الإخوان المسلمون بين الداخلية المصرية والكونجرس الأمريكي
الإثنين 07/مارس/2016 - 05:03 م
طباعة


حادثة مروعة استيقظت عليها مصر منذ ثمانية أشهر ولم تستطع الأجهزة الأمنية التعرف على منفذي هذه العملية التي راح ضحيتها النائب العام المصري هشام بركات بتفجير سيارة استهدفت موكبه، ومؤخرًا اتهمت السلطات جماعة «الإخوان المسلمين» بتنفيذ الاغتيال، كما اتهمت حركة «حماس» الفلسطينية بتدريب منفذيه في قطاع غزة. وأعلنت أجهزة الأمن أنها أوقفت 14 «متورطاً» في القضية، وأن نيابة أمن الدولة العليا أمرت بحبسهم 15 يوماً على ذمة التحقيقات.
وكان المستشار هشام بركات اغتيل في 29 يونيو الماضي بتفجير سيارة استهدفت موكبه لدى خروجه من منزله في أحد أحياء مصر الجديدة (شرق القاهرة). وتوفي بعد ساعات من الحادث إثر إصابته بتهتك في الرئة والكبد ونزيف داخلي لم يتمكن الأطباء من السيطرة عليه.
وأعلن وزير الداخلية مجدي عبدالغفار في مؤتمر صحافي أول أمس تفاصيل القبض على المتهمين، متهماً في شكل رسمي جماعة «الإخوان» بتنفيذ الاغتيال. وتحدث عن «مؤامرة ضخمة جداً من جانب جماعة الإخوان الإرهابية لزعزعة استقرار الدولة وتخريب منشآتها والقضاء على مقدراتها كافة»، قبل أن يستدرك بتأكيد أن جهاز الأمن «كان قادراً خلال الفترة الماضية على كشف هذه المخططات ومرتكبيها». وأضاف: «بدأنا منذ فترة طويلة العمل بأساليب مختلفة، واعتمدنا أساليب فنية حديثة لاختراق التواصل، واستطعنا أن نضع أيدينا على هذه المؤامرة التي كانت تستهدف الإخلال بمقومات الاستقرار في الدولة».
وأوضح أن «هذا المخطط منطلقه توجيهات صادرة من قيادات إخوانية هاربة إلى تركيا وبالتنسيق مع الذراع المسلحة للجماعة في غزة، حركة حماس، التي ضلعت بدور كبير في تنفيذ هذا المخطط وتنفيذ عملية اغتيال النائب العام وأشرفت على العملية منذ بدايتها حتى تنفيذها».
وأشار إلى أنه «قبل حادث التفجير بفترة، صدر تكليف من الإخواني الهارب يحيى السيد موسى، وهو طبيب مطلوب ضبطه في قضايا عدة كان الناطق باسم وزير الصحة في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، وفر إلى تركيا حيث يقود مجموعة كبيرة من كوادر التنظيم في مصر لارتكاب هذه العمليات ومنها اغتيال النائب العام». وأضاف أن «التكليف صدر بالتزامن مع ذلك لأحد كوادر جهاز الاستخبارات التابع لحركة حماس في غزة، بتنفيذ العملية في إطار عمليات عدة متتالية، ثم بدأ عمل عدد من العناصر التي كلفت التدريب على أعمال التفجيرات وإعداد العبوات ورصد المواقع على يد عناصر حماس في غزة».
وأشار إلى أن بدواً من سيناء «أشرفوا على تهريبهم من سيناء إلى قطاع غزة، قبل أن يعودوا إلى البلاد مرة أخرى، وبدءوا عملية الرصد التي استمرت نحو شهر، كانوا فيها على اتصال مع عناصر حماس وموسى في تركيا، وبدءوا إعداد العبوة التي بلغ وزنها 80 كيلوغراماً واستعانوا بتركيبها بكوادر حماس».

وأضاف أن «المتهمين جهزوا العبوات في محافظة الشرقية وكلفوا بعض العناصر بشراء السيارة من سوق السيارات في حي مدينة نصر (شرق القاهرة)، قبل أن يعدّوا السيارة بالمتفجرات في ضاحية الشيخ زايد في مدينة السادس من أكتوبر» جنوب القاهرة. وأوضح أنه في يوم الاغتيال «تم نقل السيارة إلى موقع الحادث، وأشرفت بقية العناصر على عملية التفجير، وعقب التفجير تم إرسال صور الانفجار إلى عناصر حركة حماس ثم إلى الهارب يحيى موسى».
