رسائل "أسامة بن لادن" تكشف العلاقات السرية بين القاعدة وإيران
الخميس 03/مارس/2016 - 01:08 م
طباعة

كشف قسط جديد من وثائق بن لادن التي صادرتها المخابرات الأمريكية بعد الغارة التي أفضت إلى مصرع زعيم القاعدة "أسامة بن لادن" في 2011، ورفعت عنها السرية أخيراً- عن بعض التفاصيل الجديدة في شخصية زعيم التنظيم الإرهابي وتعامله مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية.
التعاون مع إيران

وقد كشفت رسائل وخطابات لرئيس تنظيم القاعدة الراحل، أسامة بن لادن، بخط يده، تتناول قضية تعامل القاعدة مع طهران، بحسب وثائق نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية.
وكما جاء في رسالة كتبت بخط يده لأحد قيادات "القاعدة" موجهة لشخص يدعى "توفيق"، تحدث في ورقته عن مجريات لقائه بأحد الأشخاص من طهران قائلاً: "الإيرانيون مهتمون لعمل ارتباط مع أحد من طرف "العمدة" (كلمة مشفرة كناية عن زعيم تنظيم القاعدة)، وذلك ليس فقط لوضع المرضى وإنما يهمهم بالدرجة الأولى الوضع في العراق؛ حيث إنهم يعتقدون أن الأخوة هناك وبالذات الأزرق (المرجح المقصود أبو مصعب الزرقاوي) ومجموعته لهم دخل في الاعتداءات على الأماكن والعتبات المقدسة لدى الشيعة".
وأضاف صاحب الرسالة: "لذا يرغبون إما بمقابلة مندوب من طرف العمدة لمناقشة هذا الأمر والاستيضاح حوله وإمكانية التعاون؛ حيث إنهم- على حسب تقدير الأخ الوسيط- يرغبون بتقديم نوع من الدعم والمساعدة إذا تم تسوية بعض النقاط وهم يرغبون على الأقل بالحصول على رسالة بتوضيح العمدة، يؤكد فيها أن الأماكن المقدسة لدى الشيعة ليست مستهدفة من قبل الأخوة، وأنها ليست ضمن الأهداف المراد ضربها".
وتبعاً لتقديرات المرسل فإن الإيرانيين باتوا عاجزين عن القيام بدور عبر الموالين لهم أو بصورة مباشرة من قبلهم داخل العراق، وهو ما جعل الإيرانيين- كما ذكر-: "يودون التعاون ولكن بعد الحصول على بعض الاستيضاحات والتطمينات، كما يحبذون مقابلة مندوب حتى تتم مناقشة كثير من الأمور بتفصيل وشمولية"، بحسب العربية نت.
وقال بن لادن، في رسالة أخرى يبدو أنها كانت موجهة إلى جهة متعاونة مع "القاعدة"، لم يذكر النص اسمها، سوى لتوجيهها إلى شخص يُدعى الشيخ كارم: "لا أدري لماذا أعلنتم التهديد على إيران؟.. وإن رأيي مخالف للتهديد.. وأناقش مسألة إعلانه، وإنه سياسيا يُعدّ خسارة لكم". وبرر بن لادن اعتراضه على تهديد إيران، قائلاً: "إيران هي الممر الرئيس لنا بالنسبة إلى الأموال والأفراد والمراسلات، وكذلك مسألة الأسرى".
وأوضح أنه "لا داعي لفتح جبهة مع إيران، إلا إذا كنتم مضطرين لفتحها؛ لتعاظم أذاها، وإلا إذا كنتم أيضًا قادرين على إلحاق الأذى بها. فالرأي عندي تأجيل فتح الجبهة معها، والانصراف كليا لتثبيت دعائم الدولة، والقتال ضد الصليبيين والمرتدين".
وأضاف: "إذا قررتم أنه لا بد من فتح جبهة مع إيران، ورأيتم في أنفسكم القدرة على إلحاق الأذى بها، فالرأي عندي أيضًا ألا تعلنوا ذلك، وألا تهددوا به، بل نفذوا ضرباتكم في صمت، وتفهمونها أو تتركونها تفهم أنكم الضاربون؛ لأن هذا أحفظ لسمعتكم إذا لم تؤت الخطة ثمرتها، وأدعو إلى سهولة التفاوض مع إيران إذا نالها الأذى الشديد".
تبادل مصالح

