الأزهر على طريق الدعوة السلفية في معاداة الديمقراطية
الإثنين 22/فبراير/2016 - 12:49 م
طباعة

ربما لا نتعجب كثيرًا حينما يخرج علينا ياسر برهامي أو عبد المنعم الشحات بصوتهما الجهوري ليكفران الديمقراطية، ويقران في تسجيلاتهما المسموعة أو المرئية وفي كتاباتهما بأن الديمقراطية منهج كفري حسب قولهما، ولأننا نعلم بأنهما فصيل براجماتي في المقام الأول لا نتعجب أيضًا حينما يمارسان آليات الديمقراطية من مشاركتهما في الانتخابات وعضويتهما في البرلمان وخلافه. إنما ما نتعجب منه هو أن تسير مؤسسة الأزهر على نفس النهج وتؤكد على تصريحات برهامي وعبد المنعم الشحات ومن في زمرتهما، بأن تخرج علينا اللجنة الشرعية لمرصد الأزهر الشريف وهي تدعي أنها توضح مفهوم "الديمقراطية".. وتؤكد: أنه مصطلح دخيل على الثقافة الإسلامية.. وليست كلها تتفق مع الشريعة. وجاء نص اللجنة كالتالي:

حكم الديمقراطية في الإسلام
الجواب الموجز
الديمقراطية وهي حكم الأكثرية والأغلبية عن طريق صناديق الاقتراع وهو ما يسمى بالتصويت الانتخابي، وهو يتفق مع الشريعة الإسلامية، فالحكم في الإسلام مبني على الشورى، أما إذا ارتضت الأغلبية سن قوانين تخالف الشريعة الإسلامية كإباحة الزنا وشرب الخمور وزواج المثليين وإجهاض الفتيات، وغيرها من الأشياء التي حرمها وجرمها الإسلام، كما يحدث في الدول الغربية باسم الديمقراطية وحماية حقوق الإنسان، فهو أمر يرفضه الإسلام ولا يمكن أن يقبله المجتمع الإسلامي؛ لأنه يؤدي إلى نشر الرذيلة والفاحشة في المجتمع.
الجواب المفصل
قبل الحديث عن حكم الديمقراطية في الإسلام ينبغي أن نشير أولا إلى مفهومها لدى الغربيين، إذ إن لفظ الديمقراطية مصطلح حديث في الثقافة الإسلامية، فالحكم على الشيء فرع من تصوره.
فالديمقراطية تعني وصول الأكثرية والأغلبية للحكم عن طريق التصويت الانتخابي، وبالتالي يحق لهم اختيار الحاكم وسن القوانين والتشريعات التي ترضاها الأغلبية دون اعتبار لدين أو أخلاق، فهي نظام سياسي اجتماعي يقوم بفصل الدين عن الدولة.
وعند النظر إلى المفهوم الغربي للديمقراطية نجد أن فيه شقين، أحدهما: يتفق مع روح الشريعة الإسلامية، والآخر يتعارض معها.
أما الشق الأول الذي يتفق مع الشريعة الإسلامية: فهو وصول الأغلبية والأكثرية للحكم عن طريق صناديق الاقتراع، وهو ما يسمى بالتصويت الانتخابي، فالإسلام لم يضع نظاما معينا للحكم، بدليل اختلاف الطريقة التي تم بها اختيار الخلفاء الراشدين، ولكن الإسلام وضع أسسا ودعائم يقوم عليها الحكم، وهي تحقيق العدالة والشورى، فالحكم في الإسلام مبني على الشورى لقوله تعالي: "وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ" [آل عمران: 159]، وقوله: " وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ" [الشورى: 38].
أما الشق الثاني الذي يتعارض مع الشريعة الإسلامية: فهو سن القوانين والتشريعات حسب ما ترتضيه الأغلبية حتى ولو كانت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن كان رأي الأغلبية لا يخالف الثوابت الدينية فلا مانع من إقرار القانون، وإن خالفه فيحرم إقراره، فمن المقرر في أصول شريعتنا أنه "لا اجتهاد مع النص".
فعلى سبيل المثال: في الدول الغربية ارتضت الأغلبية سن قوانين تقضي بإباحة الزنا، وشرب الخمور، وزواج المثليين، وإجهاض الفتيات، وغير ذلك، وهذا يمارسونه باسم الديمقراطية والحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات.
