ازدراء الأديان وتأسيس دولة "المحتسب"

الأربعاء 06/أبريل/2016 - 06:08 م
طباعة ازدراء الأديان وتأسيس
 
ازدراء الأديان وتأسيس
لا شك أن "ازدراء الأديان"، تهمة يتعرض لها كل من يختلف عقائدياً أو فكرياً في مصر، بالرغم من أن الدستور المصري يكفل حرية العقيدة والتعبير، وبين كل فترة والأخرى نسمع عن القبض على أحد الكتاب أو الإعلاميين بتهمة ازدراء الأديان تلك التهمة الجاهزة لكل من يختلف مع السياق الخرافي والمقدس لكتابات وآراء شخصيات من الماضي البعيد، وكأن العقيدة بين الفرد وربه يتم تحديدها في محاضر النيابة وتخضع للتحقيق الجنائي، ورغم أن محمد حسان أحد هؤلاء الذين كانوا يطالبون بتطبيق هذا القانون ويدافع عنه إلا أنه الان متهم بازدراء الاديان ومن اللافت للنظر تخلي الدعوة السلفية عن الشيخ محمد حسان، وتمسكها بالمادة 98، المنصوص فيها على عقوبات الازدراء، التي تتراوح بين الحبس والغرامة، ويواجه "حسان" تهديدات بالحبس إذا ما ثبت عليه رواية قصة تسيء للسيدة خديجة، في حين لم تعلق الدعوة السلفية ولا حزبها على القضية، مكتفية بالتأكيد أن التمسك بالمادة من شأنه أن يحفظ للمجتمع استقراره، ونشرت قيادات بالدعوة والحزب على "هاشتاج" ازدراء الأديان، قوانين من دول مختلفة تنص على عقوبات لكل من يسيء للدين، واستشهد طلعت مرزوق، نائب رئيس حزب النور للشئون القانونية، بحكم للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بأن حظر فيلم لازدرائه الأديان لا ينتهك حق التعبير المكفول بالمادة العاشرة من الاتفاقية الأوربية لحقوق الإنسان.
وتابع :"كذلك تنص المادة الخاصة بازدراء المقدسات في القانون الجنائي الدنماركي المادة 140على ما يلي ( كل من يستهزئ أو يسخر علنا بأي من القصائد الدينية أو الشعائر التعبدية الخاصة بأي جماعة دينية موجودة بصورة قانونية داخل البلد، يعرض نفسه للسجن مدة لا تزيد على أربعة أشهر) ".
وبالتزامن مع مسارات التقاضي التي يسلكها الذين وقعوا تحت طائلة المواد ذات الصلة بالتهمة، وهى «160» و«161» و«98 و» من قانون العقوبات، أعلن أعضاء في مجلس النواب، من اتجاهات متباينة، رفضهم إبقاء المادة الأخيرة على نصها الراهن، ودعوا لإلغائها، نظرا لكونها «الأخطر والأبرز بين المواد الثلاث".
ازدراء الأديان وتأسيس
النائب محمد أبو حامد، أحد مسئولي الاتصال السياسي بائتلاف «دعم مصر» قال: «التطبيق العملي للمادة 98 – و، من قانون العقوبات أثبت أنها استخدمت لمواجهة أناس يعبرون عن أفكارهم، أو كسلاح فى بعض الأحيان ضد المواطنين المسيحيين، وخاصة فى محافظات الصعيد، كما جرى فى محافظة المنيا أخيرا بحق أطفال سخروا من أفعال تنظيم داعش الإرهابى».
وأضاف: «المادة على وضعها الحالي تقمع الفكر، فحتى لو كان هناك بعض الناس نختلف معهم، لا يمكن قبول معاقبة الفكر بالسجن".
