ولاءات "النُّصرة" بين المصلحة الوطنية السورية والانتماء للقاعدة
الأحد 22/مايو/2016 - 04:19 م
طباعة

عول الكثير من السوريين على إمكانية أن تتحرر "جبهة النصرة " التي تمثل القاعدة في بلاد الشام من تبعيتها للتنظيم العالمي، وأن تنحصر ولاءاتها لصالح المصلحة الوطنية السورية ولكن عقب خطاب أيمن الظواهري الأخير الذي حمل عنوان "انفروا إلى الشام" يبدو أنّ جبهة النصرة حسمت خياراتها، وأنّ جناح الصقور نجح في تأكيد التزام الجبهة مع تنظيم القاعدة الأم، في مواجهة التيار الذي كان يدفعها نحو الانفصال والتوطين أو "السورنة" الكاملة بل وقُرئ خطاب الظواهري بأنّه بمثابة إشارة البدء للإعلان عن الإمارة الإسلامية التي كان قد لمّح إليها قبل شهور طويلة أمير الجبهة، أبو محمد الجولاني، ثم توقف الحديث عنها، ليؤكد خطاب الظواهري، أخيراً، هذا التوجه الذي يتم الإعداد والتحضير له عملياً على أرض الواقع!

وتعزز هذه القراءة مؤشرات واقعية رئيسة، منها أنّ "النصرة" نقلت أغلب قياداتها المهمة، مثل الأردنيين أبو جليبيب وأسامة العريدي، إلى ريف إدلب من درعا، ومعهم أبو مارية القحطاني ومئات الأعضاء، كما أنّ هنالك أخباراً يتداولها أنصار التيار السلفي الجهادي الأردني أنّ قياداتٍ محسوبةً على القاعدة العالمية وصلت، بالفعل، إلى سورية، ومنها الأردني الملقب بأبي القسام وهو خالد العروري الذي كان محتجزاً في إيران بعد صفقة بينها وبين القاعدة ودفع ذلك كله إلى القول: إنّ الرهان الإقليمي على فك الارتباط بين "النصرة" والقاعدة فشل، وإنّ الجناح السوري العريض الذي يدفع بذلك الاتجاه أصبح ضعيفاً، وإنّ "النصرة" اليوم تتبنّى، ضمنياً، مقاربة تنظيم داعش، عبر إقامة إمارة وحكم إسلامييين، بعدما كانت القاعدة ترفض ذلك أيدولوجياً وعملياً، ما شكّل أحد أبرز محاور الاختلاف بينها وبين تنظيم الدولة الإسلامية.
وتتوفر تلك القراءة على مؤشراتٍ وأدلة ومعطيات واقعية وجيهة وقوية، لكنّها أيضاً لا تكفي للوصول إلى النتائج السابقة؛ إذ ما تزال جبهة النصرة تواجه معضلاتٍ حقيقيةٍ في حسم خيارها، سواء على صعيد التنظيم أو على صعيد علاقاتها وتحالفاتها على الجبهة السورية، أو في محاولات قائد "النصرة"، الجولاني، عدم الاصطدام المباشر مع أطرافٍ إقليمية مهمة، وفي مقدمتها تركيا وتتمثل المعضلة الأولى في أيديولوجيا "جبهة النصرة" نفسها التي تقوم على التمازج والالتحام بالفصائل الإسلامية الأخرى، وعلى "استرضاء المجتمع"، عبر ما يسمى تكوين الجبهات والتحالفات الداخلية، وهي الأفكار التي من الواضح أنّ الجولاني، ومعه فريق سوري، يؤمن بها تماماً، ولا يريد أن يصل إلى الصدام مع المجتمع أو الحلفا والمعضلة الثانية في داخل "النصرة" نفسها، إذ ما يزال الجناح المؤمن بالانفصال عن القاعدة قوياً وفاعلاً، وهنالك صراع عميق بينه وبين تيار القاعدة المعولم والجناح الأردني وقيادات السلفية الجهادية في العالم، الأردنيين أبو محمد المقدسي وأبو قتادة الفلسطيني، ما يجعل أي حسم حالي للخيارات أشبه بقنبلةٍ موقوتةٍ في داخل الجبهة نفسها.

