برلين تحاكم العائدين من سوريا
الأربعاء 04/مايو/2016 - 03:16 م
طباعة

لأول مرة في ألمانيا تتم محاكمة شخص من العائدين إلى البلاد بتهمة ارتكاب جرائم حرب في سوريا. المواطن الألماني الإيراني الأصل آريا ل. سافر مطلع عام 2014 إلى سوريا للالتحاق بميليشيا إسلامية، كما تقول لائحة الاتهام. هناك تدرب على استخدام السلاح وشارك في معارك ضد نظام بشار الأسد.
ناقوس الخطر
بعد الهجمات الإرهابية على بروكسل، والتحذيرات المتتالية داخل أوروبا، بات الجهاديون العائدون من سوريا والعراق في مركز اهتمام السلطات في ألمانيا، حيث تحاول الأجهزة الأمنية اتخاذ تدابير للحد من الخطر القادم، ومنها التثقيف.
في أحد المراكز لمكافحة الإرهاب GTAZ في برلين، يجلس يوميا ممثلون عن 40 وكالة أمن مختلفة، من الدولة الاتحادية ومن مجالس الولايات. بما في ذلك موظفو جميع دوائر هيئة حماية الدستور (الاستخبارات الألمانية الداخلية)، وأقسام الاستخبارات الاتحادية BND، ودائرة مكافحة التجسس العسكري MAD. في الاجتماع تتدفق كل المعلومات وتعرض أمام المشاركين، وهي بالغالب تتحدث عن حركة السفر الخاصة بمؤيدي تنظيم داعش. كم من الناس غادروا ألمانيا للانضمام لداعش؟ والأهم من ذلك، كم عاد منهم؟
كيف تتدفق المعلومات بالضبط، وكيف تتم معالجتها عن كثب، هذه الأمور لا تريد السلطات أن توضحها، أو تعلن عنها رسميا وذلك لأسباب تكتيكية، إلا أن خبراء من دوائر أمنية يتحدثون عن تحسن أمور المراقبة وتوسع مداها؛ حيث ترجع الأجهزة الأمنية هذا التحسن لوجود عاملين اثنين، أولاً: توفر المزيد من المعلومات من أجهزة الاستخبارات الأجنبية الصديقة، وثانياً: اعترافات العائدين من الجهاديين أثناء محاكمتهم.
آخر هذه الاعترافات كانت من نيلز د. أمام المحكمة العليا في دوسلدورف، حيث روى نيلز (عمره 25 عاماً)- الذي اعتنق الديانة الإسلامية وانضم إلى داعش- كيف أنه لاحق الجواسيس والفارين من التنظيم، وأَسَرَهم بقوة السلاح. أيضا يخبر إبراهيم ب. من شمال العراق-والذي هرب بعدها إلى ألمانيا- عن كيفية تحضير الهجمات الانتحارية في العراق، والبنية الخاصة بها. وتقوم أجهزة الأمن من الألمان والأوربيين بتقييم المعلومات الواردة، ودمجها من أجل الوصول إلى طرق أفضل لمكافحة الإرهاب، إلا أن هذا الأمر يُعَدّ من الأمور الحديثة، التي بدأت الأجهزة الأمنية باتباعها.
مع مرور الوقت نمت المعرفة عن طبيعة العائدين. من جهته يذكر مكتب مكافحة الجريمة-في الاجتماع المقام بحضور ممثلين عن الأجهزة الأمنية- النتائج الأخيرة التي توصل لها في 24 مارس 2016، حيث يذهب الاعتقاد إلى سفر حوالي 800 مقاتل متطوع من الإسلامويين إلى سوريا، ويُتَوقع عودة ثلثهم إلى ألمانيا. فقد زادت مؤشرات السفر الخاصة بهؤلاء إلى عدة أضعاف منذ عام 2011. كما يُعتقد أن حوالي 70 شخصا من هؤلاء تلقوا تدريبا عسكريا، أو حتى شاركوا في العمليات القتالية المباشرة.
من جانبه يُعرِب رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور، هانز جورج ماسين، عن قلقه من هؤلاء العائدين. ويقول إنهم الآن أكثر راديكالية من أي وقت مضى، وأصبح منهم أناسٌ متدربون على فنون الحرب، حوالي 470 من هؤلاء- والذين يُطلَق عليهم لقب الخطرين- تتم متابعتهم عن كثب من قبل أجهزة الأمن، وهو ما يخلق لأجهزة الشرطة ولدوائر حماية الدستور (المخابرات الألمانية الداخلية) مشاكل عديدة، وذلك لعددهم الكبير؛ حيث من الممكن أن يكون المشتبه به المراقب فردًا واحدًا أو أحيانًا مجموعة قد تصل لأربعة أشخاص.
