الدعوي والسياسي بين الإخوان والسلفيين
الإثنين 30/مايو/2016 - 01:44 م
طباعة

كثيرة هي تلك الدعوات التي خرجت مؤخرًا بالفصل بين الدعوي والسياسي، تلك الدعوات التي صدرت من راشد الغنوشي القيادي بالنهضة التونسية وسرعان ما لاقت رواجا بين جماعات الاسلام السياسي المنتشرة في مصر وغيرها من الدول.

وقد تسبب إعلان جمال حشمت القيادي بجماعة الإخوان عن استعداد الجماعة للإعلان عن فصل المجال الدعوى عن المجال السياسي في عاصفة من الجدل الداخلي- في ترتيبات تنظيمية تعمق الانشقاقات التنظيمية في صفوف الجماعة بين جبهة اللجنة العليا لإدارة الجماعة من جهة وجبهة محمود عزت نائب المرشد العام للجماعة.

وقال مصدر مقرب من جبهة محمود عزت: إن القرار المفاجئ بتعيين متحدثين إعلاميين لحزب الحرية والعدالة وهم أيمن عبد الغني صهر خيرت الشاطر، وحسين عبد القادر مسئول الاتصال السياسي بالحزب يأتي كمحاولة استباقية لإحباط تحرك الجبهة المتنازعة معهم لفصل المجال الدعوى عن السياسي بعد التصريحات الأخيرة لجمال حشمت. وفي السياق ذاته كشف مصدر آخر مقرب من الجبهة المتنازعة مع محمود عزت على قيادة الجماعة أن هناك مساعيَ يقودها حشمت وعمرو دراج لعقد اجتماع لأعضاء الهيئة العليا بحزب الحرية والعدالة "المنحل"، المتواجدين خارج مصر يتم خلاله الإعلان عن استقلال الحزب إداريا عن جماعة الإخوان ورفض القرارات الصادرة عن جبهة محمود عزت بشأن الحزب ومن بينها قرار تعيين المتحدثين الإعلاميين. وتجدر الإشارة إلى أنه لا يوجد أي تشكيل واضح لحزب الحرية والعدالة منذ سقوط حكم محمد مرسي وفرار أغلب أعضائه إلى خارج مصر، والقبض على عدد آخر من المتواجدين بالداخل، حيث تصدرت الجماعة المشهد وتمحورت حولها أغلب الخلافات التنظيمية.

ونشر محمد عبد الرحمن المرسي عضو مكتب الإرشاد المختفي منذ فض اعتصام أنصار الرئيس المعزول في ميدان رابعة والموالي لجبهة محمود عزت، مقالا مطولا أبدى فيه اعتراضه على فصل المجال الدعوي عن السياسي؛ حيث قال: "من ناحية الفكرة والرسالة لا يوجد مطلقًا ما يسمى دعوي وسياسي كأمرين متفرقين وإنما السياسة في نظرنا دعوة والمجال الدعوى يشمل كل الجوانب السياسية والاجتماعية وغيرها". فماذا يعني هذا الفصل وذلك التقسيم؟ إذا كان كما يقول البعض أنه فصل وظيفي، وبالتالي لا يصبح الكيان السياسي (حزبا كان أو غيره) ذراع من أذرع الجماعة وإنما كيان مستقل منفصل ينسق معها مثلما ينسق مع الآخرين إذا أراد وبالتالي تنقسم الجماعة إلى أوصال وأجزاء". وأضاف في مواضع أخرى: "قد يكون لبعض الأماكن خصوصية خاصة بهم، لكن عندما نتحدث عن الإخوان المسلمين وعن دعوتها ومبادئها التي أسسها الإمام البنا ومرجعتيها في ذلك رسائله وتوجيهاته، وعمله الدءوب في إرساء أركان الدعوة والجماعة، فانه ليس لدينا هذا الفصل بين الدعوى والسياسي بهذه المعاني التي أشرت إليها، وليس لدينا هذا الشعار الذي رفضه الإمام البنا بوضوح". في حين أبدى عامر شماخ أحد إعلاميي الجماعة المحسوبين على جبهة محمود عزت اعتراضه على دعوة الفصل بين الدعوى والسياسي، وقال: "لا منهج الإسلام ولا دعوة الإخوان المسلمين يعرفان بدعة (فصل الدعوة عن السياسة).. تلك ضمن محاولات قديمة حديثة لتدجين الجماعة وتحويلها إما إلى حزب كرتوني، أو جمعية أهلية لدفن الموتى وتجهيز القاصرات.. أما الجماعة التي أسسها البنا واستلهم ثوابتها من ثوابت الإسلام الصحيح كما أنزل على المعصوم، فلا تدور حيث دار المستبد، ولا تتبع إملاءات الغرب".

