تفجيرات مرقد السيد محمد.. الحرب المذهبية في العراق سلاح "داعش" للبقاء
السبت 09/يوليو/2016 - 05:10 م
طباعة

الهجوم الذي استهدف مرقد السيد محمد بن الإمام على الهادي في مدينة بلد بمحافظة صلاح الدين العراقية قبل يومين، يعد الأول من نوعه منذ تفجيرات سامراء عام 2006، التي أدت إلى اقتتال طائفي وموجات نزوح سكاني كبير، فبعد مرور 10 أعوام، ارتفعت التوترات الطائفية بشكل حاد مع كل تفجير يستهدف منطقة شيعية، وهو ما يجعل استهداف الأضرحة التي يقدسها الشيعة أمراً خطيراً.
تفجير مرقد السيد محمد:

وقد قتل وأصيب 80 شخصًا جراء هجوم انتحاري، مساء أمس الجمعة 8 يوليو 2016، استهدف مرقد السيد محمد في قضاء بلد بمحافظة صلاح الدين، أعقبه هجوم انتحاري لثلاثة إرهابيين، وذلك بعد نحو خمسة أيام على التفجير الذي استهدف منطقة الكرادة ببغداد وراح ضحيته مئات المدنيين الأبرياء.
ويقع مرقد السيد محمد بن الإمام على الهادي، الذي استهدفه الهجوم، في قضاء بلد، على بعد نحو 93 كيلومتراً شمالي بغداد.
وأعلن تنظيم "داعش" المسئولية عن الهجوم، وقال في بيان نشر على موقع تليغرام: "ثلاث عمليات استشهادية بأحزمة ناسفة نفذها جنود الدولة في مرقد السيد محمد بمنطقة بلد في جنوب محافظة صلاح الدين".
وقالت خلية الإعلام الحربي في العراق: "إن عصابات داعش الإرهابية استهدفت مرقد السيد محمد بن الإمام الهادي عليه السلام في بلد بمحافظة صلاح الدين بالهاونات، أعقبه هجوم انتحاري لثلاثة إرهابيين وعند وصولهم إلى الباب الخارجي للمرقد الشريف تم فتح النار".
وأوضحت الخلية أنه "على أثرها فجر انتحاريان نفسيهما عند السوق الموجود بجانب المرقد وتم قتل الإرهابي الثالث وتفكيك الحزام الناسف".
وكانت الخلية في بيان سابق قد أشارت إلى أن "الانتحاريين لم يدخلوا إلى المرقد الشريف وتمت معالجة الهجوم في محيط المرقد، وتسبب بحرق في المحلات والاسواق والموقف تحت السيطرة بشكل كامل". وأشارت الخلية إلى أنه تم نقل الشهداء والجرحى من المواطنين إلى المستشفيات، كما تم إخماد الحريق الذي نشب في المحلات والأسواق إثر الهجوم الإرهابي على المرقد.
وقال رياض عبد الأمير مهدي المسئول في مرقد السيد محمد عليه السلام لقناة العالم الإخبارية السبت: "الملفت للنظر هو أن جميع المحلات احترقت، ويجب على الدولة أن تعيد النظر في الاستراتيجية الأمنية، وأن يكون هناك تعاون تام من جميع الأجهزة الأمنية".
سيناريو التفجير:

وحول سيناريو التفجير والمواد المستخدمه فيه، كشف رئيس لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي حاكم الزاملي، أن المواد المتفجرة المستخدمة في استهداف مرقد "السيد محمد" هي نفس المواد المستخدمة باستهداف الكرادة.
وقال الزاملي في بيان اليوم السبت: إن "عدم تحديد المسئولية الأمنية في مسك المنطقة وعدم محاسبة المقصرين في الخروقات المتكررة هي أساس استمرار هذه الخروق".
وأضاف الزاملي، أن "المواد المتفجرة المستخدمة في استهداف مرقد "السيد محمد" هي ذاتها المستخدمة في استهداف الكرادة"، لافتاً إلى أن "إجراءات الدفاع المدني في الحادثتين غير فعالة".
كما كشف مصدر عسكري عراقي، النقاب عن ملابسات التفجيرات الانتحارية التي استهدفت مزاراً دينياً في قضاء بلد (90 كم إلى الشمال من بغداد)، الذي راح ضحيته عشرات المدنيين ما بين قتيل وجريح.
وقال المصدر، طالباً عدم الكشف عن هويته: إن" الهجوم الذي استهدف مرقد الإمام السيد محمد بن الإمام علي الهادي، الخميس، نفذ عن طريق 5 انتحاريين تنكروا بزي رجال دين شيعة بارتدائهم عمائم وعباءات سوداء اللون، ويستقلون سيارات نوع بيك أب، وتحمل رايات تابعة لميليشيات الحشد الشعبي؛ لإيهام القوات الأمنية وعدم التعرض لهم".
وأضاف أن "الانتحاريين استغلوا النفوذ والسلطة التي يتمتع بها أصحاب العمائم ورجال الدين الشيعة في العراق أياً كانت جنسيتهم، وعدم اعتراضهم من قبل القوات الأمنية والقوة المكلفة بحماية المرقد، ليتمكنوا من الدخول إلى داخل مبنى الإمام وممارسة الطقوس الدينية"، مبيناً أنه "وبعد تجمع الناس حول أحد الانتحاريين قام بتفجير نفسه، ثم أعقبها تفجير ثان لأحد الانتحاريين، فيما فجر الانتحاري الثالث نفسه عند إحدى بوابات المرقد".
وأشار المصدر لـ"الخليج أونلاين" إلى أن "الانتحاريين الآخرين كانا ينويان تفجير نفسيهما في القوة المكلفة بحماية المرقد، إلا أن القوات الأمنية تدخلت، وتمكنت من قتلهم عن بعد"، ولفتت إلى أن "أعداد الضحايا بلغت حتى اللحظة أكثر من 107 ما بين قتيل وجريح".
التيار الصدري:

