وقف الهبة السعودية للبنان.. القرار والنتائج

السبت 20/فبراير/2016 - 01:37 م
طباعة وقف الهبة السعودية
 
قررت المملكة العربية السعودية إيقاف مساعداتها للجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي، في خطوة مثيرة للانتباه تعكس مدى غضب الرياض من مسلك الدبلوماسية اللبنانية في تعاطيها مع ملفات المنطقة، والأهم تحويل حزب الله لبنان إلى منبر لكيل الهجمات ضدها.

قرار سعودي

قرار سعودي
أعلنت السعودية أمس، إيقاف المساعدات العسكرية لتسليح الجيش اللبناني، وقدرها ثلاثة مليارات دولار، وأيضًا إيقاف ما تبقى من المساعدة المقررة بمليار دولار التي خصصت للقوى الأمنية والعسكرية، مشيرة إلى أن الرياض بذلت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني.
وأكد مصدر سعودي مسئول لوكالة الأنباء السعودية "واس" الجمعة أن السعودية ستوقف مساعداتها لتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبناني، "نظرًا للمواقف اللبنانية التي لا تنسجم مع العلاقات الأخوية بين البلدين".
وأضاف المصدر المسئول أنه "في ظل هذه الحقائق فإن المملكة قامت بمراجعة شاملة لعلاقاتها مع الجمهورية اللبنانية، بما يتناسب مع هذه المواقف ويحمي مصالح المملكة، واتخذت قرارات منها:
أولًا: إيقاف المساعدات المقررة من المملكة لتسليح الجيش اللبناني عن طريق الجمهورية الفرنسية، وقدرها ثلاثة مليارات دولار أمريكي.
ثانيًا: إيقاف ما تبقى من مساعدة المملكة المقررة بمليار دولار أمريكي المخصصة لقوى الأمن الداخلي اللبناني.
وأضاف المصدر أن "المملكة العربية السعودية، وقد عملت كل ما في وسعها للحيلولة دون وصول الأمور إلى ما وصلت إليه، لتؤكد في الوقت ذاته وقوفها إلى جانب الشعب اللبناني الشقيق بكافة طوائفه، وأنها لن تتخلى عنه وستستمر في مؤازرته، وهي على يقين بأن هذه المواقف لا تمثل الشعب اللبناني الشقيق".
واختتم المصدر تصريحه بأن السعودية "تُقدر المواقف التي صدرت من بعض المسئولين والشخصيات اللبنانية، بما فيهم دولة رئيس الوزراء السيد تمام سلام والتي عبّروا من خلالها عن وقوفهم مع المملكة وتضامنهم معها، وتعرب عن اعتزازها بالعلاقة المميزة التي تربط المملكة العربية السعودية بالشعب اللبناني الشقيق، والتي تحرص المملكة دائمًا على تعزيزها وتطويرها".
وأيدت الإمارات الإعلان السعودي، وأكدت أن القرار اللبناني الرسمي بات مختطفًا ضد مصلحة لبنان ومحيطه العربي. كما أيدت البحرين القرار السعودي.
وحصل الجيش اللبناني على دفعة من الأسلحة بمقتضى الاتفاق السعودي الفرنسي، فيما حصل لبنان أيضا على نصف المبلغ من هبة المليار دولار.
والدعم السعودي للبنان لم يقف عند الجانب المالي ومساندة المؤسسات الأمنية والعسكرية، بل أيضًا سجل على الصعيد السياسي على مدى عقود طويلة ولعل اتفاق الطائف الذي هو بمثابة دستور للبنان خير شاهد على ذلك.
وكان من المتوقع أن تتخذ الرياض هذا الإجراء اللافت، بعد قرارها، قبل أيام قليلة بإقفال فرعي البنك الأهلي السعودي.
والبنك الأهلي السعودي، هو أحد أكبر البنوك السعودية والمعتمد في معظم المعاملات الحكومية في لبنان.

