200 مليون دولار أرباح "داعش" من الآثار.. والمشتري بريطانيون وأمريكيون؟
الخميس 07/أبريل/2016 - 01:56 م
طباعة

تعد تجارة الآثار من أكثر مصادر التمويل أهمية للتنظيم الدموي "داعش " حيث تجنى منها مليارات منذ استيلائها علي الموصل وقبلها بمتوسط 200 مليون دولار سنويًّا.
وقد كشف تقرير روسي عن استمرار أرباح تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من الآثار، والتي وصلت إلى نحو 200 مليون دولار سنويا وهو ما شكل عائدًا كبيرًا للتنظيم مع تدهور تجارة النفط في المناطق التي يسيطر عليها، وسط مخاوف من ضياع 100 ألف مادة تراثية 'عالية الأهمية' بأيدي إرهابيي تنظيم الدولة.
200 مليون أرباح

فقد قال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة في رسالة كشف النقاب عنها الأربعاء: "إن متشددي تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا وفي العراق يجنون ما بين 150 إلى 200 مليون دولار سنويًّا من بيع الآثار المنهوبة".
وأضاف السفير فيتالي تشوركين في رسالة إلى مجلس الأمن: "تخضع نحو مئة ألف مادة ثقافية ذات أهمية عالمية- ومن بينها 4500 موقع أثري- ومنها تسعة عناصر تراثية مدرجة على قوائم (منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة) اليونسكو لسيطرة الدولة الإسلامية في سوريا والعراق."
وأضاف المسئول الروسي: "الأرباح التي يجنيها الإسلاميون من هذه التجارة المحظورة بالآثار والكنوز الأثرية تقدر بما بين 150 إلى 200 مليون دولار أمريكي كل عام."
وكتب تشوركين يقول: إن تهريب الآثار يقوم به قسم الآثار في الدولة الإسلامية التابع لمؤسسة توازي وزارة الموارد الطبيعية. ولا يسمح بالتنقيب عن الآثار ونقلها إلا لمن يملك تصريحًا مختومًا بخاتم الدولة الإسلامية.
وقال المبعوث الروسي- الذي اتهم تركيا مرارًا بدعم الدولة الإسلامية من خلال شراء النفط منها: "إن الآثار المنهوبة تهرب عبر الأراضي التركية بشكل كبير".
وأضاف: "المركز الرئيسي لتهريب المواد التراثية الثقافية هي مدينة غازي عنتاب التركية؛ حيث تباع البضائع المنهوبة في مزادات غير شرعية، ثم تباع من خلال شبكات متاجر للآثار وفي السوق المحلية."
وتابع تشوركين أن المجوهرات والعملات وغيرها من المواد المنهوبة يتم إحضارها إلى مدن إزمير ومرسين وأنطاليا؛ حيث تصدر جماعات إجرامية وثائق مزورة بشأن أصلها.
وقال: "ثم يتم عرض الآثار على هواة اقتنائها من عدة دول.. وعادة ما يكون ذلك من خلال مواقع المزادات على الإنترنت مثل إيباي والمتاجر المتخصصة على الإنترنت." وسمى تشوركين عددًا من مواقع المزادات على الإنترنت قال إنها باعت آثارًا منهوبة لصالح الدولة الإسلامية.
وتابع السفير الروسي: "في الآونة الأخيرة تستغل الدولة الإسلامية إمكانات وسائل التواصل الاجتماعي أكثر فأكثر؛ بحيث لا يكون هناك وسيط ولكي تبيع الآثار مباشرة للمشترين."
وقال موقع إيباي إنه لا علم له بالمزاعم القائلة إنه يتم استخدامه لبيع مواد منهوبة.
وأضاف: "ليس لموقع إيباي أدنى مصلحة في ظهور قوائم غير مشروعة لمواد ثقافية أو تاريخية على منصاتنا. نحن نفحص حاليًا المزاعم الواردة في هذه الرسالة."
وتابع: "لسنا على علم حتى الآن بوجود أي دليل مباشر لقوائم بمواد معروضة على إيباي نتاج عمليات نهب لتنظيم الدولة الإسلامية أو أنشطة مماثلة."
مَن المشتري؟

