برثلماوس الأول.. البطريرك الأخضر ومجد المسيحية الغابر في تركيا
السبت 29/فبراير/2020 - 10:57 ص
طباعة
اسمه ديمتريوس أرخوندونس.. وُلد في 29 فبراير 1940 في جزيرة إمبروس وهي جزيرة في بحر إيجه قريبة من مضيق الدردنيل في تركيا. درس اللاهوت في معهد خالكي سنة 1961، وبعد أن تمم خدمة العلم في تركيا تابع الدراسة في روما وحصل على الدكتوراه في "الحق الكنسي" ثم درس أيضًا في المعهد المسكوني في بوسي قرب جنيف- [سويسرا] وفي جامعة ميونيخ في ألمانيا.
وعند عودته إلى القسطنطينية في سنة 1968 عيّنه المجمع المقدس عميداً مساعداً لمعهد خالكي اللاهوتي وفي سنة 1969 تمت رسامته كاهنا، وفي سنة 1972 تم انتخاب البطريرك ديمتريوس الاول فاستلم برثلماوس ديوان البطريركية المسكونية ورافق البطريرك ديمتريوس الأول في كل زياراته وأعماله. في سنة 1973 انتخب اسقفا لفيلاديلفيا (بولاية بنسلفانيا الأمريكية)، وفي سنة 1974 اصبح عضواً في المجمع المقدس. وفي سنة 1990 انتُخب مطرانا على مدينة خلقيدونية وهكذا صار عميداً للمجمع المقدس. وفي أكتوبر بعد عام اعتلى سدة البطريركية المسكونية. ولقبه "رئيس أساقفة القسطنطينية والبطريرك المسكوني" للدلالة على أنه الأول بين البطاركة الأرثوذكسيين المتساوين. واسم برثلماوس اسم يوناني عن الآرامي ومعناه "ابن تولماي" وقد كان أحد الإثنا عشر رسول للسيد المسيح يدعى برثلماوس.
أسس الرسول اندراوس الكنيسة المحلية على شواطئ البوسفور في مدينة كانت تُسمى آنذاك بيزنطة، وفيما بعد دُعيت القسطنطينية، وتُعرف اليوم باسطنبول. ويُعتبر القديس اندراوس شفيع البطريركية المسكونية ويُعيّد لتذكاره في 30 من أكتوبر من كلِّ عام.
بالإنجيل في المناطق الممتدة على آسيا الصغرى والبحر الأسود وثراقيا وإخائية، واستشهد. عام 36 ميلادية، أما لقب "البطريرك المسكوني" فيعود تاريخه إلى القرن السادس الميلادي، ويُعد امتيازاً يختص تاريخياً برئيس أساقفة القسطنطينية. أمّا البطريرك المسكوني برثلماوس، بالإضافة إلى أنَّه رئيس أساقفة القسطنطينية وروما الجديدة، فهو يشغل أول عرش للكنيسة المسيحية الأرثوذكسية في العالم ويترأس شرفياً ضمن إطار امتيازاته التاريخية بروح الأخوَّة بين كافة رؤساء الكنائس الأرثوذكسية، أي بطاركة البطريركيات القديمة: الإسكندرية، أنطاكية وأورشليم، والحديثة: موسكو، صربية، رومانيا، بلغاريا وجورجيا. علاوةً على ذلك، تقع على عاتقه المسئولية التاريخية واللاهوتية بالتشريع وتنسيق الفعاليات بين الكنائس الأرثوذكسية في قبرص واليونان وبولونيا وألبانيا والتشيكوسلوفاكيا وفنلندة واستونيا، كذلك للعديد من الأبرشيات والأسقفيات في جميع أنحاء العالم، كما هي الحال في أوروبا وأمريكا وأستراليا وآسيا. وهو أيضاً مسئول عن انعقاد المجامع الأرثوذكسية الموسعة والاجتماعات الأرثوذكسية العامة، وعن تقدم الحوارات بين الكنائس وبين الأديان، خادمًا وحدة الكنيسة الأرثوذكسية جمعاء كرمز يُحتذى وكصوتها الأول. إذا تجاوزنا الحدود الدولية والقومية، يُعتبر البطريرك المسكوني القائد الروحي الأعلى لما يزيد عن 300 مليون أرثوذكسي في العالم أجمع.
