الأردن تظهر العين الحمراء للإخوان.. نهاية التصعيد ضد جماعة الشر

الأربعاء 13/أبريل/2016 - 01:10 م
طباعة الأردن تظهر العين
 
قام الأمن الأردني اليوم الأربعاء 13 أبريل 2016 بإخلاء مقر جماعة الإخوان المسلمين في عمّان وإغلاقه بالشمع الأحمر، بحسب محامٍ للجماعة.
قال المحامي عبد القادر الخطيب لوكالة فرانس برس: إن "الأمن الأردني قام قبل ظهر اليوم (الأربعاء) بمداهمة مقر جماعة الإخوان المسلمين في وسط عمّان وإخلائه قبل أن يغلقه بالشمع الأحمر".
واعتبر أن "ذلك جاء بقرار سياسي بامتياز، ليتماشى مع ما يجري في المنطقة، والهدف منه في هذا الوقت التأثير على الانتخابات القادمة ونتائجها بعد التلميح إلى احتمال مشاركة الجماعة".
ومن المقرر إجراء انتخابات نيابية في البلاد قبل نهاية العام الحالي أو في مطلع العام المقبل، وقد قاطعت الحركة الإسلامية انتخابات عامي 2010 و2013 احتجاجا على قانون الصوت الواحد بشكل رئيس واتهامات بوجود "تزوير".
من جهته، أفاد مصدر أمني لفرانس برس بأن "قوات الأمن أخلت مقر الجماعة وأغلقته بناء على أوامر محافظ العاصمة على خلفية عدم حصول الجماعة على ترخيص قانوني".
ويسود التوتر في العلاقات بين جماعة الإخوان المسلمين في الأردن والسلطات، التي تحاول استغلال انشقاق في الجماعة لإضعافها. وتأزمت العلاقة بين الطرفين خصوصًا مع منح السلطات ترخيصًا لجمعية تحمل اسم الإخوان المسلمين في مارس 2015 تضم مفصولين من الجماعة الأم. واتهمت الحركة الإسلامية السلطات بمحاولة شق الجماعة، التي تشكل مع ذراعها السياسية، حزب جبهة العمل الإسلامي، المعارضة الرئيسة الفاعلة في البلاد. وتعتبر السلطات أن الجماعة باتت غير قانونية لعدم حصولها على ترخيص جديد بموجب قانون الأحزاب والجمعيات الذي أقر في 2014.
وتقول الجماعة القائمة التي يتزعمها المراقب العام همام سعيد إنها سبق أن حصلت على الترخيص في عهدي الملك عبد الله الأول عام 1946، والملك حسين بن طلال عام 1953. وكانت الجماعة طوال عقود طويلة تشكل دعامة للنظام، لكن العلاقة مع السلطات شابها التوتر في العقد الأخير، خصوصا بعد الربيع العربي الذي بدا العام 2011.
وكانت تقارير قد أشارت الي تنفس الصعداء إثر سقوط حكم الإخوان في مصر بعد أن عزل الجيش الرئيس محمد مرسي في يونيو 2013، وحيث كان الأردن من بين أسرع وأوضح ثلاث دول- بعد المملكة السعودية والإمارات- في التعبير عن الترحيب بذلك التحرك، وأرسل الملك عبد الله الثاني برقية إلى رئيس المحكمة الدستورية العليا عدلي منصور إثر توليه مؤقتاً إدارة البلاد، أكد فيها دعمه ما اعتبره "إرادة الشعب"7 .
بل وتوجه العاهل الأردني في زيارة خاطفة إلى مصر كأول زعيم عربي يبارك للقيادة الجديدة في 20 يوليو 2013، أعلن خلالها مجدداً دعمه "خيارات الشعب المصري ومساندة مصر لتجاوز الظروف التي تشهدها وصولاً لترسيخ أمنها واستقرارها".
