التحالف الدولي ومراحل الإنجاز والانكسار في الحرب على "داعش"
الخميس 14/أبريل/2016 - 03:03 م
طباعة

على الرغم من أن التحالف الدولي ضد تنظيم الدولة "داعش" متهم دائمًا بأنه لم يحقق تقدم ملحوظ في حرب ضد التنظيم، إلا أنه يصر على نجاحه في إنجاز "المرحلة" الأولى من العمليات بنجاح على حسب المتحدث باسم الجيش الأمريكي الكولونيل ستيف وارن، والذي أكد فيه على أن التحالف العسكري الذي تقوده الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا إنجاز "المرحلة" من الحرب بنجاح، وينفذ التحالف عملية من ثلاث خطوات رئيسية في حربه المستمرة منذ 20 شهرًا ضد التنظيم المتطرف.

المتحدث باسم الجيش الأمريكي الكولونيل ستيف وارن
وقال: "لقد تم إضعاف عدونا، ونحن نعمل الآن على كسره. لقد اكتملت المرحلة الأولى من الحملة العسكرية، وأن هذه الخطوة الأولية هدفت إلى "إضعاف" التنظيم من خلال وقف استيلائه على أراض جديدة، وأن المرحلة الأخيرة من الحملة تهدف إلى إلحاق الهزيمة بالتنظيم من خلال تمكين القوات الخاصة من منع ظهور نفوذه مجددًا، بينما لا يزال تنظيم داعش قادرًا على شن عدد من الهجمات المعقدة، إلا أنه لم يتمكن من السيطرة على أي أراض مهمة منذ نحو عام ولقد ضربنا قادته وخطوط إمداداته ومقاتليه وقاعدته الصناعية ومصادر تمويله في العراق وسوريا".
حديث المسئول الأمريكى يجعلنا نضع إنجازات التحالف وإخقاقاته في الميزان مع الوضع في الاعتبار أن تنظيم داعش لا يزال يحكم سيطرته على مناطق شاسعة من سوريا والعراق، فبعد مرور عام على الضربات الجوية الدولية المتواصلة بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، فشلت واشنطن وحلفاؤها في القضاء على تنظيم "داعش" أو إضعافه في العراق وسوريا ولا يزال تنظيم "الدولة الإسلامية" على الرغم من ضربات الولايات المتحدة وحلفائها الجوية، يحتفظ تقريبًا بكامل الأراضي التي سيطر عليها في البلدين ولم يخسر سوى مدينة الرمادي الرمادي في العراق، ولكنه في الوقت نفسه لم يختف من الوجود، ولم تضعف سطوته، بل تدل جميع المؤشرات على أنه باق ويتمدد، كما يقول الشعار الذي يرفعه مناصروه.

حرب الولايات المتحدة وحلفائها على "داعش" في العراق بدأت فعليًّا في 19 سبتمبر عام 2014، فيما انطلقت الغارات على مواقع تنظيم "الدولة" في سوريا في 22 سبتمبر من نفس العام، واستخدمت فيها مئات الطائرات المقاتلة والتجسسية والصواريخ المجنحة إضافة إلى الأقمار الاصطناعية وأحدث تقنيات الرصد حشدت واشنطن تحالفًا يمكن القول إنه الأكبر في التاريخ ضد مجموعة "إرهابية"، ورصدت لحربها ضده 3.5 مليارات دولار من ميزانيتها الدفاعية البالغة 650 مليارًا، ونشرت المئات من جنودها وخبرائها في الدول المجاورة، وكان لسلاحها الجوي نصيب الأسد من عمليات القصف الجوي في البلدين، نحو 93% في سوريا و70% في العراق، ومع ذلك لم يؤد ذلك إلى أي نتائج تُذكر وتشير الأرقام الرسمية الأمريكية إلى أن طائرات قوات التحالف الذي تشارك فيه بأشكال مختلفة أكثر من 60 دولة، بينها 5 دول عربية، نفذت 20000 عملية قصف ودعم جوي ومرافقة، بينها 5200 طلعة استخدمت خلالها الطائرات سلاحًا واحدًا من ترسانتها على الأقل في العام الأول.
وأسفرت آلاف الغارات التي نفذتها قوات التحالف، حسب تصريح لتوني بلينكين نائبوزير الخارجية الأمريكية أدلى به في يونيو 2015م عن مقتل 10 آلاف من عناصر تنظيم "الدولة "، بمعدل مصرع 1000 مقاتل شهريًّا منذ بدء العمليات الجوية في أغسطس من العام الماضي، وتدمير 10684 هدفا له في البلدين منها 3262 مبنى، و119 دبابة و1202 آلية و2577 موقعا قتاليا ولكن بلينكين قال: إن "داعش" يجند ألف عنصر كل شهر ويعوض خسائره البشرية.

