مكاريوس الثالث.. أول رئيس لقبرص
الثلاثاء 13/أغسطس/2024 - 10:10 ص
طباعة
عندما يختلط الديني بالسياسي دائما ما تنتج الكوارث، ولعل حياة البطريرك مكاريوس الثالث (13 أغسطس 1913 - 3 أغسطس 1977)أول رئيس لقبرص المستقلة من عام 1955 وحتى وفاته عام 1977. وكبير أساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية في نفس الوقت، وأكبر دعاة الوحدة مع اليونان خلال الاحتلال البريطاني لجزيرة قبرص.
ميلاده:
اسمه عند الولادة "ميخائيل خرستودولوس موسكوس"، ولد لأسرة مزارعين في قرية بانو بانايا التي تبعد 30 كم عن بافوس جنوب غرب قبرص، دخل دير كيكو وهو في الثالثة عشرة وبعد ذلك التحق بمدرسة بانكبريان في نيقوسيا ليتم الدراسة الثانوية ومن ثم انتقل إلى أثينا ليدرس اللاهوت في جامعتها.
بعد أن نال إجازة في اللاهوت تابع دراساته الجامعية في القانون وذلك خلال فترة الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1946 تمت رسامته كاهنًا، بعد ذلك نال من مجلس الكنائس العالمي منحة في الدراسات العليا في كلية اللاهوت في جامعة بوسطن الأمريكية. وخلال دراسته هناك تم انتخابه أسقفاً على كيتيون فعاد إلى بلاده ليتولى مهامه الجديدة باسم "مكاريوس" وذلك في صيف عام 1948.
لعب الأسقف مكاريوس دوراً هاماً في الحركة التي كانت تدعو لضم قبرص إلى اليونان (الإينوسيس)، فكان من أبرز ما قام به خلال تلك الفترة هو تنظيم استفتاء برعاية الكنيسة في شهر يناير من عام 1950 عبر فيه القبارصة اليونانيون عن رغبتهم بتحقيق الوحدة مع اليونان وذلك بنسبة 96 %. وذلك ضد محاولات ضمها لتركيا
توليه رئاسة الكنيسة والجمهورية:
بعد وفاة مكاريوس الثاني في شهر يونيو/حزيران 1950 تم انتخاب مكاريوس الثالث (37 سنة) خلفاً له كرئيس لأساقفة الكنيسة القبرصية الأرثوذكسية وذلك بتاريخ 18 أكتوبر/تشرين الأول من العام ذاته فكان أصغر من تبوء هذا المنصب في تاريخ كنيسة الجزيرة. وفي خطاب التنصيب تعهد مكاريوس بأن يضع على رأس أولوياته مشروع الوحدة مع اليونان "الوطن الأم" كما وصفها آنئذ. وبذلك قوي الدور السياسي للكنيسة قامت بريطانيا بنفيه إلى جُزُر السيشل وذلك عام 1956 ولكنها عادت وأطلقت سراحه في العام التالي وبعدما نالت قبرص استقلالها تمّ أنتخابه أوّلَ رئيس لجمهورية قبرص الناشئة بتاريخ 13 ديسمبر/كانون الأول عام 1959.
أطاح به انقلاب عسكري في شهر يونيو/حزيران عام 1974 فاضطر إلى مغادرة البلاد، وخلال تلك الفترة قامت القوات التركية بغزو قبرص وإحكام السيطرة على الجزء الشمالي منها. عاد مكاريوس مجدداً إلى الجزيرة ليكون رئيساً لفترة ثانية استمرت حتى وفاته في 3 أغسطس/آب 1977، وهناك مقالات وأبحاث تتهم مكاريوس بالتعصب ضد مسلمي قبرص والذين أبدوا رغبتهم في الانضمام إلى تركيا.
