الكراهية غير المعقولة.. وجذور التطرف وراء المجزرة الأمريكية

الإثنين 13/يونيو/2016 - 12:38 م
طباعة الكراهية غير المعقولة..
 
"الكراهية غير المعقولة" هذا هو الوصف الذي اختاره البابا فرنسيس الأول بابا الفاتيكان ليحلل به شخصية القاتل الذي أودى بحياة وإصابة 100 أمريكي في فلوريدا، وأعرب البابا فرنسيس أمس الأحد 12 يونيو 2016 عن "اشمئزازه" من "الكراهية غير المعقولة" التي حرّكت المسلح الذي قتل 50 شخصاً في ملهى ليلي في مدينة أورلاندو بولاية فلوريدا الأمريكية.
وقال فيديريكو لومباردي، المتحدث باسم الفاتيكان: إن "المجزرة الرهيبة التي حصلت في أورلاندو وراح ضحيتها أبرياء كثيرون، أثارت لدى البابا فرنسيس، ولدى كل واحد منا، مشاعر عميقة جداً من الاشمئزاز والاستنكار والألم والقلق جرّاء المظهر الجديد لجنون قاتل وكراهية غير معقولة".
وأضاف: "نتمنى تحديد أسباب هذا العنف المروع وغير المبرر، الذي يعكّر في الصميم رغبة الشعب الأمريكي والبشرية جمعاء بالسلام، وأن تتم مكافحتها على نحو سريع وفعّال". 
وعن البحث عن جذور التطرف وعلاقته بالكراهية كتب المفكر إبراهيم غرابية في جريدة الغد الأردنية: "لا ينشئ المتطرفون، والأيديولوجيون بعامة، مواقفهم الأيديولوجية، ثم مشاعر الولاء والكراهية المستمدة منها، بناء على موقف أو جهد علمي عقلاني؛ هم لم يبحثوا في المصادر الدينية والفكرية ويقارنوا بين الأدلة والاتجاهات. فهؤلاء الذين يتساءلون ويبحثون عن الإجابات ويرجحون بينها ويواصلون البحث والتفكير، ينشئون اتجاهات ومواقف عملية وتطبيقية في الفقه والسلوك والتفكير، قد تكون صحيحة أو خاطئة أو ملتبسة؛ وهم حتى إن كانوا منتمين إلى اتجاهات وأفكار متطرفة، فإن الأفكار الناتجة عن المجهود العقلي والبحثي الذي يبذلونه تؤدي إلى نتائج مستقلة عن موقفهم وانتمائهم الأيديولوجي، فقد يستخدمها الباحث في مجال عمله واختصاصه المهني أو العلمي، أو في الفقه والعبادة، لكن الموقف الأيديولوجي حالة نفسية مستمدة من المواقف والتجارب والاتجاهات النفسية التي تشكل الشخصية عبر التجارب والمؤثرات والأفعال وردود الأفعال والذكريات.
المعتقدات مثلنا، أو هي جزء منا، وتعكس شخصياتنا وهوياتنا. وفي ذلك، فإنها تميزنا وتنشئ موقفنا من الآخر الذي لا يعتقد مثلنا؛ فيصبح ليس منا، أو مختلفا عنا، أو عدوا أو مكروها. ثم نطور موقفنا منه (الآخر) أو اعتقادنا عنه، بأنه يريد إيذاءنا، ومن ثم تجب إزاحته أو إقصاؤه أو إخفاؤه من الوجود... فتبدو عمليات الإقصاء والإبادة كأنها دفاع ضروري عن الذات، أو هي تعكس الخوف الوهمي على وجود الذات ومصيرها.
وفي ذلك، فإن الردّ على التطرف والكراهية والحوار مع أصحابهما أو التأثير عليهم، لا يندرج في الجدل والتأثير العلمي والعقلي. ولا تفيد هنا المؤسسات الدينية والتعليمية والأكاديمية إلا بمقدار ما تساعد الأفراد والمجتمعات على بناء الشخصية السوية والمستقلة والقادرة على تحمل المسئولية والمشاركة والانتماء. أما الردود العلمية والفقهية والفكرية على المتطرفين، فإنها تفيد المعتدلين ولا تؤثر على المتطرفين. وبالطبع، فإنه أمر جيد أن يتعرف غير المتطرفين على أفكار المتطرفين ومصادرهم."
وقال غرابية: "وبالنظر إلى الكراهية على أنها حالة ثقافية أو موقف جماعي أو فردي، فإن المواجهة لا تكون إلا ثقافية؛ بناء ثقافة جديدة مناهضة للكراهية. لكن الثقافة عملية وعي معقدة، تنشئها المجتمعات أولا، وتخصها أكثر من السلطة السياسية. وتتشكل الثقافة في متوالية معقدة من التفاعلات والاستجابات مع الموارد وإدارتها وتنظيمها، والمنظومة الاقتصادية والسياسية المتشكلة حول المكان والموارد، ثم بما يحكمها ويؤثر فيها من تاريخ وقيم وعلاقات. وما يمكن اقتراحه وتنفيذه من سياسات وبرامج ثقافية لا أهمية له في الواقع إلا بمقدار ما يحمله الأفراد وتلتزمه المجتمعات، وهو ما لا يمكن تحقيقه بمجرد تشريعات ومؤسسات وبرامج وتوجيهات واقتراحات. ولن تفيد المؤسسات الإعلامية والثقافية إلا بمقدار ما تؤثر في اتجاهات الأفراد والمجتمعات".
وقد أصبحت الثقافة، كما الإرهاب والتطرف، متصلة بخيارات واتجاهات عالمية. ولا يكفي أن تكون الدولة والمجتمع على قدر من الحصانة الثقافية من التطرف والكراهية، ولكن لا بد من المشاركة في العالم على نحو صعب ومعقد؛ لأجل التأثير في العالم والتفاعل معه في التلقي والتأثير والانتماء العالمي والتقبل العالمي أيضًا، ثم بناء اتجاهات عالمية نحو التسامح ومواجهة الكراهية.
ويظل أصعب ما يمكن قوله في مواجهة الكراهية والتطرف، هو أن ذلك يعني بالضرورة وجود مجتمعات حرة مستقلة. وهي حالة لا تقف في تأثيرها وحدودها عند نبذ الكراهية والتطرف، ولكنها تمتد إلى موقف نقدي وعقلاني من جميع السياسات والتشريعات والمنظومات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. وهكذا، فلا يمكن بناء الاعتدال من دون بناء فكر حر ونقدي. ومشكلة الحكومات أنها تريد فرض الاعتدال مثلما تفرض أسعار المحروقات.

شارك