حرب تكسير العظام على دمشق بين "جيش الإسلام" و"جبهة النصرة"
الأحد 15/مايو/2016 - 12:49 م
طباعة

يبدو أن الصراع بين الجماعات المسلحة المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد لن تنتهي على مناطق النفوذ في الداخل السوري، فبعد الصدام بين جيش المجاهدين وجيش الإسلام انقلب الحال إلى صراع أطرافه؛ جيش الإسلام من طرف، وفيلق الرحمن وفصائل جيش الفسطاط من طرف آخر، في أطراف بلدة مسرابا بغوطة دمشق الشرقية، وترافقت الاشتباكات مع استهدافات متبادلة بين الجانبين.
ورصد نشطاء ميدانيون حالة توتر متصاعدة بين الأهالي من الاشتباكات الدائرة بين كبرى فصائل الغوطة الشرقية، وسط تخوف من مآلات الوضع فيها، وقيام خطباء من جبهة النصرة بـ"التحريض" على قتال جيش الإسلام، بالإضافة إلى تعرض مناطق في أطراف بلدة دير العصافير ومحيط بلدة بالا، بالغوطة الشرقية، لقصف بقذائف الهاون من قبل قوات النظام، دون أنباء عن إصابات، كذلك فتحت قوات النظام نيران رشاشاتها الثقيلة على مناطق في محيط اتستراد السلام قرب مخيم خان الشيح بالغوطة الغربية.
فيما أوقعت معارك عنيفة مستمرة منذ حوالى 20 يومًا نتيجة صراع على النفوذ بين الفصائل الإسلامية في الغوطة الشرقية في ريف دمشق 300 قتيل على الأقل من المقاتلين، وقال نشطاء: "قتل أكثر من 300 مقاتل خلال اشتباكات ناتجة عن صراع على النفوذ بين الفصائل في الغوطة الشرقية ومستمرة منذ 28 أبريل 2016م، وإن غالبية القتلى الـ300 ينتمون إلى "جيش الإسلام" و"جبهة النصرة"، كما قتل العشرات من فصيل "فيلق الرحمن وإن الاشتباكات مستمرة برغم الوساطات التي تقدم بها أهالي الغوطة الشرقية والتظاهرات التي خرجت للمطالبة بوقف القتال، وأسفرت المعارك أيضًا عن مقتل عشرة مدنيين، بينهم طفلان وطبيب نسائي من القلائل في الغوطة الشرقية والوحيد المختص بمسائل العقم والإنجاب في المنطقة".

وتدور المعارك العنيفة بين "جيش الإسلام"، الأقوى في الغوطة الشرقية، من جهة و"فيلق الرحمن" و"جيش الفسطاط" وهو عبارة عن تحالف لفصائل إسلامية على رأسها جبهة النصرة، من جهة ثانية ومع استمرار الاشتباكات، تعمل الأطراف المتقاتلة على وضع سواتر ترابية وتثبيت نقاط تمركز في بلدات ومدن الغوطة الشرقية وبدأت الاشتباكات نهاية إبريل 2016م إثر هجمات عدة شنها فصيل "فيلق الرحمن" على مقرات "جيش الإسلام، واستهدفت مقرات "جيش الإسلام" في القطاع الأوسط للغوطة الذي يشمل مناطق عدة بينها سقبا وبيت سوى وجسرين وزملكا ومسرابا واعتقل المهاجمون وقتها "أكثر من 400 مقاتل من جيش الإسلام وصادروا أسلحتهم".
يذكر أن هذا الصراع هو صراع نفوذ في المقام الأول؛ حيث سبق أن أوقفت "جبهة النصرة"، الهجوم الذي أطلقته ضد فصيل (شام الرسول) جنوبي العاصمة دمشق، بعد أن قتلت 5 من عناصر الفصيل وأسرت قادة منه في الهجوم الذي شنته على مقراته ورضخت وقتها لتهديدات أطلقها جيش الإسلام بعد إرساله قوة عسكرية للتصدي لجبهة النصرة في حال عدم إيقافها الهجوم على "شام الرسول". وتم إيقاف الهجوم مع ساعات الصباح الأولى، ورضخت جبهة النصرة للمحكمة الشرعية العاملة جنوبي دمشق لتلتزم بتطبيق القرارات الصادرة عنها.

