تجديد للخطاب أم للفكر الديني بين الأزهر والسلفيين؟

الخميس 05/مايو/2016 - 02:20 م
طباعة تجديد للخطاب أم للفكر حسام الحداد
 
لا نستطيع إنكار أنه لا يوجد خطاب ديني واحد ليتم تجديده، فهناك خطابات متعددة منها الخطاب الديني السلفي، والمحافظ، والمتحرر وما يسمى بالمعتدل وغيرها. أضف إلى ذلك بأن هناك خطابًا للمؤسسات الدينية وخطابات تنتجها مجموعات دينية خارج إطار المؤسسات الدينية ليس لأحد السيطرة عليها كالخطاب السلفي الجهادي والخطاب الديني المتحرر الذي يتماهى مع القيم الغربية. إذن، نحن أمام مجموعة كبيرة من الخطابات الدينية التي لايمكن تجديدها مرة واحدة وبسلة واحدة.. هذه صعوبة لايمكن تجاوزها بسهولة. 
رغم ذلك نرى أساتذة جامعات وعلماء بالأزهر يرددون كل يوم مقولة "تجديد الخطاب الديني" وكثير من الباحثين يتهمون جماعات بعينها تقف حائلًا أمام تجديد الخطاب الديني، وكان في مرمى الهدف هؤلاء المنتمون للفصيل السلفي الذي لا يعد فصيلًا واحدًا، بل هم مجموعة من السلفيين المتنوعين فيما بينهما، ولكل منهم خطابه الذي يعتمد عليه؛ نظرًا لمرجعياته الدينية والفكرية ما بين سلفية علمية "الدعوة السلفية" وسلفية مدخلية وسلفية محتسبة وسلفية حركة.. إلخ هذه المسميات. 
الدكتور محمد الشحات
الدكتور محمد الشحات الجندي
ومن بين الآراء التي توجه الاتهام للسلفيين، الدكتور محمد الشحات الجندي، عضو مجمع البحوث الإسلامية، حيث أكد أن هناك محاولات يتخذها كل من هيئة كبار العلماء بالأزهر ومجمع البحوث الإسلامية، للوقوف أمام محاولات السلفيين لعرقلة تجديد الخطاب الديني. وأضاف عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن السلفيين يعرقلون تجديد الخطاب الدينى، من خلال كم الفتاوى التي تصدر من جانبهم، موضحاً أن ذلك الأمر يسيء إلى الإسلام ولا يعبر عن الشريعة الإسلامية. وأشار الجندي إلى أن التنسيق الكامل بين مجمع البحوث الإسلامية والأزهر من ناحية واللجنة الدينية بالبرلمان من ناحية أخرى سيسرع من ظهور مشروع تجديد الخطاب الديني إلى النور، لافتاً إلى أن البحوث الإسلامية قدمت خطوات عديدة لظهور هذا المشروع. وأوضح عضو البحوث الإسلامية، أن السلفيين يندسون وسط جموع الشعب وينتقلون بين الأوساط الشعبية لنشر فتاويهم وأفكارهم التي تشوه الإسلام، وهو أحد الأسباب المهمة لعرقلة تجديد الخطاب الديني.
الدكتور أحمد كريمة
الدكتور أحمد كريمة
كما أكد الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن المتسلفين يعدون أكبر عائق لظهور مشروع تجديد الخطاب الديني، ولحسن فهم الإسلام وحسن عرضه، مشيراً إلى أنهم أينما تواجدوا في أي بلد يحدث فراغ دينى كبير. وأضاف أستاذ الشريعة بجامعة الأزهر، أن الفكر السلفي جاء بمفهوم مغاير تماماً لصحيح الإسلام ومقاصده، فهم أبعد ما يكون عن جوهر الإسلام، متابعاً: "الإرهاب المسلح والفكري تواجد طالما تواجد الفكر السلفي في أي مكان بالعالم"، لافتاً إلى أنه حال ظهور مشروع تجديد الخطاب الديني سيجعل نفوذ السلفيين يقل كثيراً في مصر، وهو ما يدفعهم لعرقلة ظهوره.
ما تم قوله من هذين العالمين يطرح علينا سؤال غاية في الأهمية عن إمكانية تجديد الخطاب الديني، وحول مدى فاعلية تجديد الخطاب الديني من عدمه فلا بد من معرفة ماذا يعني الخطاب أولا. الخطاب هو مجموعة من المعايير المعرفية والأخلاقية متناسقة في منظومة فكرية ولغوية واحدة لها حدودها التي تفصلها عن باقي المعايير والخطابات الأخرى. والخطاب، أو تلك المنظومة ليست منفصلة عن الواقع بل هي تتحرك في سياقات محددة ومعينة من خلال اللغة المحكية والمكتوبة وطرق التواصل في مجتمع صغير أو كبير تحدد تلك اللغة طريقة التعامل بين من يتبنون ذلك الخطاب ومع من يتبنون خطابات أخرى. ومثل على ذلك أن الخطاب السلفي والذي له رؤية معينة في طريقة قراءة النص الديني من خلال العودة للسلف الصالح الذي قرأ النص وفهمه ونحن ملزمون بهذا الفهم وتطبيقه. فالخطاب السلفي له منظومة معيارية ملتزم بها ترفض كل قيمة عقلية متجددة وترفض كل قيمة لها جذور غربية، وأن هذا الخطاب له بيئة يتحرك بها سياسيًّا من خلال الأحزاب السلفية واجتماعيًّا من خلال مجموعة من المساجد والأحياء السكنية؛ حيث يبدو للعيان طريقة الكلام والملبس بالنسبة للنساء والرجال والذي يميزهم عن باقي المجموعات الدينية الإسلامية، فطريقة الملبس والتعامل مع الآخرين تحدد من يتبنى هذا الخطاب ويعبر عنه لغة وتواصلا. فالخطاب مسئول بدرجة ما بصياغة العقلية الفردية والوعي الجمعي لمجموعات معينة ولكل خطاب مراكز قوى أيضا وناشطين يتبنونه ويسوقونه في مجال عام محدد. فمركز قوة الخطاب السلفي هي النص المقدس وقول السلف ومن يحمله فهم الدعاة وشيوخ الدين وخطباء الجوامع. 
