دراسة: أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية متعدّدة الوجوه
الخميس 14/يوليو/2016 - 05:01 م
طباعة

مع الوقت الذي يتوقع فيه انتهاء تنظيم داعش عسكريًّا تظل الدراسات الرصينة حول التنظيم الأشرس مستمرة لمحاولة تفكيك القواعد الفكرية والفقهية له، ومن بين أهم هذه الدراسات تأتي دراسة الباحث حسن حسن زميل مقيم في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، وهو مركز أبحاث في واشنطن العاصمة. شارك في تأليف كتاب "تنظيم الدولة الإسلامية: من داخل جيش الرعب" (ISIS: Inside the Army of Terror)، الذي أدرجته صحيفة نيويورك تايمز ضمن قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، كما اختارته صحيفة تايمز أوف لندن كواحد من أفضل كتب العام 2015، وأدرجته صحيفة وول ستريت جورنال ضمن قائمة أفضل عشرة كتب عن الإرهاب. والدراسة التي نشرها مركز كارينجي للشرق الأوسط بعنوان طائفية تنظيم الدولة الإسلامية: الجذور الأيديولوجية والسياق السياسي تدور حول أيديولوجية تنظيم الدولة الإسلامية متعدّدة الوجوه ولا يمكن أن تُعزى إلى فرد واحد أو حركة أو حقبة واحدة. وبالتالي، يُعدّ فهمُها أمراً ضرورياً لإلحاق الهزيمة بالتنظيم.
ويقول حسن تسعى مختلف القوى في أرجاء منطقة الشرق الأوسط إلى دحر تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على أراضٍ في العراق وسورية في العام2014 . لكن بغضّ النظر عن أداء هذا التنظيم الجهادي على المستوى العسكري، لا تزال أيديولوجيته تطرح تحدّياً على المدى الطويل. فهي متعدّدة الوجوه ولايمكن أن تُعزى إلى فرد واحد أو حركة أو حقبة واحدة. وبالتالي، يُعدّ فهمُها أمراً ضرورياً لإلحاق الهزيمة بالتنظيم.
أيديولوجيا هجينة
يقدّم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه باعتباره ممثّل الإسلام الحقيقي الذي اعتنقته الأجيال الأولى من المسلمين (السلفية)، وهو يستند خصوصاً إلى تيّار متزمّت من السلفية يُعرف بالوهابية.
لكن من الإفراط في التبسيط توجيه اللوم إلى أيديولوجيا بعينها باعتبارها مسئولة عن تطرّف تنظيم الدولة الإسلامية، ذلك أن تطرّفه نتاج تهجين بين السلفية العقائدية وبين تيارات إسلامية أخرى.
يعتمد تنظيم الدولة الإسلامية على كتابات جهادية لمنظّرين يدعمون موقفه، وأخرى لرجال دين لا يؤيدون التنظيم رسمياً. ويتبنّى رجال الدين هؤلاء مجموعة من الأفكار التي تنحرف كثيراً عن إسلام التيار السائد، كما أن العديد منهم ورثة مباشرون للصحوة الإسلامية، وهي حركة فكرية دينية انطلقت بصورة جدّية في سبعينيات القرن الماضي.
مزجت حركة الصحوة بين المفاهيم السلفية وبين أفكار ثورية مستوحاة من الإسلام السياسي بالمعنى الواسع، إلا أنها كانت أساساً تيارات متأثّرة بجماعة الإخوان المسلمين. وقد أدّى هذا التزاوج إلى حدوث انقسامات أنتجت تيارات دينية جديدة لا يمكن التنبؤ باتّجاهاتها.
أفسحت السلفية المُنقادة سياسياً المجال لظهور تيار التكفير السياسي. وتحمل هذه الأيديولوجيا راية الخلافة والجهاد والثورة على الحاكم.