وهو رئيس الأساقفة المئتان والسبعون من حيث الترتيب في تاريخ ألفي سنة للكنيسة التي أنشأها الرسول إندراوس.
إنَّ الخبرة الشخصية والتحصيل اللاهوتي للبطريرك المسكوني تخولانه نفاذ بصيرةٍ منفرد في العلاقات المسكونية ومسائل البيئة. وقد عمل قداسته بلا كللٍ أو ملل في سبيل المصالحة بين الكنائس المسيحية، واكتسب سُمعة دولية جراء إظهاره إحساساً مرهفاً للبيئة في العالم كله. اجتهد أيضاً في تسيير عجلة الوفاق مع الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الأنجلكانية كما مع معتقدات أخرى، وذلك من خلال الحوارات اللاهوتية ولقاءاته الشخصية مع رؤساء هذه الطوائف لمواجهة القضايا ذات الاهتمام المشترك. يحافظ على تعاون وثيق مع مجلس الكنائس العالمي، وكان قد شغل منصباً في كلٍّ من اللجنة التنفيذية واللجنة المركزية كذلك أيضاً في لجنة الإيمان والنظام. بالإضافة إلى هذا، وبمبادرته الشخصية، دعا إلى العديد من اللقاءات والندوات مع الرؤساء الدينيين من مسلمين ويهود، في محاولةٍ لترقية الاحترام المتبادل والحرية الدينية إلى مستوى عالميّ، ولهذا شدَّد بقوة على اللقاءات فيما بين الأديان في العالم أجمع. أخيراً، شغل البطريرك المسكوني دوراً طليعياً في الإعادة التاريخية لإحياء الكنائس المستقلة في كلّ من ألبانيا واستونيا، مانحاً دعمه الروحي والخلقي للعديد من البلاد ذات التقاليد الأرثوذكسية، التي كانت موضعاً للاضطهادات الدينية لعشرات السنين جرّاء "القبضة الحديدية".
تابع البطريرك المسكوني برثلماوس، كمواطن تركي، تعليمه الابتدائي والثانوي في إمبروس والقسطنطينية. وبعد إتمامه التحصيل الجامعي في كلية خالكي اللاهوتية بالقسطنطينية، تابع دراساته العليا في المعهد البابوي للدراسات الشرقية بالجامعة الغريغورية في روما، وبمعهد " بوسيه" المسكوني في سويسرا، وفي جامعة ميونخ. أما رسالة الدكتوراه فكان موضوعها عن الحق الكنسي. وهو عضو مؤسس لجمعية الحق الكنسي للكنائس الشرقية.
حاز البطريرك المسكوني على دكتوراه شرف من قبل مؤسسات أكاديمية بارزة، كجامعات أثينا، تسالونيك، باترا ويوانينا في اليونان، "جورج تاون" و"يالي Yale" في الولايات المتحدة، وفليندرز في أستراليا، ومانيلا في الفيليبين، كذلك من جامعات لندن وادمبيرغ ولوﭭين وموسكو وبولونيا وبخاريست في أوروبا. وهو يجيد اللغات اليونانية، التركية، الإيطالية، الألمانية، الفرنسية والإنكليزية. وهو ضليعٌ أيضاً بمعرفة اليونانية القديمة واللاتينية.
