فتاوى الدعوة السلفية بتحريم الضرائب وفوائد البنوك.. هدم للاقتصاد المصري
الأحد 03/أبريل/2016 - 06:42 م
طباعة

طالب الدكتور أحمد كريمة أستاذ الفقه المقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، الدولة المصرية بالحجر على السلفيين في الأمور الفقهية، بعدما اعتبر الشيخ مصطفى العدوي الداعية السلفي أن فرض الدولة ضرائب على الشعب نوع من الظلم.

مصطفى العدوي
وكان الشيخ مصطفى العدوي الداعية السلفي انتقد تحصيل الدولة ضرائب، معتبرًا ذلك ظلمًا من الرئيس والحكومة لعامة الشعب، مشددًا على أن عدم تنفيذ الحدود فيها ظلم أيضا من الحكام للرعية.
وقال "كريمة": "القول بأن الحكومة تُظلم الشعب بسبب فرض الضرائب قول ما لا يعرفون في الفقه الإسلامي، فالضرائب مال يفرضه ولى الأمر لدعم خزانة الدولة من أجل المنافع العامة للمجتمع"، مشيرًا إلى أن الضرائب تفرض على الأغنياء ثم متوسطي الدخل.
وأضاف "كريمة" :"الضرائب من الموارد الهامة لخزانة الدولة العامة في كل زمان ومكان وبطبيعة الحال ليست زكاة، فالضرائب من العادات والقاعدة الشرعية تقول "حيثما كانت المصلحة فثم شرع الله" مضيفًا: "قال العز بن عبد السلام في "قواعد الإمام في مصالح الأحكام" إذا تزاحمت المصالح فقدم أعلاها، وأعلى المصالح الدولة الآن دعم خزانتها".
وقال: "إن الشريعة الإسلامية جعلت الضرائب من الأمور الجائزة"، مضيفًا: "أما المتسلفة – أي السلفيين- فقد مللنا من التذكرة بأنه لا فقه لديهم ويجب على الدولة الحجر عليهم في الأمور الفقهية، لكن واضح أن هناك استهانة من الدولة ومؤسساتها تجعل الجهلة يتطاولون".
وأضاف: "القول بأن فرض ضرائب من الحكومة على الشعب ظلم فهذا قول الرويبضة"، مشيرًا إلى أن تصريحات شيوخ السلفية حول الضرائب تحرض أصحاب الشركات على التهرب منها ومن ثم الضرر بالاقتصاد المصري".
وأكد "كريمة" أن التهرب من دفع الضرائب حرام لأنه خيانة لأولى الأمر والله سبحانه وتعالى يقول "أطيعوا الله والرسول وأولى الأمر منكم" كما يقول :" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ".
وأضاف أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف:" تصريحات السلفية حول الضرائب دعوة خبيثة لتدمير الاقتصاد المصري كما أفتوا من قبل فتاوى تجهض مشروع قناة السويس".
