ليبيا.. بين حرب الإرهاب وعرقلة الحكومة والتقسيم

السبت 27/فبراير/2016 - 01:34 م
طباعة ليبيا.. بين حرب الإرهاب
 
في الوقت الذي تشهد فيه ليبيا حالة من الارتباك الشديد، ما بين الحرب التي تسودها من جانب وصراع الحكومات من جانب آخر، باتت الأوضاع في غاية السوء، وبالأخص مع مواصلة تعنت أطراف النزاع في التوقيع على التشكيل النهائي لحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج.

عملية تحرير بنغازي

عملية تحرير بنغازي
ويشن الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، منذ السبت الماضي عملية عسكرية في بنغازي ضد الجماعات المسلحة التي تسيطر على مناطق من المدينة منذ نحو عامين، وبالأخص تنظيم داعش الإرهابي، حققت خلالها تقدمًا؛ حيث استعادت أحياء ومقرات عسكرية.
 كما أشارت عدة تقارير إلى وجود حراك ميداني كبير في ليبيا في هذه الأيام، اعتبر البعض أنه مؤشر إيجابي في اتجاه قرب التقاء الفرقاء الليبيين فيما بينهم، خاصة في ظل التطورات الأمنية الأخيرة.
وفي هذا الشأن تنادي الدول المجاورة لليبيا اليوم بضرورة بناء تحالف إقليمي على المستوى الأمني؛ من أجل التصدي لتدفق المجموعات الإرهابية في المنطقة، في ظل عزم بلدان أجنبية على اتباع خيار التدخل العسكري في ليبيا.
وتخشى هذه الدول من أن تطيح هذه الخطوة باستقرار المنطقة ككل وفرار الجماعات المتطرفة إلى أراضيها، وما قد يترتب عن ذلك من فوضى عارمة، وفي ظل مخاوف هذه الدول قام المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية بتنظيم يوم خاص اجتمع فيه عدد من الخبراء الأمنيين الليبيين والجزائريين والمصريين والتونسيين بهدف التباحث حول مقترحات آليات عملية وقابلة للتنفيذ وقادرة على مواجهة التحديات الأمنية الراهنة، وبناء هيكل أمني مشترك، والتصدي للتداعيات الكبرى المطروحة اليوم على مستوى الأمني لشمال إفريقيا وجنوب المتوسط، لا سيما بعد انتقال حلبة الصراع من الشرق الأوسط إلى منطقة شمال إفريقيا، بعد أن أعطي الإذن لهذه التنظيمات الإرهابية، حسب تقدير بعض الخبراء.
وكان تنظيم داعش الإرهابي سيطر لساعات على وسط مدينة صبراتة الليبية مستغلًّا الفراغ الأمني الحاصل في وسط المدينة، قبل أن تطردهم الأجهزة الأمنية المحلية. وهذا الانتشار لداعش في صبراتة هو أول ظهور علني للتنظيم الجهادي في المدينة الواقعة على الطريق الساحلي بين العاصمة والحدود التونسية.
فيما شنت القوات الأمريكية، الجمعة الماضي، غارة عسكرية على صبراتة قيل إنها استهدفت مجموعات إرهابية.
 وأكدت تقارير إعلامية أن الغارة وجهت إلى مقر يعود لتنظيم داعش وأدت إلى مقتل خمسين شخصًا، كما ذكرت التقارير أن مسئولًا ميدانيًّا تونسيًّا في التنظيم لقي حتفه في الغارة.

