"بوكو حرام".. استراتيجية التمدد والانحسار في غرب إفريقيا
الخميس 18/فبراير/2016 - 03:19 م
طباعة

حركة "بوكو حرام" المصنفة دوليًّا كأحد أخطر التنظيمات الإرهابية، أصبحت في السنوات الأخيرة تشكل تهديدًا حقيقيًّا لأمن منطقة غرب ووسط إفريقيا، لا سيما بعد مبايعتها لما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية "داعش".
مواجهة دامية

وعلى صعيد المواجهات بين دول غرب إفريقيا وجماعة "بوكو حرام" الإرهابية، أعلنت حكومة الكاميرون عن تصفية 162 مسلحًا من جماعة "بوكو حرام" المتشددة، في عملية عسكرية للجيش الكاميروني شمال شرقي نيجيريا الأسبوع الماضي، بينما قتل جنديان.
كما حررت وحدات خاصة في الجيش النيجيري أكثر من 350 رهينة لدى جماعة "بوكو حرام" المتطرفة في نيجيريا.
وقال المتحدث باسم الجيش، ساني عثمان: "إن الجنود مشطوا نحو 15 قرية في إقليم بورنو بحثًا عن مخابئ للأصوليين، ودمروا العديد من المعسكرات".
وأضاف المتحدث أن من بين الرهائن المحررين خمس فتيات تم اختطافهن من الكاميرون.
وذكر المتحدث أن عملية التحرير أسفرت عن مقتل خمسة من مقاتلي التنظيم واعتقال اثنين آخرين.
ارتفاع عمليات "بوكو حرام"

ومنذ أن تولى الرئيس النيجيري محمدو بوخاري، منصبه في مايو عام 2015، كثفت القوات المسلحة النيجيرية عملياتها في شمال شرق البلاد، وقامت بطرد الجماعة من المدن التي استولت عليها، وهو ما أدى إلى عودة بوكو حرام إلى أساليبها القديمة للحرب غير المتكافئة وشن هجمات متفرقة ضد المدنيين. وسجلت قوات الأمن النيجيرية 2608 حالة وفاة على يد "بوكو حرام" منذ يونيو عام 2015 حتى يناير 2016.
تمتلك جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة في نيجيريا ما بين 4 إلى 6 آلاف مقاتل متشدد، حسبما نقل عن مسئولين بالاستخبارات الأمريكية "سى آي أيه."
وتخوض بوكو حرام صراعًا عسكريًّا داميًا منذ سنوات مع الحكومة النيجيرية بهدف "إنشاء دولة إسلامية" في شمال شرق البلاد، منذ أن تحولت الحركة في عام 2009 من حركة أيديولوجية متطرفة إلى تنظيم دموي، وإلى طائفة متمردة تفضل نشر الإرهاب من خلال المجازر العشوائية والتفجيرات الانتحارية المتفرقة وعمليات الخطف الجماعي، وعبر ترهيب الناس في شمال نيجيريا، تمكنت الجماعة من استنزاف الموارد الحكومية وفضح نقاط الضعف في مؤسسات الدولة.
وقد استفادت الجماعة في حملة العنف التي تشنها من تعقيدات وهشاشة المشهد السياسي في البلاد، إلى جانب مجموعة متنوعة من الجهات الفاعلة والمصالح المتشابكة.
ولكن التوسع والسيطرة على الأراضي خارج شمال شرق نيجيريا أدى إلى تحالف دولة المنطقة في مواجهة التنظيم الإرهابي الأبرز في القارة الإفريقية.
وأسفرت الهجمات التي تشنها الجماعة منذ عام 2009 عن مقتل 14 ألف شخص على الأقل.
تحالف ضد "بوكو حرام"

