ريف حلب الجنوبي بين انتصارات جيش الفتح وخسائر النظام السوري وحلفائه

السبت 18/يونيو/2016 - 12:10 م
طباعة ريف حلب الجنوبي بين
 
 يمثل ريف حلب الجنوبي أهمية خاصة للنظام السوري وجيش الفتح التحالف الأكبر حاليًا داخل صفوف المعارضة السورية المسلحة؛ ولذلك يركز كلا الطرفين على تحقيق أكبر قد من التقدم داخلها، ولكن يبدو أن الكفة رجحت لصالح جيش الفتح، وتكبد النظام السوري وحلفائه خسائر فادحة فيه، وظهرت آثارها في فقدان مدن خلصة وزيتان وبرنة "صديق". 
ريف حلب الجنوبي بين
وأعلن الثوار فجر يوم السبت 18-6-2016م السيطرة على بلدة خلصة الاستراتيجية وعدة مواقع في ريف حلب الجنوبي بعد معارك مع الميليشيات الشيعية، قتل على إثرها العشرات من الأخيرة وقال شهود عيان: إن جيش الفتح بالاشتراك مع فصائل الثوار تمكنوا من استكمال السيطرة على بلدة خلصة وقتل 40 عنصراً من الميليشيات الشيعية واغتنام دبابتين، وبعد ساعات من تحريرها قام الثوار بالسيطرة على قرية زيتان، وإن فصائل الثوار تمكنت من السيطرة أيضاً على قرية برنة إثر هروب جماعي للنظام وميليشياته من المنطقة، وإن الوجهة القادمة لـ "جيش الفتح" ستكون بلدة الحاضر والتي تعتبر تجمعاً لعناصر الحرس الثوري الإيراني وميليشيا حزب الله اللبناني، كما تمكن من تحرير قرى "القراصي والقلعجية ومعراتة" وبلدة الحميرة إلى جانب تحرير مستودعات خان طومان وتلة المحروقات وتلال القراصي وكتيبة الدفاع الجوي في محيط خان طومان، بالإضافة إلى منطقة الساتر في ريف حلب الجنوبي، وذلك بعد هجوم كبير خلف عشرات القتلى والأسرى في صفوف ميليشيات إيران. 
ريف حلب الجنوبي بين
وتتمثل أهمية منطقة ريف حلب الجنوبي فيما يلي: 
1- تمثل عقدة اتصال حيوية بين ثلاث محافظات هي: حلب وحماة وإدلب.
2- تعد خط دفاع أول عن حلب بالنسبة للثوار.
3- يقطعه طريق خناصر الممر الرئيس لإمدادات قوات النظام إلى حلب، إلا أن النظام كان في كل مرة يضع كل قوتها لاستعادة هذا الطريق الحيوي ما يؤكد مدى أهمية الريف الجنوبي العسكرية والاستراتيجية بشكل عام.
4- السيطرة على قري الريف الجنوبي يعني تمكن قوات النظام من إنجاز أهدافها في معركتها المفتوحة في الريف الجنوبي من حيث الربط عملياً بين الجنوب والشمال. 
5- تمكن قوات النظام من تحقيق أفضلية كبيرة في محافظة حلب يسمح لها بحضوراً قوياً في أرياف حلب الشمالية والشرقية، كما يصبح الريف الغربي غير بعيد عن تهديدها ناهيك عن تعزيز قوتها داخل مدينة حلب.
لذلك، لا يبدو مستغرباً أن تحظى هذه المنطقة باهتمام كبير ودائم من جانب النظام، الذي كان قد استعاد نحو نصف مساحتها في ربيع عام 2013 بعد حملة كبيرة، شارك فيها وللمرة الأولى مقاتلون من حزب الله والميليشيات العراقية والإيرانية، تمكن في نهايتها من فك الحصار عن معامل الدفاع، وفتح طريق خناصر الذي يصل بين حلب وحماة؛ ولذلك لم يكن مستغرباً أن تضع قوات النظام، مع جرعة الدعم الجديدة التي تلقتها مؤخراً، هذه المنطقة في مقدمة أولوياتها، حيث بدأت في أكتوبر 2015م هجوماً جديداً فيها، تمكنت مع بدايته من السيطرة على عدة قرى ونقاط عسكرية كانت أهمها قرية عبطين الهجوم جاء بعد تحضيرات مكثفة تم رصدها خلال الأسبوعين السابقين، حيث حشدت قوات النظام أعداداً إضافية من المقاتلين والآليات في قرى عسّان وعين عسّان والرسم، التي تعتبر نقاط مؤخرة للقوات المتمركزة في جبل عزّان وكتيبة الصواريخ في تلة الشهيد، اللتين انطلق منهما هجوم قوات النظام الأخير.
ريف حلب الجنوبي بين
