"الموصل" بين تحصينات "داعش" وطموحات واشنطن والقوات العراقية لتحريرها
الثلاثاء 07/يونيو/2016 - 11:52 ص
طباعة

مع بداية الحديث عن خطط تعد لتحرير الموصل التي ترزح منذ يونيو 2014 تحت "حكم" تنظيم داعش الدموي، أعلن بريت ماكغورك مبعوث الرئيس الأمريكي باراك أوباما في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، يوم الأحد 5-6-2016م في العاصمة الأردنية عمان عن أن "الحملة لعزل وسحق وحصار تنظيم داعش في الموصل قد بدأت ونحن نشن غارات دقيقة في الموصل كل يوم، ولدينا معلومات كثيرة من الناس داخل الموصل حول داعش وما يفعله التنظيم في المدينة".

وأوضح أن التحالف "يحرز تقدما الآن ضد داعش وأن هناك ضغطا كبيرا مستمرًّا ومتزامنًا على التنظيم وأن دولة الخلافة كما يسمونها تتقلص، وهم الآن في موقف دفاعي، مناطق نفوذهم تتقلص؛ ولهذا عادوا إلى هذه التفجيرات الانتحارية ضد المدنيين وما نراه اليوم هو عودة داعش إلى نمط التفجيرات الانتحارية، شاهدنا في الأسبوعين الأخيرين اعتداءات مروعة في بغداد وآخر اليوم الأحد في التاجي، وأن ما نفعله اليوم لم يكن باستطاعتنا فعله قبل عام، اليوم هناك ضغط متزامن وثابت ضد التنظيم".
ويعد الطموح الأمريكي والعراقي لتحرير الموصل ممكن الآن؛ حيث إنه منذ يونيو 2014 ولم يتعرض تنظيم داعش لأي هجوم باستثناء قصف جوي، بينما تخوض القوات العراقية معارك في مناطق أخرى؛ ولذلك تعد معركة الموصل الأصعب ضد الدواعش؛ نظرا لمساحتها الكبيرة وبعدها عن العاصمة واتصالها بطرق إمداد معقدة وكثيرة بمعاقلهم في سوريا.

ويعمد التنظيم الإرهابي إلى مواجهة طموح واشنطن وبغداد في الاستيلاء على المدينة بتحصينها وخاصة بإنشاء الخنادق ودعّم خنادقه الموجودة بالفعل، خوفاً من استهداف طائرات الدرون له وتصيد عناصره، ويحفر الخنادق لتسهيل تنقل مقاتليه ونشرت مجموعة من الناشطين تقريراً يحدد أماكن تلك الأنفاق لربط الأحياء فيما بينها وتسهيل تحركات قادة التنظيم في المدينة، التي تحوي أكبر عدد من قادته وإنها منتشرة في المدينة، بعضها تم إنجازه والبعض الآخر لا يزال في طور التجهيز، كما عددوا أهم تلك الأنفاق وهي نفق خلف الفرقة الثانية، منشأة الكندي سابقاً، الذي كان معدًّا سابقاً للاحتماء، لكنه تم تطويره وتجهيزه بشكل أفضل عما كان عليه.
بالإضافة إلى نفق آخر يتواجد في التلة المجاورة حي السويس، والذي بدأ العمل عليه بعد هدم بوابة المسقي في الحي، وكان في التلة بقايا آثار من ثيران مجنحة وكتابات مسمارية قد تم هدمها، مع هدم ما يدعى بـ "سقيفة جينكو" فيما بعد، لتسهل عملية حفر تلك الأنفاق بسلاسة ومن دون عائق كما يجري التجهيز لأنفاق في حي الدندان، في شارع المسلخ، ويمتد النفق من السدة إلى قرب المضخة بجانب جامع الحميد كما تحدث الشهود عن وجود أكثر من خندق تم إنجازه في نفس ذلك الحي منذ فترة كما تجري في حي الزهور عمليات حفر في التلة المؤدية لنهاية الفرع المجاور لعمارة عزيز فتحي، وحسب ما أكد شهود عيان من الأهالي هناك، فإن التنظيم قد باشر الحفر منذ أيام ولم يتم إنجازه بعد.

كما يسعى "داعش" للتعتيم على الأخبار في الموصل مع اقتراب الجيش العراقي وأفادت العديد من التقارير إلى أن داعش يمنع السكان أحياناً من مشاهدة التلفزيون أو وضع الصحون اللاقطة بغية التعتيم على الأخبار خارج معقل التنظيم في العراق وقال سكان في الموصل إنه بعد أن أصبح للقوات العراقية وجود في منطقة مخمور على بعد نحو 60 كيلومترا من المدينة الشمالية، بدأ الإرهابيون يفرضون قيودًا على مشاهدة السكان البالغ عددهم مليون نسمة للتلفزيون، وفي ظل الإمكانية المحدودة وغير المنتظمة للدخول على شبكة الإنترنت واستخدام شبكات الهواتف المحمولة، اعتمد المدنيون في الموصل على القنوات التلفزيونية الفضائية باعتبارها المصدر الرئيسي للأخبار من العالم الخارجي منذ أن سيطرت "داعش" على المدينة قبل عامين.
ويقول مسئولون: إن توقيت هذه الإجراءات له مغزى وهم يرون أن هدف "داعش" هو عزل السكان وعناصر التنظيم عن أي أخبار أخرى عن تقدم القوات العراقية، وأن هذا يمكن أن يقلل من فرص اندلاع انتفاضة منسقة على "داعش" بالمدينة وفرار السكان الذين يمكن استخدامهم "كدروع بشرية" إلى جانب تفادي انهيار الروح المعنوية بين عناصر التنظيم الإرهابي.