خاصة بعد اندلاع العنف ضد المسلمين الأتراك القبارصة سنة 1963 نتيجة محاولات الأسقف مكاريوس الاستقلال بقبرص للخروج من دائرة النفوذ التركي، تحرك الجيش التركي واستولى على طريق مهم، كان يعتبر عصب جزيرة قبرص، وكانت تركيا تنوي غزو قبرص لحماية المسلمين الاتراك من سياسة التطهير العرقي، لولا الضغوط الغربية وأولها الضغط الامريكي، واسفرت اعمال العنف التي قام بها اليونانيين الارثوذوكس ضد المسلمين في قبرص عن 700 رهينة منهم الكثير من النساء والاطفال تم خطفهم من الاحياء الشمالية في نيقوسيا، و 193 شهيد تركي و209 مفقودين بينما خسر قتل من اليونانيين 133 وفقد 41، وفي أعقاب الأزمة حاصر الحرس الوطني القبرصي الأرثوذوكسي الانتماء، مناطق تواجد المسلمين الاتراك لمنع الطعام والحركة عنهم. وهو ما اطلقت عليه صحيفة الديلي ميل البريطانية ( مجازر ضد الاتراك )، وانقاذا لأرواح المسلمين عرضت تركيا حل تقسيم الجزيرة بين المسلمين الاتراك وبين اليونانيين. ولكن حتى مسألة التقسيم تم رفضها وأراد مكاريوس الاحتفاظ بالجزيرة بما عليها من اتراك دون ان يكون لهم رأي. وعلي الجانب الكنسي اصبح هناك اتهامات بالعكس حيث ترتفع اعداد الضحايا من القبارصة اليونانيين ونسب الابادة للأتراك .
علاقته بعبد الناصر:
وعن الموقف المصري من مكاريوس نجد حفاوة واستقبال من الرئيس جمال عبد الناصر عند زيارته لمصر في اغسطس 1961
والقي الرئيس جمال عبد الناصر كلمة في حفل عشاء أقيمت لتكريم الأسقف "مكاريوس" رئيس قبرص بقصر الطاهرة وتكشف الكلمة عن عمق العلاقة بينهما جاء فيها
سيادة الرئيس:
إن ترحيبنا القلبى بكم اليوم هنا في عاصمة الجمهورية العربية المتحدة، تعبيراً عن تقدير شعبنا، إنما يحمل في طياته معانى واسعة المدى، إنه يحمل - يا سيادة الرئيس - المعنى العميق لحتمية انتصار الحرية.
فمنذ فترة قليلة من الزمان أتيح لنا أن نرحب بكم هنا قائداً للنضال الشعبي في قبرص الصامدة المصممة على حريتها. وها نحن - ولم تمض من الزمان إلا فترة قليلة - نستقبلكم هنا وقد حقق نضالكم الشعبي أهدافه، وأصبحت قيادة الثورة هي رئاسة الدولة في البلد المستقل الجديد.
كذلك فإن هذا الزى - الذى ترتدونه هنا الآن - يحمل المعنى العميق فى الصلة بين رسالة الحرية ورسالة الدين، فإن الله الذى أودع الإنسان إنسانيته منحه الإرادة التى يتحتم عليه بها أن يحمى وديعة الله فيه، وأن يصونها، وأن يعز كرامته.
والواقع - يا سيادة الرئيس - أن الارتباط بين الدين والوطنية وثيق متين، فكلاهما كل دعوة دين، وكل انتفاضة وطنية، هما فى الحقيقة نداء إلى الحرية، أحدهما من نور الله والثانى انعكاس هذا النور على ضمائر البشر.
سيادة الرئيس:
لست فى حاجة إلى أن أعيد عليكم مرة أخرى تقديرنا للنضال الشعبى القبرصى، الذى توليتم قيادته إلى أهدافه، فذلك حديث حققته التجربة العملية فى موقفنا من هذا النضال.
