بعد موسكو وتل أبيب...أنقرة تلوح بتطوير العلاقات السياسية مع دمشق
الأربعاء 13/يوليو/2016 - 09:21 م
طباعة


اردوغان يعيد علاقته بالقيصر
بعد استعادة العلاقات التركية الروسية، وكذلك الاعلان عن تطبيع العلاقات بين تركيا واسرائيل بعد سنوات من التوتر، عادت أنقرة تلوح بفتح صفحة جديدة مع دمشق، بعد عداء دام سنوات عقب الثورة السورية التى اندلعت فى مارس 2011، وما ترتب عليها من تنامى نفوذ تنظيم الدولة الاسلامية "داعش".
من جانبه أعرب رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم عن ثقته باستعادة بلاده علاقتها الطبيعية مع سوريا، ليؤكد حزب العدالة والتنمية لاحقا أن هناك عائقا كبيرا أمام التطبيع يتمثل في بقاء بشار الأسد.
جاءت تصريحات يلديريم في معرض تعليقه على مساعي حكومته لتوسيع دائرة الاستقرار حولها في المنطقة، مؤكدا أن أنقرة "بحاجة" إلى بناء علاقات جيدة مع سوريا والعراق، وأن البلدين بحاجة إلى الاستقرار حتى تنجح جهود مكافحة الإرهاب.
أدلى يلدريم بهذه التصريحات أثناء حديثه عن حاجة تركيا لتعزيز علاقاتها الدبلوماسية في المنطقة، وهي التصريحات التي بثها التلفزيون التركي على الهواء مباشرة.

بن علي يلدريم
قال يلدريم: "سنوسع صداقاتنا في الداخل والخارج، وقد بدأنا في فعل ذلك خارجيا، حيث أعدنا علاقاتنا مع إسرائيل وروسيا إلى طبيعتها، وأنا متأكد من أننا سنعود إلى العلاقات الطبيعية مع سوريا أيضا".
تناول رئيس الوزراء موضوع كابوس الإرهاب وعدم الاستقرار الذي تعيشه سوريا والعراق، معربا عن أمله في ألا تغض الدول الكبرى النظر عن الهجمات على الإنسانية في هذه الدول، مؤكدا أنه "لا بد من إرساء الاستقرار في سوريا والعراق من أجل النجاح في مكافحة الإرهاب". وأكد أن هدف بناء علاقات جيدة مع العراق وسوريا يعد ملحا وضروريا.
ولم يذكر في تصريحاته الأخيرة بصورة مباشرة "جرائم النظام السوري"، ولم يجدد إصراره السابق على ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد قبل استعادة العلاقات الطبيعية بين أنقرة ودمشق،ولذلك اضطر حزب العدالة والتنمية الحاكم للتوضيح أن رئيس الوزراء "صحح" تصريحاته.
وفى هذا السياق قال ياسين أكتاي نائب رئيس حزب "العدالة والتنمية" الحاكم في تركيا والناطق باسم الحزب، إنه لا توجد مشكلة بين الشعبين التركي والسوري، وربط تطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق بإقامة نظام ديمقراطي في سوريا.
اعتبر أكتاي، أن بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم "يشكل عائقا أمام تطبيع العلاقات بين تركيا وسوريا".، موضحا أن بن علي يلدريم صحح أقواله التي أدلى بها خلال اجتماع رؤساء فروع حزب العدالة والتنمية، بالتأكيد على أنه لا يقصد تطبيع العلاقات مع سوريا بوجود الرئيس الأسد".
سبق ليلدريم أن قال "ليست هناك أسباب كثيرة" للدخول في خلاف مع أي من الدول في محيط تركيا، بما في ذلك سوريا ومصر، متعهدا بأن أنقرة ستواصل جهودها لتحسين العلاقات مع الجيران.