وعلى أثر ذلك أوعز زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، إلى ميليشيات ما يعرف بسرايا السلام بالتوجه لبلد، وحماية المراقد الدينية في مدينتي بلد وسامراء.
وقال في بيان: "بعد أن أقدم شذاذ الآفاق على جريمة أخرى وعمل إرهابي وحشي آخر على مقدساتنا في بلد، مستهدفين فيه مرقد سيد محمد، وما آلت إليه الأوضاع الأمنية إلى السوء بعده، صار لزاماً على سرايا السلام التوجه إلى مدينة بلد، وبالتنسيق مع القوات الأمنية، وكذلك بالتنسيق مع المسئولين في السرايا".
ودعا السيد الصدر السرايا إلى "عدم الصدام مع أحد"، مشيرًا إلى أن "هدف السرايا الأول هو حماية المقدسات وحماية أرواح الأبرياء من الشعب العراقي المظلوم".
وأشار إلى أن على الجميع الالتزام بالأوامر والنظم وعدم ترك الأماكن المهمة وإلا وقع ما هو أسوأ.
خلافات شيعية:
فيما لمحت صحيفة الجارديان البريطانية إلى أن الميليشيات "المدعومة من إيران" في العراق، تقف وراء التفجير الذي استهدف ضريح السيد محمد مؤخراً، مشيرة إلى أن الميليشيات تتنافس لأجل الاستثمار في المزارات "الشيعية".
وأضافت الصحيفة الانجليزية أن "الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران كانت قد تنافست سابقاً من أجل الاستثمار في هذه المزارات الدينية؛ لما تدره من أموال هائلة، ويعتقد أن الاختراق الأخير في بلد (تفجير مزار السيد محمد) شمال بغداد، كان بسبب هذا التنافس الشيعي، وهو ما بدا واضحاً في أعقاب تبادل الاتهامات بين سرايا السلام التابعة لمقتدى الصدر، وبين عصائب أهل الحق التابعة لقيس الخزعلي، المنشق عن التيار الصدري".
وتشير الصحيفة إلى أن "القوات العراقية -وفي أعقاب الهجوم على مرقد السيد محمد في قضاء بلد، الواقع شمال العاصمة بغداد، قبل يومين- عززت من وجودها قرب الأضرحة الدينية؛ خشية من تكرار عمليات الاستهداف من قبل التنظيم".
تكتيك "داعش":

ويرى المراقبون أن "داعش" غير من أسلوب المواجهة والحرب مع القوات والأجهزة الأمنية العراقية، بعد أن فقد السيطرة على المزيد من الأراضي التي كان يسيطر عليها في العراق، عاد إلى استراتيجيته القديمة المتمثلة بمهاجمة "الأضرحة الشيعية"؛ وذلك بهدف إشعال فتيل "حرب طائفية من جديد، على غرار ما حصل عام 2006، عقب تفجير مرقد ديني شيعي في سامراء".
وتضيف الجارديان: إن "الموصل باتت هي المدينة الوحيدة تقريباً التي تخضع لسيطرة التنظيم بعد أن تمت استعادة الفلوجة الواقعة على بعد 62 كم إلى الغرب من العاصمة بغداد، بعد أن كان التنظيم يسيطر على مساحات شاسعة في البلاد بعد منتصف عام 2014، ووصل إلى تخوم العاصمة بغداد".
وتابعت: "تنظيم داعش -على ما يبدو- بات أكثر حاجة إلى اللجوء للأساليب القديمة التي كانت تنتهجها القاعدة، ومنها استهداف الأضرحة الشيعية، وأيضاً استهداف الأحياء الشيعية في بغداد، كما حصل مع تفجير حي الكرادة الدموي في وسط العاصمة بغداد".
في حين أكد مسئول أمني عراقي، بحسب الصحيفة، أن "استهداف المزارات الشيعية في العراق من قبل التنظيم هو دلالة على أن التنظيم، وزعيمه أبو بكر البغدادي، بات يشعر باليأس، وأنه لم يعد بذات قوته السابقة".
المشهد العراقي:
فيما يبدو أن أسلوب حرب التفجيرات والانتحاريين هو التكتيك القادم والأكثر حضورًا في حرب "داعش" الإرهابي ضد الدول العراقية، في وقت يشهد العراق حالة من الصراع بين أعضاء البيت الشيعي، وخلافات سنية شيعية في إطار سياسي.. يهدف "داعش" من خلال استهداف المراقد الشيعية إلى إشعال النعرات الطائفية والمذهبية لتعطي له فرصة للبقاء والعيش في ظل خسائره أمام قوات الجيش العراقي، فهل ينتبه العراقييون لمخططات "داعش" أم يسقطوا في صراع مذهبي يطيل عمر دولة أبو بكر البغدادي؟