دعم عربي

دعم عربي
أثار القرار السعودي، والتأييد الإماراتي والبحريني، بـ«مراجعة العلاقات مع لبنان» والتي تمثل أول مفاعيلها بقرار وقف المساعدات الأمنية والعسكرية، ردود فعل «تفهمت القرار» وحملت «حزب الله» وحليفه وزير الخارجية جبران باسيل مسئولية الأزمة التي ستنشأ عن القرار الخليجي، فيما رفض الحزب تحميله مسئولية القرار، معتبرًا أنه «متخذ منذ زمن طويل».
وأيّدت وزارة الخارجية والتعاون الدولي في الإمارات ووزارة خارجية البحرين قرار السعودية وقف مساعدات تسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن.
وأيّدت الإمارات «إجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع لبنان ووقف مساعداتها بتسليح الجيش اللبناني وقوى الأمن الداخلي اللبنانية على خلفية المواقف الرسمية للبنان في المحافل العربية والإقليمية في الآونة الأخيرة، وآخرها عدم ادانة الاعتداء الإيراني على سفارة وقنصلية المملكة في إيران».
وأضافت الخارجية: «إن دولة الإمارات تدعم وبشكل كامل قرار المملكة العربية السعودية الشقيقة بإيقاف المساعدات المقررة للجيش اللبناني وقوى الأمن اللبنانية، داعية لبنان واللبنانيين في الوقت ذاته إلى إعادة لبنان إلى محيطه العربي بعيدًا من التأثيرات الإيرانية التي يتبناها ما يسمى بحزب الله».
من جهتها، أعربت مملكة البحرين عن «تأييدها التام لقرار المملكة بإجراء مراجعة شاملة للعلاقات مع لبنان ووقف مساعداتها بتسليح الجيش وقوى الأمن الداخلي»، مؤكدة أن «هذا القرار جاء جراء المواقف الرسمية والمتكررة للبنان التي تتناقض تماماً مع المصلحة العربية وتشكل خرقًا للإجماع العربي ولا تنسجم أبدًا مع ما تحظى به الجمهورية اللبنانية من دعم كبير من قبل المملكة العربية السعودية وجميع دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية».
وأكّدت البحرين أنّ «قرار المملكة يعكس حرصاً كبيراً على الشعب اللبناني الشقيق لكي لا يكون أسيرًا لإملاءات من قبل أطراف خارجية ولهيمنة حزب الله الإرهابي الذي بات متحكمًا في القرار الرسمي للبنان ويقوم بتوجيهه على نحو مخالف لمصالح الشعب اللبناني وارتباطه الأصيل بمحيطه العربي».
وإذ ثمّنت البحرين القرار «في اعتباره خطوة ضرورية، فإنها تتطلع إلى أن تعيد الجمهورية اللبنانية حساباتها وتراجع مواقفها وتردع حزب الله الإرهابي وتوقف ممارساته المرفوضة، وتنتظم مرة أخرى بالصف العربي؛ حتى لا تكون ثغرة ونقطة ضعف للأمة العربية في وقت يتطلب حشد كل الطاقات العربية وتقوية منظومة العمل العربي المشترك وتوحيد المواقف والرؤى؛ كي يتجاوز الجميع هذه المرحلة الصعبة والدقيقة التي تمر بها المنطقة، ومن أجل التغلب على كافة التهديدات التي تواجه الدول العربية وتحقيق تطلعات شعوبها في الأمن والسلم والاستقرار وفق أسس قوية وراسخة». 