وعلى الصعيد السلفي وفي سياق فصل الدعوى عن السياسي فقد دعا سعيد عبد العظيم، أحد مؤسسي الدعوة السلفية، ونائب رئيس الدعوة السلفية،- الذى تم الإطاحة به مؤخرا- الإخوان والسلفيين إلى ترك السياسة والعودة للمساجد. وقال الداعية السلفي، في بيان له نشره على صفحته على "فيس بوك": "من جملة تداعيات الأحداث المتسارعة التي تمر بأمتنا ارتفاع الأصوات المطالبة بفصل العمل الحزبي عن العمل الدعوى ، خاصة في الأوساط الإسلامية - سلفية وإخوانية - هذا الفصل يصل عند البعض إلى قطع الصلة بينهما-إداريا وماديا وسياسيا بل حتى وشرعيا". وأضاف سعيد عبد العظيم،:" يبررون ذلك بعدة تبريرات ، فانجرار الأذى والتسلط تعدى الأحزاب الإسلامية إلى دعواتها وجماعاتها ، والإحساس بالفشل والإخفاق والتردي انسحب من الحزب إلى الدعوة والجماعة ، وكأننا أمام حالة انسيابية تحكى لنا نظرية الأواني المستطرقة ، فإذا وقع الحزب في خطأ أو قصور تحملته الدعوة والجماعة ، ومن المعلوم أن الجماعة أكبر من الحزب ، والكوادر والأعضاء في الأحزاب الإسلامية إنما خرجوا من رحم الدعوة ، وكلهم تقريبا أعضاء في جماعتها أو على الأقل عندهم الرضا بمبادئ الحزب وقناعاته التي ترتضيها الجماعة، فإذا أضفنا السيف المسلط بحل الأحزاب على أساس ديني وحل بعض الجماعات بالفعل وتبرير ذلك بمخالفة قانون البلاد، علمنا لماذا تشتد المطالبة بفصل العمل الحزبي عن الدعوى، مع التأكيد على أن الحزب مرجعيته دينية، وأنه سيكون أشبه بالمؤسسات والكيانات الدعوية الموجودة داخل الجماعة". واستطرد أحد مؤسسي الدعوة السلفية: "إنهم لا يقرون فصل الدين عن السياسة ، فهذا يساوى خسران كثير من أتباع الدعوة ، بل خسران الدنيا والآخرة ، ففصل الدين عن السياسة أقصر الطرق إلى الكفر". وزعم عبد العظيم، أن الأحزاب بدعة استعمارية في أصلها لا تتناسب مع أمتنا الإسلامية ، فهي تقطع ما أمر الله به أن يوصل وتعمق الخلاف والخصومة بين المسلمين، فبعد القوميات والوطنيات انتقلنا إلى الحزبيات، بل صار كل واحد منا أشبه بجزيرة مستقلة وكيان قائم بذاته تحرك الجبل ولا تستطيع تحريكه". وتابع: "من رأى منا المشاركة في العمل الحزبي فليكن هذا هو سلوكه وهدفه وغايته، سياسة شرعية وليست ميكيافيللية ، يعلم أن الدعوة هي الأصل والحزب هو الفرع، فلا يصح أن يجور أو يتعدى و يطمس الفرع أصله و إلا صار عديم الأصل، فالحذر كل الحذر من أن يصبح المتحدث الرسمي للحزب هو الموجه الفعلي للدعوة وشيوخها و علمائها ، فليس من المؤسسية أن يعبر عن نفسه أو عن فرد في الدعوة، وليس من العمل الجماعي أن تفقه و تحب وتكره و تنظر بعين المتحدث الرسمي وتسمع بأذنه، فهذا خلط وإضاعة لمبادئ الدعوة ذاتها، فعودوا إلى مساجدكم يرحمكم الله ، ركزوا على مسائل العقيدة وقضايا الإيمان".