تجارة "داعش" للآثار تجد الكثيرين من الزبائن الذي يسعون للحصول على آثار الشرق، ويكشف مايكل دانتى، وهو من أكبر الأثريين في الولايات المتحدة وأستاذ بجامعة بوسطن، والذي قام بتوثيق ما جرى من دمار ونهب من الميراث الثقافي في كل من العراق وسوريا.
ويقول عالم الآثار الأمريكي: "إن بيع الأثار المنهوبة يتم عن طريق وسطاء، يقومون بتهريبها عبر الدول المجاورة، مثل تركيا ولبنان وغيرها. وبعض هؤلاء الوسطاء هم من أعضاء عصابات الجريمة المنظمة الذين يتاجرون في كل شيء، لكن تنظيم داعش وجد فيهم حليفَا يفيدهم ماديًّا، ويزيد دخلهم وحجم تمويلهم، بالإضافة إلى أن عصابات الجريمة المنظمة تعتبر بالنسبة لداعش مصدرًا أساسيًّا لتوريد الأسلحة لهم.
كما يقول أيضا ريك هيلير، وهو محامٍ وناشط في مجال التراث الثقافي، إنه قد لوحظ في الفترة الأخيرة أن بعض قطع الآثار المنهوبة تأخذ طريقها إلى الولايات المتحدة، وإن تجار الآثار الأمريكيين، ممن يتاجرون في قطع الآثار المسروقة والمهربة من مصر والعراق ولبنان وسوريا، قد زاد نشاطهم في هذه التجارة في الفترة من عام 2011 وحتى عام 2013، وهي الفترة التي شهدت فوضى شديدة في هذه البلاد عقب أحداث الربيع العربي. وهو ما يثير تساؤلات حول كيفية وصول هذه القطع الأثرية المهربة إلى الأسواق الرئيسية في الولايات المتحدة. ووجد هيلير أن قيمة بيع الآثار المهربة في الفترة من عام 2011 إلى عام 2013، قد زادت بمقدار 500 مرة.
كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست" نقلًا عن خبراء في مجال مكافحة تهريب الآثار، أن تنظيم "داعش" الإرهابي باع أكثر من 100 قطة أثرية منهوبة من سوريا والعراق، موضحين أن تلك القطع جرى تهريبها إلى بريطانيا.
وقال عالم الآثار لدى مبادرة التراث السورية مايكل دانتي للصحيفة: "إن الكثير من الآثار المنهوبة قادمة من المناطق، التي يسيطر عليها تنظيم داعش".
وأضافت إيرينا بوكوفا، مدير عام منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة أنها تعتقد أن بعض التحف الأثرية المنهوبة من العراق وسوريا وصلت إلى أيدي جامعي تحف في بريطانيا بعد أن باعها مسلحو تنظيم داعش إلى مهربين.
وأكد مدير عام اليونسكو، وفقا لتقرير نشرته "بي بي سي" وتابعته "المسلة" أن 60% من مدينة حلب القديمة، التي تعد أحد مواقع التراث العالمي التي يجب الحفاظ عليها، قد دمر، مضيفًا أن نحو 2000 موقع آثاري من بين نحو 10 آلاف موقع آثاري في العراق باتت اليوم تحت سيطرة مسلحي تنظيم داعش.
وذكر فيلي بروغمان، نائب المدير السابق للشرطة الأوروبية "يوروبول" وقائد الشرطة الاتحادية البلجيكية أن "داعش" وجماعات إرهابية في سوريا سطت علي 1000 موقع أثري في مدينتي حلب وحمص السوريتين، وأن داعش وفصائل أخرى سطت عليها خلال الحرب في سوريا، بحسب ما جاء في تقرير لـ "إيلاف".
وبحسب خبراء فإن عملية التهريب تمت عبر طرق تهريب في تركيا أو الأردن ولبنان، معروفة للمهربين وتجار السلاح والمخدرات.

