دراسات تؤكد: "مسيحيو الشرق الأوسط في أزمة حقيقية بسبب تمدد الأصوليين"

الأربعاء 13/يوليو/2016 - 12:49 م
طباعة دراسات تؤكد: مسيحيو
 
سوف يبقي هَمّ الأقليات في الشرق الأوسط محورًا رئيسيًّا يشغل بال الكُتَّاب والباحثين في ظل محاولات متكررة لإفراغ الشرق من الأقليات، والتي يمثل المسيحيون أغلبيتهم العددية، وفي إطار البحث عن هذا الهَمِّ نشرت البرلمانية السابقة منى مكرم عبيد دراسة مهمة بعنوان: "التواطؤ لتمرير مخططات طرد المسيحيين من المنطقة العربية" طرحت من خلالها السؤال المهم، ألا وهو: هل يمكن للمسيحية البقاء في ظل الاضطهاد الديني والنزاعات الدائرة في منطقة الشرق الأوسط التي ولدت فيها؟ وهو سؤال يطرح نفسه في ضوء المشكلات التي يتعرضون لها من الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلحة، وسط تقارير ودراسات ترصد تراجع الوجود المسيحي في الشرق الأوسط، خصوصاً منذ إعلان التنظيم دولة الخلافة في سورية والعراق وتبنيه عمليات قتل وحشية لتطهير المنطقة من «الكفار»، والمقصود بهم المسيحيون والأقليات الأخرى.
وكانت الصرخة الأولى في شأن التحذير من تهجير المسيحيين، خصوصاً بعد ثورات الربيع العربي، من خلال بابا الفاتيكان البابا فرانسيس، في كانون الأول (ديسمبر) 2014. لكن المجتمع الدولي لم يتفاعل مع تلك الصرخة، ولم يتم اتخاذ التدابير اللازمة لوقف هجرة المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى. وبعد عام من تحذيرات بابا الفاتيكان، ظهر اعتراف المرشحة لسباق الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون بأن عنف «داعش» ضد المسيحيين والأقليات الدينية الأخرى في الشرق الأوسط هو إبادة جماعية. وأخيراً، وتحت ضغوط الكشف عن الجرائم البشعة ضد المسيحيين، وصف وزير الخارجية الأمريكي جون كيري الجرائم ضد الأقليات الدينية في المناطق التي يسيطر عليها «داعش» بأنها «إبادة جماعية»، وهي جريمة ضد الإنسانية بحسب القانون الدولي.
وبحسب المؤشر السنوي لمنظمة «الأبواب المفتوحة» للعام 2015، والذي يرصد واقع اضطهاد المسيحيين في 50 دولة حول العالم، فإن السكان المسيحيين يواجهون احتمال التآكل داخل الدول الإسلامية، بما فيها سورية والعراق، اللتان جاءتا ضمن أكثر 10 بقاع في العالم يتفاقم فيها الخطر ضد المسيحيين. ويعتبر مركز الحرية الدينية في معهد هدسون الأمريكي، أن من الأفضل استخدام تعبير «التطهير الديني» بدلاً من «الاضطهاد الديني» في وصف ما يواجهه المسيحيون داخل البلدان الإسلامية، مع الإشارة إلى أن المسيحيين الفارين من العراق خلال العقد الماضي يقدرون بين ثُلُث ونصف مسيحيي العراق.