وإلى جانب حصيلة "الإنجازات" تسببت ضربات التحالف الدولي الجوية في العراق وسوريا في مضاعفات خطيرة، حيث قالت وسائل إعلام أمريكية: إن استهداف القصف الأمريكي للمنشآت النفطية ومخازن الحبوب ومحطات الكهرباء في المناطق التي يسيطر عليها التنظيم في سوريا ضاعف من معاناة السكان وتسبب بنقص في الغذاء وزاد من ارتفاع أسعار السلع لتبقى هذه الأسباب هى المعرقل الأساسي لنجاح التحالف والتي تتمثل فيما يلي:
1- محدودية الضربات العسكرية للتحالف
ولعل من بين العوامل التي كانت سببًا في إخفاق التحالف الدولي، في القضاء على «داعش»، هي محدودية الضربات العسكرية للتحالف، وعدم فاعليتها وإصابتها أهداف أخرى غير المحددة لها، فقد نفذ الجيش الأمريكي، نحو 4100 طلعة جوية، منذ بدء الضربات التي تشنها قوات التحالف على مقاتلي تنظيم داعش في العراق وسوريا، بجانب 40 طلعة جوية قامت بها مقاتلات تابعة للدول العربية، التي انضمت إلى التحالف بقيادة واشنطن.
وتؤكد معلومات، أن طائرات التحالف الدولي، نفذت أكثر من 260 غارة جوية في سوريا خلال شهر، تركز أكثر من 130 منها على أهداف للتنظيم في مدينة كوباني، عين العرب، التي تسكنها أغلبية كردية، ومحيطها، منذ مطلع أكتوبر الحالي، ووصل عدد الضربات في ليلة واحدة، إلى 20 ضربة أحيانًا، إضافة إلى ضربات بصواريخ «توما هوك» التي استهدفت مقرات، وتحصينات لتنظيمات متشددة، في أول ضربة لقوات التحالف ضد المتشددين في سوريا، في 23 سبتمبر الماضي.

ومن الواضح، إذن أن ضربات التحالف الدولي ضد «داعش» خلال شهر، كان محدودًا بالمقارنة مع الضربات التي نفذها حلف «الناتو» في ليبيا، خلال 2011، إذ نفذ نحو 16 ألف طلعة جوية فوق ليبيا، مما أسهم في تحقيق نتائج مهمة على الأرض، كما مكّن القوات البرية التي كانت تؤازرها الضربات الجوية من التقدم ميدانيًا.
وفي حقيقة الأمر، قد تنجح القوة العسكرية في القضاء على جزء كبير من قوة وإمكانات تنظيم «داعش» على الأرض، ولكن القوة العسكرية ستخفق في مواجهة الإطار الأيديولوجي والعقائدي، الذي مكن التنظيم من تجنيد آلاف المؤيدين له، من كافة الدول بما فيها الدول الغربية؛ الأمر الذي يُشير إلى أن نجاح التحالف في القضاء على «داعش» سيكون وقتيًا؛ مما يفرض ألا تقتصر جهود التحالف على الضربات العسكرية للتنظيم، ولكن صياغة استراتيجية متكاملة تمكن من القضاء على أسباب تنامي ظاهرة الإرهاب في المنطقة، التي لن تقتصر تبعاتها على المنطقة، ولكن على الدول الغربية ذاتها.
ويرتبط نجاح التحالف في حربه على داعش، بمساعدة العراقيين على تشكيل حكومة عراقية معبرة عن التنوع السياسي والعرقي، تكون قادرة على تحمل مسئوليتها، ومساعدة الدول العربية على بناء أنظمة سياسية قادرة على تلبية الاحتياجات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية لمواطنيها.

