مواجهة التنظيمات التكفيرية بين الأمس واليوم
الإثنين 22/فبراير/2016 - 02:02 م
طباعة

في أكثر من مرة رفض الدكتور أحمد الطيب شيخ الجامع الأزهر تكفير ما يسمى بتنظيم الدولة في العراق والشام "داعش" ونعلم أن لديه الحق في عدم رمي هذا التنظيم بالكفر؛ حيث إن تكفير العموم: وهو تكفير الناس كلهم عالمهم وجاهلهم، والمتأول منهم وغير المتأول، ومن قامت عليه الحجة ومن لم تقم- من أكبر الكبائر، وهي طريقة أهل البدع والجهل بأحكام الله. وعلى هذا النهج قال الدكتور علي جمعة، عضو هيئة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية السابق: "إن جماعة "بوكو حرام" الإرهابية، لا علاقة لها بالإسلام، لكن لا يمكن أن نكفرهم رغم جرائمهم".

وأضاف في برنامج "والله أعلم" على قناة سي بي سي أمس الأحد 21 فبراير 2016: "سنظل نصفهم وأمثالهم من الجماعات الإرهابية بأنهم خوارج وهم كلاب أهل النار وسنضرب على أيديهم"، مشيرًا إلى أن المسلمين لم يوافقوا على ظهور الخوارج وقاتلوهم وقضوا عليهم مرتين.
وأوضح أن هناك سمات للخوارج أولها: إلغاؤهم مرتبة الإحسان والتصوف، وهجومهم على الأشاعرة رغم أنهم سادة الأمة وأهل السنة والجماعة وسنقف أمام من يحاولون التشويه للإسلام.
وأوضح أن الرسول أمر المسلمين جميعا بأن يكونوا صورة صالحة للعالم، وأن الدعوة للإسلام تكون بالموعظة الحسنة؛ ولذلك فإن الإسلام يرفض الإكراه في الدين؛ لأنه لا يأتي إلا بالمنافقين.

كلام جيد وجيل يصلح أن يخرج من أحد المهتمين بالشأن العام ومتفقه في الدين، لكنه لا يخرج من عالم من المفترض أنه شيخ الأزهر أو كان مفتيًا سابقًا للديار المصرية، فلم يخرج علينا شيخ الأزهر أو أحد من مؤسسته الدينية ليفند لنا أفكار تلك التنظيمات ومدى قربها أو بعدها عن الدين الإسلامي من ناحية، ومن ناحية أخرى عقوبة ما ترتكبه هذه الجماعات، كما فعل في السابق الشيخ الذهبي حينما خرج علينا تنظيم "التكفير والهجرة في سبعينيات القرن الماضي فتصدى لهم الرجل ودفع حياته ثمنًا للوقوف في وجههم وتفنيد أفكارهم في كتيب كان يحمل عنوان «قبسات من هدي الإسلام»، وقد نشر عام 1975 وقام بإعداده أعضاء المكتب الفني لنشر الدعوة الإسلامية بوزارة الأوقاف.
حيث قال الدكتور الذهبي في تقديم الكتاب: «يبدو أن فريقاً من المتطرفين الذين يسعون في الأرض فساداً، ولا يريدون لمصر استقراراً، قد استغلوا في هذا الشباب حماس الدين، فآتوهم من هذا الجانب، وصوروا لهم المجتمع الذي يعيشون فيه بأنه مجتمع كافر، تجب مقاومته ولا تجوز معايشته، فلجأ منهم من لجأ إلى الثورة والعنف، واعتزل منهم من اعتزل جماعة المسلمين، وآووا إلى المغارات والكهوف، ورفض هؤلاء وأولئك المجتمع الذي ينتمون إليه لأنه في نظرهم مجتمع كافر!!».
وأما الكتيب فقد تحدث عن معنى الإيمان في الإسلام وقال: إن أحكام الإسلام تجري علي كل من ينطق بشهادة لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، وليس لنا أن نبحث في مدى صدق شهادته، فذلك مرتبط بما استشعر بقلبه، وهو أمر لا سبيل للكشف عنه أو التثبت منه، فهو من شأن الذي يعلم السر وأخفي، والمجمع عليه من أهل الإسلام أن الذي يعصم ماله ودمه بالشهادتين فهو المسلم، وأن من قال لا إله إلا الله وكان في قلبه مثقال ذرة من خير ليس مشركاً، والكافر والمشرك سواء، بل لقد ذهب النبي صلي الله عليه وسلم إلى أبعد من ذلك، فقد قبل إسلام الناس الذين دخلوا في دين الله أفواجاً من العرب المستعربين ومن الأرقاء دون إجراء ما يفيد التأكد من أن كل فرد منهم قد فهم معني الشهادتين، فليس هناك اشتراط أن تكون أعمال الشخص مصدقة لشهادته حتى يحكم بإسلامه وعدم كفره.. إن الشخص يعتبر مسلماً في ذات اللحظة التي ينطق فيها بالشهادتين، وقد كان أبو طالب عم النبي يحتضر على فراش الموت والرسول عليه الصلاة والسلام يلح عليه أن ينطق بالشهادتين حتى يشهد له بها عند الله.
ويقول الكتيب أيضاً، إنه مدام مرتكب الكبيرة ليس كافراً، فعلى الذين يوزعون الإيمان والكفر على الناس، أن يراجعوا أنفسهم مرات ومرات، وإلا باءوا بإثم ما رموا به غيرهم؛ عملاً بقول الرسول الكريم: «لا يرمي رجل رجلاً بالفسق أو يرميه بالكفر إلا ارتدت عليه إن لم يكن صاحبه كذلك» ويقول كذلك: إن من أهم أسس الدعوة الإسلامية، أن يتحسس الداعي أدواء المجتمع وينصت لشكاياته ولا يضيق بها ولا ييأس من علاجها؛ ولذلك فإن قراره من الميدان هروب من الواجب، وتلك نقيصة لا تقبل من أصحاب الدعوات وجريمة في حق المجتمع لا يرضى عنها الله، وإن من أسس الدعوة الإسلامية أيضاً الموعظة الحسنة، فهي لون من ألوان الحكمة ومظهر من مظاهرها. وكان عقاب الجماعة.. للذهبي الاختطاف والاغتيال، بعدما واجههم بجرأة العالم ويقين المؤمن.

