حرب دبلوماسية مستمرة بين موسكو وأنقرة لحسم الصراع السوري

السبت 20/فبراير/2016 - 07:30 م
طباعة حرب دبلوماسية مستمرة
 
سخونة المعارك الدبلوماسية بين موسكو وأنقرة لا تقل عن حدة المعارك العسكرية المسلحة في الأراضي السورية، حيث تخوض روسيا حربا دبلوماسية شرسة ضد مساعي تركيا في شن حرب برية داخل سورية بتوافق سعودي خليجي، في مقابل رفض تام من موسكو، والتمسك بموافقة حكومة دمشق أولا على هذه المحاولات قبل نشر هذه القوات البرية التي ستوجه إلى مواجهة الجيش السوري وداعش كما تفعل المعارضة المسلحة التي توصف بالمعتدلة، وقدمت موسكو مشروع قانون لمجلس الأمن لحماية السيادة السورية ومنع أي تدخلات أجنبية ولكن القرار لم يتم تمريره حتى الآن.
أعرب دميتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي عن أسف روسيا لفشل مجلس الأمن الدولي في الإجماع على مشروع القرار الذي تقدمت به موسكو لحماية السيادة السورية، موضحا أن سياسة روسيا شفافة وتهدف إلى ضمان الاستقرار ومحاربة الإرهاب، وشدد على أن روسيا تعتبر القصف المدفعي التركي للأراضي السورية عبر الحدود عملا مرفوضا.
وصرح المندوب الفنزويلي رفائيل راميريس الذي تترأس بلاده المجلس أن أعضاء المجلس علقوا الجلسة حتى الاثنين المقبل، وقال: "كل بلد عبر عن موقفه، ولدينا وقت حتى الاثنين لمعرفة ردود الأفعال على المشروع الذي ناقشناه مطولا دون التوصل إلى اتفاق".
ويري محللون أن المشروع واجه معارضة 6 بلدان هي بريطانيا والولايات المتحدة وفرنسا وأوكرانيا ونيوزيلاندا وإسبانيا، فيما أعلن ممثلا الولايات المتحدة وفرنسا قبل الجلسة أن لا مستقبل للوثيقة الروسية.
تأتي مبادرة المشروع الروسي ردا على ممارسات تركيا التي ما انفكت في الآونة الأخيرة تقصف مواقع الأكراد في سوريا.
حرب دبلوماسية مستمرة
وكانت روسيا قد طلبت من مجلس الأمن الدولي أن يدعو إلى احترام السيادة السورية ووقف عمليات القصف والتوغل عبر الحدود والتخلي عن "أي محاولات أو خطط للتدخل البري الأجنبي، ووزعت روسيا مسودة قرار على أعضاء مجلس الأمن الخمسة عشر بسبب مخاوف من حدوث تصعيد في العمليات القتالية بعد أن قالت تركيا هذا الأسبوع إنها قد ترسل هي ودول أخرى قوات برية إلى سوريا.
من جانبها قالت سمانثا باور سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة "بدلا من محاولة تشتيت انتباه العالم بمشروع القرار الذي طرحوه للتو سيكون أمرًا طيبًا فعلا إذا نفذت روسيا القرار الذي تمت الموافقة عليه بالفعل."
كانت باور تشير بذلك إلى قرار وافق عليه مجلس الأمن الدولي بالإجماع في ديسمبر وأقر خارطة طريق دولية لعملية سلام في سوريا.
ويرى محللون أن مشروع القرار سيطلب من المجلس التعبير عن "انزعاجه الشديد من تقارير عن استعدادات عسكرية وأنشطة تحضيرية تهدف لبدء تدخل بري أجنبي داخل أراضي الجمهورية العربية السورية."
كما يطالب مشروع القرار أيضا الدول "بالكف عن التصريحات الاستفزازية والبيانات التحريضية التي تحض على مزيد من العنف والتدخل في الشؤون الداخلية للجمهورية العربية السورية."
حرب دبلوماسية مستمرة
وكان وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو سبق وصرح إن بلاده والسعودية وبعض القوى الأوروبية تريد إرسال قوات برية إلى سوريا على الرغم من عدم مناقشة أي خطة جدية عن هذا الأمر ساعدت الغارات الجوية الروسية على وصول الجيش السوري إلى مسافة 25 كيلومترا من الحدود التركية في حين كسب المقاتلون الأكراد الذين تعتبرهم تركيا متمردين معادين لها أراض أيضا مما جعل الوضع ملحا.
كانت صحيفة "فايننشال تايمز" كشفت في تقرير لها أن أنقرة تعد لاجتياح سوريا من الشمال، فيما تعد الرياض لاجتياحها من الجنوب، في وقت تسعى فيه واشنطن إلى كبح جماح الدولتين، والإشارة إلى قلق حلف شمال الأطلسي حيال احتمال قوات تركية أراضيا سورية تكون قريبة من بقعة رقعة النشاط الجوي الروسي وما يرافقه على الأرض.
من جانبها تراجعت تركيا قليلًا عما كانت تود القيام به، من خلال شن حرب برية في سوريا أو العمل على خلق منطقة أمنة، وهو ما أكده المندوب التركي الدائم لدى الأمم المتحدة يشار خالد جويك بأن بلاده لن ترسل قوات برية إلى سوريا إلا في إطار عمل جماعي عبر مجلس الأمن أو التحالف الدولي الذي تعد تركيا جزءا منه.
أوضح بقوله "أنقرة تفضل حلا سياسيا للأزمة في سوريا"، مشددًا على أن "تركيا لن تتردد في ممارسة حقها الذي كفله لها القانون الدولي بالدفاع عن النفس وحماية مواطنيها وحدودها، وتركيا لن ترسل قوات برية إلى سوريا إلا عبر قرار من مجلس الأمن أو من خلال التحالف الدولي الذي نحن جزء منه.. نحن نحترم القانون الدولي والقواعد الأساسية للعلاقات الدولية بشدة".
وبالرغم من هذا، قصفت تركيا مواقع لوحدات حماية الشعب الكردية السورية ردًا على ما تصفه أنقرة بنيران معادية تأتي عبر الحدود إلى تركيا.
ونتيجة لهذا التوتر الذى اندلع بين موسكو وأنقرة على خلفية اسقاط مقاتلات تركية طائرة روسية بالقرب من الحدود السورية التركية وهي الخطوة التي وصفها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنها "طعنة غادرة في الظهر."
واستغل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" حالة الفوضى للسيطرة على أراض في سوريا والعراق وفر نحو 4.3 مليون سوري من سوريا.