وليست هذه هي المرة الأولى التي تقوم فيها الدعوة السلفية بتحريم الضرائب والمعاملات البنكية التي يقوم عليها جزء كبير من الاقتصاد، لبعدهم عن ما يسمى فقه الواقع، حيث يجعلون من فوائد البنوك ربا محرمًا وقد نشرت الدعوة السلفية في سبتمبر 2012، فتوى عن فوائد البنوك على موقعها الإلكتروني تحرم فيها التعاملات البنكية على هيئة سؤال وجواب وهذا نصها:
لي زميل في العمل يقول إن فائدة بنك مصر او البنك الأهلي يعنى البنوك فى مصر هى لست ربا ؟ وان هناك فتوى لمجمع البحوث تجيز ذلك فما قولكم؟
الإجابة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.... الفائدة من بنك مصر والبنك الأهلي المصري محرمة شرعا ثم إني أعجب ممن يتجرأ على الفتوى بدون حجة ولا برهان وأنا سأكتفى هنا بسرد قرار المؤتمر الثاني لمجمع البحوث بالأزهر وهو كالتالي قرار المؤتمر الإسلامي الثاني لمجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة: انعقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، بالقاهرة في شهر المحرم سنة 1385هـ - الموافق مايو 1965م، والذي ضم ممثلين ومندوبين عن خمس وثلاثين دولة إسلامية في عهد العلامة حسن مأمون شيخ الأزهر، وقد قرر المؤتمر بالإجماع بشأن المعاملات المصرفية ما يلي: أولاً: الفائدة على أنواع القروض كلها ربا محرم، لا فرق في ذلك بين ما يسمى بالقرض الاستهلاكي، وما يسمى بالقرض الإنتاجي؛ لأن نصوص الكتاب والسنة في مجموعها قاطعة في تحريم النوعين. ثانياً: كثير الربا وقليله حرام، كما يشير إلى ذلك الفهم الصحيح في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَأْكُلُواْ الرِّبَا أَضْعَافاً مُّضَاعَفَةً وَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [آل عمران:130]. ثالثاً: الإقراض بالربا محرَّم لا تبيحه حاجة ولا ضرورة، والاقتراض بالربا محرم كذلك، ولا يرتفع إثمه إلا إذا دعت إليه الضرورة. رابعاً: أعمال البنوك من الحسابات الجارية، وصرف الشيكات، وخطابات الاعتماد، والكمبيالات الداخلية، التي يقوم عليها العمل بين التُّجَّار والبنوك في الداخل - كل هذا من المعاملات المصرفية الجائزة، وما يؤخذ في نظير هذه الأعمال ليس من الربا. خامساً: الحسابات ذات الأجل، وفتح الاعتماد بفائدة، وسائر أنواع الإقراض نظير فائدة كلها من المعاملات الربوية وهي محرمة. وعلى هذا أخي الحبيب لا يجوز التعامل مع البنوك الربوية استجابة لنداء الله تعالى: {وَذَرُواْ مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} [البقرة:278] ويحرم على كل مسلم يتيسر له التعامل مع مصرف إسلامي أن يتعامل مع المصارف الربوية في الداخل أو الخارج، إذ لا عذر له في التعامل معها بعد وجود البديل الإسلامي، ويجب عليه أن يستعيض عن الخبيث بالطيب، ويستغني بالحلال عن الحرام. فكل مال جاء عن طريق الفوائد الربوية هو مال حرام شرعاً، لا يجوز أن ينتفع به المسلم -مودع المال- لنفسه أو لأحد ممن يعوله في أي شأن من شؤونه، ويجب أن يصرف في المصالح العامة. وللأمانة فقد أجازها من لا يعتد بقوله من الأزهر ولكن جماهيرهم وأهل العلم منهم قد أجابوا عليهم وأبطلوا كلامهم ومنهم الشيخ الراحل عطية صقر -رحمه الله- والشيخ جاد الحق شيخ الأزهر الأسبق أسأل الله أن يرزقنا وإياك الحلال الطيب وأن يقينا وإياكم الحرام والحمد لله رب العالمين.
وتجدد صراع تحريم فوائد البنوك بين الدعوة السلفية وممثلي الازهر في مصر حيث أعادت الدعوة السلفيّة في 24 يناير 2015، موجة الجدل حول تحريم فوائد المصارف وتحليلها، وإذ ترى هذه الدعوة في مصر أنّ فوائد البنوك حرام، رغم أنّ الموقف الرسميّ لمجمع البحوث الإسلاميّة ودار الإفتاء المصريّة والأزهر يتّفق على أنّها غير محرّمة. ويأتي ذلك، بعد أن كان عدد من قيادات الجماعة السلفيّة في مصر قد عارض شراء المصريّين شهادات استثمار مشروع قناة السويس الجديدة حيث لم تقف الأزمة عند إعادة الجدل في شأن تحريم الفوائد المصرفيّة باعتبارها ربا، بل خرجت الدعوة السلفيّة لتقف في وجه المشروع القوميّ للإسكان، الّذي أعدّته الحكومة المصريّة لمتوسطي ومحدودي الدخل، وهو يقوم في جزء كبير منه على التّمويل العقاريّ من خلال فتوى تحرّم التّمويل العقاريّ أصدرت في 10 يناير 2015.