وجاء في دراسة أصدرها مركز «بيو» البحثي في آذار (مارس) الماضي، أن مسيحيين يواجهون المضايقات في 102 دولة حول العالم، وأن خمس دول من بين 18 دولة داخل الشرق الأوسط، تفرض حكوماتها قيوداً كبيرة على الدين، وبالتالي فإن المسيحيين يواجهون وقتاً صعباً في تلك المنطقة. والسؤال اليوم في ضوء هذه التحديات والأرقام، هل المسيحيون في الشرق الأوسط ما زال لهم مستقبل داخل المنطقة؟
هذه المواقف تؤكد أننا بحاجة للتعامل مع جرائم التنظيم الوحشية بنظرة مختلفة، خصوصاً أن كل ما يقوم به «داعش» تجاه المسيحيين والأقليات الدينية المختلفة يثير مزيداً من الاتهامات الموجهة إلى الإسلام والمسلمين، خصوصاً في أوروبا وأمريكا. وعلى رغم حكمة واعتدال شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، إلا أنه لم يتم حتى الآن تكفير تنظيم «داعش» وغيره من هذه الجماعات أو اعتبار أفكارها وتصرفاتها خارجة عن الوسطية التي يعرف بها الشيخ الطيب، ولكن يتم الاكتفاء بالرد على الأفكار والفتاوى التي يستخدمها «داعش» لتنفيذ جرائمه، وهو ما يثير علامات استفهام في شأن هذا الموقف غير المبرر من مشيخة الأزهر، خصوصاً أنه إذا وضعنا في الاعتبار أن التنظيم يستغل هذا التسامح المبالغ فيه ويروج إلى أن المعارضين لوجوده هم المخطئون. المتطرفون يستغلون تسامح الأزهر أيضاً في تنفيذ جرائمهم، وهو ما تكرر كثيراً في مصر من خلال تنامي ظاهرة العقاب الجماعي ضد الأقباط، وما أن تظهر إشاعة هنا أو هناك، إلا وتكون النتيجة هي حرق منازل ومتاجر للأقباط بأيدي المتشددين والغوغاء، ثم تلجأ الدولة إلى الجلسات العرفية، وما يترتب عليها من مساومة تكون نتيجتها الضغط على المجني عليهم للتنازل ومنع تصعيد الأمر إلى القضاء. تتم تنحية القانون عمداً، بل في كثير من الأحيان يتم فرض شروط مجحفة في هذه الجلسات من خلال الموافقة على بناء الكنيسة وبشرط عدم وجود صُلبان أو قبة أو غيرها من الأمور الطقسية في العقيدة المسيحية. وهو الأمر الذي تكرر أخيراً في قرية العامرية في الإسكندرية وقرية كوم اللوفي في المنيا، إثر إشاعة تحويل منزل مسيحي إلى كنيسة. يتكرر الأمر من محافظة إلى أخرى والدوافع والأساليب واحدة، والدولة لا تزال غائبة، مع مفارقة عدم رصد أي حالة اعتراض واحدة على بناء ملهى ليلي بمثل حماسة الاعتراض على بناء الكنائس!
وكان من الملاحظ شعور الأقباط بالأمان منذ تولي الرئيس عبدالفتاح السيسي رئاسة البلاد، وتأكيده أن المصريين سواسية، ومبادرته بتهنئة المسيحيين في الكاتدرائية أكثر من مرة، ودعوته إلى تطوير الخطاب الديني في مناسبات عدة. إلا أنني أرصد الآن غضباً مكتوماً داخل نفوس المسيحيين نتيجة تغلب ثقافة التعصب والطائفية على تعاملات المواطنين بعضهم لبعض، ويساعد على ذلك تباطؤ الحكومة في حل المشكلات الطائفية. المسيحيون في مصر، دفعوا ثمن عنف «الإخوان المسلمين»، حيث تم إحراق أكثر من 80 كنيسة عقب أحداث 30 حزيران (يونيو) و3 تموز (يوليو) 2013، واغتيال القسين مينا عبود وروفائيل موسى في العريش.
وعلى رغم ذلك، هناك تلكؤ وتعمد في منع إقرار بناء الكنائس في دور الانعقاد الأول من مجلس النواب (البرلمان) بحسب ما ينص الدستور المصري، بل تتعمد الدولة وضع مزيد من العراقيل على المدة الخاصة برد المحافظ على طلب بناء كنيسة. وعلى رغم تحديد مدة 30 يوماً للبت في كثير من القرارات المختلفة، إلا أن القانون نصَّ على أربعة أشهر مهلة للمحافظ كي يرد على طلب بناء أو ترميم كنيسة، وإذا رفض يمكن لمقدم الطلب اللجوء إلى القضاء، ما يفتح باباً جديداً من التعقيد كان ينبغي إغلاقه وتصحيح مسارات خاطئة طال أمد الشكوى منها. ومن الغريب أن لا يهتم القانون بتقنين أوضاع الكنائس الموجودة والتي لم تحصل على ترخيص، خصوصاً أن غالبيتها أثرية، فمن أين تأتي الكنائس بالأوراق اللازمة لطلب تصريح جديد؟!
تكمن المفارقة هنا في أن الدولة تتفاوض مع رجال الأعمال الذين استولوا على مئات الأفدنة على الطرق الصحراوية لتقنين أوضاعهم، فيما الكنائس؛ وهي أماكن يصلي فيها المسيحيون إلى الله تبارك اسمه، أولى بمثل هذه التسهيلات.
منذ الاعتداءات الطائفية في الخانكة، شمال القاهرة، في العام 1970، وملف بناء الكنائس هو الأبرز في إثارة الأحداث الطائفية، ومع ذلك تبدو الدولة غير جادة في إنهاء هذه الأزمة، من خلال تلكؤ غير مبرر، وتغييب القانون لمصلحة جلسات «الذل» التي يطلق عليها إعلامياً «جلسات الصلح العرفية»، وكأنها تمنح المتطرفين صك ارتكاب جرائمهم ضد المسيحيين.