وتابع: «المادة بحاجة إما للإلغاء أو التعديل، بحيث يتم تطبيقها على من يتعمد بشكل مباشر الاعتداء على حرمة الأديان أو تحريفها أو إهانتها، لكن أن يعرض الإنسان فهما مختلفا للأديان، فهذا ما لا يجب أن يعاقب بالسجن، ولا يمكن السكوت على سجن أطفال قصر فى الصعيد لإتيانهم بعض التصرفات التي قد يكونون غير مدركين لعواقبها".
وردا على سؤال بشأن موقف مجلس النواب من تزايد قضايا «ازدراء الأديان»، أخيرا، قال أبو حامد: «البرلمان كان مشغولا بالانتهاء من إعداد لائحته الجديدة، لسنا ممتنعين عن أداء دورنا، لكن هناك بعض الواجبات الدستورية الواقعة على عاتق المجلس الذى يعمل فى ظروف غير عادية، وأظن أننا عقب إقرار اللائحة بشكل نهائى، سنعمل على إنجاز واجباتنا التشريعية، وسنناقش فى إطارها أي قضية ملحة، لأن مادة مثل التي نتحدث عنها لابد من تعديلها حتى لا يستمر العمل بها بالطريقة الحالية».
ومع نفى أبو حامد إثارة أي نقاش داخل ائتلاف «دعم مصر» حول أية مشروعات قوانين، إلا أنه أشار إلى «إثارة قضية تعديل المادة أو إلغائها فى مناقشات فردية»، قائلا: «هناك توجه على أن يتم تعديل المادة».
ازدراء الأديان وتأسيس
وقالت النائبة أنيسة حسونة: «أنا مؤيدة لإلغاء أو تعديل المادة، وهناك نواب كثيرون لديهم نفس الرأي، وخاصة من أجل تغيير بعض المفاهيم الواردة فى نص المادة».
من جانبها، قالت النائبة آمنة نصير، أستاذة الفلسفة والعقيدة بجامعة الأزهر، متحدثة عن الساعين لإلغاء المادة: «إيدى على إيدهم بس يورونا شغل كويس»، وذكرت لـ«الشروق» أنها على تواصل مع بعض النواب لذات الغرض، داعية لإعداد مشروع قانون يهدف لإلغاء المادة «ويعبر عن أطروحة جديدة فى ضوء ما نعانى منه».
وأضافت نصير: «أنا فى انتظار كل الناس الراغبين فى ذلك لنكوّن تكتلا نشد أزر بعضنا، وإلغاء نص مادة ازدراء الأديان همّى الأكبر»، وردا على سؤال بشأن دعوات تعديل نص المادة دون إلغائها، قالت: «تعديل إيه؟ تتلغي». وكشف النائب عماد جاد عن نية وجود نية لدى بعض أعضاء مجلس النواب لإلغاء المادة نفسها، وقال: «أصبحت المادة مصدرًا للتضييق على حرية الرأي بعد أن تسببت فى حبس صحفيين ومفكرين بل وأطفال»، وتابع: «نحن بحاجة لإلغاء المادة، وإلغاء أى عقوبة سالبة للحرية».
وكانت النائبة منى منير، قد تقدمت لرئيس مجلس النواب على عبدالعال، بمشروع قانون لإلغاء المادة، فى الثامن والعشرين من الشهر الماضي، وقالت النائبة فى بيان لها: «المادة 98 من قانون العقوبات الفقرة (و) تتعارض مع المادة 67 من الدستور، والتي تكفل فيها الدولة حرية الإبداع الأدبي والفني، وتخالف المادة 64 من الدستور، والتي تنص على أن حرية العقيدة مطلقة".
وسبق تقدم منير بمشروع قانونها، بيوم واحد، لقاء جمع بين عبدالعال، والنائبة عن حزب المصريين الأحرار نادية هنري وبعض النواب، وناقش اللقاء بحسب بيان صدر يومها عن حزب المصريين الأحرار، مطلب «تعديل قانون العقوبات بإلغاء المادة الخاصة بازدراء الأديان».

