في حوارٍ له.. الغنوشي: ثورة الياسمين أجبرتنا على ترك العمل الدعوي والتركيز على العمل السياسي
الخميس 07/يوليو/2016 - 04:46 م
طباعة

التقت "الوطن السعودية" بـ"راشد الغنوشي" زعيم حركة النهضة التونسية ومساعد الأمين العام لشؤون القضايا والأقليات في الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين ونائب رئيسه.. وعضو مكتب الإرشاد العام العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.. وأجرت معه حوارًا شمل تفسيرات كثيرة لتساؤلات سياسية عن الحركة ونشاطها والتغير الذي قد تشهده كما زعم رئيسها الغنوشي الذي أعادت الحركة انتخابه رئيسًا لها.
فصل العمل الدعوي عن السياسي

في التاسع عشر من مايو 2016 أعلن زعيم ومؤسس ورئيس حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي، أن الحركة سوف تمر بمرحلة تغيير بالنسبة للشأن السياسي، من خلال فصل المسارين "الدعوي" و"السياسي" أحدهما عن الآخر، والتحول إلى حزب مدني.
وفي هذا الحوار تطرق الغنوشي لهذا الأمر مجيبًا عن المغزى من قرار فصل العمل الدعوي عن العمل السياسي، قائلًا: "الثورة نقلتنا من مرحلة الشمولية إلى مرحلة التخصص، ولم ننتقل من الإسلام إلى العلمانية، بل انتقلنا داخل الإسلام من مرحلة إلى أخرى، والأحزاب مهمتها العمل والإصلاح، انطلاقا من الدولة والمجالات الأخرى التي نظمها القانون. والأمر يختلف فقد كانت الأمور مختلطة سابقا مع نظام ابن علي، وبعد الثورة فتحت أبواب الحرية وأصبح كل من يريد أن يمارس عملا يؤديه تحت لافتته الطبيعية، ومن أراد ممارسة العمل الخيري فليقم بتأسيس جمعية خيرية، ومن يريد السياسة يكوّن حزبًا، ومن يريد العمل الديني يكوّن جمعية دعوية، كما أن الدستور الوطني منع الجمع بين السياسي والديني، وبات لا يحق لأي شخص أن يكون قياديًّا سياسيًّا وعضوًا قياديًّا في الوقت نفسه في جمعية دعوية، لذلك فإن تغيرنا جاء بالتفاعل الإيجابي مع الثورة ودستورها".
يُعرف "الإسلام السياسي" بأنه مصطلح سياسي وإعلامي وأكاديمي استخدم لتوصيف حركات تغيير سياسية تؤمن بالإسلام باعتباره "نظامًا سياسيا للحكم"، أما عن مفهوم الإسلام السياسي وهل له تحفظ على استخدام هذا المصطلح لوصف الأحزاب السياسية التي لها ارتباطات وأنشطة ذات طابع ديني، فقد أجاب قائلًا: " الإسلام السياسي هو مصطلح غربي أصبح مرتبطا بالعنف، والقرار الذي اتخذته النهضة ليس دلالة على فشل العمل السياسي الإسلامي، إلا أن المصطلح بات مرتبطا بجماعات معينة نريد أن نختلف عنها ونسمي أنفسنا بالمسلمين الديمقراطيين بعيدا عن الذين يمارسون العنف والإرهاب. ولا أتصور أن تترتب على قرار الفصل في مرجعية الحزب وعلاقته بالتيارات الإسلامية الأخرى أي قطيعة، وستقوم جهات مختصة بهذا التواصل ولدينا جمعيات ومناشط في العديد من الاختصاصات، منها الرياضية والدعوية والثقافية وستنفصل عن الحزب تماما، وتعمل باستقلال، سواء في مواردها المادية أو قياداتها وسياساتها، كما أن هناك عددًا من القيادات داخل الحزب، ستجد نفسها مضطرة، إما للمحافظة على عضويتها في الحزب السياسي، أو الاستقالة من الوظائف القيادية والتخصص في شأن من الشئون المجتمعية".
وعاد الغنوشي مرة أخرى لموضوع الفصل بين العمل الدعوي والسياسي ومحاولة توضيح الفارق بينهما داخل الحزب، قائلًا: "الفصل بين العمل الدعوي والسياسي يعني أن يأخذ كل شيء طريقه بتحييد المساجد عن الشئون السياسية، وأن نجعل الحزب جامعا لكل التونسيين مهما كان اختلافهم. وفي الوقت نفسه لا نريد أن يكون الجامع منبرا للدعاية الحزبية، فالسياسة مفرّقة ولا نريد أن يستغل الدين لغرض سياسي، ولا نريد للسياسة أن توظف الدين".
وعن ردود الأفعال على إعلانه هذا الفصل في منهج الحركة المقبل أكد أن تونس بلد صغير ليس لها طموحات لتصدير الثورة أو تصدير تجربتها، وليست عندنا بضاعة للتصدير، والثورة والنهضة كلها حاجات للاستهلاك المحلي التونسي، أي متفاعلة مع البيئة التونسية وليست مادة للتصدير، ولكن إذا وجد فيها الآخرون خارج تونس ما يفيدهم سنكون سعداء بذلك، وكما استفدنا نحن من تجارب الآخرين ولكن لم نستنسخها، نسعد بأن يستفيد الآخرون من تجربتنا.
وتطرق الحوار لأمر شغل الكثيرين من السياسيين، ألا وهو مدى مصداقية فكرة الفصل بين الدعوي والسياسي، وهل هي مناورة أم خدعة أم حركة لإشغال الرأي العام فقط؟ فأجاب قائلًا: " السياسة ليست حكما على النوايا، وعملنا سيشهد على أن حزبنا يطبق القانون، والدستور التونسي يفرض هذا الفصل، وهناك محاكم وحراس لهذا القانون، متمثلة في إعلام وجمعيات تراقب مدى وفاء الأحزاب مع تعهداته، ونحن أعلنا الفصل بين العمل الدعوي والسياسي وسنعمل على تطبيقه كليًّا".
"الغنوشي" والنفاق السياسي