والحقيقة، أنه وسط الأحداث المؤسفة التي يتعرض لها المسيحيون في الشرق الأوسط، أشعر بمزيد من الحزن تجاه الجرائم التي ارتكبت – ولا تزال- ضد الإيزيديين في سورية والعراق على يد تنظيم «داعش». وعلى رغم اعتراف مجلس الأمن والخارجية الأمريكية ومجلس العموم البريطاني بأن الجرائم التي ينفذها «داعش» ضد الإيزيديين هي جرائم ضد الإنسانية، إلا أن هذا لا يكفي، بل لا بد من ملاحقة قيادات التنظيمات المتطرفة ومحاكمتهم على ما ارتكبوه من جرائم، وتحرير المعتقلين في سجونها، وتعويض أسر الضحايا من ودائع تلك التنظيمات في البنوك.
خلاصة القول... استنكار تلك الجرائم، وحده، ليس كافياً لمواجهتها، وإنما لا بد من ملاحقة الجناة قضائياً وتعويض الضحايا، ووقف نزوح ملايين المسيحيين من بلداننا، عبر توفير الحماية اللازمة لهم، قبل أن يأتي اليوم الذي يتوجه فيه المسيحيون إلى المحكمة الجنائية الدولية ليس لملاحقة عناصر «داعش» وحدهم، وإنما كل الحكومات والأنظمة التي وفرت المظلة القانونية لإفلات الجناة من العقاب.
دراسات تؤكد: مسيحيو
"اضطهاد وسؤال في المصير"

كما نشر المطران بيوس قاشا ببغدا سلسلة مقالات حملت الأولى عنواناً "اضطهاد وسؤال في المصير" والثانية "أصلاء ومستقبل في المجهول" والخاتمة، "مضطَهَدون ومتأصِلون في الرجاء"، ومما جاء فيها: 
ها هو ذا الاجتياح الداعشي يدخل عامه الثالث في سهل نينوى، وفي الوقت نفسه يواصل فيه الإرهاب المزيد من جرائمه البشعة ومحاولاته المتوحشة لكسر إرادة العراقيين وتكريس جراحهم وارتكاب أبشع الانحرافات المدمِّرة ضدهم بعد أن خلّفت هذه الجرائم نتائج غير مسبوقة من القتل والتهجير والاختطاف وتدمير الممتلكات والاعتقال والسبي وإجبار المواطنين على تغيير انتماءاتهم الدينية بما يُرضي نزعته البدائية الضالّة ونسف المعالم الآثارية الحضارية التي يتميز بها تراث وطننا.
نقول: إن الشرق الأوسط -إنْ جاز القول- يشهد احتلالاً من الأصوليين ومن الإرهاب، كما أن المسيحيين في الشرق يواجهون ما هو أخطر من التحديات، إنهم يواجهون أزمة وجود وحضور وضياع، فهل سيصبحون آثاراً أو بقايا أو ذكريات؟... هل تصبح كنائسهم خرباً وتُهدَم بمعول داعش والإرهاب؟... وهل ستسمّى كراسي كنائسنا إنهم على أنطاكيا وسائر الاغتراب أم بابل وسائر الشتات؟... هل سيرحمنا التاريخ حينما يقولون كانوا هنا، لقد مرّوا من هنا؟... وإنْ كانت هذه الحقائق مُرّة في حقيقتها وشؤم في مصيرها فهي حقيقة في واقعها، فمن هنا أقول: إن المسيحيين مسئولون هم أولاً عن مصيرهم قبل كل شيء، هل يؤمنون بأن لديهم رسالة لشرقهم؟... هل هم مستعدون للتضحية أم أنّ قِبْلَتهم الجديدة والمزمَعَة هي الرحيل إلى الغرب وإلى الهجرة حيث أرض الله الواسعة؟، فيزداد القول الذي يؤكد بعدم انتماء المسيحي إلى شرقه وإن هذا الشرق لا يقدم له شيئاً، ففي بلده لا كرامة ولا حرية أو مساواة ولا حتى مستقبل، فقد أصبحنا أقلية وبات الخطر مضاعَفاً علينا من خلال تهجير مبرمج وعبر فرض الشريعة والتعاليم الإسلامية ارتدائياً لأثوابنا ولطبيعة أكلنا وشربنا وغيرها من الممارسات وكأننا نعيش أهل الذمّة.