بينما يكتفي شيخ الأزهر والمفتي السابق علي جمعة بعدم تكفير داعش وبوكو حرام، والتواطؤ بالصمت على محاكمة المفكرين والمبدعين إن لم يكن الأزهر نفسه طرفًا في محاكمتهم، كما حدث مع إسلام البحيري وفاطمة ناعوت وأحمد ناجي، فيكتفي وكيل الأزهر الدكتور عباس شومان تعليقًا على حبس إسلام بحيري بتهمة ازدراء الأديان والتي تحركت ضده بمباركة من الأزهر، بقوله: "إن الأزهر ليس له علاقة بسجن إسلام بحيري، مضيفًا قد يظن كثير من الناس أن سجن إسلام بحيري يشعرنا في الأزهر بالفرحة أو الانتصار، وليعلم القاصي والداني أنه لا علاقة لنا بما حدث له، ولم نكن نتمنى هذا المصير له ولا لغيره، فقد خاصمنا القناة التي كان يعمل فيها وليس الشخص بعينه، وذلك بعد أن تجاوز الأداء حدود التعبير عن الرأي إلى ما لا يمكن للأزهر غض الطرف عنه من واقع الأمانة التي يحملها وواجبه نحو بيان صحيح الدين ودفاعه عنه. فالفكر يقابل بالفكر، وهو ما فعله بعض شباب الأزهر مع بحيري، أما وقد اختصمه آخرون فهذا حق مكفول لسائر المواطنين، فإذا رأى القضاء فيه رأيًا وأصدر فيه حكمًا فلا تعقيب على أحكام القضاء. فلماذا لا ينتفض الأزهر وشيخه دفاعًا لحرية الرأي والتعبير طالما أن للمجتهد المخطئ أجرًا؟ ألم يعد ما يفعله بحيري وغيره اجتهادًا؟ أو أن ما تقوم به داعش وبوكو حرام وأخواتهما هو الاجتهاد الذي لا يوجب تكفيرًا؟