بعد أن توسعت "بوكو حرام" في عملياتها، لتمتد إلى تشاد والنيجر والكاميرون- انخرطت الدول المحيطة بنيجيريا في تحالف إقليمي للقضاء على جماعة "أبو بكر شيكاو" في محاولة لتضييق الخناق عليها. وحققت العمليات العسكرية على "بوكو حرام" مكاسب ميدانية كبيرة حَجَّمَت من تمدد الحركة بدول غرب إفريقيا.
فقد تم إنشاء فريق عمل مشترك متعدد الجنسيات يتألف من 8700 جندي من هذه الدول إلى جانب البينين، لكن ضعف التنسيق الاستخباراتي فيما بينها جعل العمليات المشتركة هشة وعديمة الجدوى.
فقد قامت دول إقليم غرب إفريقيا مثل: ليبيريا، النيجر، ساحل العاج، مالي. بنشر ما يقرب من 12 ألف من حشودها العسكرية في إطار مجموعة مراقبة وقف إطلاق النار لمنظمة الإيكواس، وقامت بإنفاق 10 مليار دولار وتعهدت بتقديم 34 مليار دولار لنشر حشود ودعم لوجيستي لدعم البعثة الدولية الإفريقية في مالي (AFISMN)، كما التزمت بتقديم 5 مليار دولار كمساعدات إضافية للمساهمة في استعادة الاستقرار في مالى، إلا أن قدرة نيجيريا قد تآكلت نتيجة لمواجهتها العسكرية مع "بوكو حرام".
ويمثل وضع نيجيريا الحالي مشكلة خطيرة بالنسبة لمنظمة الإيكواس، بعد أن أصبحت نيجيريا مصدرًا للفوضى في الإقليم، تتمثل في تصدير موجات من اللاجئين والإرهاب. كما أصبحت الإيكواس تفتقد دور الموازن الإقليمي الأمني الذي كانت تلعبه نيجيريا.
وتبنت الإيكواس إعلانًا سياسيًّا وموقفًا جماعيًّا ضد الإرهاب عام 2013، لتوفير استراتيجية إقليمية لمكافحة الإرهاب وتنفيذ خطة لمساعدة الدول الأعضاء على محاربته، إلا أن الإيكواس تواجه دعمًا محدودًا في مواجهة الإرهاب؛ لأن تمويل أنشطتها مرتبط بأجندة المانحين الأجانب. وقد قامت نيجيريا بتوقيع اتفاقيات أمنية وأنشأت قوات متعددة مع دول حوض بحيرة تشاد منذ عام 1988، ومنحت هذه القوات تفويضًا في أبريل 2012 لمحاربة أنشطة "بوكو حرام" الإرهابية. وقد طالب الاتحاد الإفريقي من الأمم المتحدة إصدار قرار يمنح القوات الإفريقية صلاحية التدخل في نيجيريا للقتال ضد "بوكو حرام"، كما دعا الاتحاد الإفريقي إلى استحداث صندوق لدعم القوة الإفريقية.
وحتى الآن، يبدو أن الدول المجاورة لنيجيريا مشغولة بالقضاء على "بوكو حرام" في عقر دارها قبل أن تجد طريقًا لها إلى مجتمعاتهم، وفي الوقت الذي تسعى فيه نيجيريا إلى تعزيز العملية العسكرية المشتركة، وكل ما من شأنه أن يسفر عن تعاون حقيقي.
"بوكو حرام" و"داعش"

وفي نيجيريا تعهدت حركة "بوكو حرام" في مارس 2015 بالولاء لـ"داعش" الذي يعمل في مساحات شاسعة من الأراضي في نيجيريا وتشاد والنيجر وشمال الكاميرون، مستغلةً محدوديةَ قدرات تلك الدول وحالات عدم الاستقرار المتفشية في بعض مناطقها.
لا يزال غير واضح كيف ستلائم بوكو حرام ديناميكياتها الأساسية بعد الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية، وتلقيبها بـ"الدولة الإسلامية ولاية غرب إفريقيا". لكن ذلك، لا يعني هذا أن التوافق الأيديولوجي بين "بوكو حرام" وأخطر جماعة إرهابية في العالم، ما يسمى بتنظيم الدولة الإسلامية، هو بمثابة إقامة شبكة إرهابية عالمية ناجحة، ولكن لا يجب الاستهانة بذلك. فهذه الصداقة الأيديولوجية هي نوع من الانتهازية التكتيكية لـ"بوكو حرام"، والتي تسمح لها بعرض رؤيتها وعملياتها بهدف جذب الموارد المالية وغير ذلك، من المستثمرين الدوليين في الجهاد العالمي من خلال الوسائل العنيفة.
3 عقابات

