الصراع المسلح بين الفصائل المعارضة في سوريا أكبر من أن تحله قوات "فصل" عسكرية

الخميس 05/مايو/2016 - 12:19 م
طباعة الصراع المسلح بين
 
شكل إعلان 13 فصيلاً عسكرياً ثورياً في شمال سوريا، يوم الأربعاء 4-5-2016م عن تشكيل قوة فصل عسكرية، مهمتها منع الاقتتال بين الفصائل، وإلزام أي طرفين متنازعين بالنزول على حكم هيئة شرعية يتوافق عليها، وذلك على وقع الاقتتال الداخلي بين فصائل الغوطة الشرقية بريف دمشق، والخلافات "الفصائلية" التي شهدتها عدة مناطق في أرياف إدلب وحلب وحماة التساؤلات حول جدوى هذة الفصائل أهمية وجودها ومدى قدرتها على تحقيق ومنع قتال بين الميليشيات المتصارعة في سوريا.
الصراع المسلح بين
وأصدر كلٌّ من فصائل "الجبهة الشامية، حركة نور الدين الزنكي، لواء الحرية الإسلامي، جبهة أنصار الإسلام القطاع الشمالي، جيش المجاهدين، الفوج الأول، جيش النصر، فيلق الشام، لواء صقور الجبل، الفرقة الشمالية، جيش التحرير، تجمع فاستقم كما أمرت" بياناً مشتركاً أكدت من خلاله "أنه انطلاقاً من حرصهم على الدماء المعصومة أن تراق، وعلى ساحة الثورة أن تدخل صراعات جانبية لا تخدم إلا أعداءهم، فقد قررت الفصائل الموقعة على البيان إنشاء قوة فصل مكونة من الفصائل المقاتلة، مهمتها تطويق الصراعات الحاصلة بين الفصائل الثورية على الساحة، ومنع الاقتتال بين إخوة السلاح".
وأكد البيان المشترك على التزام الفصائل الموقعة على هذا البيان بالنزول على حكم هيئة شرعية يتوافق عليها، في حال حدوث أي خلاف بين فصيلين، داعية الفصائل الأخرى إلى الاشتراك في هذه القوة صيانة "للجهاد" وحفظاً لمكتسبات الثورة و على ضرورة حصر الصراع الواقع في الغوطة الشرقية، وعدم تمدده خارجها، وانتقال شرارته إلى الشمال السوري، وشددت على أنها ستقف بحزم في وجه أي طرف يحاول نقل الصراع وتأجيجه، داعية أطراف الصراع هناك إلى ضرورة الاحتكام للغة الشرع والعقل وإيقاف النزاع الدائر.
الصراع المسلح بين
على الجانب الآخر أصدر "جيش الإسلام" بياناً منفصلاً أكد من خلاله انضمامه لقوة الفصل المُشكَّلة في الشمال السوري، والتي تهدف إلى تطويق الصراعات في حال حصولها بين الفصائل الثورية، وأن جيش الإسلام يؤكد حرصه على حقن الدماء والتفرغ لقتال قوات الأسد وتنظيم الدولة ومَن يواليهما من الميليشيات".
وتأتي هذه الخطوة على وقع الاقتتال الذي دار في الأسبوع الأول من شهر مايو بين "جيش الإسلام" من جهة و"جيش الفسطاط" و"فيلق الرحمن" من جهة أخرى في الغوطة الشرقية بريف دمشق، والتي خلفت نحو 250 قتيلًا بينهم مدنيين، ونحو 1500 معتقل وهو الأمر الذي لا يعد الأول؛ حيث سبق وحدث أكثر من صراع بين الفصائل المسلحة في سوريا، ورصد أحمد زكريا الباسوسي الباحث بالمركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية في 10/10/2013م البدايات المبكرة لهذا الصراع من خلال بحث بعنوان "مشهد معقد"- تداعيات الصراع بين الفصائل المسلحة على الأزمة السورية قائلًا: "يعتبر الصراع المحموم بين فصائل المعارضة السورية المسلحة أحد أبرز المعوقات التي تواجه جهود إسقاط نظام الرئيس بشار الأسد، إذ إنه يكشف النقاب عن الإشكاليات التي يمكن أن تواجه الدولة السورية في اليوم التالي لمرحلة ما بعد رحيل الأسد، وذلك بعد تفاقمه بشكل ملفت للانتباه في الآونة الأخيرة، من حيث اتساع نطاقه الجغرافي، وتعدد أطرافه، على نحو يجعل حسم الأزمة السورية مؤجلا إلى حين حدوث تطورات ميدانية تحسم المواجهة بين طرفيها، وإن كانت المؤشرات الحالية تشير إلى أن إطالة أمدها تصب في صالح نظام الأسد، على نحو يخرج سوريا من حالة الثورة إلى حالة الصراع الممتد، الذي يتلاقى مع تأثيرات قادمة من دول الإقليم.
