ازدراء الأديان بين البرلمان المصري ووزارة العدل
الإثنين 13/يونيو/2016 - 04:44 م
طباعة

خلصت اللجنة التشريعية في البرلمان في نهاية اجتماعها أمس إلى إرجاء مناقشة طلبات إلغاء عقوبة ازدراء الأديان لمزيد من الدراسة. وكلفت أمانتها بإعداد مذكرة تتضمن الرأي القانوني، لمخاطبة لجنة الشئون الدينية في البرلمان في شأن رأي المؤسسات الدينية.
بعدما أثارت تهمة «ازدراء الأديان» التي يعاقب عليها القانون المصري بالسجن حتى 5 سنوات، جدالاً بين نواب في البرلمان المصري أمس الاحد 12 يونيو 2016، طالبوا بإلغائها وبين ممثل الحكومة الذي دافع عن وجودها.
وكانت لجنة الشئون الدستورية والتشريعية في البرلمان المصري بدأت أمس مناقشة طلبات تقدم بها نواب لإلغاء تهمة «ازدراء الأديان» من قانون العقوبات، باعتبار أنها «تطارد كل المفكرين والفنانين وأصحاب الرأي».
وعاقب القضاء خلال الشهور الماضية بالسجن الإعلامي إسلام بحيري والشاعرة فاطمة ناعوت، بعد إدانتهما في قضيتين منفصلتين بتهمة «ازدراء الأديان»، فيما تنازل الأزهر عن دعوى قضائية ضد المطرب شعبان عبدالرحيم بالتهمة نفسها، التي لطالما وجهت إلى كتّاب ومبدعين أبرزهم المفكر الراحل نصر حامد أبو زيد والكاتبة نوال السعداوي والكاتب سيد القمني.
وتنص المادة 98 من قانون العقوبات على أن «يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة شهور ولا تتجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمئة جنيه ولا تتجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأي وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، بقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف الدينية المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية».

النائب محمد زكريا محيي الدين
ولفت النائب محمد زكريا محيي الدين أحد مقدمي طلب إلغاء المادة، إلى أنها «تخالف الدستور ومطاطة»، موضحاً أن «لفظ ازدراء يسمح لهوى القاضي بأن يحكم كيفما شاء». وأشار إلى أن قضية بحيري «تم الحكم فيها بحكمين مختلفين... نحن مع حرية الرأي والإبداع ولا يجب أن نعود إلى عصر محاكم التفتيش».
أما عضو اللجنة التشريعية في البرلمان النائب ثروت بخيت، فاعتبر خلال نقاشات اللجنة أمس أن «يد القضاء في جريمة ازدراء الأديان مطلقة». وقال إن «مادة الازدراء فضفاضة، وهذا ما يطلق يد القضاة، وهناك عشرات القضايا التي تؤكد حديثي».
ورأت أستاذة الفلسفة الإسلامية والعقيدة في جامعة الأزهر النائب آمنة نصير، أن عقوبة الازدراء «ألصقت بالإسلام وهو بريء منها تماماً. الدين الإسلامي يضمن حق الانسان في اختيار دينه، وﻻ أساس للسيطرة والقوامة والتأله من جماعة على جماعة في الإسلام». وأضافت أن «الفكر ﻻ يواجه بالسجن والعقوبة، بل بالحوار، وهذه المادة تُكره الناس على الدخول في الإسلام بالمخالفة للنصوص القرآنية. الاختلاف بين البشر له حكمة إلهية».
في المقابل، دافع ممثل وزارة العدل أيمن رفح عن وجود المادة 98 من قانون العقوبات «على ما هي عليه»، موضحاً أن «جريمة ازدراء الأديان تتطلب ركناً مادياً هو الترويج لفكر متطرف، وركناً معنوياً». وقال إن «المادة لا تستلزم أن تقع جريمة ازدراء الأديان بإحدى وسائل النشر، ولا يجب الخلط بين حرية الفكر والرأي وازدراء الأديان، لكن لا يوجد حق طليق من دون أي قيود». واعتبر أن «سلطة المحكمة والنيابة العامة في قضية ازدراء الأديان ليست مطلقة، فالنيابة تتحرى الأمر وتستعين بالمؤسسات الدينية وتخضع لرقابة، والمحكمة ليست مطلقة اليد».

