هل تتحول الرقة إلى "بؤرة" المواجهة بين واشنطن وموسكو في سوريا؟
الثلاثاء 07/يونيو/2016 - 01:01 م
طباعة

بعد الدعم الروسي اللا متناهي للنظام السوري الذي توج بالتدخل العسكري المباشر في سبتمبر 2016م، وهو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى لعب دور أكبر في الصراع السوري بقوات على الأرض وإن كانت غير قتالية، إلا أنها تدعم وبقوة ما يعرف بقوات سوريا الديمقراطية التي تتقدم الآن نحو "الرقة" معقل تنظيم الدولة "داعش" الدموي، وهو ما يثير المخاوف من مواجهة روسية - أمريكية على أرض الرقة.

صحيفة فاينانشيال تايمز البريطانية كشفت عن الأمر بحديثها عن أن هناك مخاوف من تحريض روسي أمريكي متبادل، قد يصل إلى مواجهة بين البلدين أثناء الجهود التي تتم الآن لتحرير مدينة الرقة، وعلق وليام ووليس الكاتب بالصحيفة على معركة استعادة مدينة الرقة السورية من تنظيم الدولة، بقوله بأن فيها مخاطرة بتحريض الروس على الأمريكيين وأنه منذ استيلاء التنظيم على المدينة أصبحت هدفًا للقوات الجوية الروسية والسورية والأمريكية والفرنسية والأردنية، ويبدو الآن أنها ستصير مسرحًا لقوات برية متعددة، وأن تحرك القوات المدعومة من أمريكا وروسيا من الشمال والجنوب الغربي باتجاه المدينة، محفوف بالمخاطر الإستراتيجية. وأوضحُ هذه المخاطر هي أن السباق للسيطرة على الرقة يمكن أن ينتهي بتأليب الأمريكيين الذين لديهم قوات خاصة مع قوات الثوار ضد الروس الذين يدعمون قوات الأسد في وقت من المفترض فيه أن يقوم الطرفان بتعزيز السلام عن طريق تسوية سياسية، وبالمثل يمكن أن يغري هذا الأمر الروس بدفع القوات الحكومية لشق طريقها قبل الثوار المدعومين من أمريكا، كوسيلة لإهانة الأمريكيين في المكان الذي طالما تحدثوا عن المساعدة في استعادته، والأسوأ هو أن يشق الطرفان طريقهما إلى الداخل وينتهي الأمر بمواجهة مباشرة بينهما، وأنه بالرغم من التنسيق الظاهري بين الروس والأمريكيين، فإن هذا الأمر في حد ذاته له مخاطره، ولا سيما بالنسبة للأمريكيين الذين يمكن أن يعرضوا الثقة بين الثوار للخطر إذا كانت هناك شكوك بأنهم على استعداد للتعامل مع النظام من أجل المصلحة الكبرى، دحر التنظيم.

ويرى الكاتب الصحفي عبود الصالح في مقال له تحت عنوان "معركة الرقة: حفظ ماء وجوه الرعاة، والبيادق أيضاً" أنه مع اتجاه الأنظار مجدداً إلى عاصمة الخلافة، مدينة الرقة السورية، تتسارع الأحداث في محيط المدينة، معارك وقصف دولي على مواقع يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية، معارك جاءت بعد تضارب الأنباء عن نية الولايات المتحدة الأمريكية بالتحالف مع قوات سوريا الديمقراطية، السيطرة على مدينة الرقة وطرد تنظيم الدولة منها وسرعان ما أعلنت قوات سوريا عن المعركة، وفي اليوم الأول خسرت عشرات المقاتلين جراء تفجير التنظيم لعربات مفخخة في مواقع تم الاستيلاء عليها، بغطاءٍ جويٍ من طيران التحالف الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية.
وتابع: "المتابع للتصريحات الدولية عن معركة الرقة السورية، يرى تناقضاً بين المسئولين الأمريكين ذاتهم؛ إذ أشار وزير الدفاع الأمريكي قبل فترة قصيرة، أن الأكراد لن يدخلوا الرقة، وأن البنتاجون يبحث عن شريكٍ عربيٍّ لاقتحام المدينة، فيما تشير أمريكا ضمن التحالف الدولي أنها بصدد التحالف مع قوات سوريا الديمقراطية. ولم يقتصر التناقض على الأمريكيين، فقوات سوريا الديمقراطية ناقضت تصريحاتها حول المعركة، إذ أعلنت في اليوم الأول منها، أن نيتها السيطرة على مدينة الرقة، وسرعان ما رجعت عن تلك التصريحات حين أكدت أن قواتها سيقتصر عملها على الريف الشمالي، دون المدينة وبالتالي الاستراتيجية العسكرية لمعركة الرقة ليست سهلة، فالتنظيم يحصن المدينة ويقيم السواتر في محيطها، ويغطي أحياءها بالقماش. وما يساعده على تأخير سقوط عاصمته إن وجدت معركة حقيقة لطرده، هو نشره وزرعه للألغام في محيط المدينة، وفي قرىً يسيطر عليها قرب بلدة عين عيسى، التي أُعلنت منها بداية المعركة.