المنصف المرزوقي - راشد الغنوشي
سبق وهاجم الرئيس المنصف المرزوقي الحركة وقائدها في الثامن والعشرين من مايو 2016، ووصفهما بسلوك مسلك النفاق السياسي..
وبسؤال الغنوشي عن ذلك أجاب قائلًا: "لم أطلع على هذا التصريح والمرزوقي يتحمل مسؤولية أقواله، ونحن أوصينا إخواننا بأن نحفظ العشرة مع الذين عملنا معهم على مدى ثلاث سنوات من الحكم المشترك، والعمل على الدفع بالبلاد إلى التقدم".
ونفى الغنوشي أية خلافات داخل الحركة قائلًا: " اللوائح كلها تم التصويت عليها بنسبة عالية جدا تجاوزت 80%، بما في ذلك اللائحة التي سميت بلائحة تصريف العلاقة بين العمل السياسي والعمل الدعوي، وكل هذه اللوائح لم تطبخ على عجل وإنما بتأنٍّ، خلال سنتين شهدتا مئات من المحاورات والندوات. وكان التصويت عليها سريعا لأنها تعرضت لعملية طحن واستيعاب لمدة طويلة، حيث دار النقاش حول بعض القضايا التنظيمية مثل طريقة انتخاب المكتب التنفيذي: هل ينتخب من المؤتمر أم من مجلس الشورى أم يقترح من طرف رئيس الحركة على مجلس الشورى والأخير يزكيه؟".
تساءل الكثيرون عن مصادر تمويل حركة النهضة التونسية، وعن حسن تنظيم المؤتمر الذي وصف بـ"الهوليودي"، فاختصر الغنوشي الكلام مجيبًا في سطور، قائلًا: " حسن التنظيم لا يؤشر دائما إلى صرف أموال طائلة، بل يمكن أن يعتمد أساسا على كفاءات الحزب، وذلك ما حدث فعلا، فكل الفريق المنظم لحفل الافتتاح كان من أبناء النهضة الذي لم يتلق أي منهم مقابلا ماديا على عمله، وتبقى بعض المصاريف الثابتة، التي كانت بعيدة جدا عن الأرقام التي قدمت، في محاولة لإحراج الحركة. وفي الأخير فإن حسابات النهضة في متناول دوائر الرقابة المالية في البلاد متى ما أرادت التثبت".
أما موقف الحركة من اقتراح الرئيس التونسي تشكيل حكومة وفاق وطني وتنحي رئيس الحكومة، فجاءت إجابات الغنوشي كالتالي: " عبرت الحركة عن مساندتها لتوسيع الحكومة لتصبح حكومة وحدة وطنية، وهو مطلب رفعناه مباشرة بعد الانتخابات ولكن لم تتوافر شروطه وقتها. الآن وقد طرح رئيس الجمهورية الفكرة جددنا مساندتنا لها باعتبارها إن نجحت ستوفر التربة الخصبة لمعالجة التعثرات والصعوبات التي تعانيها البلاد، خاصة على المستوى الاقتصادي.
أما عن رئيس الحكومة، فمعلوم أن الحزب الفائز بالمرتبة الأولى في الانتخابات هو الذي يقترح اسمه، وقد وقع الاختيار وقتها على الحبيب الصيد الذي حاز رضا واسعا في الأوساط السياسية والبرلمانية. والأطراف المشاركة في الائتلاف، بالتعاون مع رئيس الجمهورية تعمل جاهدة على تجاوز الأزمة في أسرع وقت".
ونهى الغنوشي حواره بموقف الحركة من الصراع الليبي والحرب على "داعش" في سرت، قائلًا: " الحل في الشقيقة ليبيا واضح، وهو التحاق الجميع بحكومة الوفاق الوطني، خاصة بعد نجاحها في دحر القوى الإرهابية، والسير نحو مصالحة وطنية بين كل الليبيين، وعفو شامل يطوي صفحة الماضي ويفسح المجال لإعادة بناء الدولة المستقلة التي تجمع الليبيين وتضمن حقوقهم".