وهذا المفهوم للديمقراطية الذي يتعارض مع الشريعة الإسلامية، لا يمكن تطبيقه في العالم الإسلامي، إذ إن الإسلام حرَّم سن قوانين تتعارض مع الثوابت الدينية، والقيم الأخلاقية للمجتمع الإسلامي، بعد أن بين الله تعالي في كتابه الحلال والحرام.
إن الله تعالي خلق البشر متنوعين في عقائدهم وثقافاتهم وعاداتهم، وعليه فلا يمكن إجبار مجتمع على تقبل ثقافة الآخر، فعلى الأمم الأخرى أن تحترم الثقافة الإسلامية كما أن الإسلام يحترم ثقافة الآخرين.
وليس معنى هذا أن الإسلام يدعو لدولة دينية وإنما يدعو لدولة مدنية حديثة، فلا مانع من سن قوانين وضعية حديثة تنظم حياة الناس ومستجداتها، والاستفادة من قوانين وخبرات الدول الأخرى ما لم تتعارض مع الثوابت الدينية لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "أنتم أعلم بأمر دنياكم" رواه مسلم. من حديث أنس بن مالك.

الرد على تقرير الأزهر
وقبل الدخول في تفنيد هذا التقرير ومناقشته نعرض لرأي الدعوة السلفية لموضوع الديمقراطية، والذي يتطابق مع موقف المؤسسة الأزهرية، ففي 31 أكتوبر 2010، تحت عنوان "لماذا نقاطع الانتخابات؟" تساءل عبد المنعم الشحات في بداية الحلقة: "إذا كنا ممكنين هل نبني النموذج الديمقراطي؟".
وقد أجاب على نفسه بالقول: "ما نجزم به لا.. لا نبني النموذج الديمقراطي.. بل نبني النموذج الإسلامي، والنموذج الإسلامي يخالف النموذج الديمقراطي تمامًا".
وإحدى المشاكل أن إخواننا الذين يدخلون الانتخابات يضطرون إلى الثناء على النموذج الديمقراطي ويضطرون إلى أن يجعلوا أسمى أمانيهم هو تطبيق النموذج الديمقراطي.
لدينا نظام إسلامي مقيد بالشرع، والشورى فيه مقيدة بالشرع، بينما النظام الديمقراطي ليس فيه كذلك، وان كان هناك نظام ديمقراطي الشورى فيه مقيدة بالشرع فلم تكن هذه ديمقراطية، لأن قوام الديمقراطية حكم الشعب فحينما نقيدها بالشرع فأنت تهدم الركن الأعظم للديمقراطية، فإذا نحن سنقيم نظام فسوف نقيم نظام إسلامي وليس ديمقراطي.
والنظام الإسلامي الشورى فيه مقيدة بالشرع، والشورى لا تلزم بوجود أحزاب بل لا يجوز وجود أحزاب، فكل كتب العقيدة تنص على التحذير من الفرقة، فالشورى ان يشاور الامام الأمة، فليس هناك من هو جالس في كراسي المعارضة ومن هو جالس في كراسي الحكومة، وليس هناك تداول سلطة، فعقد الامامة عندنا عقد ابدي إلى أن يموت الإمام أو يطرأ عليه ما يوجب انخلاعه."
ويتساءل مرة اخرى عبد المنعم الشحات "فماذا تبقى من الديمقراطية؟ ولماذا ننقح إسلامنا من غيرنا؟
ليس هناك مجلس مخصص للشورى بل الامام يستشير اهل الحل والعقد، والامام يحتاج في النظام الإسلامي إلى مجتهدين دائمين ليشاورهم في الامر الشرعي" هذا النموذج الإسلامي للحكم طبقا لرؤية الدعوة السلفية وزراعها السياسية حزب النور، والتي تؤكد على:
1- ليس هناك تداول للسلطة.
2- عدم وجود أحزاب سياسية.
3- عقد الإمامة أبدي ينتهي بموت الإمام.
4- ليس هناك مجالس نيابية.
5- الإمام يختار المجموعة التي يحق له مشاورتها.
6- رأي الشورى ليس ملزم للإمام لأنه رأي استشاري وليس قرارًا أو قانونًا.
7- الإمام هو الذي يسن القوانين.
هذا ما تحاول المؤسسة الأزهرية أن تؤكده على استحياء، ولكن عبد المنعم الشحات بدعوته السلفية كان شجاعًا بما يكفي في عرض وجهة نظره من المؤسسة الأزهرية رغم اختلافنا مع الفريقين.