عرقلة حكومة الوفاق

عرقلة حكومة الوفاق
من جانبه نفى عقيلة صالح رئيس مجلس النواب الليبي المنعقد في مدينة طبرق، ما نقله عدد من النواب بشأن منعهم من عقد جلسة للمصادقة على حكومة الوفاق الوطني التي يرأسها فايز السراج.
وقال صالح: "إن النواب الموقعين على تمرير الحكومة وقعوا خارج مجلس النواب ومنهم من هو خارج البلاد"، مضيفًا أنه أكد لفايز السراج أن بعض أعضاء حكومته "عليهم تحفظات"، مطالبًا بـ"استبدالهم"، غير أن السراج "غادر طبرق، بعد الجلسة، دون إجراء التغييرات المطلوبة على الحكومة"، على حد تعبيره.
هذا وكانت النائبة بمجلس النواب فوزية أبو غالية قد كتبت عبر صفحتها الرسمية بموقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" أنه عند دخولها وبعض زملائها أعضاء مجلس النواب إلى جلسة المجلس اليوم التي كانت مقرره لمنح الثقة لحكومة الوفاق الوطني- "فوجئت ببعض النواب عن برقة يطلبون منهم عدم الدخول والتسجيل لحضور جلسة النواب؛ لكي لا يحدث اكتمال للنصاب القانوني" على حدّ قولها.
خالد غويل، محام وناشط حقوقي ليبي، أكد على رفض الشعب الليبي لأي تدخل عسكري في البلاد، مشيرًا إلى أن هناك حروبًا بالوكالة تخاض في ليبيا اليوم تعود فيها المسئولية إلى عدة قوى أجنبية، خاصة تركيا التي فتحت معابرها على مصراعيها أمام تدفق الإرهابيين، فضلًا عن دور قطر في دعم هذه الأطراف التي تعمل على ضرب الاستقرار في أكثر من مكان، على حد تعبيره.
وكانت الحكومة الليبية، المعترف بها دوليًّا، أكدت مؤخرًا، أنها لم ولن تسمح بدخول قوات أجنبية تساندها في معاركها، تعليقًا على ما يروج من أنباء عن نية القوى الكبرى شن ضربات عسكرية في ليبيا.
وتخوض القوات الموالية لحكومة طرابلس، غير المعترف بها، والمنضوية تحت لواء تحالف فجر ليبيا العسكري معارك مع القوات الموالية للحكومة المعترف بها والتي يقودها خليفة حفتر.

التدخل العسكري

التدخل العسكري
ويرى محللون أن التدخل العسكري في ليبيا بات وشيكًا، بل يذهب البعض إلى أنه أمسى أمرًا محسومًا، وأن الإسراع في تشكيل حكومة يهدف أساسًا إلى انتزاع تفويض من هذه الحكومة الضعيفة بالتدخل العسكري للحلف الأطلسي في ليبيا.
ويرى أحمد ميزاب، الخبير الجزائري في الشئون الأمنية، أن المنطقة محاطة بحزام من الإرهاب يفرض ضرورة التنسيق ضمن مقاربة واقعية. وقال إنه في ظل غياب استراتيجية إقليمية، فإن بعض الدول الغربية تطرح مقاربة تخدم مصالحها بالأساس وذلك بتأمين الضفة الأخرى من المتوسط دون الالتفات إلى الضفاف الأخرى، مشيرًا إلى أنه قد سبق ومارست هذه القوى هذا الدور عندما تدخلت سنة 2011 وساعدت في القضاء على معمر القذافي، ثم تركت البلاد تتخبط وسط دائرة العنف الذي أدى إلى ضياع مؤسسات الدولة، وتفتيت الجيش دون أن يتم في الأثناء أي تعاط إقليمي سليم مع الملف، بل دخلت بعض القوى لتستثمر في هذا الواقع.
في هذا السياق قالت الأمم المتحدة في تقرير لها أول أمس الخميس: إن كل أطراف الصراع في ليبيا ارتكبت جرائم حرب وانتهكت حقوق الإنسان على مدى العامين الماضيين، وإنه يجب التحقيق مع مرتكبي هذه الجرائم ومثولهم أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وجمع التحقيق الذي أعده ستة من مسئولي حقوق الإنسان في الأمم المتحدة أدلة على إعدام الأسرى واغتيال ناشطات بارزات وعمليات تعذيب واسعة النطاق وجرائم جنسية وخطف، وهجمات عسكرية عشوائية على مناطق مدنية وانتهاك حقوق الأطفال منذ بداية عام 2014.
وقال مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان "زيد رعد الحسين" في بيان له: إن من العناصر المروعة في هذا التقرير الحصانة الكاملة التي لا تزال سائدة في ليبيا والإخفاق الممنهج لنظام العدالة. 
وقال جورديب سنغا المسئول عن قسم ليبيا في مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان: إن المنظمة الدولية سجلت أسماء من يشتبه أنهم مسئولون، وإن هناك عملية للتواصل مع الأجهزة المناسبة منها المحكمة الجنائية الدولية ذات الاختصاص وإن كانت لم توجه الاتهام لأحد بعد. 
ودعا التقرير مجلس الأمن الدولي إلى وضع لائحة بأسماء الأفراد المسئولين عن انتهاكات أو تجاوزات ومعاقبتهم.
فيما أعربت روبيرتا بينوتي وزيرة الدفاع الإيطالية عن قلقها من إمكانية أن تصبح ليبيا دولة خارج السيطرة؛ نظرًا لتزايد وجود تنظيم داعش بها. على حدّ قولها.
وأضافت وزيرة الدفاع الإيطالية في مقابلة تلفزيونية، أنه من الممكن إرساء الاستقرار في ليبيا عن طريق القوات المحلية، مشيرة إلى أن التدخل العسكري على الأرض في البلاد لا يمكن تصوره، وردًّا على سؤال بشأن تقارير عن وجود قوات خاصة فرنسية على الأرض في ليبيا، قالت: إن التحركات أحادية الجانب لم تساعد ليبيا في الماضي.