وفي المقابل أصدر إخوان الأردن البيانات ونظموا اللقاءات والاعتصامات أمام السفارة المصرية في عمّان والقنصلية المصرية في العقبة، رفضاً للانقلاب العسكري وتنديداً باعتبار الإخوان جماعة "إرهابية"، وأطلقوا خلال هذه الفعاليات -وبحسب النظام الأردني- "شعارات تجاوزت ما هو مألوف، وبما يؤثر على السياسة العامة للدولة الأردنية التي تطرح شعار عدم التدخل في شئون أي دولة عربية شقيقة، إضافة إلى تأثير هذه السياسة على العلاقات التاريخية بين الأردن ومصر" 8.
وقد امتدت مواقف إخوان الأردن الرافضة لاعتبار الإخوان المسلمين جماعة "إرهابية" لنقد المواقف الإقليمية المماثلة في المملكة السعودية9، وكذلك في دولة الإمارات التي نشرت قائمة تضم 83 مجموعة صنفتها على أنها "إرهابية"، ومن ضمنها الإخوان المسلمون10، وحيث اعتبر إخوان الأردن أن ما قامت به الإمارات "جرم كبير يطال عشرات ملايين المسلمين في شتى أنحاء العالم في الوقت الذي صمتت فيه على ما يجري في العالم الإسلامي من انتهاكات خاصة في المسجد الأقصى والمقدسات"11 .
وجاء الانتقاد الأقوى على لسان نائب المراقب العام لإخوان الأردن زكي بني أرشيد، الذي وصف حكومة الإمارات بأنها "الراعي الأول للإرهاب"، واعتبر في تصريح كتبه على موقع "فيسبوك" أن: "الأجندة الإماراتية تتناقض مع أهداف الأمة العربية ويجب طردها من مجلس التعاون الخليجي والجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي ووضع حد لاستنزاف الأمة وخيراتها"، وأضاف بقوله: "إن الإمارات تقوم بدور شرطي أمريكي في المنطقة، وبأقذر الأدوار الوظيفية خدمة للمشروع الصهيوني الماسوني، وتقف خلف كل أعمال التخريب والتدمير لمشروع الأمة، وتتآمر على قضايا الأمة وضد حركات التحرر الوطني، وتدعم الانقلابات وتتبنى تمويل حركات التجسس والاغتراب، فهذه القيادة هي الخلايا السرطانية في جسم الأمة العربية"، بحسب ما جاء على موقعه الالكتروني12 .
وعلى خلفية هذه التصريحات، تم توقيف بني أرشيد في 21 نوفمبر 2014 من جانب الادعاء العام لمحكمة أمن الدولة وفق "قانون منع الإرهاب"، على ذمة التحقيق بقيامه بأعمال من شأنها تعكير صفو علاقات المملكة بدولة أجنبية، ولتكون تلك المرة الأولى التي تقدم فيها السلطات الأردنية على اعتقال شخصية إخوانية بارزة بعد اندلاع الانتفاضات الشعبية في العالم العربي، وما رافقها من احتجاجات عارمة عاشتها المملكة خلال الأعوام الثلاثة الماضية للمطالبة بالإصلاح ومحاربة الفساد13 .
وجاء الاعتقال بعد نحو شهرين من اعتقال عضو مجلس شورى الجماعة محمد سعيد بكر، وبعد اعتقال ثلاثة مهندسين من الجماعة وجهت إليهم تهم تتعلق بـ"الإرهاب" وتقويض نظام الحكم، أحدهم الإسير السابق لدى الاحتلال مازن ملصة، والباحث في الشئون الفلسطينية غسان دوعر ونجله البراء، كما جاء الاعتقال بعد ساعات من اقتحام منزل المهندس عبد الله الزيتاوي المعتقل لدى إسرائيل منذ أشهر عدة 14. ولاحقاً وصل عدد معتقلي الجماعة إلى 21، معظمهم أعضاء في نقابة المهندسين الأردنية، وجه لهم المدعي العام لمحكمة أمن الدولة العسكرية تهم الإرهاب15 .