فوق هذا وذاك، سيضرب الذهاب إلى تأسيس الإمارة والحسم وفرض الحكم "جبهة النصرة" بالفصائل الأخرى الحليفة لها، وتحديداً "أحرار الشام" التي أصبحت تقترب، أكثر وأكثر، من الاندماج بالشأن المحلي، عبر قيادتها الجديدة، وخصوصاً تصريحات مسئول الشئون الخارجية، لبيب النحاس. فمثل هذا الخيار، أي الذهاب نحو تأكيد العلاقة بالقاعدة بصورة قطعية، وتغيير الاستراتيجية في الساحة السورية، وربما التوجه إلى تنفيد عملياتٍ في الخارج، سيفكّك تحالفاتها على الساحة السورية ومن قرأ ما كتبه أبو بصير الطرطوسي، أحد أبرز حلفاء "النصرة"، والشيخ الروحي لفصائل إسلامية عديدة، تعقيباً على خطاب الظواهري، يلمس مدى الأزمة العميقة التي تعيشها "النصرة"، على صعيدين: أيديولوجي وواقعي، ويدفع هذا وذاك إلى القول إنّ الأيديولوجيا الملتبسة التي أسّست "النصرة" والمساحة الرمادية التي تتحرّك فيها، بين المحلي والعالمي، يجعلان من أي محاولةٍ لحسم خيار بهذا الاتجاه أو ذاك أشبه بعملية تفجيرٍ داخلية، ما قد يجعل الموقف في المدى المنظور، على الأقل، معلّقاً إلى حين.
يذكر أن "أبو مارية القحطاني" المسئول الشرعي لجبهة النصرة في سوريا قد أكد منذ عام على أن قيادة "النصرة" ستقبل فك ارتباطها بتنظيم القاعدة من أجل التوحد في أي مشروع يصب في مصلحة الثورة السورية، نافياً في الوقت ذاته صحة ما تم تدواله بأن الجبهة تركت القاعدة وأخذت الدعم من دولة قطر وتابع "لم يكن للنصرة منذ تأسيسها أي دعم حكومي، كما أن الشرع لا يحرِّم أن يأخذ المجاهدون الدعم من حكومة ما إذا توافقت المصالح، وليس فيه إملاءات من قبل تلك الحكومة على المجاهدين وأن مسألة فك الارتباط بتنظيم القاعدة من عدمها لا تعتمد على مسألة البيعة، وأنه لا يرى وجوب البيعة في الوقت الحالي، وأضاف: "لو أن النصرة حلت بيعتها، هل ستقوم الدول بتسليح المجاهدين، وهل نسيتم أن أمريكا قبل أن تعلن النصرة بيعتها للقاعدة قامت بوضع اسمين من قياداتها على قائمة العقوبات؟ وهل لو قامت النصرة وسمَّت نفسها باسم جيش الشام وأعلنت انفصالها؛ هل ستنقطع عداوة اليهود والنصارى لشعب الشام المسلم؟ هل الشيخ حجاج العجمي، والشيخ شافي العجمي يدعمان القاعدة؟ هل هما من القاعدة؟ لماذا شُنت عليهما حملة صليبية! وأن أيمن الظواهري زعيم تنظيم القاعدة هو من يرغب بفك جبهة النصرة ارتباطها به في حال وجود فائدة.

واختتم حديثه مستشهداً بمقولة زعيم تنظيم القاعدة السابق أسامة بن لادن قال فيها: "إن مصلحة الدولة المسلمة مقدمة على مصلحة الجماعة"، وعلق القحطاني: "ونحن كذلك نقولها لكن نطلب من الجميع قول الحق وأكررها، فمصلحة شعب الشام المسلم مقدمة على مصلحة الفصائل والجماعات وننصح الجميع بتقوى الله وأن يتوحدوا لإنقاذ شعب مسلم يباد على يد الرافضة".
فيما أوضح الكاتب والباحث السعودي المتابع للشأن السوري، عبد الله المالكي، أن "تصور الانفكاك عن القاعدة مبني على تصورنا لطبيعة العلاقة الإدارية بين التنظيمين (الفرع والأصل)، وعلى إثر هذا التصور تأتي المطالبة بإبقائها أو فكها، وهل هي ممكنة أو ليست ممكنة وأن الذي يبدو لي، أن النصرة فعليا من الناحية التنظيمية ليس لها ارتباط هرمي مع التنظيم العالمي الأم الذي يرأسه الظواهري، وأنه ليست ثمة مرجعية إدارية بين الجولاني والظواهري، فتنظيم النصرة قائم بذاته، له أميره ونوابه، وله مجلسه الشرعي، ومجلسه الشوري، ومجلسه العسكري، وله مصادره المالية المستقلة عن سلطة الظواهري وعليه، فالانفكاك عن القاعدة الأم من الناحية التنظيمية الإدارية هو تحصيل حاصل، ولن يحدث أي تأثير كبير، وأن المقصود هو الانفكاك عن الخط السياسي والمرجعية الاستراتيجية لتنظيم القاعدة، أي التخلي عن استراتيجية الجهاد المعولم التي رسمها الآباء المؤسسون للتنظيم، والتحول إلى تنظيم سوري وطني، مثل بقية المكونات العسكرية السورية الأخرى".

فيما قال الكاتب والباحث الأردني مجاهد مأمون ديرانية، بأن "الانفكاك عن القاعدة من قبل جبهة النصرة مستبعد حاليا، فقد حرص قادة النصرة على إرسال رسائل متعاقبة تؤكد عزمهم على الاستمرار بهذا الارتباط ورفضهم لفكرة الاستقلال عن القاعدة، وإن هذا الموقف براغماتي بامتياز، وليس موقفا مبدئيا كما يتبادر لبعض الناس؛ لأن النصرة سوف تفقد عددا كبيرا من عناصرها في الداخل ومن جمهورها في الخارج، لو أنها تخلت عن ارتباطها بالقاعدة أن جبهة النصرة حريصة على ألا تفقد كوادرها (الذي سيذهبون في هذه الحالة إلى داعش)، وألا تفقد دعم الجمهور الخارجي "وهو دعم سخي، سواء من الناحية المالية أو الإعلامية، وأن النصرة أفادت الثورة جزئيا بقتالها للنظام، لكنها عادت على الثورة بضرر عظيم بسبب أيدلوجيتها الفوقية والإقصائية والتكفيرية، ذاكرًا أكبر أضرارها بشقها للصف الثوري، وتفريقها للجسم العسكري إلى فصائل إسلامية وغير إسلامية وأنها غيرت هدف الثورة وحرفته من إسقاط النظام إلى إقامة الدولة أو الإمارة الإسلامية، وكذلك استحلالها قتال الفصائل التي تقاتل النظام؛ ما تسبب في إنهاك الجسم العسكري الثوري".

مما سبق نستطيع التأكيد على أن تحرر "جبهة النصرة " التي تمثل القاعدة في بلاد الشام من تبعيتها للتنظيم العالمي وحصر ولاءاتها لصالح المصلحة الوطنية السورية- أصبح أمرًا معقدًا بعد الصراعات الداخلية بين الجماعات السلفية الجهادية المسلحة في سوريا من جهة والمجتمع الدولي من جهة ثانية والنظام السوري من جهة ثالث، والخاسر الأكبر هو الشعب السوري.