كما شهدت بلدة (بيت سحم) في ريف دمشق في وقت سابق عدة مناوشات بين الأهالي وبين جبهة النصرة بسبب قيام الأخيرة بما قيل إنها: "بعض الممارسات التي تضر بالصالح العام في المنطقة"، ولقد انتهت حينها باتفاق يقضي بـ قبول جميع الأطراف بإعلان إنسحاب جبهة النصرة من البلدة على أن تبقى المجموعات العسكرية التابعة لها مستقرة هناك تحت مسمى غير جبهة النصرة ولكن سرعان ما عادت تلك المناوشات والصدامات، لتطفو على السطح من جديد بين الأهالي وما يعرف بـ "قوى الإصلاح" من جهة، وبين قادة "جبهة النصرة" المرابطة هناك من جهة أخرى.
وتعود الواقعة إلى عام 2015م عندما اجتمع حشد من أهالي "بيت سحم" قدّر بنحو 1500 شخص مع عدد من قيادات عسكرية في جنوب دمشق الذي ضم كل من (أبو عبد الرحمن) القيادي في جيش الإسلام، والدكتور (أبو عمار) قائد لواء شام الرسول، و(أبو محمد مشير) القيادي في كتائب أكناف بيت المقدس، و(أبوعبدو العاشق) نائباً عن جيش الأبابيل، إضافية إلى رئيس الهيئة الشرعية في جنوب دمشق الشيخ (أبو مالك الشامي)، وعدد من وجهاء بلدات: (ببيلا، ويلدا، وبيت سحم)، وكما ضم الاجتماع أيضاً الشيخ (أبوعبدو الهندي) عن بلدة بيت سحم، والشيخ (أنس الطويل) عن بلدة ببيلا، والشيخ (رائد ربيع) عن بلدة يلدا؛ حيث طالب الأهالي في ذلك الاجتماع بخروج (جبهة النصرة) من البلدة بشكل نهائي، وعلى الرغم من الخطاب الهادئ للقيادات أثناء ذلك الحشد الكبير، إلا أن أهالي (بيت سحم) لايزالون على موقفهم من "الجبهة"؛ إذ أمهلوها لتخرج بشكل ودي وسلمي حتى يوم الجمعة، وإلا من المحتمل أن يتطور الصدام إلى المنحى العسكري والذي لن يكون من ورائه أي رابح سوى "النظام السوري المجرم" كما وصفوه.

وبحسب الناشطين هناك فإن سبب تجدد هذا الصدام والإصرار الشديد للأهالي حول الخروج النهائي لجبهة النصرة من البلدة في هذه المرة، يعود لقيام الأخيرة بخرق الاتفاق السابق من خلال افتتاحها مقرات عسكرية جديدة هناك، والتي كانت إحداها خلف نقاط رباط تابعة للواء (شام الرسول)؛ الأمر الذي خلق حساسية شديدة بين الجهتين كاد أن يؤدي إلى اقتتال داخلي على الصعيد العسكري من جهة، وازدياد مخاوف الأهالي من تبعات ذلك الأمر على البلدة من جهة آخر بالإضافة إلى ذلك قناعة الأهالي هناك بأن وجود "جبهة النصرة" في (بيت سحم) كان السبب الرئيسي في إغلاق حاجز (ببيلا- سيدي مقداد) الذي زاد من وتيرة الحصار على تلك المنطقة، وذلك بعد قيام النصرة باستهداف طريق مطار دمشق الدولي والذي أثر سلباً أيضاً على ملف المفاوضات مع النظام بشأن دخول المواد الغذائية لتلك المنطقة.
وعلى الجهة المقابلة، فقد كانت "جبهة النصرة"، ولا تزال تعتبر بعض الأشخاص في مجموعة "قوى الإصلاح" أنهم تابعين بشكل أو بآخر للنظام السوري، ويسعون ليس لقيام هدنة من شأنها إدخال المواد الغذائية للمناطق المحاصرة، وإنما من أجل عقد مصالحة مع النظام من شأنها الوصول إلى تفتيت الفصائل العسكرية المعارضة هناك، ومن ثم قيام الصلح بإدخال تلك المناطق تحت جناح النظام السوري. وقد كانت هذه هي الأسباب والحجج التي تعتمد عليها "جبهة النصرة" في رفضها الخروج من البلدة، وقيامها بزيادة ضخ عناصرها هناك والحصول على استحكامات عسكرية جديدة في المنطقة.

مما سبق نستطيع التأكيد على أنه بغض النظر عن الأسماء فإن الصراع بين الجماعات المسلحة المعارضة للرئيس السوري بشار الأسد مستمر لفترة طويلة، ولن ينتهي قريبا لأنه في الأساس صراع على مناطق النفوذ في الداخل السوري، وليس صراعًا من أجل الدولة السورية.