ومن ناحيتها، اعتبرت جماعة الإخوان الأردنية أن استهداف ما وصفته بـ"الفكر الراشد والمعتدل" في المنطقة بشكل عام والأردن بشكل خاص لا يمكن اعتباره إلا محاولة لاستنبات بذور "التطرف والعنف"، وأشارت إلى الاعتقالات التي تمت بالفترة الأخيرة بحق أنصارها قائلة أنها "مسيسة وغير مبررة، وتهدف إلى إضعاف الإسلاميين في المجتمع"، وطالبت السلطات الأردنية بـ"إغلاق ملف الاعتقال السياسي، وإلغاء قانون مكافحة الإرهاب، والإفراج عن جميع المعتقلين وفي مقدمتهم بني ارشيد" 16.
على الطرف المقابل رفض وزير الإعلام الأردني السابق ورئيس مجلس إدارة صحيفة "الرأي" -التي تمثل وجهة النظر الرسمية- سميح المعايطة اعتبار اعتقال بني ارشيد استهدافاً للحركة الإسلامية وبداية أزمة معها، ولكنه أوضح أن تصريحه بحق الإمارات جاء بعد سلسلة من التصريحات والرسائل من الإخوان "يغيب عنها الحس السياسي، وتنطوي على انفعال غير محسوب، بدءً ببيان حرب غزة الذي تجاهل الأردن تماماً، مروراً بالعرض العسكري المستفز بعد العدوان على غزة، وصولاً لتصريحات بني ارشيد" 17.
وأشارت مصادر إلى أن  أسباب التصعيد بين النظام والإخوان، هي: 

الضغوط الخليجية:
ربما يكون السبب الأول لتصعيد النظام الأردني ضد الإخوان، هو ما يرتبط بالمواقف الإقليمية المعارضة لنشاط التنظيم. وبحسب ما تشير إليه مصادر إعلامية متعددة، فإن بداية الأزمة في العلاقة بين الإخوان والحكومة الأردنية تعود إلى طلب دول الخليج وضع التنظيم على قائمة الإرهاب، وهو ما رفضه النظام الأردني محتجاً بخصوصية الحالة الأردنية، وعدم توفر أدلة على استخدام الإخوان للإرهاب في عملهم المرخص من الدولة، وحاول نظام الحكم الحفاظ على العلاقة التقليدية مع الجماعة -وهي علاقة تحت السيطرة بمفهوم النظام- مع موازنة مصالحه مع دول الخليج وخصوصاً الإمارات التي تمثل الطرف الأكثر تشدداً تجاه الإخوان المسلمين.
ولكن ما إن تجاوزت الساحة الأردنية هذه البداية، حتى كان اتهام نائب المراقب العام للإخوان بتعريض مصالح الأردن للخطر بسبب نقده اللاذع للإمارات، فلم يكتفِ بالهجوم على لائحة الإرهاب بل ركّز هجومه على الدولة نفسها حين وصفها بأنها "راعية للإرهاب"، وشكّك بدورها في المنطقة في نقد أزعج الحكومة وسبب لها الحرج، بحسب مصدر رسمي، وهو الأمر الذي على أساسه تم اعتقاله وتحويله للمحاكمة، في محاولة على ما يبدو لاحتواء الضغوط الإماراتية18 .
ومن ذلك جاء تأكيد رئيس وزراء الأردن عبد الله النسور أن بلاده لن تسمح لأي شخص بأن "يسيء إلى علاقاتها مع دولة الإمارات التي تربطها بالأردن علاقات أخوية مميزة، وتأتينا منها مساعدات باستمرار"، وأضاف "إذا أراد أي شخص أن يغرد ويخرب بيوت هؤلاء الناس فشعب الأردن لن يقبل هذا الأمر.. من يريد أن يغرد عليه أن يطّلع على القانون أولاً حتى لا يسيء إلى اقتصادنا وتجارتنا والمساعدات التي نتلقاها"، ودعا كل العقلاء أن "يحترموا مصالح الشعب الأردني"، وضعاً في الاعتبار أن الإمارات يعمل بها نحو 225 ألف أردني 
الموقف من تطورات غزة:
من الإسباب الرئيسية لتنامي الخلاف بين الإخوان والنظام في الأردن، المواقف التي تم اتخاذها خلال العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، وخصوصاً المهرجان الذي أقامته الحركة الإسلامية في حيّ "طبربور"، وخلاله تم تنفيذ استعراضات عسكرية نوعية، رأى المسؤولين في الأردن أنها قد تكون ناجمة عن تدريبات وإعدادات تتجاوز التنشئة التقليدية في الجماعة .