الصراع المسلح بين
 وتمثل ظاهرة الصراع الداخلي بين الفصائل السورية المسلحة أحد أبرز المخاطر التي تهدد تماسكها في مواجهة نظام الأسد، إذ يكمن خطر هذه الظاهرة في تعدد أبعادها وتعقدها، حيث تعتبر ظاهرة ثلاثية الأبعاد، تتمثل في:
1- اتساع النطاق الجغرافي للصراع، إذ لم تعد المعارك قاصرةً على أماكن أو محافظات بعينها، بل امتدت لتشمل كافة أرجاء سوريا، حيث انتشرت المواجهات في مختلف البلدات بريف إدلب وحلب بشمال سوريا، والحسكة بالمنطقة الشرقية، ومدينة إعزاز بشمال حلب، ومحافظة الرقة في شمال وسط سوريا.
2- تعدد الفصائل المنخرطة في الصراع، التي يأتي في مقدمتها الجيش السوري الحر بمختلف ألويته، وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة، والدولة الإسلامية في العراق والشام، وقوات الحماية الشعبية الكردية.
3- تصاعد حدة المواجهات واستهداف القيادات، فقد تجاوزت المعارك المناوشات الخفيفة إلى حد الحصار الكامل، والسيطرة على قرى كاملة، إذ سيطر الجيش الحر على 11 قرية بريف حلب بعد معركة ضارية مع أنصار تنظيم دولة العراق والشام. كما دخلت قوات الحماية الشعبية الكردية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي في مواجهات مسلحة محتدمة في حلب مع مقاتلي جبهة النصرة والدولة الإسلامية في العراق والشام في منطقة الشمال شرق سوريا بالقرب من معبر رأس العين الاستراتيجي. ووصل الصراع أيضًا إلى درجة استهداف واغتيال القيادات، ففي 12 يوليو الماضي، قامت عناصر من تنظيم دولة الشام والعراق باغتيال عضو المجلس العسكري الأعلى للجيش السوري الحر كمال حمامي، المعروف باسم أبو بصير الجبلاوي بريف اللاذقية، وهو ما اعتبره الجيش الحر بمثابة "إعلان للحرب"، وفي 24 سبتمبر الجاري قتل أبو عبد الله الليبي أمير تنظيم دولة العراق والشام في مواجهات مع الجيش الحر بمنطقة الدانا بإدلب.
الصراع المسلح بين
 وتابعت الدراسة: "مثلت الحرب الدائرة في سوريا بيئة حاضنة وجاذبة لكثير من الفصائل المسلحة المنتشرة في دول الإقليم، وهو الأمر الذي انعكس على وصول عدد الفصائل السورية المسلحة إلى ما يزيد عن 400 فصيل مقاتل.. وتتشابك أسباب الصراع بين الفصائل السورية المسلحة المختلفة. فعلى صعيد الأسباب الداخلية، تمثل الاختلافات العقائدية والأيديولوجية بين الفصائل المختلفة أحد محفزات هذا الصراع، وهو ما تجلى بشكل واضح في الصراع بين التنظيمات الإسلامية المتشددة خاصة جبهة النصرة وتنظيم دولة الشام والعراق من جانب، والجيش الحر من جانب آخر. فمنذ اللحظات الأولى، أعلنت التنظيمات المتشددة أن هدفها هو تحرير البلاد لإقامة الدولة أو الإمارة الإسلامية عبر رفع شعار تطبيق الشريعة، وهو ما انعكس في سعيها إلى فرض النموذج الإسلامي على بعض المناطق، في الوقت الذي يتبنى فيه الجيش الحر توجهات علمانية تتأسس على التعددية والديمقراطية والدولة الوطنية المستقلة".