ولفت إلى أن «هذا المخطط كان يضم مجموعة من العمليات الأخرى تم كشفها لاستهداف عدد من الشخصيات وسفارات عدد من الدول الأجنبية والعربية المتعاونة مع مصر، وتم كشف بعض العمليات التي ارتكبتها تلك الخلية وضبط جميع العناصر التي شاركت في تلك العمليات».
وأوضح أن عملية اغتيال النائب العام «شارك فيها 14 عنصراً، فيما ضمت الخلية 48 عنصراً تم ضبطهم وفي حوزتهم العديد من السيارات المعدة للتفجير في محافظتي الجيزة والشرقية وفي داخلها كميات هائلة من المتفجرات، وكشف العديد من الشقق السكنية في محافظات عدة كانت تستغل لتصنيع المتفجرات وفيها كميات ضخمة من المتفجرات، وتقديم جميع المضبوطين للنيابة وقد اعترفوا جميعاً» بالمشاركة في الاغتيال.
وجزم عبدالغفار بأن «جماعة الإخوان هي المسئولة عن الحادث باعتراف الكوادر التي شاركت في هذا الحادث والحوادث التي كان يتم التخطيط لها»، موضحاً أن «جميع المضبوطين تابعون للجماعة والذين أصدروا التكليفات إخوان، أما كوادر حركة حماس فشاركوا فقط في التخطيط والتدريب على الرصد وإعداد المتفجرات من داخل قطاع غزة... ولم يتواجد منهم أحد هنا».
وقالت النيابة في بيان لها إنها أمرت بسجن المتهمين في القضية 15 يوماً على ذمة التحقيقات، بعدما نسبت إليهم تهم «التخطيط والتنفيذ لجريمة اغتيال بركات أواخر يونيو الماضي»، و«ارتكابهم جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار للنائب العام الراحل تنفيذاً لغرض إرهابي، وحيازة مواد متفجرة واستخدامها، والانضمام إلى جماعة إرهابية مؤسسة على خلاف أحكام الدستور والقانون، الغرض منها الدعوة إلى تعطيل القوانين ومنع مؤسسات الدولة من ممارسة أعمالها والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين والإضرار بالسلام الاجتماعي وتتخذ من الإرهاب وسيلة لتنفيذ أغراضها.
المتهم الأول:

والمتهم الرئيس في هذه القضية هو يحيي السيد إبراهيم موسى، طبيب مصري حاصل على ماجستير أمراض المفاصل والعمود الفقري، وكان يمتلك عيادة في القطامية والمتحدث الرسمي باسم وزير الصحة في عهد الرئيس الأسبق محمد مرسي. له عدة تصريحات بوسائل الإعلام أثارت الجدل كان أبرزها التي تحدث فيها عن وقائع أحداث الحرس الجمهوري، حيث قال في مداخلة هاتفية للتليفزيون المصري: "أنا كنت شاهد عيان علي ما حدث حيث كنت متواجد مع رجال هيئة الإسعاف في المكان.. وأقول شهادة لله وللتاريخ أن ما حدث هو مجزرة متكاملة الأركان من قوات الجيش والداخلية ضد المعتصمين السلميين الذين لم يكن معهم أي سلاح وتم قتلهم بدم بارد، بعد خنقهم بقنابل الغاز، وهذا ما رأيته وشاهدته بنفسي أنا ورجال الإسعاف والمتواجدين هناك". وانتهت المداخلة بعد تدخل المذيعة بالقول:" آلو.. يبدو أننا فقدنا الاتصال مع الدكتور يحيى موسى"!. تم عزله من منصبه بعد التصريحات التي هاجم فيها قوات الجيش والشرطة، وخرج بيان من وزارة الصحة جاء فيه "إن الوزارة لا يوجد بها متحدث رسمي أو مستشار إعلامي باسمها في الوقت الحالي، وإن كلاً من الدكتور خالد الخطيب والدكتور محمد سلطان هما المتحدثان الرسميان لها فيما يخص الإعلان عن أعداد المصابين والوفيات". ونبهت وزارة الصحة في البيان، على وسائل الإعلام "بعدم التعامل مع الدكتور يحيى موسى كمتحدث رسمي أو مستشار إعلامي لها"، مؤكدة أنها لم تكلفه بهذه الوظيفة لا سابقًا ولا حاليًا، وأن توصيفه الوظيفي هو مدير لمكتب المستشار الإعلامي السابق، ويختص بالنواحي الإدارية فقط، وأن ما حدث من تكرار ظهوره في وسائل الإعلام في الفترة الماضية للحديث باسم الوزارة استند فيه إلى انتمائه السياسي لجماعة الإخوان المسلمين في الفترة ما قبل 30 يونيو. وأشار بيان الوزارة وقتها إلى أن "الوزارة ستقاضي الدكتور يحيى موسى لانتحاله صفة المتحدث الرسمي باسمها دون تكليف رسمي منها، ما يعرض الأمن القومي المصري للخطر، ويخرج برسالة وزارة الصحة من حياديتها إلى التسييس، وهو ما يعد خروجًا على ثوابت الوزارة التي تُعْنَى بالمجال الإنساني وتقديم الخدمة للمواطن المصري أيا كان انتماؤه". وفي يوم 8 سبتمبر 2014 خرج موسى خلال لقاء له على قناة "الجزيرة مباشر مصر" يوضح سبب تكرر الانقطاع المتكرر في التيار الكهربائي بمصر والذي أدى إلى وفاة العشرات من الأطفال داخل الحَضَّانات في المستشفيات. ظهر في برنامج "على مسئوليتي" على قناة الجزيرة مباشر في نفس العام وتحدث عن سياسة وزارة الصحة في عهد محمد مرسي، والكثير من الأمور الأخرى حول تلك الفترة. وأخيرًا شن يحيى موسى في 19يناير 2015، هجومًا عنيفًا على رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس الذي اتهم "حماس" بالاتفاق مع إسرائيل لإنشاء دولة فلسطينية على أراضي قطاع غزة مضافة إليها أراضي مصرية كما اتهمه بإصدار أوامره للانسحاب من المصالحة.
ماذا بعد؟

بعد أن أعلن وزير الداخلية المصري اللواء مجدي عبدالغفار تورط ضباط بحركة حماس في تدريب المنفذين لعملية اغتيال النائب العام السابق المستشار هشام بركات بتكليف من القيادي الإخواني الهارب في تركيا يحيى موسي ثارت تساؤلات مهمة، منها: ماذا يمكن أن تفعله مصر تجاه حماس وتركيا؟ وما هي الإجراءات التي يجب أن تتبعها لملاحقة العناصر المتورطة سواء في حماس أو المقيمة على أرض تركيا؟
الخبير القانوني المصري الدكتور أيمن سلامة أستاذ القانون الدولي يؤكد أن القانون الدولي لا يعفي حماس من المسئولية القانونية، فوفقا لأحكام القانون فهي كحركة وكمنظمة لا ترقى لمرتبة الدول ذات السيادة إلا أنها باعتبارها سلطة الأمر الواقع في قطاع غزة تعد مسئولة ككيان عن مكافحة الإرهاب واتخاذ التدابير اللازمة لمحاربته ومنع تسلل الإرهابيين لدول الجوار أو تدريب عناصر إرهابية على أراضيها، وطالما أن مصر لديها الأدلة على تورط عناصر من حماس في اغتيال النائب العام الراحل فتقع على حماس مسئولية جنائية.
ويضيف سلامة أن المسئولية الجنائية هنا تعني أن يقوم قادة حماس بتقديم المتورطين في الجريمة للعدالة وإذا لم تقدمهم فيحق لمصر قانونًا أن تطلب اجتماعًا عاجلاً لمجلس وزراء الخارجية العرب إعمالًا لتنفيذ اتفاقية جامعة الدول العربية لمكافحة الإرهاب عام 1998 ولمصر باعتبارها الدولة المتضررة من الإرهاب والعضو في الجامعة العربية أن تطالب المجلس الوزاري أن يقر لها بما تراه من إجراءات يمكن أن تتخذها ضد أي من المتورطين، سواء كانوا تابعين لدول أو منظمات أو حركات أو أفراد وسواء من حماس أو تركيا.