ولقد كنا نصدر فى تأييدنا لقضية الحرية فى قبرص عن إيمان لا يتزعزع بارتباط معارك الحرية فى كل مكان، وعلى أرض جميع الشعوب، والواقع أنه ما من مثال يبلور هذا الارتباط عملياً كذلك المثال الذى تجلى فى حالة قبرص والجمهورية العربية المتحدة.
ولقد أثبتت تجربة العدوان على مصر سنة ٥٦ أن الاستعمار الذى كان يحاول قهر الشعب القبرصى. لم يتورع فى نفس الوقت عن استغلال أراضي هذا الشعب الباسل؛ ليستعملها قواعد يحاول منها أن يقهر شعبنا، وأن يفرض عليه الهزيمة، وقد كان اندحار العدوان علينا هزيمة وجهت إلى القوة التى كانت تحاول قهركم.
كذلك فإن انتصار الحرية فى قبرص هو فى الواقع المادي - فضلاً عن كل القيم المعنوية - تأمين للحرية فى الجمهورية العربية المتحدة، وسلامة لها من تهديد ظل فترة طويلة رابضاً فى البحر، متربصاً أمام شواطئ إقليمينا.
سيادة الرئيس:
والواقع أن الارتباط الوثيق بين قضية الحرية يمهد لارتباط وثيق آخر مترتب عليه؛ هو وحدة العمل من أجل السلام. والحق أنه ليس أقدر من الأحرار على توجيه عملهم دعماً للسلام، ولابد لنا هنا من أن نشيد بجهودكم الواضحة فى خدمة السلام على رأس الدولة الجديدة الوليدة. وإنها لخدمة من أجل السلام هذه التضحيات التى تبذلونها لصيانة الوحدة الوطنية فى بلادكم، وخدمة من أجل السلام قدومكم اليوم إلى بلادنا تدعيماً للفهم، وتعميقاً للتعاون بين شعبينا. وخدمة من أجل السلام، كل جهد يبذل فى التطوير الداخلى والتقدم لمواجهة مسئوليات العصر وحقوق الإنسان فيه بدعائمها من أسباب الحرية الاقتصادية والعدل الاجتماعى، وخدمة من أجل السلام كل متابعة داعية لتطورات الموقف الدولى، وكل مساهمة إيجابية فى توجيهها إلى ما يحقق أمن الجنس البشرى ورخائه.
وبالفعل - يا سيادة الرئيس - فإنه ليس أقدر على الإحساس من الأحرار على العمل من أجل السلام، والعمل من أجل السلام بالنسبة لهم ليس فقط مجرد قدرة نابعة من الإحساس، وإنما هو ضرورة تنعكس عن الحاجة، ففي جو السلام وحده تستطيع الشعوب المناضلة عن الحرية أن تصنع لهذه الحرية مضموناً يمس حياة كل مواطن، ويؤكد له حقه فى الحياة.
سيادة الرئيس:
من حسن الحظ أننا نجتمع وفى الدلائل من حولنا ما يشير إلى أن هناك فرصاً متاحةً للعمل من أجل السلام، ولست أشك أن الاجتماع الذى يعقد اليوم بين الرئيسين " نيكيتا خروشوف" و"جون كيندى" هو محاولة جديدة لتخفيف حدة التوتر الدولى تستحق تأييد شعوب العالم، وتستحق أمانيها الطيبة.
كذلك لست أشك أن المؤتمر التحضيرى لاجتماع رؤساء الدول غير المنحازة، وهو الاجتماع الذى سيعقد بعد غد فى القاهرة، هو الآخر محاولة جدية تمثل تصميم شعوب كثيرة على المبادرة بدعم السلام باعتباره ملك كل الشعوب؛ لأنه أمل كل الشعوب.
سيادة الرئيس:
إن شعب الجمهورية العربية المتحدة يرحب بكم من قلبه قائداً حراً لوطن حر.
أيها السادة:
أرجو أن تقفوا وتحيوا معى شعب قبرص الصديق ورئيسه الأسقف "مكاريوس".