وتحاول قوات النظام كما دأبت باستمرار- تحقيق ربط بين القرى التي تسيطر عليها في الجزء الأعلى والقسم الشرقي من ريف حلب الجنوبي، مع مدخل هذا الريف في الشمال (الراموسة وخان طومان) ومن ثم الوصول إلى أوتستراد حلب- دمشق الدولي في الغرب، وهو الهدف النهائي لعملياتها بالريف الجنوبي، بعد أن تمكنت في العامين الماضيين، وبعد عدة عمليات متفرقة، من احكام السيطرة على المتحلق الجنوبي ومحيطه، الذي يصل مطاري حلب والنيرب بثكنات الراموسة جنوب المدينة وتعتبر قرية (الوضيحي) الخاصرة التي تحاول قوات النظام اختراقها، وهي في هذه المرحلة تتقدم في أهميتها على قرية عبطين نفسها التي سيطرت عليها هذه القوات بالفعل يوم الجمعة، ولذلك تبذل الفصائل والمقاتلون المحليون من أبناء المنطقة جهوداً كبيرة لعدم التفريط بها.
فالمعطيات التي منحت قوات النظام أفضلية نسبية في الجزء الشرقي حتى الآن، لا تصب بصالحها عندما يتم الاتجاه نحو الغرب؛ حيث توجد كثافة سكانية كبيرة في قرى وبلدات هذا الجزء، على عكس واقع الحال في الشرق، الذي تتناثر التجمعات السكانية فيه بشكل متباعد، ما أدى لعدم توفر مقاومة محلية حقيقية ومنظمة تتصدى لقوات النظام، بالإضافة إلى أن الفصائل العسكرية نشطت خلال العامين الماضيين بشكل أفضل لملء الفراغ المدني والعسكري في قرى وبلدات القسم الغربي من هذا الريف، وتم استقطاب أعداد كبيرة من الشباب الذين ظلوا طيلة الأعوام السابقة دون حاضنة ثورية عسكرية، كما اشتكى الأهالي فيها من الإهمال.
ريف حلب الجنوبي بين
ولعل مسألة إهمال ريف حلب الجنوبي بشكل عام من قبل الفصائل ومؤسسات الثورة، كانت من أهم القضايا التي أسهمت في خسارة القسم الأكبر من هذه المنطقة الحيوية لصالح قوات النظام، بالإضافة لخسارة خزان بشري مهم، حيث نزح القسم الأكبر من سكان القرى الشرقية، بينما انضم الذين تبقى منهم لصفوف قوات النظام وقد تتمكن قوات النظام بمساندة الميليشيات والطيران الروسي من تحقيق تقدم ما في معركتها هذه في الريف الجنوبي، لكن هذا التقدم لن يكون ذا قيمة إضافية، بشرط ألا يتجاوز إلى الغرب قرية الوضيحي، وهي مهمة ليست صعبة إذا ما تم حرمان قوات النظام من تحقيق أي تقدم من جهة خان طومان وإذا ما تمكن الثوار من تقوية خطوط الدفاع في هذه الخاصرة الشمالية (خان طومان) المجاورة للراموسة وثكناتها، فإن امتصاص فورة قوات النظام ستكون ممكنة، مع أهمية تحقيق إنجاز في معارك ريف حماة الشمالي، وهو أمر إن تم، فإنه سينعكس اتوماتيكياً على معركة ريف حلب الجنوبي بطبيعة الحال.
وإذا كانت قوات النظام تحاول فرض معركة استنزاف على الثوار في خط جبهة طويل تعمل على تشكيله اليوم، ويمتد من المتحلق الجنوبي شمالاً حتى جبل عزان جنوباً، أو تأمل بتحقيق انهيار في صفوف الثوار، فإن باستطاعة الفصائل قلب الطاولة من خلال امتصاص الضربة والتعامل معها بهدوء، ومن ثم جر قوات النظام إلى معركة استنزاف معاكسة، وطالما أن عمليات قصف ثكنات النظام ومواقع تمركز قواته في الراموسة والقرى المطلة على المتحلق الجنوبي لا يبدو أنها ذات فاعلية، فإن فكرة التحول إلى تنفيذ عمليات خاطفة تستنزف قوات النظام في هذه المواقع والثكنات، بعد تأمين الخطوط الدفاعية بشكل جيد تبدو واردة جداً، إذ يمكن أن يؤدي اشغال قوات النظام واستنزافها بهذه الطريقة، إلى تحييد الريف الجنوبي في هذه المرحلة التي ينشغل فيها ثوار حلب بضغط شديد في المعارك على عدة جبهات.
ريف حلب الجنوبي بين
 مما سبق نستطيع التأكيد على أن ريف حلب الجنوبي يشهد حاليًا حالة من التناقض بين انتصارات جيش الفتح وخسائر النظام السوري وحلفائه؛ ولذلك يركز كلا الطرفين على تحقيق أكبر قدر من التقدم داخله، ولكن يبدو أن الكفة رجحت لصالح جيش الفتح، وتكبد النظام السوري وحلفائه في المقابل  خسائر فادحة، وهو الأمر الذي ستظهر ملامحه خلال الأيام وربما الشهور المقبلة. 

شارك