وبالنسبة لتركيا التي تأوي العقل المدبر للعملية، قال سلامة إنه بموجب القرار رقم 1373 الصادر عن مجلس الأمن في 28 سبتمبر من العام 2001 والذي طالب وألزم كافة الدول الأعضاء باتباع آليات محددة لمكافحة الإرهاب منها حظر وإيواء القيادات أو العناصر الإرهابية أو الجماعات أو التنظيمات التي تمارس الإرهاب كما يحظر- وفقًا للقرار ذاته – على الدول أن تجعل من أقاليمها نقطة عبور أو انطلاق للتنظيمات الإرهابية، وهو ما يعني أن تركيا ملزمة بتسليم هذا الإرهابي الذي يقيم على أراضيها، فضلًا عن ضرورة التزامها بتسليمه لو طلبت مصر من الانتربول الدولي تقديم مذكرة حمراء ضده.
ويشير سلامة إلى جواز دعوة مصر لاجتماع طارئ لوزراء الخارجية العرب وعرض شكواها ضد تركيا وتقدم ما لديها من أدلة وتقترح على مجلس الجامعة الإجراءات التي تريد أن تتخذها ضد تركيا.
الكونجرس:

المشكلة الثانية التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين وتكاد تربك حساباتها خلال الفترة القادمة ليست ردود الفعل على مقتل النائب العام هشام بركات، والذي من الممكن أن يكون دليل إدانة للجماعة على المستوى الدولي خصوصًا بعدما مررت اللجنة القضائية بالكونجرس الأمريكي، مشروع قانون يطالب الخارجية بتصنيف جماعة الإخوان جماعة إرهابية؛ نظرًا لما تمثله من خطر إرهابي على الأمن القومي الأمريكي وعلى الأمن العام.
فقد أصدر "ماريو دياز بلارت"، النائب الجمهوري بمجلس النواب الأمريكي، بيانًا بتفاصيل مشروع قانون مررته اللجنة القضائية بمجلس النواب الأمريكي لمطالبة الخارجية الأمريكية بتصنيف "الإخوان المسلمين" جماعة إرهابية.
وقال بلارت، في البيان المنشور بالموقع الرسمي الخاص به: "إن مشروع القانون تم تمريره بعد أن صوت 17 نائبًا أمريكيًّا بالموافقة مقابل 10 أصوات رافضة"، موضحًا أنه تقدم بمشروع القانون في مجلس النواب فيما تقدم السيناتور تيد كروز بمشروع قانون مماثل في مجلس الشيوخ.
وتضمنت مسودة القانون مطالبة إدارة الرئيس باراك أوباما، بـ«تقديم تبرير مفصل عن أسباب رفضها وضع الجماعة ضمن قائمة الإرهاب الدولي، ويتم تقديم هذا التبرير إلى الكونغرس خلال مدة لا تتجاوز ستين يوما».
وبينما يرى المناهضون لجماعة الإخوان الإرهابية أن الموافقة على مناقشة هذا القانون، ضربة للجماعة، يرى بعض المحللين السياسيين أن فرص تنفيذ مثل هذا القانون صعبة جدًا، فيحتاج مشروع القانون لرفعه إلى مجلس النواب الذي يضم 435 عضوًا، ومن ثم إلى مجلس الشيوخ، قبل أن يتم طرحه على البيت الأبيض، الذي يُسيطر عليه الديمقراطيون، والذي لا يرى أن الإخوان المسلمين منظمة إرهابية.
وفي هذا السياق قال ستيفين كليمنز، رئيس تحرير دورية «ذي أتلانتك» الأمريكية في تصريحات صحفية: "إن الموافقة على مناقشة القانون هي مسألة إجرائية". لكنه استبعد أن يصدر مثل هذا القرار بشأن جماعة في حجم الإخوان المسلمين- حسب قوله، مؤكدًا أن البيت الأبيض والحزب الديمقراطي يدعمون جماعة الإخوان.
وصرح كليمنز أن الولايات المتحدة لم تكن موافقة على عزل مرسي من منصبه الرئاسي، كما أنها سعت لدمج الجماعة في العملية السياسية من خلال إيفاد أكثر من مبعوث للإدارة الأمريكية.