تورستن فوس، مدير مكتب حماية الدستور في ولاية هامبورغ يشير إلى الكثير من الأفكار المفيدة جدا التي يمكن تطويرها لمكافحة الإرهاب، ومنها على سبيل المثال: "مراقبة أكثر فعالية للانترنت، وأيضا تحليل الشبكات الاجتماعية الخاصة بالعائدين، وهو ما يمكن أن يكون مفيدا"، بحسب مدير المكتب فوس. ويضيف أن "مركز مكافحة الإرهاب في برلين لديه قسم خاص لهذا الأمر، حيث كانت إحدى الملاحظات التي توصل لها أن الجهاديين العائدين في كثير من الأحيان يبحثون عن أشخاص من الحركة السلفية، والذين كانوا على علاقة معهم قبل سفرهم من ألمانيا".
وقد شخّصَت دراسة للمكتب الاتحادي مكافحة الجريمة BKA تجارب مروعة للعديد من العائدين من مناطق القتال، ولاحظت تناقصاً في القوة لدى تنظيم داعش في شمال العراق، كما رصدت الدراسة مستوى التعليم المنخفض للعائدين، مع ميل إلى حد ما للجريمة. وصنَّفَتْ الدراسة أغلب أعمار العائدين إلى فئتين، الأولى: من 27 إلى 30 سنة، بينما الفئة العمرية الثانية: تحت سن 25، حيث أشارت الدراسة إلى أنها تحمل أفكارا أكثر تطرفا من الفئة الأولى. ولا ترى السلطات الأمنية بعين الرضا، إذ أنه توجد احتمالية أيضا أن يكون هناك مجرمون من بين هؤلاء العائدين.
واحدة من المؤسسات التي تكافح الإرهاب وتعمل على تجميع إجراءات قانونية ضد الإرهابيين في ألمانيا، هي مكتب النائب العام، والذي يرأسه بيتر فرانك. اعترف فرانك في لقاء أجراه مع صحيفة زود دويتشه تسايتونغ بأنه يواجه "صعوبات في جمع الأدلة من سوريا أو العراق"، وقال فرانك: "نعتقد أن بعضًا منهم، ملطخة أيديهم بالدماء، إلا أننا لا نستطيع إثبات ذلك في كثير من الأحيان"، وذكر بأن لديه نحو 130 حالة ضد 200 متهما يعمل على متابعتها. ويرى فرانك أنه من الأنسب إقامة مركز أوروبي متكامل لمكافحة الإرهاب على غرار مركز برلين، حيث يقدر مسئولو أمن أوروبيون وجود نحو 3000 شخص لديهم الاستعداد لممارسة العنف، والذين هم منضوون تحت لواء جماعات إرهابية في الشرق الأوسط.
"توديع الكراهية والعنف" هو اسم برنامج اتحادي لمحاربة التطرف كان موجودا في السنوات بين 2001 و2014، وهدف إلى مساعدة المتسربين من الجهاديين على الانفتاح على المجتمع، إلا أن هذا البرنامج تم وقفه وهو ما يأسف عليه توماس موكه من منظمة شبكة منع العنف في برلين. ويقول موكه بخصوص التعامل مع الجهاديين العائدين: "ينبغي للمرء أن لا يترك أي فرصة غير مستغلة". ويتابع قائلاً: "في العديد من الولايات مثل بافاريا، عززت وزارة الداخلية من مكافحتها للإرهاب، عن طريق المحاضرات التثقيفية، في المدارس والمعامل وأيضا في السجون".
المخابرات الألمانية تراقب 90 مسجدًا

وقد حذرت الاستخبارات الداخلية الألمانية من وجود 260 شخصا في ألمانيا، عادوا من سوريا، يشكلون خطرا على أمن البلاد. وقال رئيس الاستخبارات غيورغ ماسن إن هيئته تراقب "مساجد الفناء الخلفي"، التي يتم التحريض فيها على الجهاد.
ذكرت هيئة حماية الدستور "الاستخبارات الداخلية" في ألمانيا أنها تراقب نحو 90 مسجدا في البلاد. وقال رئيس الهيئة هانز غيورغ ماسن في تصريحات لبرنامج "مورغن ماغازين" الإخباري بالقناة الأولى الألمانية (ايه دي ار): "إننا قلقون من وجود جمعيات إسلامية متشددة تتبعها مساجد يتعين علينا مراقبتها".
وأوضح ماسن أن هذا القلق يرتبط غالبا بـ "مساجد الفناء الخلفي" التي يتم التحدث بها باللغة العربية والتي يتم التحريض بداخلها على الجهاد بخطاب مليء بالكراهية.