حرب دبلوماسية مستمرة
من جانبه عبر الكرملين عن قلقه إزاء القصف التركي لأراض سورية قائلا إن مثل هذه التصرفات تؤجج المزيد من التوتر على الحدود بين البلدين، وقال ديمتري بيسكوف المتحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين "الكرملين قلق إزاء تصاعد التوتر على الحدود السورية التركية، وبشكل عام ترى روسيا أن مثل هذا القصف المدفعي التركي لأراض سورية عبر الحدود غير مقبول."
على الجانب الأخر قالت المعارضة السورية إنها توافق على "إمكانية" هدنة مؤقتة بشرط وجود ضمانات على أن حلفاء دمشق بمن فيهم روسيا سيوقفون إطلاق النار إضافة إلى رفع الحصار والسماح بدخول المساعدات إلى كل أنحاء البلاد.
وقال بيان عن الهيئة العليا للتفاوض إن عدة فصائل أبدت موافقتها على إمكانية التوصل لهدنة مؤقتة عبر وساطة دولية، مع الاشارة إلى انه على الأمم المتحدة أن تضمن إلزام روسيا وإيران وما وصفتها بالفصائل الطائفية بوقف القتال، وعلى كل الأطراف وقف إطلاق النار بشكل متزامن وعلى الحكومة إطلاق سراح السجناء.
وعلى صعيد المعارك العسكرية، نجحت "قوات سوريا الديمقراطية" في السيطرة على بلدة الشدادي، ذات الأهمية الكبيرة، بعد 4 أيام من إطلاق حملة عسكرية، للسيطرة على الريف الجنوبي الغربي لمحافظة الحسكة، ويري مراقبون أن السيطرة على الشدادي الإنجاز العسكري الثاني لـ "قسد" في الحسكة بعد السيطرة على مدينة الهول في منتصف نوفمبر الماضي.
وتتمتع الشدادي بأهمية استراتيجية كبيرة في المنطقة؛ فإذا كانت الهول صلة الوصل بين سنجار العراق شرقا ومحافظة الرقة غربا، حيث تقع ضمن مثلت ضلوعه: العراق شرقا والرقة غربا ودير الزور جنوبا، ما يجعلها نقطة انطلاق عسكرية في اتجاهات عدة،  ومن شأن السيطرة على المدينة هذه إجبار "داعش" على التحرك نحو الجنوب تجاه دير الزور، كخطوة ضرورية لتطهير الحسكة، وهنا تكمن الأهمية الكبرى للسيطرة على الشدادي؛ حيث الهدف من ذلك يتجاوز عموم محافظة الحسكة.
ويشير المتابعون إلى أنه  يتطلب فتح معركة الرقة أولا السيطرة على المناطق المحيطة بها، في خطوة لعزل التنظيم، وقطع أوصاله الجغرافية، بحيث يكون منتشرًا في كانتونات جغرافية غير متواصلة فيما بينها.
وللمدينة أهمية اقتصادية تساوي أهميتها العسكرية الجغرافية؛ حيث تحتل المرتبة الثانية في إنتاجها النفطي بعد منطقة رميلان في الجزيرة،  ويوجد فيها حقل جبسة النفطي - أحد أهم حقول النفط في سوريا؛ ويوجد فيها حقول للغاز أيضا، وكان "داعش" يكسب من إنتاج وبيع النفط ما يقارب 5 ملايين دولار في اليوم، وبالرغم من هذا الإنجاز العسكري، فإن السيطرة على الشدادي فتحت الباب على مشكلات متوقعة، وقد تؤثر مستقبلا على طبيعة التحالفات في هذه المنطقة؛ فالشدادي مدينة عربية غالبية سكانها من عشيرة الجبور، والذين يشعرون بالحساسية من السيطرة الكردية على منطقتهم، وإن كانت تحت عنوان "قوات سوريا الديمقراطية"، التي تتألف من قوى عربية، لكن قرار هذه القوات مرتبط بالقيادة الكردية-الأمريكية، ولذلك ثمة حديث يدور الآن عن تسليم قيادة المنطقة إلى قوى عربية.
وأكد المتابعون أنه بالرغم من أن النجاحات العسكرية الأخيرة في سوريا جاءت نتيجة تلاقي مصالح دمشق مع الأكراد على المستوى المحلي، وتقاطع المصالح الروسية-الأمريكية على المستوى الدولي، فإن بين هذه الأطراف خلافات لم تكشف بعد، ومع كل انتصار عسكري تتكشف الخلافات بين الأطراف جميعا.

شارك