تركيا بين وهم محاربة "داعش" ودعم التنظيم الدموي

الأحد 08/مايو/2016 - 04:16 م
طباعة تركيا بين وهم محاربة
 
على الرغم من الشبهات التي تدور دائمًا حول دور تركيا في دعم داعش الا أن القيادة التركية دائمًا ما تنفي ذلك قولًا وفعلًا؛ حيث أفادت وكالتا الأنباء التركيتان "دوغان" و"الأناضول" بأن قصفاً مدفعياً تركياً على مواقع لـ"داعش" شمال سوريا أدى إلى مقتل 55 عنصراً من التنظيم و أن المدفعية التركية استهدفت مساء السبت 7-5-2016م مواقع لـ"داعش" شمال مدينة حلب ما أدى أيضاً إلى تدمير ثلاث منصات إطلاق صواريخ وثلاث آليات.

تركيا بين وهم محاربة
هذا في الوقت الذي أفادت صحف تركية بأن فرقة من القوات الخاصة التركية دخلت الأراضي السورية وأجرت عمليات مسح واستطلاع كخطوة أولى للتخلص من منصات إطلاق الصواريخ التي تسقط على مدينة كيليس التركية من الجانب السوري، وأن عمل القوة التركية استمر في الأراضي السورية لمدة ٤ ساعات، وذلك بالتنسيق مع الولايات المتحدة وروسيا، وأن هذه العملية جرى التخطيط لها منذ ١٠ أيام؛ حيث دخلت وحدة الاستطلاع المكونة من ١٥-٢٠ عسكرياً إلى سوريا من نقطة تبعد عن مدينة كيليس التركية مسافة ١٣-١٤ كم.
 وفي 1 مايو 2016م اعتقلت الشرطة التركية 4 سوريين يشتبه في انتمائهم إلى تنظيم داعش كانوا يعدون لهجوم يستهدف الاحتفالات بذكرى الأول من مايو في أنقرة، بحسب وكالة الأناضول وأن الرجال الأربعة سوريون كانوا موجودين في العاصمة التركية أنقرة منذ بعض الوقت ليعلن وزير الخارجية التركي مولود تشاووش أوغلو في 4 مايو 2016م عن أنه يجب طرد تنظيم "داعش" فوراً من منطقة سورية قريبة من الحدود مع تركيا، وأن بلاده تعمل على تحقيق هذا الهدف إنه "يجب طرد داعش من منطقة منبج جنوباً على الفور ونقوم بالعمل اللازم من أجل ذلك. 

تركيا بين وهم محاربة
هذه المواقف التي تتخذها تركيا تأتي في إطار حالة التأهب المستمرة منذ صيف 2015م، بعد أن شهدت سلسلة غير مسبوقة من الاعتداءات الدامية المنسوبة إلى تنظيم داعش استهدفت خصوصا اسطنبول وأنقرة، ففي أكتوبر 2015م فجر انتحاريان نفسيهما وسط حشد من أنصار القضية الكردية أمام محطة القطارات المركزية، ما أدى إلى سقوط 103 قتلى في أنقرة وفي يناير 2015م فجر آخر نفسه، ما أسفر عن مقتل 12 سائحاً ألمانياً قرب المسجد الأزرق "السلطان أحمد" في اسطنبول.
 هذا الأمر لا يعني أن أنقرة لا زالت متهمة بالتساهل مع المجموعات الأكثر تطرفًا في المعارضة السورية المسلحة وعلى رأسها داعش والنصرة؛ حيث 
 ذكرت العديد من التقارير ذلك ومنها ما قدّمه رئيس بلدية ماردين النائب الكردي أحمد تورك إلى سفير الاتحاد الأوروبي في تركيا ومجموعة من الصحافيين، في جلسة عقدت في ماردين، وهو عبارة عن تقرير مفصل وموثق ومدعوم بالأدلة الدامغة من صور وأشرطة فيديو عن الدعم الرسمي الذي تقدمه تركيا لتنظيم "داعش"، ومنها تنقل أفراد منه يرتدون البزة العسكرية التركية، والآليات العسكرية التركية داخل البلاد، وكيف أن رئيس بلدية جيلان بينار، وهو من "حزب العدالة والتنمية"، يلتقي داخل أحد الخيم مقاتلين من "داعش". وهو ما يطرح السؤال التالي: لماذا تدعم تركيا، بقيادة "حزب العدالة والتنمية"، هذا التنظيم الإرهابي الخطير والعنيف، والذي لا ينسجم أبدًا مع القيم التي يحملها الإسلام التركي السمح؟