في الماضي القريب
من المؤكَّد ومن دون شك أن الحملة العسكرية على العراق أدخلت شعوبنا وشعوب الشرق في مرحلة تاريخية جديدة أكثر سوءاً ومأسوية وبشكل خاص ومضاعَف على الأقليات المسيحية، فالاحتلال أجّج النزاعات والاحتقانات الطائفية والمذهبية والصراعات العرقية الكامنة بين شعوب المنطقة وداخل الدولة الواحدة، كما تنامت في ظل الاحتلال بشكل لافت ومخيف الإتجاهات الإسلامية المتشددة والتكفيرية وانتشار المنظمات الإرهابية، كما كان الاحتلال فرصة للإرهاب بدأ يقتل العشرات ويهجّر الآلاف من مسيحيي الموصل وسهل نينوى وكأنه استهداف منظَّم ومن غير أن يكونوا طرفاً في الصراعات المذهبية والطائفية، فهل هناك من وجود مخطط لإفراغ الوطن والشرق والمنطقة من المسيحيين بتعاون محلي وإقليمي ودولي وحاملين مبدأ على أن الصليبية ما هي إلا حملة على الإسلام والمسلمين بمساعدة بعض وسائل الإعلام والفضائيات العربية والإسلامية الرسمية والخاصة والتي أصبحت منبراً مفتوحاً لفقهاء الإرهاب والقتل ولتأجيج العِداء الآيديولوجي ضد المسيحيين؟ وقد ازاد في هذا الاضطهاد الدساتير وقوانين الدول العربية والإسلامية التي تهمّش المسيحيين وشعوبهم وتنتقص من حقوقهم وكأنهم رعايا وليسوا بمواطنين، وفي ذلك كله تتفاقم محنة المسيحيين المشرقيين وتغضّ النظر عن الأعمال الإرهابية ضد المسيحيين، وتساوم على حقوقهم مع قِوى المعارضة الإسلامية، وهذا ما جعل المسيحيين يدفعون أثماناً باهظة جرّاء الاحتلال.
الواقع والاضطهاد
لقد مرّ عامان على إاقتلاع شعبنا من أرض آبائه وأجداده في قرى ومدن سهل نينوى بعمل إجرامي شنيع بلغ درجة الإبادة العرقية والدينية ارتكبته زمر داعش الإرهابية الأجرامية ومثيلاته من المنظمات الإرهابية التي تكفّر الإنسان وكل كائن لا يدين بما تدين ولا يسلم بما تسلم به.
نعم، ونعم وصحيح، حلّ ما حلّ فينا بسبب داعش والإرهاب، ومن عامنا هذا حيث الذكرى الثانية للنزوح البائس وبداية الكارثة بحق وحقيقة، بمآسيها وتبعاتها، ولا زالت تجرّ أذيال اليأس والقنوط حتى الساعة، كما ملكَ القدر الأسود على مسيرة الحياة مما جعلني أعيد ذكرياتي إلى ما حلّ بكنيسة سيدة النجاة وان كان بعض يغنّون باسمها، مصلحةً وجهاراً، ليس إلا!، أما نحن فلها محقّون وما كان اقتحامي إلا لإحصاء عدد الشهداء والضحايا والقتلى-وإلا كيف عرف الإعلام أعدادهم- وكأن الكارثة آنذاك كانت جرس إنذار وناقوس ميعاد لِمَا سيحلّ بالمسيحيين وبالمسكونة  من طرد واضطهاد، وقتل وتهجير، ونهب لأملاكهم، وسرقة لأموالهم، والاستيلاء على بيوتهم، كما تذكرتُ جيداً تلك المخطوطة التي قرأتُها- وهي في حوزتي- والتي تحكي بالوقائع والتفاصيل مذابح تركيا 1915، وما حلّ بهم أيام العصمليّة والإبادة العثمانية، وبعد مائة عام أُعيدت الإبادة- وإنْ كانت الأولى لم يُحكَم عليها بعد- وهذه المرة بتقنية فائقة وبمخطط شيطاني إجرامي بعلم كبار الزمن وتخطيط من أجل مصالح وأهداف لا يدركها إلاّ صنّاع القرار، ويُراد بها رسم خريطة عراقنا والشرق، وأعادوا أعمال العنف والقتل والدمار والنهب والسلب والخطف وتصدير الأملاك وتحقير الكيان بـ "نون" نكرة ليسإلا، ولم نسمع إلا نداءات وبيانات واستنكارات من على المنابر وكما يقول المَثَل "زرعوا ليأكلوا هم"، فحصدونا ضحايا لهم والدول وقانونهم معطَّل بسبب مخططاتهم، وأصبحنا أداة لصنّاع السياسة ولمخططي خارطات الطرق الاستعمارية.
