بعد تعنت الإخوان.. الأزمة الليبية تتصاعد والفشل "سيد الموقف"
السبت 26/مارس/2016 - 12:38 م
طباعة

فيما يبدو أن ليبيا ستقدم على مرحلة أسوأ مما آلت إليه، فمع كل بادرة أمل قد تعيد الحياة لطبيعتها، تتزايد الأمور تعقيدًا، وتفشل كافة محاولات الحل السياسي في البلاد؛ ما قد يؤدي إلى فجوة حقيقية في البلاد بين مختلف أطياف الصراع السياسي، الأمر الذي قد يُزيد من توسع وتنامي الجماعات الإرهابية.
ومنذ أن سقط الرئيس الراحل معمر القذافي، ودخلت البلاد في فوضى عارمة، بين صراعات سياسية على تولي الحكم، وكذلك تنامي الجماعات الإرهابية التي استطاعت أن تفرض سيطرتها على مختلف المدن الليبية واتخذت بعضها معقلًا لها ولتخزين الأسلحة الخاصة بها.
ومع تطور الأوضاع، شهدت البلاد تفككًا وانقسامًا بين أطراف يتصارعون على المناصب والحكم دون وضع البلاد في حساباتهم، يأتي ذلك مع زيادة الحكومات إلى ثلاثة أو أربعة حكومات، حكومة طبرق المعترف بها دوليًّا وأخرى في طرابلس منتهية ولايتها وتواليها جماعة الإخوان المسلمين وكذلك ميليشيات فجر ليبيا، وحكومة الوفاق الوطني التي تشكلت في أواخر ديسمبر الماضي، وما زالت الأخيرة تحت مقصلة الحكومتين الأخريين.
الإخوان تتحدى

من جانبه أعلن خليفة الغويل، رئيس الحكومة غير الشرعية والموالية لجماعة الإخوان المسلمين، "حالة الطوارئ القصوى"، وأمر القوات الموالية لحكومته التي لا تحظى باعتراف المجتمع الدولي بتكثيف الدوريات ونقاط التفتيش في المناطق الخاضعة لسيطرتها في غرب البلاد.
وتأتي هذه الخطوة بعد إعلان فايز السراج رئيس حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة الثلاثاء نيته الانتقال إلى العاصمة طرابلس للعمل منها "خلال أيام"، رغم رفض حكومة الغويل تسليمها السلطة.
وجاء في بيان نشر على موقع حكومة طرابلس، أن الغويل أصدر سلسلة قرارات تشمل "إعلان حالة الطوارئ القصوى"، ووضع الحكومة "في حالة انعقاد دائم".
وكلف الغويل وزارتي "الدفاع والداخلية وجهاز المباحث العامة وكتائب الثوار باتخاذ كافة الإجراءات والتدابير الأمنية للحفاظ على استقرار البلاد، وذلك بتكثيف الدوريات والاستيقافات الأمنية والحفاظ على المرافق السيادية".
واستند الغويل في إعلان "حالة الطوارئ" إلى دعوى مماثلة صادرة في يناير عن المؤتمر الوطني العام، البرلمان غير المعترف به دوليا في طرابلس والذي يدعم الحكومة فيها.
وتزامن هذا القرار مع انتشار مكثف لأفراد الميليشيات المُسلحة في أنحاء متفرقة من طرابلس، التي شهدت الجمعة اشتباكات في منطقة جنزور غرب طرابلس استخدمت فيها الأسلحة الخفيفة والمتوسطة.
ولا يتضمن الإعلان الدستوري الليبي الصادر عام 2011 تعريفًا واضحًا لحالة الطوارئ.
لكن القانون رقم 22 الخاص بإعلان "التعبئة"، والذي استند الغويل إليه أيضًا- كما جاء في البيان الحكومي- يشير إلى أنه يترتب على إعلان "التعبئة العامة" في البلاد "تسخير كافة الموارد البشرية والمادية لخدمة المجهود الحربي".
ويرى مراقبون أن هذا التصعيد سيتطور في اتجاهات قد تُعيد الوضع في ليبيا إلى مربع الاقتتال، وذلك بعد اجتماع قادة جماعة الإخوان الليبية في مدينة إسطنبول، وكذلك إعلان المجلس الرئاسي الليبي برئاسة السراج عن قرب انتقال الفريق الحكومي لحكومة الوفاق إلى طرابلس.
خطط وتدابير لمواجهة الحكومة