وقد صاحب الحرب انتقادات قوية من جانب الإخوان الذين وجهوا تهم "التقصير" للحكومة في دعمها لحركة حماس وللمقاومة، وارتبط بذلك الخلاف اعتقال القيادي في الحركة الإسلامية محمد سعيد بكر، على خلفية مواقفه خلال احتفالات الأردنيين بانتصار المقاومة، وبسبب محاضراته وخطبه التي وصفت بـ"التحريضية". وكان بكر ألقى خطاباً هاجم فيه النظام الأردني، قائلاً إن أمام الحكم "فرصة لإثبات الرجولة والشرف والديانة"، ومضيفاً أن "خطوة واحدة للأمام تصنع من هذا النظام عملاقاً، لكن لا أدري هل هو العجز أم أن الإرادة منزوعة"، فيما اعتبر الإخوان أن الحرب الأخيرة في القطاع "لقنت محور الاعتدال درساً" .
وأيضاً فإن اعتقال المهندسين الثلاثة، الإسير المحرر مازن ملصة، والباحث في الشؤون الفلسطينية غسان دوعر ونجله البراء، ارتبطت بما كشفته مصادر رسمية بمخاطبة حزب "جبهة العمل الإسلامي"- الذراع السياسي لإخوان الأردن- حركة حماس بإدراج الإسرى الأردنيين في السجون الإسرائيلية في أي صفقة تبادل قادمة محتملة للأسرى بينها وبين إسرائيل، وهو ما رأته الحكومة الأردنية تجاوزراً على النظام والقانون
التحالف ضد "داعش":
من أسباب الخلاف القوية بين النظام الأردني والإخوان، هو ما يرتبط بحدود مشاركة الأردن في التحالف الدولي- العربي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" المعروف إعلامياً بـ"داعش"، بعد تأكيد العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني خلال استقباله وزير الخارجية الأمريكي جون كيري في عمّان بتاريخ 12 سبتمبر 2014، دعم المملكة للجهود الدولية الرامية لمواجهة الإرهاب والتطرف.
وعلى خلفية ذلك، شدد مجلس شورى جماعة الإخوان المسلمين في الأردن رفضه زج الجيش بالتحالف الذي تقوده واشنطن، في مخالفة للمادة (127) من الدستور التي تحصر مهام الجيش في الدفاع عن الوطن وسلامته، بجانب اعتبار أن هذه الخطوة تتناقض ومصالح الأردن، من منطلق أن "الإرهاب الحقيقي هو الإرهاب الصهيوني، وليس الجماعات التي تقوم أمريكا بحرب ضدها، بمشاركة جيشنا"، والتأكيد كذلك على رفض استخدام الأراضي الأردنية كقواعد عسكرية أو منطلقات لجنود ما يسمى "التحالف الدولي على الإرهاب" .
والجدير بالذكر، أن تصعيد النظام الأردني في إطار تلك القضية لم يرتبط فقط بالإخوان المسلمين، ولكن ارتبط أيضاً بعناصر من السلفيين والمتعاطفين مع نشاط "داعش" و"جبهة النصرة الإسلامية"، وحيث تنظر محكمة أمن الدولة الأردنية في أكثر من 125 قضية وفق "قانون منع الإرهاب"، معظمها لأعضاء التيار السلفي اتهموا بمناصرة "داعش" و"جبهة النصرة" والترويج لهما، إضافة إلى محاكمة أعضاء من "حزب التحرير الإسلامي" المحظور، بعد زيادة أنشطته الجماهيرية خاصة الحرب على غزة وذكرى سقوط الخلافة الإسلامية.

شارك