إنَّ دور البطريرك المسكوني كأول رئيس روحي للمسيحية الأرثوذكسية وكشخصية دولية مرموقة عالمياً، يتقوّى شيئاً فشيئاً على مر الزمن. ساهم في تنظيم عدة مؤتمرات دولية من أجل السلام، وكذلك اجتماعات لمعالجة العنصرية والأصولية، واضعاً جنباً إلى جنب المسيحيين والمسلمين واليهود، بهدف خلق روح التعاون الوثيق والتفاهم المتبادل. دُعيَ لإلقاء خطابات في البرلمان الأوروبي، وفي اليونسكو، وفي منتدى الاقتصاد العالمي كما وفي عدة برلمانات دولية. نظّم ستة مؤتمرات دولية دينية لمناقشة المسائل المتعلقة بعلم البيئة عالمياً من أنهار وبحار، ولمبادراته هذه مُنح لقب "البطريرك الأخضر"، كما حصل على الكثير من الجوائز التكريمية لمساعيه من أجل حماية البيئة.
لقاء تاريخي وبيان مشترك يجمع البطريرك المسكوني برثلماوس الأول والبابا فرنسيس
تمتاز رعاية البطريرك المسكوني برثلماوس بالتعاون على المستوى الأرثوذكسي وبالحوار على المستوى المسيحي وباقي الأديان، وتمتاز أيضاً بالزيارات إلى بلدان أرثوذكسية وإسلامية نادراً ما زارها في الماضي أي من رؤساء الكنائس الأرثوذكسية .إنَّ جهوده في تعزيز الحرية الدينية وحقوق الإنسان، ومبادراته في ترقّي التسامح الديني بين مختلف أديان العالم وسعيه في توجيه السلام بين الأمم وحمايته للبيئة، تخوله تخولاً عادلاً لأن يتصدّر أصحاب الرؤية المستقبلية على مستوى العالم كرسول محبة وسلام ومصالحة. عام 1997 منحه الكونغرس الأمريكي الميدالية الذهبية للكونجرس.
عدد المؤمنين التابعين لبطريركية القسطنطينية 4- 5 ملايين حالياً. وكانت تعدّ في القرن العاشر 624 أبرشية، ولم تعد تشمل اليوم إلاّ البلاد التالية:
تركيا
جزيرة كريت وبعض جزر بحر إيجه
جميع اليونانيين في "الشتات"، وبعض أبرشيات الروس، والأوكرانيين والبولونيين والألبانيين في المهجر.
جبل آثوس
فنلندا
في نهاية الحرب العالمية الأولى، كان يقطن تركيا نحو 1.500.000 من الشعب اليوناني إلا أن معظمهم قتل أو نفي في نهاية الحرب الكارثة بين اليونان وتركيا السنة ال 1922. واليوم (في ما عدا جزيرة أمبروس) تعتبر اسطنبول (أي مدينة القسطنطينية) المدينة التركية الوحيدة التي يحق لليونانيين الإقامة فيها. وباستثناء البطريرك لا يحق لأعضاء الإكليروس الأرثوذكس التجوّل في المدينة بألبستهم الإكليريكية. وتضاءل عدد أفراد الطائفة اليونانية كثيراً منذ فترت الاضطرابات المعادية لليونان وللمسيحية في الوقت نفسه التي وقعت في 6 سبتمبر 1955. فخلال ليلة واحدة تمّ سلب وانتهاك ستين كنيسة من الكنائس الأرثوذكسية الثمانين الموجودة في القسطنطينية. وقدّرت قيمة الخسائر التي لحقت بممتلكات المسيحيين بخمسين مليون جنيه استرليني. مذ ذاك آثر عدد كبير من اليونانيين بالطبع العيش في مكان آخر، إلى جانب أولئك الذين طردتهم السلطات التركية. وبدلاً عن كثافة السكان اليونانيين في السابق، لم يبقَ في أحياء القسطنطينية سوى أقلية مرتاعة، تنتمي في كليتها تقريباً لأشد الطبقات فقراً. وفي السنوات الأخيرة هُدد البطريرك نفسه بالطرد عدة مرات. وهذا الخطر لا يزال محدثاً. وقد أنهى البطريرك أثيناغورس مدة ولايته (1948- 1972) وخلفه البطريرك ديمتريوس الذي كان يعمل بكثير من الصبر والكرامة في هذه الأوضاع المأساوية.