المستشار خالد النشار مساعد وزير العدل
وفي نفس السياق قال المستشار خالد النشار مساعد وزير العدل لشئون مجلس النواب والإعلام والمتحدث الرسمي باسم الوزارة، إن وزارة العدل ليس لديها مانع من تعديل الفقرة (و) من المادة 98 من قانون العقوبات والخاصة بـ"ازدراء الأديان"، مؤكدًا أن الوزارة ترفض تمامًا إلغاء المادة لكنها لا تمانع من تعديلها. وأضاف النشار، لا يمكن أن نلغى مادة تحرم الاعتداء على المقدسات، هذا "غير معقول"، مؤكدًا لا بد أن نضع عقوبة لمن يحتقر الدين أو يزدريه، وغير مقبول أن نتخلى عن هذه العقوبة، مضيفًا: “مفيش حاجة اسمها إلغاء، إحنا ممكن نتكلم في تعديل المادة، ننزل بالعقوبة، أو نعدل الصياغة، نضع محددات وضوابط وتعريفات للازدراء ولتحقير الأديان، كل هذه الأمور مقبول الكلام فيها، لكن فكرة الإلغاء غير مقبولة مطلقا". وشدد مساعد وزير العدل لشئون مجلس النواب والإعلام، على أنه لا بد من وضع تجريم لمنع أي شخص من أنه يحتقر الأديان أو يشيع الفوضى في البلاد، مضيفًا، هناك العديد من الأفكار في سبيل تعديل المادة، ربما يكون من بينها وضع قيد على من يحرك أي بلاغ ضد أي شخص، بحيث يكون - على سبيل المثال - النيابة العامة هي فقط التي تحرك البلاغات وليس أي شخص. كان ممثل وزارة العدل في اجتماع اللجنة التشريعية والدستورية بمجلس النواب، أمس الأحد، قد رفض مقترحات تقدم بها نواب بإلغاء مادة ازدراء الأديان، مؤكدًا ضرورة تواجد المادة باعتبار أن جريمة ازدراء الأديان تتطلب ركنًا ماديًا هو الترويج لفكر متطرف، وركنًا معنويًا.

اسلام بحيري
و"ازدراء الأديان"، تهمة يتعرض لها كل من يختلف عقائدياً أو فكرياً في مصر، بالرغم من أن الدستور المصري يكفل حرية العقيدة والتعبير، وبين كل فترة والأخرى نسمع عن القبض على أحد أفراد جماعة القرآنيين أو الشيعة أو البهائيين، وكأن العقيدة بين الفرد وربه يتم تحديدها في محاضر النيابة وتخضع للتحقيق الجنائي.
كما نسمع دائماً عن إقامة أحد الشيوخ دعوى قضائية ضد أحد من المفكرين أو الكتاب يتهمه فيها بازدراء الدين أو سب الذات الإلهية، وهناك العديد من النماذج، آخرها الكاتب الشاب حامد عبد الصمد الذي اتهمه موقع "نصرة الإسلام" بالكفر والإساءة للذات الإلهية بسبب روايته "وداعاً أيتها السماء" الصادرة عن دار ميريت للنشر.

نصر ابو زيد
كما طال الاتهام العديد من الكتاب أشهرهم نوال السعداوي التي طالب مجمع البحوث الإسلامية بإسقاط الجنسية المصرية عنها بعد نشر إحدى مسرحياتها والشاعر حلمي سالم بسبب قصيدته "شرفة ليلى مراد" وسحبت منه جائزة الدولة، والدكتور نصر حامد أبو زيد الذي تم اتهامه بالكفر بسبب أبحاثه التي تقدم بها لنيل درجة الأستاذية وحكم فيها بالتفريق بينه وبين زوجته، وعلاء حامد بسبب "مسافة في عقل رجل .. محاكمة الإله" واخر القائمة إسلام بحيري وفاطمة ناعوت واحمد ناجي.
التهم كثيرة والعقوبات مختلفة، وبالرغم من أن القانون المصري يكفل حرية العقيدة والتعبير فإنه يعاقب عليها.