خسائر "حزب الله" في سوريا.. الواقع والمستقبل
السبت 27/فبراير/2016 - 01:18 م
طباعة

انخرط "حزب الله" علناً وبأعداد كبيرة في الحرب السورية منذ 2012، فكان مشاركًا إلى جانب الجيش السوري في استعادة مناطق واسعة من المعارضة المسلحة في وسط البلاد وحسّن أداء القوات السورية، محققًا للنظام مكاسب عدة، وإن كان على حساب الاستقرار الداخلي والسلام الأهلي في لبنان.
دراسة

على مدى أكثر من أربع سنوات، خرج اللبنانيون في مسيرات تشييع لمقاتلين كثر سقطوا في المعارك في سوريا، وشيعوا أيضًا مدنيين قضوا على أرضهم في هجمات إرهابية ردًّا على تدخل الحزب في سوريا، ومع انتهاء العام الخامسة للحرب وعلى أعتاب السنة السادسة من الحرب السورية، تسجل دراسة وضعت أخيرًا تراجع أعداد القتلى من صفوف الحزب في سوريا.
تحلّل الدراسة التي وضعها الباحث الإيراني المستقل المقيم في واشنطن "علي آلفونة" ونشرت في 22 فبراير 2016، في "معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى"، خسائر "حزب الله" في سوريا نتيجة لما تعتبره "تحوّلا" في دوره في الحرب، لمصلحة تعزيز مواقعه في لبنان. وهي تستند خصوصًا إلى أخبار تشييع المقاتلين التي تنشر على مواقع إخبارية لبنانية، والتي تكشف حجم مشاركة الحزب في المعارك. وهي تقارن بين هذه الأخبار وبين تقارير باللغة الفارسية في شأن القتلى في صفوف "الحرس الثوري الإسلامي"، لتخلص إلى أن هذه المقارنة تكشف تحولًا واضحًا في طريقة نظر طهران إلى دور الحزب في الحرب.
واستندت الدراسة إلى إعلانات جنازات «حزب الله»، لا سيما تلك التي تُنشر على موقع www.southlebanon.org وموقع www.yasour.org فكرة عن الطبيعة الفعلية لمشاركة الحزب في القتال ومدى اتساع هذه المشاركة.
إحصاءات القتلى

ففي الإحصاءات المستندة إلى المصادر المفتوحة، قُتل 865 مقاتلاً على الأقل من عناصر "حزب الله" في المعارك في سوريا بين 30 سبتمبر 2012 و16 فبراير 2016.
هذه الأرقام هي الحصيلة الدنيا بطبيعة الحال نظراً إلى ميل الحزب- خصوصًا في الفترة الأولى من الحرب- إلى تشييع جنازات ضحاياه بعيدًا عن الصخب والإعلام.
أما الفترات التي بلغت أعداد القتلى ذروتها، فهي مايو 2013 (88 قتيلًا)، ويوليو 2014 (36)، وفبراير 2015 (34)، وبمعدل عالٍ نسبياً يبلغ 36 حالة وفاة شهرياً من مايو 2015 إلى يناير 2016.
هذا وتشير المصادر كذلك إلى 49 من المتوفين عبر وصفهم بلقب "القائد الشهيد" أو "القائد الميداني". وهذا يدل على أنهم خدموا كضباط في القيادة، وهو ما يميزهم عن القتلى من المقاتلين العاديين.
من أي المناطق اللبنانية، كان قتلى حزب الله؟
ذكرت الدراسة أنه من بين 865 مقاتًلا قتلوا في سوريا وفقاً للتقارير، يتحدر 682 من محافظات النبطية والبقاع والجنوب اللبناني. ولم تتم الإشارة إلى المحافظات التي يتحدر منها المقاتلين الـ 136 الآخرين. هذا وتحدر 10 آخرين من قرى على الجانب السوري من الحدود، في حين وُلد البقية في محافظات جبل لبنان وبيروت والشمال.
العدد الأكبر من القتلى كان يتزامن والمعارك الكبرى في سوريا، على غرار معركة القصير واستيلاء تنظيم "الدولة الإسلامية" على حقل "شاعر" للغاز في محافظة حمص في 17 يوليو، واستيلائه على قاعدة اللواء السابع عشر في الجيش قرب الرقة. ويرجح أن يكون المقاتلون الذين قتلوا في شباط 2015 سقطوا في الهجوم المشترك الذي شنه ثوار "الجيش السوري الحر" و"جبهة النصرة" التي تدور في فلك تنظيم "القاعدة" على معاقل "حزب الله" غرب القلمون، قرب الحدود اللبنانية.
أما ارتفاع معدل الوفيات الشهري في النصف الأخير من 2015 فيشمل معركة الزبداني التي وقعت في يوليو الماضي، إضافة إلى الاستعداد للحملة الجوية الروسية على سوريا وما بعد الغارات الجوية الأولى في أواخر سبتمبر 2015، التي مهدت لفترة من زيادة الهجمات من قبل قوات النظام وحلفائه.
"حزب الله" والحرس الثوري

