كواليس المفاوضات السرية لتواجد الكنيسة الكاثوليكية في كوبا

الإثنين 25/أبريل/2016 - 11:58 ص
طباعة كواليس المفاوضات
 
بشكل رسمي وقانوني لا تتواجد الكنيسة الكاثوليكية في كوبا .وكانت زيارة البابا فرنسيس هي بداية مفاوضات وصفت بالسرية لتغير هذا الوضع الذي يعبر عن الدولة والفكر الشيوعي، وتحليلًا لهذا الموقف الغامض كتب لويس باديللا تحليلًا مهمًّا قام بترجمته منير بيوك وجاء فيه: 
"بدأت عملية سرية للغاية في هافانا من شأنها في جميع الاحتمالات أن تكون طويلة، وأن تؤدي إلى تحديد الوضع القانوني للكنيسة الكاثوليكية في كوبا  فقبل بضعة أيام، اجتمعت وفود تمثل الحكومة والأساقفة بصورة رسمية لإطلاق مفاوضات. وعندما تنتهي هذه المناقشات الحساسة والمعقدة، ينبغي أن يتم وضع الكنيسة الكوبية في إطار قانوني دقيق لم يكن مدرجاً منذ انتصار "ثورة" فيدل كاسترو عام 1959.
راؤول كاسترو، البالغ من العمر 85 عاماً، هو من أشد المؤيدين لهذه المفاوضات التي يدعمها بقوة البابا وأساقفة الجزيرة. فراؤول كاسترو، الذي يشغل منصبي رئيس مجلس الدولة ورئيس مجلس الوزراء منذ 24 شباط 2008 إضافة إلى السكرتير الأول للحزب الشيوعي في كوبا منذ عام 2011، سيصل إلى نهاية ولايته الثانية في 28 شباط 2018. وبمناسبة إعادة انتخابه في شباط 2013، أكد بوضوح نيته التي كررها في مناسبات أخرى؛ حيث قال: "أنا لا أريد أن يعاد انتخابي للمرة الثالثة. ففي العام 2018 لن أخوض الانتخابات".
فترة الاثنين وعشرين شهراً=-
قد يكون الرئيس كاسترو راغباً في إنهاء المفاوضات مع الكنيسة الكوبية ومع الكرسي الرسولي، ممثلاً بالسفير البابوي المونسنيور جورجيو لينجوا، بشكل غير مباشر في فترة الإثنين وعشرين شهراً المتبقية لإنهاء ولايته. إن ذلك سيشكل نجاحاً كبيراً له، جنباً إلى جنب مع العديد من الأمور الأخرى التي شكلت نقله في عملية إصلاح عميقة في عدد من المجالات، منها المتعلقة بصورة خاصة بالشئون الاجتماعية الاقتصادية، والمالية، والضريبية، إضافة إلى سوق العمل. ويقدم هذا النجاح إضافة جديدة إلى التحول في السياسة الدولية، وذلك عندما أعلن كاسترو في 14 كانون الثاني 2014 -حين كان إلى جانب الرئيس باراك أوباما- بداية عملية لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع واشنطن، وهي العملية المستمرة دون انقطاع، على الرغم من وجود أكبر عقبة وهي المقاطعة الأمريكية (الإرث الذي استمرت لأكثر من نصف قرن من العداء المتبادل والتوتر) ولم يتم إزالته تماماً بعد، بانتظار صدور قرار من الكونغرس الأمريكي بشأنه.
لفتات تاريخية
فكما هو معروف، عند أمر معين، فإن البابا فرنسيس قد لعب دوراً، بناءً على طلب من كلا الطرفين، في المفاوضات المطولة والسرية بين هافانا وواشنطن التي بدأت في هايتي عام 2010، والتي كشفها الرئيسان قبل ستة عشر شهراً. أرسل فرنسيس رسالتين، الأولى إلى راؤول كاسترو والأخرى إلى باراك أوباما. ففي الفترة بين شهري تشرين الأول وتشرين الثاني من عام 2014، استضاف الفاتيكان وأمين سر دولة حاضرة الفاتيكان الكاردينال بيترو بارولين الوفود بغرض التوقيع الأولي على "اتفاق" نهائي. ولم يشكل ذلك نقطة تحول فحسب، وإنما شكل الأساس لإقامة علاقة من الثقة المتبادلة العميقة بين كوبا والبابا فرنسيس، وبين البابا والرئيس كاسترو. وكان هناك لفتتان تاريخيتان خلال فترة وجيزة من الزمن: زيارة راؤول كاسترو إلى البابا في الفاتيكان في العاشر من أيار 2015 وزيارة البابا فرنسيس إلى كوبا من 19-22 أيلول 2015 التي تم إضافتها إلى خط سير الرحلة البابوية في اللحظة الأخيرة، قبيل زيارته المقررة إلى الولايات المتحدة، وإلى الأمم المتحدة، وإلى اللقاء العالمي الثامن للعائلات في فيلادلفيا بالولايات المتحدة. ففي 12 شباط 2016 نضجت الظروف المواتيه لعودة البابا إلى هافانا في هذا المناخ الذي يتسم بالتغيير. وبهذه المناسبة، عاد لاحتضان شقيقه كيريل، بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، الذي وقع معه إعلاناً مشتركاً.