السلفيون بين التحفظ والرفض

السلفيون بين التحفظ
فى المقابل، تحفظ رئيس الهيئة البرلمانية لحزب النور النائب أحمد خليل خيرالله على فكرة شروع بعض النواب فى تعديل أو إلغاء المادة «98ــ و» وقال فى تصريح مقتضب لـ«الشروق» بنبرة فيها ضيق: «نحن غير معنيين بالقوانين الإعلامية»، قاصدا التى يثيرها الإعلام، مضيفا: «معنيون بالقوانين التى تمس المواطن".
تصريح خيرالله تجاهل إعلان موقف محدد لحزبه، الذى يمثل الذراع السياسية للدعوة السلفية، من المادة محل الأزمة، لكنه لم يخف موقف التنظيم المحسوب على قوى «الإسلام السياسي»، ويحظى بحيازة اثني عشر مقعدا فى مجلس النواب، فبحسب تصريح نائب رئيس الدعوة السلفية ياسر برهامي، الشهر الماضي، المنشور على موقع «أنا السلفي»، أحد المنابر الإعلامية للدعوة، فإن «تعديل المادة بأي شيء يدل على جواز ازدراء الأديان أو حذفها بما يوحى بذلك»، واعتبر أن ذلك «يؤدى إلى إثارة غضب عام ويكرس لزيادة حدة الانقسام والكراهية والبغضاء بين أبناء الشعب الواحد»، وزاد :«ذلك يساعد على إظهار وكأن فئة بعينها تحارب الدين والشريعة".
وتابع برهامى: «البلاد لا تحتمل مزيدا من المشكلات فلا نفتح أبواب الشر، وأن الطعن فى ثوابت الدين هو الذى يزيد أفكار العنف والتكفير لا يحاربها".
ازدراء الأديان وتأسيس
وسبق للموقع نفسه، قبل أسبوع من نشر تصريح برهامى، نقل تصريح للقيادي فى الدعوة السلفية أحمد الشحات، قال فيه إن الدعوة لـ«إلغاء المادة» «تفتح الباب على مصراعيه أمام الزندقة والإلحاد»، معتبرا وجود المادة «يعصم للأمة دينها ويحفظ الأمة والمجتمع من شرور العابثين والأقوال الفاسدة المنحطة، وأنه لا توجد ثمة علاقة بين حرية الرأى والتفكير وبين التطاول والتشكيك فى المعتقدات والثوابت الصحيحة».
لن يحول موقف الحزب السلفي، سواء تحفظ نوابه أو رفض شيوخه مساعي البرلمان لإلغاء المادة متى اتخذ الأخير إجراءات عملية لذلك، إلا أن وصول الجدل المثار حول الأزمة إلى قاعات مجلس النواب، سيضع نواب الحزب السلفي أمام تحدٍ كبير بين ضرورات واقع يناقض تصوراتهم، وماضٍ قريب تصدروا فيه المشهد العام خلال السنوات القليلة الماضية.

الأزهر

الأزهر
وبالرغم من أن مؤسسة الأزهر هي المحرض الأول لرفع دعاوى ازدراء أديان على المفكرين وأصحاب الرأي، إلا أن وكيل الأزهر الشريف عباس شومان أجاب عن سؤال حول موقف مؤسسة الأزهر من دعوات عدد من نواب البرلمان، لإلغاء المادة «98ــ و» من قانون العقوبات قائلا: «لا شأن لنا بذلك. لا نقبل أن يتدخل أحد فى اختصاصاتنا، ولا نتدخل فى اختصاصات أحد».
وأضاف:«الحكم الشرعي: نحن ضد ازدراء الأديان، أي دين، لكن لا علاقة لنا بمجلس النواب، تشريع القوانين وطرحها وتعديلها أمر يخص النواب وحدهم ويدرسونه مع أنفسهم، لكن لا تدخلونا في أمور ليست من اختصاصنا لأننا نحترم اختصاصات الآخرين».
واختتم بالقول :«ربنا يهدى. نحن ضد ازدراء الأديان سواء فيه قانون أو مفيش قانون"
والمادة 98 أ في القانون المصري التي يحاكم الكتاب والمفكرون بها، قد وضعها الرئيس السابق محمد أنور السادات، عندما استخدمت الجماعة الإسلامية منابر المساجد للإساءة للدين المسيحي، فوضع السادات قانوناً يجرم به استخدام أي دين لسب دين آخر. وأن وجود هذه المادة بالقانون المصري رغم أن الدستور ينص على حرية الفكر والتعبير والعقيدة تعتبر من ضمن السخافات والتناقضات في حياتنا، فكيف يكفل القانون حرية العقيدة والتعبير، ويعاقب كل من هو مختلف في العقيدة أو يؤمن بدين آخر أو حتى لا يؤمن بجزء من شيء يرى البعض أنه جزء من العقيدة.

شارك