وعن خسائر حزب الله البشرية مقارنة بقتلي الحرس الثوري، تقول الدراسة: يبدو أن التغيّر في معدلات القتلى في صفوف «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني يعكس التحول في الاعتبارات التكتيكية لـ الجمهورية الإسلامية في سوريا؛ ففي البداية كانت طهران تفضل أن يضطلع «حزب الله» بالدور القتالي المباشر في سوريا بدلاً من نشر قوات «الحرس الثوري الإسلامي» على نطاق واسع هناك؛ الأمر الذي كان سيؤدي إلى إثارة الجهات الخارجية الأخرى لكي تحذو حذو إيران، وقد أسفر ذلك عن معدلات وفيات عالية في صفوف «حزب الله» وعدد قليل جداً من الوفيات بين عناصر «الحرس الثوري».
إلا أن زيادة الوفيات في صفوف «حزب الله» في سوريا تهدد في النهاية التوازن العسكري في لبنان، بل وتغري الجهات الخارجية لاستغلال انشغال «حزب الله» في الخارج من أجل تلقين الحزب درساً في الداخل اللبناني. ونتيجة لذلك، يبدو أن «الحرس الثوري» الإيراني بدأ ينشر عدد أكبر بكثير من قواته في سوريا، كما يتضح من الانخفاض الحاد في عدد قتلى «حزب الله» وفي الزيادة الحادة المتزامنة في وفيات «الحرس الثوري» بعد سبتمبر 2015. وليس من قبيل الصدفة أن يترافق ذلك مع بدء الحملة الجوية الروسية- وكل ذلك يشير إلى وجود حدود لما يمكن أن يقوم به «حزب الله» في سوريا من أجل تحقيق أهداف طهران.
الخلاصة

الخلاصة أنه إذا كان عدد قتلى "حزب الله" قرابة الألف، فإن عدد المصابين بالآلاف باعتبار أن معدل الجرحى عادة ما يكون أربعة أضعاف إلى خمسة لكل قتيل، يكون فيهم نسبة غير قليلة من الإصابات الخطيرة والإعاقات ممّا لم يعلنوا عنهم.
خلاصة أخرى يستنتجها الباحث في الميليشيات الشيعية في جامعة ميريلاند فيليب سميث من أرقام ضحايا "حزب الله" من سوريا، وهي أن الحزب يحافظ على الشكل نفسه للانتشار والدور الذي بدأه في 2012 و2013، وهذا الانتشار يشمل عناصر قيادية عدة من أجل تشكيل قوة أساسية للوحدات الأساسية الموالية للأسد والمجندين الشيعة العراقيين.
ومع ذلك، يرى آلفونة أن "حزب الله" قد يكون بلغ قوته القصوى في سوريا، إذ إن "هناك حدودًا لقدراته على إظهار القوة في سوريا، كما عليه أن يأخذ في الاعتبار ميزان القوى داخل لبنان".