جمال الدين الأفغاني
جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده
أما مصطلح التجديد والذي يعني بأن هناك خطابًا فاعلًا كان يلبي متطلبات الواقع ولما أن ذلك الواقع تطور بسرعة كبيرة فلا بد من التجديد؛ لذلك الخطاب ليتلاءم مرة أخرة مع الواقع الجديد. لا بد من الاعتراف بأن الخطاب الديني الإسلامي بأغلب فروعه كان وما زال يعيش أزمات متتالية، منذ غلق باب الاجتهاد إلى يومنا هذا، إذ إنه عجز من أن يطور نفسه في مخاطبة مريديه. آخر المحاولات كانت في نهايات القرن التاسع عشر في حركة الإصلاح الديني أو ما يسمى بالنهضة الإسلامية لجمال الدين الأفغاني ومحمد عبده وغيرهما.. إن تجديد الخطاب هو تجديد اللغة المحكية وطرق التواصل لتلائم المتلقي بشكل يناسب الواقع، إذ إنه لا يمس جوهر الفكر بالتجديد بل فقط بطريقة طرحه وتوصيله من جديد. نعم، لقد كان للخطاب المتشدد دور كبير في ظهور التيارات الراديكالية المتشددة، ولكن، هذا لا يعني بأن النص المقدس وطريقة تفسيره كانا رافدين مهمين لذلك الخطاب المتجدد، إضافة لدور السرد الديني كقصص الشهادة وحياة الرسول وصحابته في مجتمع نقي ناصع البياض كما تصوره كتب التاريخ، فقد أصبح ذلك السرد- ومنه السرد القرآني- جزءًا لا يتجزأ من الوعي وذاكرة المجتمعات الإسلامية. فيمكن لأي شخص أو مجموعة من خارج المؤسسة الدينية التي تتبنى خطابًا معينًا من تفسير النصوص المقدسة والتزود من المعين السردي للقيام بفعل إرهابي، وعلى هذا الأساس فإن مقولة تجديد الخطاب الديني لا تبدو فكرة جيدة؛ لأن المشكلة لا زالت قائمة في أصل النص وطريقة التواصل معه.
هل نرفض النص الديني كليا، هل نقبله كليا، أم أن هناك طريقًا آخر؟ لا يمكن منطقيًّا وأخلاقيًّا رفض نص ديني لأنه جزء لايتجزأ من التراث الإنساني، وهو رافد مهم من روافد المنظومة الإخلاقية المعيارية لكم هائل من المجموعات بشرية. إذن، هل يمكن أن نقبله كليا بلا نقد؟ (لا يعني مصطلح النقد هنا التقليل من شأن النص، كما في الترجمة العربية للمصطلح بل هو منهج فكري قائم على معايير أخلاقية) أن قبوله كليًّا سيوصلنا لما نحن عليه الآن. لا يبقى غير الطريق الآخر وهو تجديد طريقة التعامل مع النص. أن أكبر مشكلة تواجه المؤسسات الدينية هي المنهجية التي تتعامل بها مع النصوص الدينية فهي منهجية قديمة إذ لا يريد القائمون على تلك المؤسسات الأحتكاك بالمناهج الحديثة التي تطورت في الغرب والشرق بدعوى الحفاظ على الهوية والتراث؛ لأنهم بقبولها سيفقدون امتيازاتهم؛ لأنهم الوحيدون ممن يحتكرون تفسير النص الديني بدعم من مراكز القوى السياسية وعلى رأسها السلطات الرسمية التي تتبنى الخطاب المحافظ.
وبالتالي ليس تجديد الخطاب الديني ما ينفع لتجنب ظاهرة التشدد الديني، بل تجديد الفكر الديني؛ وذلك باستخدام مناهج علمية متطورة في التعامل مع النص الديني والتاريخي من خارج المؤسسات الدينية التي لا بد أن تتحول إلى مؤسسات أكاديمية بعيدًا عن القدسية الموروثة، فالمتدينون إلى الآن ما زالوا يدورون في فلك المنهج الوضعي، وإن خرجوا من ذلك الفلك فهم لا يصلون إلا اضطرارًا للمنهج التأويلي، إذ لم يصلوا- وربما سيكون متأخرًا الوصول- للمنهج النقدي الذي ينطلق من مبادئ معيارية، أولها الأخلاق في طريقة تعاطيه مع النص الذي لا يرى به قدسية بقدر التفاعل معه كنتاج إنساني بحت ليتم التعامل معه بموضوعية.. إن ذلك ينسجم أيضًا مع روح الدين الذي يكمن في جوهره فكر معياريّ يدعو لتغيير المجتمع نحو الأفضل. القدسية في المنهج النقدي لا تكمن في النص نفسه لكن في المبدأ الأخلاقي الذي يتضمنه المنهج والعاملون عليه. هناك طريق طويل لتجديد الفكر الديني، وحتى الوصول إلى ذلك سنظل ندور في فكرة جوفاء أسمها تجديد الخطاب الديني ولكن بعد أن تذهب الكثير من الدماء وسنكون حينها في الدرك الأسفل من الحضارة، إن لم نصل لذلك الدرك لحد الآن.

شارك