فراغ وضياع
إن عدم إدراكهم (المسيحيين) للمتغيرات الزمنية وتَجَدُّد شكل العالم وبقائهم شكلاً ومضموناً دون الانتباه بحكم تغيير الأزمنة التي هي سُنّة المخلوقات بحيث أصبحت حكايات كبارنا وسياسيّينا ومدرائنا وكلماتهم ونصائحهم حديثاً فارغاً، مُملّة في آذان السامع، من كثرة تكرار مفرداتها خلال عشرين قرناً ولم ينتبهوا إلى مَن الذي يخاطبونه في كل مرحلة خلال هذا الزمن الطويل. هذا ما جعلنا نصل إلى حالة الفراغ والضياع والتساؤل: ما العمل ونحن نعاني سكرات الفناء بل الموت والنهاية والختم بحجر كبير فنحن الآن قومٌ لا وجود لنا، وفي عالم سريع التغيير علينا أن نصحو ونبني الإرادة اللازمة لإعادة العليل إلى حالته الصحية، وهذا لن يتم إلا بقطع حبل السُرّة مع الإدارات الفاسدة والحركات والأحزاب الغير المدركة لحقيقة الوطن، وغير المهتمة للشئون الحياتية لأبناء قومنا والسهر على مصالحهم، وذلك في التحرر من عباءة الإتّكاليين الذين يعتبرون أنفسهم آلهة الزمن وهم ساسة فاسدون، يشترون مناصبهم بحيل ماكرة ومحسوبية مزيَّفة وعنهم كبارنا يبرقون، والطاعة هنا واجب وخنوع، فهم يرون أن قوتهم في غيرهم أو في محتلّهم، والحقيقة هي غير ذلك. فالتعامل بالضمير ليس تعامل المنصّات والمنابر والتهديد والوعيد،وفضح الآخرين وتشويه سمعتهم برسائل لا تليق بمرسليها مكانةً وإدارةً ومركزاً، إنهم فاشلون، وليسوا إلا صوتاً مزّيفاً، عكس يوحنا، فيوحنا كان صوتاً صارخاً في البرية  حيث الصدى إلى مدى غير محدود عكس الأصوات العاكسة من على المنابر. إنها تحولات مرعبة... فما هي القراءة لدى مَن يَدّعون تمثيلنا من مدنيين ودينيين لهذه التحولات على مجمل الساحة الدولية كما في المنطقة عامة؟.لنتعلم ونقول إنه لا يجوز إدانات فقط ولا عدم الاكتفاء بالمناشدة بل بالضغط وبجميع الوسائل السلمية عشائرياً ومحلياً ودولياً بإيقاف كافة المساعدات المالية والعسكرية لتنظيم داعش وسائر التنظيمات الإرهابية والأصولية، وإيجاد طرق حاذقة للوصول إلى مركز القرار لإحقاق حق شعبنا المظلوم ومناشدة الدول الإسلامية إلى عدم تشجيع التيارات الإرهابية والدينية التكفيرية والتي تنادي بالجهاد وتجعل الدين رأس حربة لقتل الآخر المختلف، وتدعوهم بالكفّار، وتفرض عليهم الجزية أو الانتماء أو القتل أو يكونوا من أهل الذمّة لديهم.
لذا علينا أن نرفض هذه المهازل عن طريق جعل المطالبة بحقوقنا الوطنية قبل القومية والدينية هدفنا جميعاً، حتى وإنْ اختلفت نظرة أحدنا إلى المفهوم الوطني والقومي عن الآخر في هذه المرحلة الحرجة خصوصاً لأن مسألة وجودنا أصبحت على المحكّ. لنحدّد مواقفنا ولا نحافظ على عروشنا،لنعرف جيداً أننا ننتمي إلى وطن وليس إلى طائفة أو دين. نحن اليوم لا نحتاج إلى التفاعل العاطفي وكيف إذا كان صوت المؤمن هو صوت الحقيقة!.من المؤسف أن نبيع الوطن أو لا يكون لنا دور وكأننا من المتفرجين.إننا نحتاج إلى مشروع مسيحي ولكن غياب هذا المشروع جعلنا بلا قرار؛ لذا لا يمكن لمسيحيي الشرق أن يبقوا ساكتين وصامتين، ولا نريد أن نجابه العنف بالعنف، نريد أن نعيش مواطنين متساوين بالحقوق، فنحن هذه بلداننا مع إخواننا ونحن حرّاسها، نحن بُناة حضارة المحبة والحياة.

شارك