يضاف إلى ذلك، صراعات التمدد وبسط النفوذ، فقد حققت بعض الفصائل المتشددة، لا سيما جبهة النصرة، انتصارات متتالية مما جعلها، وفقًا لتقارير عديدة، الفصيل الأقوى والأكثر نفوذًا في سوريا، وهو ما خصم من نفوذ فصائل أخرى خاصة الجيش السوري الحر، الأمر الذي دفع الأخير إلى محاولة استعادة سيطرته مرة أخرى، ومن ثم زادت معدلات الاحتكاك بين الجيش الحر وجبهة النصرة بشكل ملحوظ.
كما تعد محاولات السيطرة على المناطق الاستراتيجية أحد المحاور الهامة للصراع، خاصة بين الفصائل الإسلامية وقوات الحماية الشعبية الكردية، ويمثل الصراع الدائر في شمال سوريا حول معبر رأس العين الاستراتيجي الذي يقع بالقرب من المنطقة الحدودية بين سوريا وتركيا، نموذجًا واضحًا لذلك.
الصراع المسلح بين
أما على مستوى المصادر الخارجية للصراع، فقد أججت الوعود الأوروبية بتسليح الجيش الحر الصراع بين الفصائل المختلفة، وذلك لكونها اشترطت ضرورة قيام الجيش الحر بفرض سيطرته الكاملة على المناطق التي تم تحريرها، وهو ما دفعه إلى الدخول في احتكاكات متواصلة مع المقاتلين التابعين للفصائل الأخرى لا سيما الإسلامية المتشددة. فضلا عن أن تباين المصالح بين القوى الإقليمية والدولية المعنية بالأزمة أدى إلى تصاعد حدة الاحتقان بين الفصائل المسلحة، خصوصًا مع اتجاه كل منها إلى دعم أحد الأطراف المنخرطة في الصراع، لتحقيق أهدافها.
من ناحيته، قال وزير الدفاع السابق في الحكومة السورية المؤقتة أسعد مصطفى: "إن أهم عوامل تشتت المعارضة السورية المسلحة تعود إلى طول فترة الحرب، وظهور التنظيمات ذات الخلفيات الدينية، وإن توحد جهود المقاومة كان يمكن أن يسقط جيش النظام المفكك منذ فترة طويلة، وإن عدم توحيد توزيع السلاح والمال من أهم العوامل التي جعلت الجيش الحر مفككًا أن وصف جميع التنظيمات المقاتلة بأنها فاسدة وصف غير دقيق، وأن الحل هو توحيد المقاتلين العاملين على الأرض الذين اختاروا الثورة وقدموا أنفسهم لإسقاط هذا النظام".
وكشف عن أن هناك كتائب إسلامية "معتدلة" في الميدان حققت الكثير من الانتصارات، وأن الأغلبية من الكتائب المقاتلة ترغب في الوحدة، وعلى ضرورة إقصاء "المتطرفين". وأن هناك استحالة للتعايش بين المعارضة والنظام الذي قتل نصف مليون شهيد وأسقط نصف مليون جريح وشرد 10 ملايين مواطن من ديارهم، وأن رحيل النظام هو النتيجة الحتمية للثورة السورية.
الصراع المسلح بين
 مما سبق نستطيع التأكيد على أن سواء تم تشكيل قوة فصل عسكرية، بين الفصائل المسلحة المعارضة أم لا؟ فإن ذلك الأمر لم يمنع الاقتتال بينهما؛ لأن الخلافات "الفصائلية" التي تشهدها سوريا في عدة مناطق خلافات أيديولوجية في الأساس؛ مما يطرح التساؤل عن مدى جدوى هذه الفصائل وأهمية وجودها في سوريا من الأساس. 

شارك