كانت بدأت الانقسامات والاقتتال يشتعل بين ميليشيات فجر ليبيا التابعة لجماعة الإخوان المسلمين الإرهابية وحاول قادة جماعة الإخوان الليبية في اجتماع في تركيا عقدوه منذ أيام التصعيد ضد حكومة الوفاق الوطني، خاصة وأن ميليشيات فجر ليبيا تسيطر على العاصمة طرابلس.
وخصص ذلك الاجتماع لمناقشة الخطط والتدابير التي يتعين اتخاذها لمواجهة الضغوط السياسية والعسكرية الداخلية والإقليمية والدولية على الجماعة والميليشيات الموالية لها، خاصة بعد اتساع الهوة بين مكونات تحالف فجر ليبيا.
ويرى خبراء في الشأن الليبي أن السؤال الأهم يتمحور حول مدى قدرة هذه الحكومة على العمل بشكل فعال في ظل تواجد حكومتين متنافستين في ليبيا، بينما يعتبر آخرون، أن ولادة الحكومة بهذه الطريقة تزيد الوضع السياسي تأزمًا، وستترتب على ذلك تعقيدات جديدة قد تؤدي إلى عدم استقرار كبير.
كانت دعت حكومة الوحدة، في وقت سابق من هذا الشهر الجاري، لتسليم السلطة على الفور، لكن خليفة الغويل، رئيس الحكومة الموازية في طرابلس حذّرها من الانتقال للعاصمة؛ فيما قالت حكومة طبرق إنها يجب أن تحصل أولا على موافقة البرلمان المعترف به دوليًّا في شرق البلاد.
فيما يرى خبراء في الشأن الليبي أن الولادة المتعثرة لحكومة الوفاق والمستندة إلى بيان موقع من أغلبية نواب البرلمان المعترف به دوليًّا بعد الفشل في حيازة الثقة عبر التصويت، تعمق الانقسام وتزيد المشهدين السياسي والأمني تعقيدًا في هذا في البلد المطل على البحر المتوسط والغني بالنفط والغاز.
كان عيسى عبدالمجيد، مستشار رئيس البرلمان الليبي المعترف به دوليًا، استبعد نجاح رئيس الحكومة الليبية الثالثة فايز السراج من نقل حكومته من مقرها الحالي بتونس إلى العاصمة طرابلس، مشددًا في الإطار ذاته على أن وجودها بالعاصمة لو تحقق سيكون كعدمه؛ لعدم امتلاكها أي صلاحيات أو وجود مؤيدين لها.
وقال عبدالمجيد، في مقابلة بوكالة الأنباء الألمانية: أعتقد أن حكومة السراج ستبقى بالمنفى.. فليس لها دور ولا سلطة لها على أحد في البلاد لينفذ قراراتها… وبالتالي لا صلاحيات لها.. وحتى لو قدمت وهو احتمال ضعيف جدًّا، ستستقر في مقر الأمم المتحدة بمنطقة جنزور الساحلية القريبة من العاصمة ولن تفعل شيئًا.
وتلقى الحكومة الجديدة اعترافًا وتأييدًا إقليميًّا ودوليًّا، والذي كان آخره في اجتماع وزراء خارجية الجوار الليبي والذي عقد مؤخرًا في تونس؛ حيث أكد عبدالمجيد على أن كل ذلك لن يؤثر، والتأييد الدولي لن يفعل شيئًا للحكومة الجديدة.
وقال: "إن 80% من حكومة السراج والمجلس الرئاسي إخوان مسلمون، فإذا كانت دول الجوار تؤيد تلك الحكومة فهذا يعني اعترافهم الواضح بجماعة الإخوان بل وبتنظيم القاعدة وتنظيم الدولة داعش أيضا، إلا أنه عاد وشدد على أن مواقف دول الجوار الليبي لا تتساوى في درجة الحرص على ليبيا وأمنها ومستقبلها". موضحًا بالقول: نحن نعرف أن مصر دولة شقيقة واقفة مع ليبيا، وهذا طبيعي لأن أمن مصر من أمن ليبيا.
تحديات تواجه حكومة السراج

كانت دول الجوار الليبي شددت في اجتماعها الأخير من تونس، على ضرورة تسريع انتقال المجلس الرئاسي إلى طرابلس، معربين عن رفضهم لأي تدخل عسكري لمقاومة الإرهاب.
وقال وزراء الخارجية: "إن أي عمل عسكري لمقاومة الإرهاب يجب أن يكون بناء على طلب من حكومة الوفاق".
ورفض عبدالمجيد اتهامات كوبلر لبرلمان وحكومة طبرق بعرقلة المصادقة على حكومة السراج وبالتالي عرقلة مخرجات اتفاق الصخيرات، مضيفًا: "لو كانت حكومة السراج حكومة سوية وقادرة على فرض استقلال البلاد وبناء الجيش والشرطة وضبط الحدود لكنا دعمناها بلا تردد".
ويرى عبدالمجيد أن أهداف حكومة السراج تتمثل في الحصول على أموال ليبيا المجمدة بالخارج، والتي تقدر بمليارات الدولارات وتمكين الإخوان وغيرهم من التنظيمات الإرهابية من السلطة مجددا ومن ثم العمل على تقسيم البلاد لعدة دويلات.
وكان متابعون توقعوا أن هذه الحكومة ستُشكل عبئًا سياسيًّا جديدًا على المشهد الليبي الذي يئن تحت وطأة تراكم الخلافات، ليعود بذلك إلى المربع الأول الذي يُبقي الباب مفتوحًا على مصراعيه أمام شتى الاحتمالات، بالنظر إلى ضبابية الوضع التي تجعل أمراء الحرب في البلاد هم المستفيدون أولًا وأخيرًا من ذلك.
ويرى خبراء أن الانقسامات ظهرت بوضوح أثناء المحاولات الأخيرة لتكوين حكومة وحدة تحظى بموافقة كل من حكومة المؤتمر الوطني العام في طرابلس ومجلس النواب في طبرق، لكن حتى وإن تمكنت الأمم المتحدة والمجتمع الدولي من ممارسة الضغط على حكومتي طرابلس وطبرق المتنافستين؛ من أجل تجاوز خلافاتهما والعمل مع بعضهما البعض، فإن ذلك الانقسام لا يمثل إلا أحد خطوط الصدع في ليبيا حاليًا.