وكان موقع معهد البحرية الأمريكية United States Naval Institute قد ذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش، لا زال ينقب عن الآثار التاريخية التي لا تُقدر بثمن- مستخدمًا في بعض الحالات ماكينات وآلات الحفر الثقيلة- والتي يقومون ببيعها في السوق السوداء من أجل تمويل خططهم الرامية إلي إقامة الخلافة الإسلامية.
وقال الموقع المعروف اختصارًا بـ USNI في تقرير له إنه من خلال القيام بذلك، فإن جانبًا كبيرًا من الأصول المملوكة لـ داعش تكون بعيدة كل البُعْد عن متناول كافة الإجراءات المالية التقليدية المستخدمة في مكافحة الإرهاب.
وأوضح التقرير أن كافة أنواع التجارة غير الشرعية تجلب لـ داعش دخلاً ضخمة، ما يجعلها عرضة للحسد حتى من جانب الكثير من الشركات العالية العريقة، مشيرًا إلى أن تجارة التنظيم تتركز في البشر والأسلحة والسلع مثل النفط.
وأضاف التقرير أن مصادر التمويل غير الشرعية تلك تعد أكثر موثوقية وربحية من أموال المانحين الأجانب، إذ إنها تمنح مسلحي داعش اكتفاء ذاتيًّا ماليًّا.
وكانت صحيفة "التايمز البريطانية قد كشفت عن، أن الآثار التي دمر تنظيم الدولة الإسلامية جزءا منها ونهب جزءا آخر، ظهرت على موقع المزادات الأول الشهير "إي باي" ebay. ويعتبر موقع "إي باي" موقع المزادات الأول على الإنترنت؛ حيث يلعب دور الوسيط بين البائع والمشتري.
وظهرت على صفحات الموقع الإلكتروني قطع أثرية معدنية وقطع من الخزف والنقود والمجوهرات التي نهبت من العراق وسوريا، وتهرب هذه القطع الأثرية التاريخية عبر عصابات إجرامية في تجارة الآثار، ما يدر على أفرادها أموالًا وأرباحًا طائلة، لتصبح الآن مصدر تمويل لتنظيم الدولة الإسلامية.
وكان النائب السابق لمدير الشرطة الأوروبية يوروبول ورئيس مجلس الشرطة الاتحادية البلجيكية حاليا، ويلي بروغيمان، قال: إن "داعش" يستخدم شبكة جديدة وواسعة لتجاوز الوسطاء التقليديين والوصول إلى المشترين مباشرة، إضافة إلى استعماله مواقع التواصل الاجتماعي.
وفي نفس السياق أشارت تقارير إعلامية إلى أن تنظيم "داعش" شكل مجموعات تنقيب سرية، وقام بشراء أدوات جديدة من أجهزة الكشف عن المعادن والتنقيب عن الآثار لتهريبها إلى خارج البلاد وبيعها بصورة غير مشروعة.
يذكر أن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق وسوريا يقوم بتدمير لحضارات وإرث غني للبلدين وسرقة الآثار والتراث الثقافي والمتاجرة به، ففي الـ5 من مارس الماضي نشر شريط مصور أظهر عناصر تنظيم "داعش" وهم يحطمون التماثيل والنقوش وآثارا أخرى تعود إلى حقبة ما قبل الإسلام، من بينها مدينة نمرود التي تأسست في القرن الـ 13 قبل الميلاد، وتقع على ضفاف نهر دجلة على بعد 30 ميلا جنوب الشرقي مدينة الموصل أكبر مدينة شمال العراق وقام بتدمير متحف نينوي شمال الموصل بالعراق، وبث شريط فيديو يظهر تدمير عناصره المتعمد لعدد كبير من التماثيل الآشورية الموجودة بالمتحف.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن تنظيم "داعش" يواصل تدمير المواقع التاريخية والأثرية في المناطق الخاضعة له بل وينهب هذه الآثار ويبيعها على مرأى ومسمع من العالم.
مطالب بقرار أممي

ومن المعروف أن الأمم المتحدة كانت قد أصدرت قرارًا في عام 2003، يجرم التجارة في آثار العراق، بعد أن اتسعت عمليات نهبها عقب الغزو الأمريكي للعراق، وبعد أن ازدادت عمليات تدمير المناطق الأثرية في سوريا في السنوات الثلاث الأخيرة، فإن كثيرًا من المنظمات والخبراء الذين يهتمون بمجال حماية التراث الثقافي في العالم، يطالبون الأمم المتحدة باتخاذ قرار مماثل بتجريم بيع أثار سوريا، وتلقت الأمم المتحدة عريضة موقعة من 18 ألف شخص من المهتمين بالمحافظة على التراث الإنساني، باتخاذ موقف ضد من يهددون هذا التراث.
وفي سياق متصل أكدت منظمة اليونسكو أن تصنيف موقع مدينة الحضر جنوب غرب الموصب لمحافظة الانبار العراقية، على قائمة التراث المهدد بالخطر وسيلة تهدف إلى حشد دعم المجتمع الدولي للتراث العراقي.
وأضافت أن "المدينة الكبرى المحصنة" و"عاصمة المملكة العربية الأولى الحضر، قاومت الرومان مرتين في عامي 116 و198، بفضل سورها المعزز بالأبراج".
وتابعت أن "آثار المدينة، لا سيما المعابد؛ حيث تتوالف الهندسة اليونانية والرومانية مع عناصر تزيين شرقية، تشهد على عظمة حضارتها".
وتعد مدينة الحضر موقعًا أثريًّا جرى الحفاظ عليه بشكل جيد، يعود إلى الحقبة الرومانية ويضم مزيجًا أثريًّا فريدًا. ويقع في الصحراء على مسافة نحو 100 كم جنوب غرب مدينة الموصل.
لم يكتف تنظيم داعش بالقتل والنهب والتدمير، لكن امتدت يده إلى التراث الإنساني الذي يشهد على هوية الدولة وشخصيتها القومية، ليتاجر بهذا التراث ويشتري بثمنه السلاح للقتل والذبح وتدمير الوطن؛ حيث إنه لا يؤمن في عقيدته بفكرة الوطن وقيمته.