفة المسلمين ، وتبدى ذلك فى اختياره لنفسه لقب المرشد العام ، صارح البنا اتباعه بالقول " نحب أن نصارح الناس بغايتنا وأن نجلى أمامهم منهاجنا ، وبعد أن مهد بكثير من الكلمات المنمقة أطلق أول كلماته التكفيرية قائلا " وكل الذى نريده من الناس أن يكونوا أمامنا واحدا من أربعة ، مؤمن بدعوتنا ندعوه أن ينضم الينا ،وإما متردد نتركه لتردده ونوصيه أن يتصل بنا عن كثب ويطالع كتاباتنا ويزور أنديتنا ويتعرف الى إخواننا فسيطمئن إن شاء الله ، وكذلك كان شأن المترددين من أتباع الرسل من قبل ( تأمل المعنى أتباع الرسل من قبل ، كأنه يدعو لدين جديد أو يتهم الناس بأنهم خرجوا من الدين وعليهم أن يعودوا اليه ) وإما شخص نفعى نقول له حنانيك ليس عندنا من جزاء الا ثواب الله إن أخلصت والجنة إن علم فيك خيرا ، أما نحن فمغمورون جاها فقراء مالا والعقبة للمتقين وإما شخص متحامل ساء ظنه فينا وأحاطت بنا شكوكه وريبه فهولايرانا الا بالمنظار الأسود القاتم ولايتحدث عنا الا بلسان المتحرج المتشكك ويأبى إلا أن يلج فى غروره ويسدر فى شكوكه ويظل مع أوهامه "- 
بيان واضح فى اعتقاد البنا أنه يمثل واتباعه جماعة المسلمين التى يجب ان يكون الناس فى مواجهتها بين عضو أمن بما تطرحه فعليه أن يلحق بها ، أو متردد سرعان ما سيزول تردده ويلحق بها وإما نفعى لاتشغله الدعوة ولا الأخلاق ، فهذا لانفع فيه وإما متحامل على دعوة الحق لامجال لنصحه ، انتهت أصناف الناس الرجل يطرح ما يطرحه باعتباره صحيح الدين الذى يجب أن يستقيم الناس عليه لا صيغة تدين فهو يرى الإيمان بالدين إيمانان يقول " والفرق بيننا وبين قومنا بعد إتفاقنا فى الإيمان بهذا المبدأ يعنى الإسلام أنه عندهم إيمان مخدر نائم فى نفوسهم لايريدون أن يتزلوا على حكمه ولا أن يعملوا بمقتضاه ، على حين أنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ فى نفوس الإخوان المسلمين " يزكى الرجل أفكاره وجماعته دون مواربة ويعتبرهم الفئة المنصورة هذا التصور راسخ فى نفوس كل الإخوان ، إنهم أمناء الأرض على منهج السماء دعاة الحق فى مواجهة كل باطل وحين يهيأ نفوس الأتباع أنهم كذلك رسل العناية الربانية المستخلفون فى الآرض لتحقيق الخلافة والعمران ، وحين تتجه نفوس بعضهم الى السياسة ونفوس أخرين الى الدعوة واخرين الى العمل يقول لهم فى بيان طبيعة فكرته 