يشكل تنظيم الدولة الإسلامية جزءاً من المدارس والأفكار التكفيرية التي خرجت من رحم تنظيم القاعدة، غير أن الجمود الأيديولوجي للدولة الإسلامية يبدو بارزاً. لذا، يؤدّي رفضه الانصياع إلى خلق ثقافة تكفيرية داخل التيار التكفيري نفسه.
الأيديولوجيا في الممارسة
يروّج تنظيم الدولة لأيديولوجيا سياسية، ولرؤية تصنّف وتكفّر نظرياً سائر المسلمين.
يبرع التنظيم في تنمية واستغلال الانقسامات الطائفية الحاصلة في الشرق الأوسط. ويستخدم الكراهية الطائفية والمفاهيم الدينية لتجنيد أعضاء جدد وتبرير أفعاله، أو لتعزيز التعاطف معه وتحييد القوى التي تنبذه. وقد أثبت التنظيم أنه قوي على وجه الخصوص في المزايدة على تنظيم القاعدة في مايتعلّق بتجنيد أعضاء جدد.
يستخدم التنظيم مؤلّفات رجال الدين لتبرير تكفير المملكة العربية السعودية والحكام المسلمين في أرجاء الشرق الأوسط، ولدعم رفض المؤسّسات والقوى الرسمية.
يقدّم رجال الدين مبرّرات للوحشية التي يمارسها تنظيم الدولة الإسلامية، ولا سيما ضدّ المسلمين الآخرين. كما يورِد التنظيم قصصاً تعود إلى بدايات التاريخ الإسلامي لتبرير ممارساته الوحشية أمام المجنّدين الجدد.
مقدّمة
منذ أن اكتسح تنظيم الدولة الإسلامية مناطق شاسعة في شمال غرب العراق وشرق سورية صيف العام 2014، انطلقت مناقشات حول أصول أيديولوجيته الطائفية الموغِلة في التطرّف في المنطقة وخارجها.1 فقد أطلق سبي مئات النساء الإيزيديات في سنجار،2 وذبح ما لا يقل عن 1500 جندي من الشيعة في تكريت ومئات من رجال العشائر السنّة في سورية والعراق، وقطع رءوس الرهائن الغربيين والمدنيين السوريين والعراقيين، مراجعات ذات سرعان ماتحوّلت إلى لعبة لوم دينية وسياسية.4 وقد لخّص معلّق سعودي على هذا النقاش بدقّة عبر تويتر قائلاً: "إن ما تقوم به داعش هو خلاصة مادرسناه في مناهجنا الدراسية، فإن كانت المناهج سليمة فداعش على حق وإن كانت مخطئة، فمن يتحمّل مسئولية الأجيال؟!"
الجاذبية
إن فهم الجاذبية الأيديولوجية لتنظيم الدولة الإسلامية أمرٌ ضروري لإلحاق الهزيمة به. وقد أكّد كبار القادة العسكريين الأمريكيين مراراً على أهمية الأيديولوجيا في محاربته. قال اللواء مايكل ناغاتا، وهو قائد سابق لقوات العمليات الخاصة الأمريكية في الشرق الأوسط: "نحن لا نفهم هذا التنظيم، ولن نتمكن من إلحاق الهزيمة به إلا حين نفهمه". وأشار قادة ميدانيون يقاتلون تنظيم الدولة الإسلامية في سورية أيضاً إلى أن الأيديولوجيا تعيق الجهود الرامية إلى حشد القوات ضدّه. ويرفض المقاتلون المسلمون غالباً حمل السلاح ضدّ تنظيم الدولة الإسلامية لأسباب دينية، حتى لو كانوا يرفضون الانضمام إليه. وينطبق ذلك بصفة خاصة على الجهود التي تدعمها القوى الغربية. وبالتالي، يمكن للأيديولوجيا أن تترك تداعيات عملية على الحرب ضدّ هذا التنظيم الدولة.