الوثائق أثبتت- ولأول مرة على لسان زعيم ومؤسس تنظيم "القاعدة" سابقاً، أسامة بن لادن- أبعاد التعاون اللوجيستي بين "القاعدة" وإيران، والذي لم يكن مقتصراً لسنوات على اعتبار طهران ممراً رئيسياً بالنسبة "للأموال والأفراد والمراسلات.
فكما بدا من خلال وثائق ومراسلات زعيم تنظيم "القاعدة" التي أفرجت عنها واشنطن مؤخراً ضمن الدفعة الثانية مما صادرته القوات الأمريكية بعد مقتل بن لادن في 2011 بمخبئه في مدينة أبوت آباد الباكستانية، أنها لم تكن خدمات بالمجان، وإنما مقابل أثمان قبضتها ولاية الفقيه بخدمة "القاعدة" للمراقد الشيعية.
وكان لافتاً تجاوز الخلاف الأيديولوجي بين كل من إيران و"القاعدة" في سبيل تحقيق مصلحتهما البراغماتية، رسم صورته استخدام مراسلات بن لادن لوصف "المراقد الشيعية المقدسة" في خطاب وجهه أحد قيادات التنظيم في العراق سنة 2003.
ومما يتضح من المراسلات والوثائق إمساك الإيرانيين بأوراق مختلفة للضغط على التنظيم عبر أسر وعائلات "القاعدة" وعناصرهم أو من أسماهم الأسرى، فكانت المرارة واضحة في خطاب زعيم التنظيم أسامة بن لادن، الموجه لمن أسماهم المسئولين الإيرانيين قائلاً: "لا شك أن العقلاء في إيران وخارجها يتساءلون لمصلحة من تتم هذه الإساءات إلى المجاهدين والمهاجرين وأطفالهم من أهل السُّنة، وعلى كل حال يجب إطلاق سراح جميع أسرانا فوراً، وإعطائهم الفرصة لكي يرجعوا من حيث أتوا".
وبحسب ما ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية، اليوم الأربعاء، إلا أن التساؤل الأبرز يدور حول السبب في الاحتفاظ بسرية هذه الوثائق وطرحها على الشعب الأمريكي.
وأضافت الصحيفة، في مقالها الافتتاحي، أن عددًا من الوثائق التي تركها بن لادن في محل إقامته تظهر أن الزعيم السابق لتنظيم القاعدة شن بالعديد من العمليات، بالتعاون مع إيران، مشيرة إلى التصريحات التي أدلى بها نائب الرئيس الأمريكي السابق، ديك تشيني، حول رسائل تفضح دورًا إيرانيًّا بارزًا في عمليات القاعدة، بل والسماح لعناصر التنظيم المتطرف للعبور عبر الأراضي الإيرانية.
وأضافت الصحيفة الأمريكية البارزة، أن الأمر الذي لا يقبل تشكيك بأي حال من الأحوال هو أن هناك دورًا إيرانيًّا بارزًا في تسهيل حركة عناصر التنظيم للدخول والخروج من أفغانستان عبر الأراضي الإيرانية.
وقالت وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية، بحسب ما نقلت عنها شبكة "سي إن إن" الأمريكية: إن الوثائق "تفضح أن إيران هي "الممر الرئيسي للقاعدة بالنسبة إلى الأموال والأفراد والمراسلات والأسرى"، ويدعو فيها بن لادن إلى "عدم فتح جبهة" ضد "الدولة الشيعية".
المشهد الآن

علاقة إيران بتنظيم القاعدة غامضة وفيها مفارقة. فرغم أن هذا التنظيم التكفيري يمثل العدو الأيديولوجي الأشد للشيعة، الذين يفترض أن إيران تمثل دولتهم الكبرى في العالم، لكن علاقة هذا التنظيم السُّنِّي المتطرف بتشكيلات الحرس الثوري الإيراني (باسداران) وبخلايا المخابرات الإيرانية لا تبدو سيئة البتة، بل كان هناك تعاون كامل وكبير بين القاعدة التنظيم السني المتطرف وإيران الشيعية المتشددة، وهو ما يفتح الأنظار حول علاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية السنية؛ خاصة في المنطقة العربية وطبيعة الأهداف والعمليات التي نفذت لصالح طهران؟