تركيا بين وهم محاربة
ويمكن إرجاع ذلك إلى عدة أسباب تتمثل فيما يلي: 
أولًا: أن انهيار سياسة تركيا الخارجية، وفشلها في سوريا ومن ثم في مصر والعراق وفي كل المنطقة، جعلها تلجأ إلى شعار مكيافيلي الشهير "الغاية تبرر الوسيلة"، وأن تكون مستعدة للتعاون مع الشيطان من أجل التعويض عن الفشل، بدلا من أن تعترف بالهزيمة وتعيد النظر في سياساتها بما يحفظ ما تبقى من ماء الوجه.
ثانياً: لقد جربت تركيا في العراق شتى الوسائل للإطاحة برئيس الحكومة نوري الملكي، حتى قبل نشوب الأزمة في سوريا، بدءاً من رعاية تشكيل القوائم الانتخابية المعارضة، وصولاً إلى ترتيب انقلاب عسكري عبر طارق الهاشمي. ولما لم تنجح في ذلك لجأت إلى خيار التنظيمات الإرهابية، مثل "داعش"، لعلها تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
ثالثاً: إن استخدام انقرة لـ"داعش" بالتحالف مع مجموعات المعارضة السابقة، إنما يهدف إلى خلق دولة سنية، وبالتالي تقسيم العراق بعدما بات بقاء العراق موحداً- ولو شكليًّا- لا يخدم المصالح التركية كما يرسمها وزير الخارجية احمد داود أوغلو وانتقلت أنقرة، بعد دعم المالكي للنظام في سوريا، من سياسة حماية وحدة العراق إلى سياسة تفتيته وتدمير كيانه السياسي. وآخر هذه الخطوات كانت اتفاقات نفطية مع منطقة كردستان من دون العودة إلى حكومة بغداد، وتصدير النفط العراقي من كردستان إلى موانئ تركيا، في سرقة موصوفة للنفط العراقي، كما أن أنقرة كانت شريكة أساسية في تفكيك وسرقة معامل حلب إلى تركيا.
رابعاً: إن تقسيم العراق، بنظر أنقرة، سيخلق دولة سنية محاذية لها تقتات بنسبة كبيرة على مساعداتها. فتكسب تركيا نفوذاً في العراق لم تستطع أن تكسبه سابقًا.
تركيا بين وهم محاربة
خامساً: إن مثل هذه الدويلة السنية ستصل جغرافيا، على اعتبار أنها ستسيطر على محافظتي الأنبار ونينوى، بين تركيا والسعودية، فينشطر «الهلال الشيعي» وينقطع التواصل بين طهران ـ بغداد من جهة وبين دمشق والمقاومة في لبنان من جهة ثانية، وتوجه ضربة قوية منشودة تركياً وخليجياً إلى النفوذ الإيراني. وفي هذه النقطة تلتقي تركيا والسعودية، برغم خلافاتهما المصرية والأيديولوجية، ما دام "العدو الشيعي" واحداً.
سادساً: إن انفلات الوضع في العراق وسوريا سيتيح لأنقرة، في حال توفرت الظروف الدقيقة أن تعود إلى الموصل بعدما خرجت منها في اتفاق العام 1926 مع بريطانيا والعراق. والموصل، أو محافظة الموصل، كانت تضم معظم إقليم كردستان الحالي، إضافة إلى أجزاء من محافظة نينوي الحالية. 

 مما سبق نستطيع التأكيد على أنه بالرغم من الشبهات التي تدور دائمًا حول دور تركيا في دعم داعش إلا أن القيادة التركية دائمًا ما تنفي ذلك قولًا وفعلًا، ولكن ما يحدث يؤكد بالفعل على أن تركيا تعيش بين وهم محاربة "داعش" ودعم التنظيم الدموي. 

شارك