وكان البنك المركزيّ المصريّ قد أعلن عن برنامج بإجراءات ميسّرة على المواطنين للتمكّن من الاستفادة من الوحدات السكنيّة وتقسيط ثمنها بفائدة 8 في المائة.

الدكتور علي جمعة
ورغم تأكيد الدكتور علي جمعة في برنامجه "والله أعلم" المذاع على فضائية سي بي سي في يناير 2015 أنّ الفوائد المصرفيّة الحديثة تختلف عن فكرة الربا أّنّ العلاقة بين الأفراد والمصارف ليست علاقة قرض، وإنّما تمويل واستثمار، قال أيضاً: " إنّ الأئمة الأربعة الشافعي وابن حنبل ومالك وأبو حنيفة يقولون إنّ الربا يقع فقط في الذهب والفضّة، بينما المصارف تتعامل بالأموال".
ولقد اتّهمته الجماعة السلفيّة بتغيير موقفه من قضيّة فوائد المصارف إلى تحليلها، بعدما كان قد سبق وحرّمها قبل أن يتولّى مهمّاته السّابقة في دار الإفتاء، واستشهدت بفتوى سابقة له أكّد فيها أنّ الفوائد المصرفيّة حرام.

الشيخ محمود عاشور
ومن جانبه، أكّد وكيل الأزهر السابق وعضو مجمع البحوث الإسلاميّة الشيخ محمود عاشور أنّ مسألة الفوائد المصرفيّة فيها خلاف بين الفقهاء، وقال: "على المسلم أن يستفتي قلبه، فإن أراد أن يتّبع من قالوا إنّ فوائد المصارف حلال فلا بأس، وإن أراد أن يأخذ بالرأي الذي يقول إنّها حرام فليمتنع عن الأمر"، ولفت إلى أنّ مجمع البحوث الإسلاميّة أفتى بأنّ التّعامل المصرفيّ حلال.
ونصح عاشور بالتّعامل مع المصارف التّابعة للدولة، وقال: "الربا ربا الأفراد، لكن إن كان التّعامل بين الفرد ومصرف الدولة، فلا ربا بين الدولة ورعاياها"، لافتاً إلى أنّ هذه الأزمة حول تحريم العوائد المصرفيّة وتحليلها على أنواعها بدأت مع الإخوان المسلمين منذ الثمانينيّات، وظلّوا يتحدّثون عنها. أمّا عندما أرادوا في فترة حكم محمّد مرسي قرض البنك الدوليّ، فقالوا إنّها ليست حراماً وجائزة، وقال: "الآن، يعود إلينا السلفيّون بالفكرة والتّوجه ذاتهما".
المتحدث باسم الدعوة السلفية الشيخ عبد المنعم الشحات اوضح موقف السلفية من هذ الفتاوى موضحا ان معنى الربا هو الزيادة في "النقد" أي اداة التعامل التجارية مقابل الأجل اي التأخير في سدادها عند الاقتراض، وكان في السابق التعامل التجاري بالذهب والفضة بينما في العصر الحالي تغير الى الأوراق البنكية اي العملة المالية، وقال: "بهذا، تبطل حجّة من يقولون إنّ الفوائد المصرفيّة حلال، فالناس لا يتعاملون بالذهب والفضّة الآن".
ونصح المتحدّث باسم الدعوة السلفيّة الحكومة المصريّة في ما يتعلّق بالإقراض الّذي يأتي ضمن برنامج التّمويل العقاريّ أن تضع نظام القرض الحسن أو أن تضع زيادة على نظام التمويل العقاري للمواطن بدلا من فرض فائدة 8 بالمائة مقابل مصروفات إداريّة بسيطة، وقال: "إذا كان غير ذلك، فعلى الدولة أن تضع عقوداً كتلك الّتي تضعها المصارف الإسلاميّة تحت مسمّى مشاركة للابتعاد عن شبهة الربا".