من جانبه قال موقع أفريكان آريجمنتس: "إن "بوكو حرام" إحدى المجموعات الإرهابية التي أصبحت معروفةً عالميًّا". مضيفًا أن هناك ثلاثة أسباب مهمة ترتبط بصعوبة نجاح المخابرات في الوصول إلى مخابئ تلك الجماعة وأماكن تدريبهم.
الأول هو أن تلك المجموعة لديها نظام محكم للغاية للحفاظ على السيطرة على مقاتليها وتجنيدهم، كما لدى "بوكو حرام" تاريخ كل مجند ينضم إلى صفوفهم وهم يعرفون جيداً قصة عائلات مجنديهم، وعلاقاته مع الناس في المناطق الأساسية، وعلى عكس ما يسمى بتنظيم داعش، فإنهم لا يسمحون لأي شخص من المقاتلين بالانشقاق، وهذا يجعل من الصعب بشكل كبير لقوات الأمن التسلل لصفوفهم على أي مستوى.
مقاتلو "بوكو حرام" يسيطرون أيضًا على أرض المعركة؛ لأن معظمهم من الشباب الذين ليسوا ملتزمين عقائديًّا، ولكن قبلوا بالارتباط بالجماعة إما من أجل المال أو أجبروا على القتال على أيدي خاطفيهم، وقد يصبح هؤلاء المجندون بسهولة مجرد مخبرين، ولكنهم يعرفون القليل جدًّا عن كيفية الهرب أو التجسس، كذلك فالقيادة داخل الفصائل المتباينة في كثير من الأحيان في "بوكو حرام" تميل إلى أن تكون متماسكة جدًّا، وعلى الرغم من الجهود الجبارة التي تبذلها أجهزة الاستخبارات، إلا أنهم لا يستطيعون اختراق تلك المجموعة الإرهابية.
السبب الثاني هو صعوبة الحصول على المعلومات، فالبنية الداخلية لـ"بوكو حرام" مغلقة جدًّا، بل تكاد تكون تلك المجموعة يحتفظون بأوراقهم داخل صدورهم ولا يأمنون أقرب الأقربين إليهم؛ لذا تبقى جهود المخابرات كالباحث في كومة قش عن إبره، فالمخبرين يعرفون جيدًا المخاطر الكبيرة التي ترتبط بتسريب المعلومات، ويدركون أن أعضاء "بوكو حرام" من المرجح أنهم يراقبون الجدد بعين الشك.
أما السبب الثالث والأخير حسب الموقع، فإن الحصول على معلومات موثوقة عن "بوكو حرام" شيء صعب للغاية، بل إن أنشطة المجموعة شيء سري للغاية توضع معلوماته تحت الحراسة المشددة.
من جانبه أفاد مركز تشاتام هاوس للدراسات أن حركة "بوكو حرام" متجذرة في الداخل النيجيري، لا سيما من خلال الجرائم التي ارتكبتها محليًّا. ولكن يبدو أن الجماعة لا تتبنى نهج الدولة الإسلامية الرامي إلى السيطرة على المزيد من الأراضي، ولا على مستوى اعتماد الدعاية الناعمة، أو الانخراط في هجمات مباشرة على أهداف غربية. إذ ما زال هدف "بوكو حرام" الأساسي هو إضعاف الدولة النيجيرية وتقويض التماسك الوطني بكل الوسائل الممكنة.
"بوكو حرام".. المشهد الآن

سيطرة الحركة على الأراضي في شمال شرق نيجيريا من شأنه تدعيم وجود الجماعة كفرع لـ"داعش" في غرب إفريقيا، ويرفع من مستوى جاذبيتها لمتطرفين ومتشددين إسلاميين في المنطقة، بما في ذلك المتواجدون في مناطق الصراعات على غرار دول مثل في السودان والنيجر ومالي وليبيا، وهو ما يشكل تهديدات خطيرة لدول المنطقة، خاصة منطقة غرب إفريقيا.
ولكن توسع "بوكو حرام" إقليميًّا لم يستمر، واضطرت الجماعة إلى تكييف طموحاتها بكثير من الانتهازية. وفي الوقت الذي يواصل فيه داعش توسيع مساحاته للوصول إلى أجزاء من شمال ليبيا، تراجعت مكاسب بوكو حرام الإقليمية التي حقتقها عبر عدة بلدات تقع في الشمال الشرقي نتيجة لعمليات مكافحة التمرد التي يشنها الجيش النيجيري رفقة الحلفاء الإقليميين.
وعمومًا، فإن تهديد "بوكو حرام" للغرب لا يزال غير مباشر. ولكن الاستمرار في تحدي وحدة واستقرار أكبر دول إفريقيا من حيث عدد السكان وحجم الاقتصاد، سيؤدي إلى موجة نزوح غير مسبوقة لـ2.2 مليون شخص، فضلًا عن الانعكاسات الاقتصادية، والاجتماعية، والبيئية على المدى الطويل، بالنسبة للمنطقة برمتها. ومن الواضح أن الجماعة قادرة على الضغط على التقدم الذي تحقق بشق الأنفس في المنطقة.