صدمة لبنانية

صدمة لبنانية
وأثار القرار السعودي المفاجئ موجة من ردود الفعل في لبنان، جاءت في غالبيتها الساحقة متفهمة للموقف، ومحملة «حزب الله» وحلفاءه المسئولية عنه،
وقال الرئيس السابق للجمهورية ميشال سليمان، الذي كان عراب الهبة السعودية الكبرى للجيش اللبناني لـ«الشرق الأوسط»: إن «هناك أيادي عملت سابقا على شطب إعلان بعبدا، وتعمل حاليًا على الإضرار بالمصالح اللبنانية في الخارج».
وأبدى الرئيس سليمان أسفه لحالة «سوء الفهم التي أوصلت إلى ما أوصلت إليه من خلال عدم التصرف بحكمة مع قضايا عربية، كان يجب على لبنان أن يكون من صلب المدافعين عنها، كما كان دائمًا رائدًا في الدفاع عنها».
من جهته تمنى رئيس الحكومة تمام سلام «إعادة النظر بالقرار الخاص بوقف المساعدات»، وأعلن رئيس الحكومة الأسبق سعد الحريري أنه «يتفهم القرار»، آملًا من السعودية معاملة لبنان «معاملة الأخ الكبير لأخيه الصغير».
وأصدر رئيس مجلس الوزراء تمّام سلام بيانا أعلن فيه أنه تلقى «بكثير من الأسف قرار المملكة العربية السعودية المفاجئ القاضي بإيقاف المساعدات المخصّصة لتسليح وتجهيز الجيش وقوى الأمن الداخلي». 
وقال سلام: «إننا ننظر إلى هذه الخطوة باعتبارها أولاً وأخيرًا شأنًا سياديا تقرّره المملكة العربية السعودية وفق ما تراه مناسبًا، على الرغم من أننا ما كنّا نريد أن تصل الأمور إلى ما يخالف طبيعة العلاقات التاريخية بين لبنان وبلاد الحرمين، التي نحرص على إبقائها علاقات أخوة وصداقة ومصالح مشتركة ونسعى دائما لتنزيهها عن الشوائب». 
وأضاف: «إن الأمانة تقتضي القول إن للمملكة العربية السعودية مكانة كبيرة في وجدان اللبنانيين، الذين يعرفون تمامًا مواقفها التاريخية الداعمة لهم وحرصها الدائم على كلّ ما يعزز أمن لبنان واستقراره ووحدته»، مشددًا على أن لبنان، العربي الهوية والانتماء، حريص أشدّ الحرص على علاقاته الأخوية مع أشقائه العرب وبخاصة مع المملكة العربية السعودية. ونحن نعتبر أن أي ضيم يصيب إخواننا في المملكة أو في باقي أنحاء الخليج العربي إنّما يصيبنا في الصميم. وختم قائلًا: «إننا، إذ نعبّر عن أسمى آيات التقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز وإخوانه في القيادة السعودية وأبناء الشعب السعودي الكريم، نتمنى إعادة النظر بالقرار الخاص بوقف المساعدات عن جيشنا وقواتنا الأمنية».
وصدر عن الرئيس الحريري بيان رأى فيه أن هذه الخطوة «غير مسبوقة من المملكة، ردًا على قرارات متهورة بخروج لبنان على الإجماع العربي، وتوظيف السياسة الخارجية للدولة اللبنانية في خدمة محاور إقليمية، على صورة ما جرى مؤخرًا في الاجتماع الأخير لوزراء الخارجية العرب واجتماع الدول الإسلامية».
وقال الحريري: «إن لبنان لا يمكن أن يجني من تلك السياسات، التي أقل ما يمكن أن يقال فيها بأنها رعناء، سوى ما نشهده من إجراءات وتدابير تهدد في الصميم مصالح مئات آلاف اللبنانيين، الذين ينتشرون في مختلف البلدان العربية، ويشكلون طاقة اقتصادية واجتماعية، يريد البعض تدميرها، تنفيذًا لأمر عمليات خارجي». وأضاف «أن المملكة العربية السعودية، وإلى جانبها كل دول الخليج العربي، لم تتأخر عن دعم لبنان ونجدته في أصعب الظروف، والتاريخ القريب والبعيد يشهد على ذلك في كل المجالات والقطاعات، فيما ينبري حزب الله وأدواته في السياسة والإعلام، لشن أقذع الحملات ضدها، مستخدمة كل ما تنوء به الأخلاق وموجبات الوفاء والعرفان، للنيل من المملكة ورموزها. إن كرامة المملكة وقيادتها هي من كرامة اللبنانيين الشرفاء، الذين لن يسكتوا على جريمة تعريض مصالح لبنان واللبنانيين للخطر، وإذا كان هناك من يفترض أن لبنان يمكن أن يتحول في غفلة من الزمن، إلى ولاية إيرانية فهو واهم، بل هو يتلاعب في مصير البلاد ويتخذ قرارًا بجر نفسه والآخرين إلى الهاوية».
 وختم قائلًا: «إننا مع تفهمنا التام لقرار المملكة العربية السعودية، وإدراكنا لحجم الألم الذي وقع على الأشقاء السعوديين، عندما استنسب وزير الخارجية، أن يتخذ قرارًا يجافي المصلحة اللبنانية والإجماع العربي، نتطلع إلى قيادة المملكة؛ لأن تنظر إلى ما يعانيه لبنان بعين الأخ الكبير. ونحن على يقين، بأنها، وكما ورد في البيان الصادر عن مصدر مسئول، لن تتخلى عن شعب لبنان مهما تعاظمت التحديات واشتدت الظروف».
واعتبر رئيس حزب «القوات» سمير جعجع أن حزب الله يتحمّل مسئولية خسارة لبنان مليارات الدولارات من جراء تهجمه الدائم على السعودية. ورأى أن على الحكومة الالتئام فورًا واتخاذ التدابير اللازمة، والطلب رسميًّا من حزب الله عدم التعرض للسعودية من الآن فصاعدا، أو لجهة تشكيل وفد رسمي برئاسة رئيس الحكومة تمام سلام لزيارة السعودية والطلب منها بإعادة العمل بالمساعدات المجمّدة.
وطالب النائب مروان حمادة، تعقيبًا على ما آلت إليه العلاقات السعودية- اللبنانية: «باستقالة الحكومة فورًا، لكف يد وزير الخارجية فيما يتعلق بعلاقاتنا العربية وبمصالح لبنان الحيوية، التي أضر بها رغم المناشدات والتحذيرات المستمرة من زملائه في الحكومة ومن معظم القوى السياسي اللبنانية». 
وقال حمادة: «إن حكومة لا تحترم بيانها الوزاري الذي ينص على النأي بالنفس عن النزاعات العربية والإقليمية، تغطي فعلًا أفعال حزب الله الإجرامية على الأرض السورية وإساءاته المستمرة لعلاقاتنا العربية». 
وأضاف: «أن تتحول هذه الحكومة إلى حكومة تصريف أعمال أفضل بكثير من استمرارها في توريط لبنان ضد رغبة رئيسها ومعظم أعضائها، كونها تتلطى بغطاء الشرعية الدستورية».

