هل تكون "القوات الخاصة" الأمريكية بداية للتدخل الكبير في سوريا؟
السبت 02/أبريل/2016 - 07:47 م
طباعة

بعد تنامي التدخل العسكرى الروسي في سوريا أصبحت الولايات المتحدة مضطرة إلى التدخل العسكري المباشر في الصراع السوري؛ ولكن معلومات دقيقة حول منطقة دخول قواتها وطريقة حشدها ومواقع التمركز والتحركات والنوايا، وتدقيقها مع مصادر المعلومات الأخرى التي ترد إلى القيادات العسكرية للمساعدة على اتخاذ القرار لتلافي تعرض القوات لمفاجآت، بهدف الحفاظ على أمن القوات وسلامتها من معارضي التدخل، أو فيما يتعلق بالنفوذ الكبير للجماعات الجهادية المسلحة داخل سوريا وهو الأمر الذى كان حله هو التدخل عن طريق نشر قوات خاصة .

ومع تزايد مهام هذه القوات أعلن مسؤولون أمريكيون أن الإدارة الأمريكية تدرس خطة لزيادة عدد القوات الخاصة الأمريكية التي أُرسلت إلى سوريا بشكل كبير مع تطلعها للتعجيل بالمكاسب التي تم تحقيقها في الآونة الأخيرة ضد تنظيم "داعش"، و إنها ستجعل وحدة عمليات القوات الخاصة الأمريكية أكبر مرات عدة من حجم القوة الموجودة حالياً في سوريا والمؤلفة من نحو 50 جندياً، حيث يعملون إلى حد كبير كمستشارين بعيداً عن خطوط المواجهة.
ويعد هذا الاقتراح أحد خيارات عسكرية يجري إعدادها للرئيس باراك أوباما الذي يدرس أيضاً زيادة عدد القوات الأمريكية في العراق وهو الامر الذى أحدث علامة على تزايد الثقة في قدرة القوات التي تدعمها الولايات المتحدة داخل سوريا والعراق على استعادة الأراضي من "داعش" وهو امر ليس بجديد على الولايات المتحدة التي سبق لها التدخل البري في سوريا المباشر في سوريا في عمليتان رئيسيتان هما:

1- عملية الإنزال الأولى في أغسطس 2014م عندما حاولت إنقاذ الصحفي جيمس فولي ورهائن أمريكيين آخرين أثناء مهمة سرية في سوريا وتبادلت خلالها القوات البرية إطلاق النار مع عناصر تنظيم داعش، لكنها اكتشفت في النهاية أن الرهائن لم يكونوا موجودين في الموقع الذي استهدفته، وأثناء العملية تم إسقاط قوات أمريكية خاصة وعسكريين آخرين من طائرات هليكوبتر وطائرات أخرى في منطقة الهدف في سوريا واشتبكوا مع متشددين من تنظيم داعش، وقال أحد المسئولين الأمريكيين وقتها: "إن العملية لم تنجح في النهاية؛ لأن الرهائن لم يكونوا موجودين في موقع العملية.. كان من المعتقد أنهم هناك لكن كانوا قد نقلوا قبل أسابيع من الغارة، وعندما وصلنا كان الأوان قد فات.. كانت مسألة ساعات أو ربما يوم أو يومان، وإن العملية السرية شهدت مشاركة العشرات من قوات الكوماندوس الأمريكية، وشهدت خسائر في صفوف ميليشيا داعش وإصابة عنصر واحد من الجيش الأمريكي بإصابة طفيفة عندما تعرضت طائرة أمريكية لإطلاق نار، كما استخدمت القوات الأمريكية مروحيات بلاك هوك معدلة ومزودة بسلاح ثقيل يقودها الفوج 160 من سلاح الطيران الذي يعمل مع قوات الدلتا وكوماندوس البحرية".

2- عملية الإنزال الثانية في مايو 2015م والتي نتج عنها مقتل القيادي بداعش أبو سياف في أول عملية إنزال ناجحة للقوات الخاصة الأمريكية في سوريا، وبدأت العملية عند الساعة الواحدة بعد منتصف ليل السبت 17-5-2015م بتوقيت سوريا، بتحليق لطائرات التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، بطلعات للمراقبة والرصد وبعد ساعتين تقريبًا، أنزلت مروحية أمريكية مجموعة من الجنود الذين خاضوا مواجهات مع مقاتلي تنظيم الدولة، أسفرت عن مقتل أبو سياف، الذي وصف بـ"مسئول النفط في داعش"، ومتشددين آخرين واستمرت المواجهات مع مسلحي داعش لأكثر من 20 دقيقة، وسط تغطية جوية وفرتها مروحيتان أمريكيتان للقوة المنتشرة على الأرض التي استعانت أيضًا بكلاب بوليسية، وبعد أن انسحبت القوة الأمريكية تحت نيران المروحيات، شنت طائرات التحالف غارات على مناطق في شمال الحقل النفطي.
ولكن على الرغم من هذا التدخل الحذر لكن تبقى مخاطر التدخل العسكري الأمريكي وهو ما كشفت عليه دراسة من وجهة نظر أمريكية صادرة مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن تقول أن أي تدخل عسكري غربي في سوريا على غرار ما حدث في ليبيا يحتاج لدعم عسكري أمريكي كافٍ وكبير، وأن أمريكا قادرة بما تمتلكه في قدرات عسكرية متقدمة تكنولوجيا على هزيمة القوات السورية الذي يمتلك جيشا ضخما ولكن كثير من أسلحته قديمة وبالية تكنولوجيا إذا ما قورنت بترسانة الأسلحة الأمريكية.