انقرة وتل ابيبي..صفحة جديدة
ووعد بأن الحكومة ستعمل على تعزيز علاقات الصداقة وتجاوز العداوة، "من الآن وصاعدا سنعمل على تعزيز الصداقة مع كافة الدول في محيط البحر الأوسط والمتوسط، وسنحاول تقليل الخلافات".
يذكر أن تصريحات رئيس الوزراء التركي تأتي بعد أن أعرب وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف عن تفاؤله من مستقبل حوار موسكو وأنقرة حول سوريا، وحول التأثير الإيجابي لهذا الحوار على الوضع في المنطقة بشكل عام.
وقال لافروف إثر محادثات مع نظيره الأذربيجاني إيلمار ماميدياروف في باكو إن الحوار خلال لقائه الأخير بنظيره التركي حمل طابعا صريحا، وهو ما يبعث على الأمل في تقليص عدد "المواربات" لدى التعامل مع الشركاء الأتراك، مضيفا: "أننا سنحاول العمل بصورة أكثر صراحة للتوصل إلى اتفاقات بشأن تطبيق قرارات مجلس الأمن الدولي والمجموعة الدولية لدعم سوريا".
ويري محللون أن يلديريم يريد بناء علاقات جديدة مع سوريا والعراق وأن ذلك "ملحٌّ وضروري"، لم يذكر هو أو أي من المسؤولين الأتراك ما درجوا على ترديده طيلة خمس سنوات عن "جرائم النظام السوري"، ولم يكرروا إصرار أنقرة السابق على "ضرورة رحيل الرئيس بشار الأسد" قبل استعادة العلاقات الطبيعية مع دمشق.
وأرجع محللون إلى أن هذا التغير يشير إلى عودة تركيا لتقييم سياساتها تجاه سوريا يرجع في المقام الأول إلى التهديدات الكردية، بالإضافة إلى تضرر مصالح تركيا خلال السنوات الخمس الماضية بسبب التشدد في التعامل مع قضية بقاء الرئيس الأسد، فتركيا التي لم تخفِ انزعاجها من "استمرار الدعم الأمريكي والروسي لـ"حزب الاتحاد الديمقراطي" الكردي السوري وذراعه العسكرية "وحدات حماية الشعب" الكردية، باتت كما يبدو ترى في الأسد ضماناً لعدم تهديد الدولة التركية بقيام دولة كردية على حدودها مع سوريا تمتد إلى داخل تركيا، وتتمثل بمنظمة "حزب العمال الكردستاني"، التي تسعى للانفصال بجنوب شرق تركيا، في إطار السعي لإقامة دولة كردستان الكبرى على أراض في العراق وسوريا وتركيا وإيران.
وتمت الاشارة إلى انه من يتابع الصحافة ومراكز الدراسات التركية، وخاصةً تلك المحسوبة على "حزب العدالة والتنمية" والمقربة من أردوغان شخصياً، سيجد الكثير من المؤشرات على التغيرات المتسارعة في مواقف تركيا. لا، بل سيجد تمهيداً مكثفاً لها، ربما بغية تحضير الرأي العام في الداخل التركي، كما في الخارج للخطوات التركية المتسارعة نحو تحقيق المصالحات مع الجيران وعلى رأسهم سوريا.

تراجع التوتر التركى السوري
ويري خبراء أن تداعيات مصالحة محتملة بين الجارتين اللدودتين، سيكون لها وقع الصاعقة على كثيرين ممن أصيبوا بمرض "تضخم الرهانات التركية"، وهم الذين لم يستفيقوا بعد، من صدمة المصالحة التركية مع إسرائيل والاعتذار التركي لروسيا، فهؤلاء الذين راهنوا على أردوغان منقذا أو حليفا عليهم أن يستعدوا للمشهد الجديد، ذلك أن الرجل عُرف عنه مراوغته وسرعة انقلابه حتى على أقرب حلفائه الداخليين.
وتمت الاشارة إلى انه بات أقرب إلى الحقيقة وجود وساطة جزائرية بين البلدين، رغم عدم وجود أي تأكيد أو نفي لها من قبل البلدين، لكن الأنباء، وجميعها من مصادر تركية، تقول إن حكومة العدالة والتنمية طلبت إلى القيادة الجزائرية، بذل مساعيها الحميدة لرأب الصدع الذي باعد ما بين دمشق وأنقرة، وإن الجزائر، التي اشتهرت دبلوماسيتها بدورها الريادي التاريخي في الوساطة وحل النزاعات، استجابت للطلب التركي، وبدأت عملية "جس نبض"، لرسم خريطة طرق معقدة وشائكة، لاستعادة العلاقات بين الجانبين وتطبيعها.
وحسب ما هو واضح للعيان أن تركيا تعرف أن دائرة المصالحات الإقليمية والدولية التي تجهد في إتمامها، لن تكتمل من دون استحداث استدارة في الموقف من الأزمة السورية، وسبب رئيسى من أسباب التوتر في علاقات تركيا الإقليمية والدولية هو موقفها من هذه الأزمة، وفي مقدمة هؤلاء موسكو التي لا تزال تنتظر حتى بعد عودة العلاقات مع أنقرة، أن تغيِّر الأخيرة من موقفها فيما يخص الأزمة السورية، وتغلق حدودها أمام تدفق الإرهابيين والأسلحة قبل أي حديث عن عودة ناجزة ومكتملة لعلاقات البلدين، والأهم من ذلك أن تركيا باتت تدرك، أن ثمة "مصالح مشتركة" تجمعها مع دمشق، مبنية على درء المخاوف والتهديدات الداهمة، سواء من مشروع قيام كيان كردي، يتجه إلى إعادة إنتاج تجربة كردستان العراق أو تحول "داعش" من "مشروع حليف" إلى "تهديد حقيقي"، بعد أن غادر التنظيم مربع "الغموض" في علاقته مع أنقرة، وقرر فتح النار عليها، وعلى أوسع نطاق، وتفجيرات مطار "أتاتورك" كانت إشهاراً للتوجه "الداعشي" الجديد.
ويرصد المحللون تسارع كبير في وتيرة التحولات والاستدارات في السياسة الخارجية التركية، والأبرز فيه اليوم السعي للمصالحة مع دمشق، التي لم تبدِ حتى الآن أي رد فعل على الفعل التركي المستجد. وقد يكون من الصعب عليها قبوله بسرعة، وخاصةً من دون أثمان على الأرض، وتحديداً في حلب المحطة الأبرز في الاشتباك السوري – التركي.