مساعٍ لاعتماد الحكومة

مساعٍ لاعتماد الحكومة
فيما رحّب سفراء كل من الاتحاد الأوروبي وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة. والمبعوثون الخاصون للدول والمنظمات عن المصادقة الصادر عن أعضاء مجلس النواب، والذي يعلنون فيها تأييدهم لحكومة الوفاق الوطني التي اقترحها المجلس الرئاسي.
وقال الموقّعون على البيان المشترك: إن هذا الإعلان يعتبر مؤشرًا هامًّا على أن أغلب أعضاء مجلس النواب على استعداد للمصادقة رسميًّا على حكومة الوفاق الوطني، وفق ما يشير إليه الاتفاق السياسي الليبي. وأن أولئك الذين يستمرون في عرقلة العملية السياسية والمصادقة على حكومة الوفاق الوطني يعملون ضد الإرادة الصريحة لأغلبية مجلس النواب.
كما دعا الموقّعون رئيسَ مجلس النواب لإقرار موافقة غالبية أعضاء المجلس على حكومة الوفاق الوطني والبرنامج الحكومي، معبّرين عن قلقهم ممّا جاء من إشارة في بيان أعضاء المجلس حول وجود تهديدات بالعنف والترهيب ضد أعضاء المجلس الرئاسي ومجلس النواب، وعبّروا بالقول: إن تهديدات كهذه لا مكان لها في أي عملية ديمقراطية.
كما أكدوا على الحاجة العاجلة لتشكيل حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا لتوفير الأمن والاستقرار اللذين يستحقهما الشعب الليبي. ونحن على استعداد للاستجابة لأي طلبات من حكومة الوفاق الوطني لتقديم الدعم والمساندة لها لتحسين حياة كافة الليبيين، ولمعالجة التحديات التي تواجهها ليبيا لاستعادة الأمن وسيادة القانون، ولإحياء الاقتصاد.
من جانب آخر، تم مساء أمس الجمعة، الإعلان عن تشكيل المجلس الأعلى للمصالحة بطرابلس الكبرى، وكان تجمع لعمداء بلديات طرابلس الكبرى قد أصدر بيانًا أعلن فيه عن تشكيل مجلس يقوم بخلق بيئة آمنة للمنطقة.
وأكد التجمع في بيانه، أنه يسعى لوقف الحرب بمختلف صورها، العسكرية والإعلامية والاقتصادية، وبذل الجهد لتحقيق المصالحة والسلم الاجتماعي بين مكونات المنطقة الغربية، ومن ثم باقي مناطق ليبيا.
 وحسب البيان، فإن هذا الكيان الاجتماعي يسعى إلى جمع الفرقاء على مائدة الحوار ووضعهم في دائرة السلم والسلام. 
ومن جانبه رحب المبعوث الأممي إلى ليبيا مارتن كوبلر باجتماع 40 عضوًا من المؤتمر الوطني العام في طرابلس أمس الجمعة، للتحضير للاجتماع الأول لمجلس الدولة، واصفًا هذه الخطوة بالطريق الصحيح.
وكان كوبلر التقى مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا الخميس مبعوث الاتحاد الإفريقي إلى ليبيا الرئيس التنزاني السابق جاكايا كيكواتي، مضيفًا في تغريدة على موقع «تويتر» إنه يتطلع إلى العمل مع مبعوث الاتحاد الإفريقي إلى ليبيا، مؤكدًا أن كيكواتي يدعم الاتفاق السياسي الليبي وجهود الأمم المتحدة في ليبيا.
والمجلس الأعلى للدولة- وهو أعلى جهاز استشاري- يقوم بعمله باستقلالية يتولى إبداء الرأي الملزم بغالبية في مشروعات القوانين والقرارات ذات الصفة التشريعية التي تعتزم الحكومة إحالتها إلى مجلس النواب، ويتشكل من 120 عضوًا.
وتدخل ليبيا في بؤرة غامضة في ظل ما تشهده من نزاعات وخلافات؛ الأمر الذي قد يؤدي حتميًّا إلى أن تكون المرحلة المقبلة هي مرحلة تقسيم ليبيا.

شارك