واجبات وحقوق
في كل هذه الخطوات، كما هو الحال في خطوات سابقة لا يمكن نسيانها أو الاستخفاف بها (يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر) كان هناك دائماً حاجة إلى توفير إطار قانوني لوجود الكنيسة الكاثوليكية في كوبا ولعملها.
جدد البابا فرنسيس بالتأكيد هذه الدعوة داعياً إلى أن الوصول إلى وضع توافقي يكون مفيداً بشكل كبير للأمة الكوبية وكذلك للمؤمنين الكاثوليك المحليين. فالكنيسة الكوبية تتمتع بالحرية كما أن حرية العبادة مكفولة بشكل فعّال في الدستور، لذا فإن الاستفسار حول الوضع القانوني ليس له علاقة بهذه الجوانب الأساسية.
تكمن المشكلة في الأساس في عدم وجود اعتراف قانوني يحدد الواجبات والحقوق. فمن الضروري إزالة أي تصدع بيروقراطي أو إداري يعيق أو يعرقل عمل رسالة الكنيسة.
هناك العديد من التحديات التي تنتظرنا، على الرغم من أنه من المرجح جداً أن يتم التوصل إلى اتفاق حول عدد منها. إلا أنه هناك تحديات أخرى لا تزال بحاجة إلى الكثير من العمل كما هو الحال، على سبيل المثال، دخول الكنيسة في مجال الصحافة إضافة إلى وسائل الإعلام الكاثوليكية (إلى جانب الصحيفة والموقع الرعوي)، والتعليم الكاثوليكي في المدارس والجامعات والسجون أو المؤسسات الأهلية والمحلية.
الكنيسة الكاثوليكية في خضم هذا التحول الكوبي
إنه ليس اتفاقاً يجري التفاوض عليه. فكوبا لا تريد هذا، كما هو الحال مع الكرسي الرسولي. ما يجري التفاوض عليه هو اتفاق قانوني عملي شبيه بالإتفاقات التي وقعها الفاتيكان مع عدد من بلدان المختلفة مثل ذلك الذي تم توقيعه مع فلسطين بخصوص "الجوانب الأساسية للحياة ونشاطات للكنيسة"، التي دخلت حيز النفاذ في الثاني من كانون الثاني. فعلى الإتفاق المرتقب أن يأخذ في الاعتبار المؤسسية الفريدة لكوبا، التي تأتي في خضم مرحلة انتقالية تترافق مع إصلاحات تجري تغييرات جوهرية في طبيعة النظام التي وفقاً لقيادة الثورة الكوبية يجب أن يبقى بالضرورة اشتراكياً لكنه يتعزز "ويتطور" بمبادئ اقتصاد السوق. فقبيل زيارة البابا في أيلول 2015، نشرت "غرانما" رسالة ترحيب بالبابا جاء بها: "البلاد غارقة في عملية تحديث النموذج الاجتماعي والاقتصادي، وملتزمة بالدفاع عن سيادتنا الوطنية، وبالحفاظ على إنجازاتنا الاجتماعية، وبتحقيق المزيد من الرفاهية للجميع  لا تستثني أحداً".
فالتحدي الأكثر حساسية الذي تواجهه الكنيسة هو العثور، ضمن هذا النظام، على الحيز القانوني والعملي الذي تحتاجه لضمان تعايش يحترم بجدية استقلالية الأطراف المعنية الذاتية ويضمنها. فيجب ألا تشعر الحكومة والنظام المؤسسي السياسي بأن الكنيسة تهددهما، حتى عندما توجه الانتقادات كما فعلت في مناسبات عديدة في الماضي. كما يجب ألا تشعر الكنيسة بعبء القيود البيروقراطية والإدارية التي خنقت النمو لفترة طويلة جداً، وحولت المجتمع الكاثوليكي المحلي إلى كنيسة تشبه شجرة الزينة".

شارك