رد "حزب الله"

رد حزب الله
وفي المقابل رفض «حزب الله» تحمل مسئولية القرار، قائلا: «إن المسئولين المعنيين في الحكومة والوزرات المختصة والمؤسسة العسكرية وإدارات القوى الأمنية كانوا على إطلاع تام بأن هذا القرار قد اتخذ منذ فترة طويلة، وهذا أمر متداول على نطاق واسع وترددت أصداؤه عدة مرات في كثير من وسائل الإعلام المحلية والعالمية. كما أدت الأزمة المالية إلى إجراءات تقشف غير مسبوقة داخل السعودية وإلى وقف الالتزامات المالية مع كثير من الشركات السعودية والعالمية وإلى إيقاف العديد من العقود والاتفاقات ومن بينها تندرج خطوة وقف تمويل الصفقات المفترضة لدعم الجيش اللبناني».

لماذا القرار؟

لماذا القرار؟
ورأى محللون أن مثل هذا القرار ستعقبه المزيد من الإجراءات الأخرى، في ظل استمرار تجاوزات حزب الله وسيطرته على مفاصل القرار في هذا البلد.
وتجاوزات حزب الله لم تقف عند أعتاب التدخل العسكري في سوريا كما البحرين واليمن وما يعنيه ذلك من ارتدادات على لبنان، وتحوله إلى ناطق رسمي باسم إيران في المنطقة، بل تعدتها إلى التحكم في السياسة الخارجية اللبنانية عبر التحالف الاستراتيجي القائم بينه والتيار الوطني الحر الذي يملك حقيبة الخارجية ممثلا في جبران باسيل.
وقد امتنع باسيل الشهر الماضي عن التصويت على قرار يطالب إيران بـ "وقف دعم الميليشيات والأحزاب المسلحة داخل الدول العربية، واعتبار ذلك تهديدا للأمن القومي العربي"، يأتي ذلك رغم تأكيد مجلس وزراء الخارجية العرب خلال اجتماعه بالقاهرة على تضامنه "الكامل مع السعودية في مواجهة الأعمال العدائية والاستفزازات الإيرانية".
وكان الاجتماع قد عُقد على خلفية الأزمة بين طهران والرياض، في أعقاب إعدام رجل الدين الشيعي السعودي، نمر باقر النمر، بتهمة "الإرهاب"، وما تبعه من "اعتداءات" استهدفت السفارة السعودية في طهران، والقنصلية التابعة لها في مدينة "مشهد" الإيرانية.
ورفضت الخارجية اللبنانية، الربط بين حزب الله اللبناني والإرهاب، وذلك في سياق تعليق جبران باسيل، على القرار المتضامن مع السعودية ضد الاعتداءات الإيرانية.
ويخشى المناوئون للأجندة الإيرانية في لبنان، أن تستغل طهران خطوات المملكة السعودية، والتي يمكن أن تعقبها إجراءات أخرى، لصالح تكريس نفوذها في هذا البلد، ومزيد عزله عن الساحة العربية.

المشهد الآن

المشهد الآن
قرار السعودية بوقف الدعم عن لبنان، هو قرار متوقع منذ فترة طويلة مع مواقف حزب الله في الداخل اللبناني وخروج بيروت عن اجماع اغلب العواصم العربية بموقف موحد ضد سياسة إيران في المنطقة.. القرار قد يتبعه قرارات أخرى من قبل الرياض تجاه بيروت، ولكن هذه القرار قد يؤدي إلى فرصة سانحة لإيران بالاستحواذ على لبنان في ظل وجود تحرك قوي من قبل طهران للسيطرة على القرار اللبناني مع وجود حزب الله وحلفائه، الذين يعتبرون حجرة عثرة في تحركه، وانفراجة في الشأن اللبناني.. نتائج وقف الدعم السعودي لن تقف عند الجيش اللبناني، ولكن قد تتسع نتائجه إلى أبعد من ذلك بكثير.

شارك