وجدير بالذكر أن "مساجد الفناء الخلفي" مسمى يطلق على المباني التي كانت مصنعا مثلا ولم يعد يتم استخدامها حاليا وحولها المسلمون إلى أماكن لتجمعهم أو لمساجد. وأضاف ماسن أن هيئته تراقب المتطرفين الدينيين والسياسيين، وأكد أنه لا يتم مراقبة المسلمين العاديين.
وتشهد العاصمة الألمانية برلين اليوم الاثنين ندوة تابعة لهيئة حماية الدستور عن موضوع الميليشيات الإرهابية التابعة لتنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش). ويعتزم مسئولون من الاستخبارات والشرطة مناقشة التهديد العالمي والوضع الخطير في ألمانيا وكيفية التصدي للإرهاب.
خطة جديدة لتسريع تبادل المعلومات
وتعتزم الحكومة الألمانية العمل من أجل تسريع وتيرة التبادل الدولي للبيانات بين أجهزة الاستخبارات العالمية في إطار "الحرب على الإرهاب". وتبدو برلين ماضية في خطوتها رغم تحفظات أنصار سرة البيانات الشخصية.
وخلال ندوة لهيئة حماية الدستور (الاستخبارات الداخلية الألمانية) حول التهديد الأمني الذي يشكله تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) اليوم، أوضح آلتماير وزير شئون دار المستشارية والمسئول عن عمل الاستخبارات في ألمانيا أن الحكومة تسعى للعمل من أجل إتاحة تبادل البيانات مستقبلا بغرض الوقاية من الإرهاب.
وأعرب التماير عن اعتقاده بأن أوروبا لا تزال بعيدة عن تمكين السلطات الأمنية من الاستفادة من البيانات المتاحة بطريقة مسئولة، واختتم كلامه قائلا إن المهم الآن هو تحسين تبادل المعلومات خلال الأشهر المقبلة.
الجهاديون العائدون من سوريا - مجرمو حرب
يُتهم الألماني آريا ل. بأنه التقط صوراً مع جثث ضحايا قطعت رؤوسهم في سوريا. والآن يمثل الشاب البالغ من العمر 21 عامًا أمام محكمة في فرانكفورت بتهمة ارتكاب جريمة حرب.
لائحة الاتهام تركز على الصور التي التقطها مع رأسين مغروسين على رمحين في سوريا خلال ربيع 2014، ثم وضع الصور على فيسبوك. وبذلك فإنه و"حسب القانون الإنساني الدولي لحماية الشعب، قام بمعاملتهما معاملة مهينة واستخف بالضحايا" كما يقول النائب العام، لذلك وجهت النيابة إليه تهمة ارتكاب جريمة حرب.
لا يُعرف الكثير عن المتهم، سوى ما تناقلته وسائل إعلام عن انتمائه إلى السلفيين في منطقة فرانكفورت بولاية هسن، والتي هي إحدى قلاع السلفيين في ألمانيا. كما يعرف عنه أنه أدى مناسك الحج في مكة ثم التحق بالجهاديين.
ويقول توماس موكه من "شبكة درء العنف"، إن "السلفيين يعرفون كيف يغررون بالشباب". هذه الشبكة تقدم مساعدات للأهالي الذين يلتحق أبناؤهم بالمتطرفين ويعمل أفرادها مع العائدين من سوريا. ويضيف موكه: "معظم الشباب يتم استقطابهم من أصدقاء لهم وفي نفس العمر، وهم يبحثون عن سند في الحياة وتوجيه، فيعتقدون أنهم يجدون لدى المتطرفين ما يبحثون عنه". لكن كثيرين منهم يصابون بالصدمة حين يشاركون في الحرب الأهلية السورية، ويقول موكه: "من يرتكب أعمالاً إجرامية في سوريا، يكون لديه استعداد لهذه الأفعال قبل سفره".
لكن ليس من السهل إثبات من "تلطخت أيديهم بالدماء" من بين العائدين من سوريا، كما يقول النائب العام بيتر فرانك، لعدم وجود الأدلة الكافية.
وفي الأثناء هناك أربعة أقسام تابعة للنيابة العامة تتابع قضايا الجهاديين الألمان العائدين من سوريا. وقد صدرت أحكام بحق بعضهم، لكن الأشهر القادمة ستشهد موجة من المحاكمات. وهناك حاليا حوالي 130 قضية مرفوعة ضد ما يقارب الـ 200 متهم. وكانت معظم التهم حتى الآن العضوية في تنظيم إرهابي أو تقديم الدعم إلى تنظيم إرهابي، لكن الآن هناك 13 قضية ترقى التهم فيها إلى جرائم حرب.
وأوضحت متحدثة باسم النيابة أن 10 تحقيقات متصلة بسوريا والعراق حول ارتكاب جرائم حرب، مطروحة الآن أمام النيابة، إضافة إلى 30 دعوى ضد جهاديين سابقين بتهمة "الانتماء إلى مجموعة إرهابية".