تختلف الآراء حول الجذور الفكرية لعنف وصدامية تنظيم الدولة الإسلامية. إذ يقول البعض إن هذه الجذور تمتدّ إلى الأجيال الأولى من المسلمين.7 ويعزو آخرون صعود التنظيم ووحشيته إلى غزو العراق في العام 2003، ودور إيران المتنامي في دعم الميليشيات الشيعية في المنطقة. ويشير بعض المعلّقين عموماً إلى الإسلام السياسي باعتباره الحاضنة لتعصّب تنظيم الدولة الإسلامية، في حين يقلّصه البعض الآخر إلى مجرّد كيان تحرّك طائفيتَه الانتهازيةُ السياسية التي تؤجّجها القوى السياسية الإقليمية.
الواقع أن أيديولوجيا تنظيم الدولة الإسلامية متعدّدة الأوجه، ولا يمكن أن تُعزى إلى شخص واحد أو حركة أو حقبة واحدة. والاعتماد على عناوين الكتب والمؤلفات التي يستخدمها التنظيم، يمكن أن يشوّه فهم أيديولوجيته، لا توضيحها. من المهم بدلاً من ذلك، أن ندرس عن كثب كيف يختار التنظيم أفكاره ويفهمها ويعلّمها.
لا تؤدّي السلفية والإسلام السياسي وحدهما إلى انتاج عضو في التنظيم، أو يحفّزان على التطرّف. بل على العكس، لدى السلفية والإسلام السياسي ضمانات قد تمنع نوع التطرّف الذي يعتمده تنظيم الدولة الإسلامية. وبالمثل، لا يدفع الغضب السياسي أو الأخلاقي وحده الناس للانضمام إلى التنظيم. فقد ازدهرت الدولة الإسلامية المُعلَنة ذاتيّاً في سياق من القمع السياسي وإخفاقات الحوكمة والتصدّعات الطائفية، غير أن هذا السياق السياسي نفسه يمكن أن يدفع الأفراد، وكثيراً ما يفعل، للانضمام إلى مجموعات متمرّدة ذات آراء معتدلة.
تستطلع هذه الورقة أيديولوجيا تنظيم الدولة وطائفيته في هذا السياق، بالاعتماد على مصادر أساسية وشهادات مباشرة من رجال دين وأعضاء في تنظيم الدولة في سورية والعراق. كما تناقش موضوعات أوسع لها صلة بفكر التنظيم بهدف شرح أصول رؤيته العنيفة والإقصائية. وإلى أن يتم تبديد وهم أن فكر التنظيم يُعزى بصورة مباشرة إلى السلفية، لن يتمكن العالم من فهم سرّ جاذبيته، أو إلحاق الهزيمة به.
الجذور الوهابية للتنظيم
يقدّم تنظيم الدولة الإسلامية نفسه كممثل حقيقي للإسلام كما مارسته الأجيال الأولى من المسلمين، المعروفة باسم السلفية. وتصف العديد من الحركات الإسلامية من مرحلة مأبعد الاستعمار ومرحلة الحداثة نفسها بأنها سلفية، بما فيها الطبعة الرسمية من الإسلام التي تتبنّاها المملكة العربية السعودية المعروفة باسم الوهابية، والتي سُمّيت تيمّناً بمؤسّسها محمد بن عبد الوهاب، وهو رجل دين عاش في القرن الثامن عشر وساعد في تأسيس الدولة السعودية الأولى التي أقامها محمد بن سعود.
الوهابية هي الإرث الفكري لِعالم الدين الإسلامي الذي عاش في القرن الثالث عشر تقي الدين بن تيمية والمذهب الحنبلي، كما فسّرها وطبقها ابن عبد الوهاب وخلفاؤه. ترفض الوهابية، التي تتميز بالتقليدية والحرفية الشديدة، المفاهيم الخاصة بعلم الكلام مثل المقاصد (روح الشريعة)، وهو المبدأ الذي تتمسّك به العديد من المذاهب الإسلامية الأخرى؛ والكلام (الفلسفة الإسلامية)؛ والصوفية (الروحانية الإسلامية)؛ والعلل (دراسة المقاصد الدينية في القرآن والحديث). والمجاز (الاستعارة).