ويعد هذا التقرير دليلًا جديدًا على دور رجال الدين في ترسيخ ودعم الاستبداد، عن طريق ممارسة الإرهاب الفكري وتغييب العقول الذي تعودنا عليه من بعض المؤسسات الدينية، ليس هذا فقط بل برفع دعاوى قضائية ضد المفكرين والمبدعين أمثال إسلام البحيري وفاطمة نعوت وأحمد ناجي. واختيار أسماء لتلك الاتهامات تتماشى مع فقه القرون الوسطى، فكلها دون استثناء قضايا حِسْبَة؛ إما ازدراء أديان أو خدش للحياء العام، بينما من يخدش الحياء ويزدري الأديان جميعًا هو تلك المؤسسات الدينية سواء كانت أزهرية أو سلفية وخير دليل على هذا التقرير الذي عرضناه حيث فيه:
- إن كاتب التقرير لا يعرف من الديمقراطية سوى بعض من آلياتها، وإنه بعيد كل البعد عن قيم الديمقراطية المتمثلة في قيم المواطنة والحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والحوار وقبول الأخر، فحينما يقول التقرير: إن قيم الديمقراطية لا تتوافق مع الإسلام، فهل بالفعل الإسلام ضد المواطنة والحرية وسيادة القانون وحقوق الإنسان والتداول السلمي للسلطة والحوار وقبول الآخر؟
- ساوى كاتب التقرير بين الديمقراطية ومبدأ الشورى، وما غفل عنه أن القرآن لم يحدد ملامح للشورى عندما ذكرها، فلم يضع لها قواعد أو نظمًا أو آليات، وهو ما جعل الفقهاء يختلفون حولها اختلافًا كبيرًا. ولم تكن الشورى في وقت ما من تاريخ الدولة ملزمة للخليفة أو الحاكم، وقد تم اختزال من لهم حق الشورى في الأسرة الحاكمة "أهل الحل والعقد".
- يقول كاتب التقرير: "أما الشق الثاني الذي يتعارض مع الشريعة الإسلامية: فهو سن القوانين والتشريعات حسبما ترتضيه الأغلبية، حتى ولو كانت مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية، فإن كان رأي الأغلبية لا يخالف الثوابت الدينية فلا مانع من إقرار القانون، وإن خالفه فيحرم إقراره، فمن المقرر في أصول شريعتنا أنه "لا اجتهاد مع النص". ولا يذكر لنا التقرير ماهية هذه الثوابت الدينية التي قد تخالفها الأغلبية حين سن القوانين، وأين كاتب التقرير من مواقف عمر بن الخطاب التي عطلت نصوصًا قطعية الدلالة والثبوت بتعطيل سهم المؤلفة قلوبهم وتعطيل حد السرقة في عام الرمادة؟ فهل خرج عمر ابن الخطاب عن ثوابت الدين أو ما كان يعلم من الدين بالضرورة كما يردد الأزهر ومواليه من الدعوة السلفية.
- حين مناقشة القوانين لم يذكر التقرير سوى قوانين إباحة الزنا وزواج المثليين وشرب الخمر؛ حيث يشكل الجنس هاجسًا كبيرًا لدى رجال الدين سواء داخل مؤسسة الأزهر أو خارجها؛ حيث يتطابق ما جاء في التقرير مع تصريحات عبد المنعم الشحات المتحدث الرسمي للدعوة السلفية، فيقول كاتب التقرير: "في الدول الغربية ارتضت الأغلبية سن قوانين تقضي بإباحة الزنا، وشرب الخمور، وزواج المثليين، وإجهاض الفتيات، وغير ذلك، وهذا يمارسونه باسم الديمقراطية والحفاظ على حقوق الأفراد والجماعات". إن تسويق الديمقراطية على أنها إباحة الزنا وشرب الخمر وزواج المثليين لهو معاداة لها وشن الحرب عليها من مؤسسة تدعي الوسطية، وأنها مع الدولة المدنية.
أخيرًا: كما يدعي الأزهر رغم أنها حقيقة راسخة وثابتة أن الإسلام لا يقيم دولة دينية ولا مدنية؛ لأن القرآن ليس به نظام للحكم ولا للسياسة ولا الاقتصاد، ولكنهم الفقهاء يريدون أن يؤسسوا لدولة دينية تكون لهم فيها الكلمة العليا بما يحققه لهم ذلك من مصالح مادية وسياسية، ويجعل منهم طبقة حاكمة فوق الحكام أنفسهم.