كما زادت داعش من تحصيناتها بالموصل تحسبًا لتدخل بري من قبل القوات العراقية لتحرير المدينة من خلال بناء خط دفاعي منيع يصد تقدم أي قوات برية قد تحاول دخول الموصل، إلا أنه في الفترة الأخيرة أزيلت كافة الحواجز الإسمنتية من أمام المؤسسات بالداخل وتم وضعها على جميع مداخل الموصل لعرقلة أي تدخل ومن التحصينات التي انتهى منها التنظيم هو حفر خندق يحيط بمدينة الموصل لا زال العمل فيه مستمرًا بعمق 1.5 متر وعرض 1.5 متر ويتوسطه حاجز إسمنتي، كما قام التنظيم برفع جميع الحواجز الإسمنتية والمصدات التي كانت تحيط بالمباني الحكومية والموزعة في الشوارع، وقام بوضعها على مشارف الموصل من الجنوب والشمال والشرق والغرب؛ حيث المنافذ المتوقع منها اقتحام الموصل في الحرب البرية.

وقال شاهد عيان يدعى أبو محمد الموصلي: "توضع حواجز في منطقة كوكجلي (شرق الموصل)؛ حيث المدخل إلى الموصل للقادمين من آربيل (عاصمة إقليم شمال العراق) وتمتد الحواجز على طريق ترابية خارج مدينة الموصل كما انتشرت في الأيام الأخيرة مجاميع مسلحة تسمى بـ "جيش العسرة " داخل مدينة الموصل، وهذه المجموعات هم من المقربين لزعيم التنظيم، أبو بكر البغدادي، وتواجدهم في مكان ما هو إلا دليل على وجود البغدادي، بحسب أحد سكان المدينة أطلق على نفسه "مدحت المعلم" خوفًا على حياته أن مسلحي جيش العسرة مدججون بالأسلحة، ويرتدون ملابس سوداء، وأغلبهم من المقاتلين الأجانب وعندما نرى هذه القوات تجوب شوارع الموصل فنعلم جيدًا أن البغدادي موجود في الموصل، وأن تلك القوة لا تقف في مكان أو تقاطع إنما تجوب على سيارات وتمر مسرعة وتعود مسرعة.
وعلى الجانب العراقي العسكري يقول العميد غانم السبعاوي، أحد ضباط شرطة نينوى التي تعيد تشكيلاتها ضمن معسكر تحرير نينوى في منطقة دوبردان شرق الموصل: إن داعش يسعى منذ فترة إلى تطوير أسلحته من خلال بعض الغازات الكيميائية التي استولى عليها من الرقة السورية ومدينة الموصل وغازات في مختبرات علمية، نعتقد بأنه تمكن من الاستيلاء عليها وانه يعمل أيضًا على تصفيح شاحنات مفخخة كي لا تؤثر بها القذائف بحيث لا يتم تفجيرها قبل أن تصل لهدفها وإن حاولت القوات البرية اقتحام الموصل، وإن القوات العراقية والبيشمركة استولت على بعض هذه العجلات المصفحة، فالتنظيم يتفنن بصناعة الأسلحة منذ فترة استعدادًا لهذه المعركة”.

ويتنقل عناصر التنظيم بين الفترة والأخرى من مكان لآخر؛ بسبب اشتداد القصف عليهم ويتخذون من الكنائس كمقرات لهم ومخازن لتخزين الأسلحة والمتفجرات إذ يرى التنظيم أن الكنائس لا تستهدف من قبل طائرات التحالف، كما عزز من عناصره الاستخباراتية بين السكان بالمدينة لجمع المعلومات ومعرفة المتعاونين مع القوات الأمنية وتسريب المعلومات لها، بحسب سكلن محليين ويستخدم التنظيم مضادات أرضية في مقاومة الطائرات والمعروفة برشاشات (57) للرد على أي تحركات جوية، إلى جانب حرق إطارات السيارات لاستغلال سحب الدخان المتولدة لتمويه الطيران أو تخزينها لنفس الغرض إلى درجة أصبح من الصعب الحصول على إطار مستهلك في الموصل.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن "الموصل" لا تزال هي المدينة الأهم للتنظيم الدموي؛ ولذلك يسعى إلى تحصينها في مواجهة طموحات "واشنطن والقوات العراقية لتحريرها، وأن الأمر لن يكون سهلًا لكلا الطرفين".