2- غياب قوة عسكرية برية
ويعود إخفاق الضربات الجوية في القضاء على داعش، إلى غياب قوة عسكرية برية، تؤازرها الضربات على الأرض؛ لأن الضربات لم تجبر «داعش» على التراجع عن مواقع تقدمه في كوباني، كما لم تجبره على الانكفاء في مواقع سيطرته في شمال وشرق سوريا، ومن هنا فإن نفوذ التنظيم لا يزال على حاله، إذ يسيطر على المدن والقرى التي كانت بحوزته، ولم يفقد سيطرته عليها.
وبالتالي لا بد أن يدعم القوات الجوية، بقوات برية على الأرض، كما أنه يمكن تدعيم قوات الجيش السوري الحر الذي يحتاج إلى تسليح لكي يتمكن من تحقيق مكاسب على الأرض، ومن ثم تزويد مقاتلي هذا الجيش بالأسلحة النوعية.
3- التخبط والارتباك في السياسة الأمريكية
التخبط والارتباك الواضح منذ البداية في الإدارة الأمريكية، بشأن كيفية مواجهة قوات «داعش»، إذ إن سياستها تجاه منطقة الشرق الأوسط القائمة على تقليل الانخراط الأمريكي في أزمات المنطقة، وعدم سيطرتها على أولويات إدارة الرئيس باراك أوباما كالإدارات السابقة، والذي انعكس في قرارها بسحب القوات الأمريكية من العراق وأفغانستان، وعدم التدخل العسكري مجددًا في المنطقة، ونقل مركز القوة والتأثير الأمريكي من منطقة الشرق الأوسط إلى آسيا باعتبارها المنافس والمهدد المستقبلي للولايات المتحدة، عادت إدارة الرئيس الأمريكي إلى الاهتمام مرة أخرى بالمنطقة، وإعطاء قضاياها أهمية على أجندتها بتشكيل تحالف دولي بمشاركة قوى إقليمية ودولية لمواجهة الدولة الإسلامية في العراق والشام، بعد سيطرتها على أراضٍ في سوريا والعراق لتكون نقطة الانطلاق إلى تأسيس الدولة الإسلامية.

4- شكوك العراقيين حول جدوى الضربات الجوية الدولية ضد "داعش" وشيوع حالة من الشكوك لدى الأوساط السنية العراقية، بشأن جدوى الضربات الجوية الدولية ضد "داعش"، ووقوع بعض أخطاء من قوات التحالف الدولي، إذ يعود ذلك لتداخل المناطق والقوات مع مقاتلي داعش، فمع التسليم بأهمية الدعم الذي تقدمه قوات التحالف الدولي للقوات العراقية، ولفك الحصار عن بعض المدن، لكن هناك أهدافًا تتداخل، وليس من السهل الفصل بين وجود قوات «داعش» أو المدنيين أو مقاتلين محليين ضد داعش فضلاً عن أن الإدارة الأمريكية لم تسلح سوى ما نسبته 1% من الأسلحة الثقيلة لمسرح العمليات القتالية للقوات العراقية.
ويرى محللون سياسيون أن فشل التحالف الدولي في القضاء على تنظيم "داعش" يكمن وراء موقف حكومة بغداد الراغب في قيام روسيا بشن عمليات ضد التنظيم في العراق. وقال المحلل السياسي هشام الكندي: إن "انعدام الجدية والثقة" بدا على الولايات المتحدة في مكافحة داعش، و"تصريحات المسئولين الأمريكيين المخيبة للأمل بالنسبة لقوات الأمن والقادة العراقيين، وعدم الوفاء باتفاقيات التزويد بالأسلحة دفعت العراق للبحث عن تحالف جديد".

مما سبق نستطيع التأكيد على أنه بالرغم من أن التحالف الدولى ضد تنظيم الدولة "داعش " متهم دائما بأنه لم يحقق تقدم ملحوظ في حرب ضد التنظيم إلا أنه يصر على نجاحه في أنجاز "المرحلة" الأولى من العمليات بنجاح وهو ما يدفعنا الى التأكيد على أن انجازات التحالف واخقاقاته هي التي تحدد نجاحه من عدمه.