أضاف: "وفقاً للعقد يكون هناك مموّل للعقار ومستفيد على السلعة نفسها أيّ العقار، وليس على المال نفسه، ويعامل المقرض على أنّه هو من قام بشراء العقار بغرض إعادة بيعه للمقترض، وبهذا فإنّ هامش الرّبح الّذي خرج في نهاية الأقساط لا يعدّ ربا".
إنّ الخلاف حول رأي الدين الإسلاميّ في فوائد البنوك والقروض البنكية بات من الإشكاليات الّتي تتجدّد من وقت إلى آخر في مصر، وهو ما يدفع كثيرًا من المصريّين إلى تفضيل الادّخار المنزليّ، مع اتّجاه آخرين إلى المصارف الإسلاميّة.

الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية
ومن الجدير بالذكر أن هذه الدعوة السلفية التي تحرم الفوائد والقروض والضرائب الآن هي من وافقت على قرض البنك الدولي وقتما كانوا يتصدرون السلطة ولديهم أكثرية بالبرلمان وكان المعزول مرسي في سدة الحكم، ففي أغسطس 2012، أفتى الشيخ ياسر برهامي، نائب رئيس الدعوة السلفية، بأن فوائد قرض صندوق النقد الدولي والذى ستحصل عليه مصر "ليست رِبًا محرمًا"، موضحًا أن فائدة قرض البنك الدولي المقرر أن تحصل عليه مصر خلال أشهر عبارة عن نسبة "1.1%" وهى ما يعتبر في الصندوق مصاريف إدارية أو منحة، قائلاً: "أما القروض الربوية فهي ذات الفائدة المتفاوتة التي قد تصل إلى 16% و20%. وأضاف برهامي في فتوى له أن الربا قليلُه وكثيرُه محرم، لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِى مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ). موضحًا أن مصاريف كتابة الدين والانتقال لتحصيله إذا تحملها المقترض ليست ربًا، قائلاً: "في الزمن الحديث صارت القروض بين الدول، وكذا بين رجال الأعمال والاقتصاد، وغير ذلك، تتولاها مؤسسات مالية ضخمة تدرس ظروف الدولة المقترِضة واحتياجاتها لإصلاح اقتصادها، وإمكانية التسديد وزمنه، ودرجة الفساد المنتشر فيها، لمنع وصول القرض إلى جيوب المنتفعين الفاسدين دون الانتفاع الحقيقي للدولة". وقال نائب رئيس الدعوة السلفية: إذا كانت المصاريف الإدارية في حدود هذه النسبة المعروضة (أقل من 2%) فهي ليست ربًا محرمًا، وأما إذا كانت بغرض الانتفاع بإقراض المال أو إذا كانت لا توجد مؤسسة تحتاج لنفقات فهي ربًا محرم. مطالبًا بالبحث في شروط القرض المقدم من الناحية الاقتصادية التي يشترطها البنك، وهل هي تلبي مصالح مصر واقتصادها أم لا؟ مؤكدًا أن تحديد مدى نفع القرض من ضرره مسئولية الحكومة والرئيس، قائلاً: لأننا لم نشارك في الحكومة، ولا يوجد مجلس شعب يناقش الأمر. وأكد برهامي أن الدعوة السلفية لم تطلع على شروط هذا القرض وملابساته وحجم ما يعود على البلاد من جلب منفعة أو دفع مضرة، مضيفًا: "لا نستطيع أن نجزم بالمصلحة أو المفسدة دون اطلاع ومراجعة الاقتصاديين المتخصصين في ذلك، فهي إلى الآن مسئولية الحكومة والرئيس".
وليس أمامنا سوى طرح سؤال غاية في البساطة : لماذا تصرح الدولة لهؤلاء "الدعاة" باعتلاء المنابر ليبثوا سمومهم في المجتمع المصري؟