الإخوان بين الصراعات
"أيها الإخوان بل أيها الناس أجمعون لسنا حزبا سياسيا ، وان كانت السياسة على قواعد الإسلام من صميم فكرتنا ولسنا جمعية خيرية إصلاحية وإن كان عمل الخير والإصلاح من اعظم مقاصدنا ، ولسنا فرقا رياضية وإن كانت الرياضة البدنية والروحية من اهم وسائلنا ، لسنا شيئا من هذه التشكيلات فإنها جميعا تبررها غاية موضعية محدودة لمدة معدودة ... ولكننا أيها الناس فكرة وعقيدة ونظام ومنهج .. نحن أيها الناس ولا فخر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملة رايته من بعده ورافعوا لوائه كما رفعوه وناشروا لوائه كما نشروه ... أيها الإخوان هذه منزلتكم فلا تصغروا أنفسكم فتقيسوا انفسكم بغيركم " وحين تصاغ نفوس الإخوان على هذا النحو تتملكهم روح الإستكبار على غيرهم والتى سماها قطب الإستعلاء بالإيمان ، ولا أفهم ماهذا الإيمان الذى يدعو صاحبه للإستعلاء على الخلق ! وحين تستعلى على الناس وتتعزز قطيعتك معهم تنشأ العداوة التى تستدعى الصراع والنزال وهو ما يوضحه البنا بقوله " متى تكون خطوتنا التنفيذية أيها الإخوان المسلمون ... وفى الوقت الذى يكون فيه منكم معشر الإخوان المسلمين ثلاثمائة كتيبة قد جهزت كل منها نفسها روحيا وفكريا وجسميا ، فى هذا الوقت طالبونى أن أخوض بكم لجج البحار واقتحم بكم عنان السماء واغزو بكم كل عنيد جبار فإنى فاعل ان شاء الله "  وفى موضع أخر وتحت نفس المعنى لكن بشكل أوضح يقول "ويتساءل كثير من الناس هل فى عزم الإخوان المسلمين أن يستخدموا القوة فى تحقيق أغراضهم والوصول الى غايتهم ؟ وهل يفكرون فى إعداد ثورة عامة على النظام السياسى أو النظام الإجتماعى فى مصر ؟ ولاأريد أن أدع هؤلاء المتسائلين فى حيرة .... إن الإخوان المسلمين سيستخدمون القوة العملية حيث لايجدى غيرها ، وحيث يثقون أنهم قد استكملوا عدة الإيمان والوحدة الغريب أنه يختم الفقرة بالقول وأما الثورة فلا يفكر الإخوان المسلمون فيها ولا يعتمدون عليها ولا يؤمنون بنفعها ونتائجها " ما يبدو انه تناقض فى فقرة واحدة من كلامه مقصود فالرجل يطرح صيغا غامضة متناقضة تتيح له ولأتباعه الإحتجاج بالشىء وضده ، مادام فى صالح تحقيق الهدف الأسمى وهو الوصول للحكم لذا لا تستغرب حين تجده يقول بعدها " وعلى هذا فالإخوان أعقل وأحزم من أن يتقدموا لمهمة الحكم ونفوس الأمة على هذا الحال ، فلابد من فترة تنتشر فيها مبادىء الإخوان وتسود ويتعلم الشعب كيف يؤثر المصلحة العامة على المصلحة الخاصة " 

كل الصيغ فى كلام الرجل تصلح لأن يستشهد بها فريق من الأتباع ، من يؤمن بالعنف سيجد من نصوص كلامه ما يدعمه ، ومن يؤمن بالتدرج والصبر والتقية سيجد ما يؤيد موقفه ، لذا هذا الصراع بين فريقين هو نتاج هذا التاقض والإزدواج فى أفكار الرجل وهو مقصود فقد تكفلت براعته الحركية والتنظيمية فى قمع هذه الأفكار وتناقضاتها وصهرها فى بوتقة التنظيم المحكم ، الذى تراجعت لياقته بفعل الفشل السياسى والأخلاقى ثم الضربات الأمنية التى تعرض لها ، وحين اختفت البوتقة والسياج الواقى ظهرت الخلافات التى ستتعاظم وسينضجها الجدل الى شق فكرى كامل  بعد أن حدث واتسع الشق التنظيمى ، الذى قد يؤشر لتشظى  كبير بعد الإنقسام فحقيقة أفكار الجماعة انها بلا مشروع فكرى حقيقى ، وهذا مقتلها الحقيقى أما امتداد عمرها لكل هذه العقود فكان بفعل صيغة تنظيمية بارعة فقدت قوتها وتأثيرها بدليل من نراه من مشاهد الصراع .

( أحمد بان - مجلة آفاق سياسية - العدد 26 فبراير لسنة 2016 )

شارك