لكن التقرير يعود ويؤكد في خلاصته على أن التدخل العسكري في سوريا لن يكون بدون مخاطر بعضها معروف وبعضها غير معروف، فهناك مخاطر يمكن توقعها مثل قدرات القوات لسورية وأسلحتها ، ومخاطر أخرى يصعب توقعها مثل تصرف الدولة السورية في الداخل وحلفائها في الخارج حال شعورهم بقرب بداية عملية عسكرية واسعة للناتو ضدهم على غرار ما حدث ضد نظام القذافي في ليبيا.
عسكريا يقول التقرير أن الجيش السوري تبنى منذ الثمانينيات إستراتيجية عسكرية قائمة على الردع بالأساس بسبب ضعف قدرات قواته الهجومية، وأن تلك الإستراتيجية ركزت على الحصول على صورايخ دفاعية متقدمة مختلفة الأنواع وعلى أجهزة إنذار مبكر، وكذلك على صواريخ مضادة للسفن ونظم دفاعية لحماية الشواطئ السورية ولكن يبدو من التقرير عدم الاكتراث بأسلحة الجيش السوري الهجومية خاصة فيما يتعلق بقدرات الطيران والقوات الأرضية، حيث يرى التقرير أن التكنولوجيا أسلحة الجيش السوري متأخرة ولا تضاهي نظيرتها الأمريكية.

ولكن يبقى التحدي الرئيسي متمثلا في قدرة قوات الجيش السوري على الردع لأكثر من سبب، فعدد قوات الجيش السوري كبير، وفي حالة انتباه بسبب الصراع الجاري – كما يرى التقرير، كما أن سوريا بلد صغير من حيث المساحة وذو كثافة سكانية عالية، وأي هجوم أولي لتدمير مضادات الطيران وبطاريات الصواريخ التابعة للنظام السوري لابد وأن يترك عدد كبير من الضحايا بسبب تركز قوات الجيش السوري في مواقع ذات كثافة سكانية عالية و أن أي هجوم ناجح على القوات السورية يجب أن يكون كبيرا بدرجات مقارنة بما حدث في ليبيا ويجب أن تشارك فيه القوات الأمريكية على مستوى كبير، وأنه سوف يلحق خسائر بشرية كبيرة قد تثير الرأي العام العربي والدولي خاصة في ظل غياب الدعم الكافي لفكرة التدخل العسكري.

التقرير يخشى أيضا من امتلاك القوات السورية لأسلحة كيماوية وبيولوجية، ويبدو من التقرير أن الولايات المتحدة لا تمتلك معلومات كافية عن طبيعة الأسلحة الكيماوية والبيولوجية التي يمتلكها الجيش السوري وقدرته على توصيلها، ولكن التقرير يعتقد أنها قدرة القوات السورية على إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية وإنتاج أدوات إيصالها هي قدرة بدائية قد لا تمثل خطرا هائلا، ولكنها تمثل خطرا حقيقيا كما يمتلك الجيش السوري رادع هام إضافي هو دفاعاته ضد السفن حيث زودت روسيا التي تمتلك قاعدة بحرية على الشواطئ السورية النظام الصاروخي بصواريخ متطورة مضادة للسفن مما قد يمثل تهديدا للسفن الحربية الأمريكية في حالة شن هجوم من البحر كما حدث في حالة ليبيا.
ويقول التقرير أيضا أن الجيش السوري قد يتصرف بشكل متهور في حالة الهجوم العسكري عليه من خلال استخدام حزب الله أو بعض الجماعات الحليفة له لإثارة عدم الاستقرار في الدول الإقليمية المحيطة مما يرفع من تكلفة التدخل العسكري وبالتالي فأن التدخل العسكري الغربي في سوريا سوف يتطلب دورا أمريكيا وقدرات عسكرية أكبر بكثير مما حدث في ليبيا وأنه يحتوي على مخاطر حقيقية وكبيرة يجب التفكير فيها جيدا.

مما سبق نستطيع التأكيد أن إرسال القوات الخاصة الأمريكية تعد بداية مرحلة "جس " النبض لمصلحة الولايات المتحدة في سوريا التي قد تنتهي بالتدخل البري في سوريا في محاولة منها لمنع داعش من شن هجوم إرهابي ضدها على الرغم من التدخل العسكري، خيار لا يحظى بدعم كافٍ حتى الآن على الساحة الدولية والأمريكية بسبب تكلفته العسكرية العالية، وهو ما يعرقل الإرادة السياسية والمصلحة الوطنية للالتزام بإنهاء الحرب الدموية في سوريا.