وأشار إلى أن التحالف الدولي بدوره أعلن أنه بصدد القضاء على تنظيم الدولة في سوريا، بيد أن الغوصَ في المعطيات العسكرية يشيرُ أن لا نية لسحق التنظيم، وإنما طرده من المدينة، وترك ممرٍ للانسحاب، إذ تتمركز فصائل من قوات سوريا الديمقراطية في ريف دير الزور الشمالي، أي في جنوب الرقة، فلماذا لا تتقدم تلك القوات من الجنوب لحصار الرقة، وقتل كل عناصر التنظيم. لقد تم إعلان المعركة من شمال الرقة، دون جنوبها، مما يوضح الصورة في الحرب الدولية ضد تنظيم الدولة وأن أمريكا، وهي الراعي والداعم الرئيس لقوات سوريا الديمقراطية، أعلنت عن المعركة، فلحقها الروس بتصريحات تطالب بإشراكهم فيها، بيد أن الروس يدركون أهمية المعركة في الحسابات الدولية، لا سيما وأن الروس ليسوا بأفضل حال مع تركيا، وكذلك الولايات المتحدة الأمريكية التي تُفشل أي مخطط تركي في شمال سوريا، فالمعركة أخذت أبعاداً دولية لتصفية حسابات بين الدول، لا سيما الثلاثي تركيا – أمريكا – روسيا، إذ تتشابك المصالح الأمريكية الروسية في عدم تقوية الأتراك في سوريا، وإقامة كيانٍ كرديٍ في جنوبها، لإشغالها عن الحرب الرئيسة ألا وهي نظام الأسد.
واختتم حديثه بقوله: "إن الأمور تسير باتجاه تمكن قوات سوريا الديمقراطية من الوصول إلى محيط الرقة، وحينها ستبدأ المفاوضات بين الأتراك وأمريكا وروسيا، فالأمريكان يريدون أن يخففوا من أهمية قاعدة إنجرليك في تركيا، وسيكون ذلك بقاعدة في الحسكة، مقابل أن ينتهي الصراع بين الأتراك والروس بصفقات اقتصادية، ولعلها الغاز الروسي، ويحافظَ كل طرفٍ على أمنه القومي، ويبقى الأسد في دمشق ينظر كيف تتغير البوصلة من الإرهاب إلى شبيهه".

يذكر أن الاتصالات الأمريكية-الروسية في الأيام الماضية حول سوريا تزيد بشكل كبير؛ حيث تريد واشنطن أن تحقق غايات عدة من خلال طرد "داعش" من الرقة وسيطرة "قوات سوريا الديمقراطية" المدعومة أمريكيا والمرتكزة على القوات الكردية، لكن موسكو اشترطت في المقابل الحصول على موافقة أمريكية لضرب "جبهة النصرة" في حلب وريفها تحديداً وتنطلق روسيا من عدم قدرة الأمريكيين على السيطرة على الرقة من دون ضوء أخضر روسي، وبذلك تريد موسكو ثمن الموافقة.
فبالنسبة إلى الأمريكيين فإن اقتلاع "داعش" من الرقة يعطي دفعاً للديمقراطيين في الانتخابات الأمريكية بعدما لمع نجم المرشح الجمهوري دونالد ترامب في المشهد، عدا عن قطع الطريق على الإيرانيين القادمين في زحف الجيش العراقي من الفلوجة لربط الحدود العراقية- السورية المشتركة، إضافة إلى تقوية الأكراد- حلفاء واشنطن واستخدامهم خنجرًا لتهديد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان من جهة، والسوريين من جهة ثانية، وهنا يعتقد الأكراد أنهم يحققون خطوة مهمة على طريق "كردستان الكبرى"، علما أن مشروع الفدرالية المنتظر هو أهون من التقسيم بالنسبة إلى السوريين.

مما سبق نستطيع التأكيد على أن الدعم الروسي اللا متناهي للنظام السوري هو ما دفع الولايات المتحدة الأمريكية إلى لعب دور أكبر في الصراع السوري، وهو ما ينبئ بأن هناك مواجهة أمريكية– روسية سيكون مسرحها "الرقة" معقل تنظيم داعش الدموي.