انقلاب تركيا.. هل يعي أردوغان ما سيكون عليه مستقبل الدولة بعد إهانة الجيش؟
السبت 16/يوليو/2016 - 12:23 م
طباعة

بعد أن أعلنت القوات المسلحة التركية إنها سيطرت على السلطة في تركيا ، من أجل حماية النظام الديمقراطي وحقوق الإنسان وتعليق العمل بالدستور وفرض الأحكام العرفية وإن الدولة يديرها الآن "مجلس سلام" سيضمن سلامة السكان، أن الحكومة الحالية أضرت بالنظام الديمقراطي والعلماني و حظر التجول في أنحاء البلاد وإغلاق المطارات.

خرج الرئيس التركى رجب طيب أردوغان فجرا ليؤكد فشل الإنقلاب بعد مدخلات هاتفية مع تلفزيونات العالم تثبيتاً لشرعيته قائلا خلال كلمة ألقاها في صالة الضيافة بمطار اسطنبول " إن المشاركين في الانقلاب سينالون الرد المناسب وسيدفعون ثمن خيانتهم، وأنه لا سلطة تعلو على الإرادة الوطنية و أن المحاولة الانقلابية الفاشلة ستكون فرصة لتطهير الجيش من الإرهابيين والإرهاب وعلى ضباط الجيش عدم القبول برفع السلاح ضد المواطنين الأتراك، لان مجموعة صغيرة هى من تورطت في الانقلاب".
وكانت الأحداث قد بدأت عقب سماع اطلاق نار فى العاصمة انقرة وتحليق طائرات فى سماءها وسماء أستنطبول ليخرج بن علي يلدريم رئيس الوزراء التركي متحدثا عن إن فصيلا داخل الجيش حاول الاستيلاء على السلطة، لكن سيتم دحرهم وإن من الخطأ وصف ما حدث بأنه انقلاب للتولى الاحداث بمعلومات عن اعتقال رئيس أركان الجيش التركي الجنرال خلوصي آكار وإنفجار في مقر القيادة العامة للشرطة في اسطنبول، وسيطرة قوات من الجيش على مقر حزب العدالة والتنمية الرئيسي في اسطنبول ووقف الرحلات من وإلى مطار أتاتورك الدولي وانتشار قوات من الجيش التركي على جانبي البوسفور وقال شاهد من رويترز إنه سمع دوي إطلاق نار في العاصمة التركية أنقرة الجمعة، بينما شوهدت طائرات حربية وطائرات هليكوبتر تحلق في السماء و طائرات هليكوبتر أيضا في سماء اسطنبول أكبر مدن تركيا.

رد الفعل الدولى كان مترددا فى البداية حيث أعلن البيت الابيض أن معاوني الرئيس الأميركي باراك أوباما يطلعونه على تطورات الأوضاع في تركيا، حيث يجري انقلاب عسكري وقال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي نيد برايس إن "فريق الأمن القومي أطلع الرئيس على تطورات الأحداث في تركيا".
من جانبه، دعا وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى تجنب "أي سفك للدماء و إن المشاكل يجب أن تحل بموجب الدستور". من جهتها طالبت الحكومة الألمانية باحترام النظام الديمقراطي في تركيا وحماية الأرواح.
وعلى الجانب الشعبي وضح ان فصيل كبير من الشعب يرفض الانقلاب حيث حيث خرج الشعب التركي في كافة المحافظات التركية استجابةً لدعوة الرئيس التركي "رجب طيب أردوغان" بالنزول إلى الشوارع والميادين لإفشال محاولة الانقلاب التي قام بها مجموعة من الجيش التركي وأجبرت تلك الحشود عناصر الانقلابين الانسحاب من مطار أتاتورك، فيما أكدت الأحزاب السياسية التركية بما فيها المعارضة رفضها لتلك المحاولة وطالبوا الجيش إلى العودة لثكناته وأدانت كل أحزاب المعارضة التركية محاولة الانقلاب وأكّد زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي في اتصال هاتفي مع رئيس الوزراء التركي بن علي يلدرم أن محاولة الانقلاب غير مقبولة، وقال حسب بيان لرئاسة الوزراء التركية إن حزبه يعلن تضامنه مع الشعب التركي وإن محاولة تعليق الديمقراطية وتجاهل الإرادة الوطنية هو خطأ كبير ضد تركيا، وقال: “إن الثمن الذي ستدفعه تركيا سيكون كبيرًا في حال حدوث حرب أهلية. حيث سيحتاج الشعب التركي كل أنواع التدخلات والمخاطرة بوحدتنا وسلامتنا الوطنية”.

ومن جهته، صرح زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو في وقت مبكر من يوم السبت بأن المجتمع يجب أن يبدي رد فعل موحّد ضد أي محاولة انقلاب وإن تركيا “تعرضت للخراب بالانقلابات ولا نريد أن نمر بنفس المشاكل. سنحمي جمهوريتنا وديمقراطيتنا، ونحافظ على التزامنا بالإرادة الحرة لمواطنينا مهما يكن ومن قبل أي كان يجب أن نقف موقفًا مشتركًا ضد الانقلاب كما نقف موقفا مشتركا ضد الإرهاب”.
محللون وخبراء إسرائيليون في الشؤون الأمنية أكدوا على إن هناك العديد من الأمور التي حسمت مصير الانقلاب العسكري وقال الخبير الأمني في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، رون بن يشاي، إن فشل الانقلاب العسكري في تركيا يرجع إلى عدة أمور من بينها ما يلي: -
1- انقسام الجيش، وعدم انضمامه كله إلى الانقلاب، حيث ظل الجزء الأكبر مواليا للرئيس، رجب طيب أردوغان، بل خرجت بعض قوات الجيش للدفاع عنه.
2- بقاء أردوغان حرا، فلو تم إلقاء القبض عليه، لما تمكن من إجراء الاتصالات والتواصل مع الشعب، وإرسال رسائل الاستغاثة لإنقاذة، كما أن قوات الجيش لم تكن لتخرج للدفاع عنه.
3- المفاجأة الكبيرة المتمثلة في قوة الاستجابة لاستغاثة أردوغان، حيث خرج الشعب وواجه قوات الجيش المتمردة، في حين كانت معظم وحدات الجيش لا ترغب في إطلاق النار على الشعب، خاصة عندما شاهددوا أن الحشود كبيرة.

ولكن هل يعى اردغان هذ الدرس الانقلابى للاجابة على هذا التسأل نعود الى تقرير نشر في 31 مارس 2016م حيث نشرت قيادة الاركان التركية بياناً على موقعها الإلكتروني تناولت فيه ما قالت أنّه ادعاءات صحافيّة تطال المؤسسة العسكرية وتتعلق بمحاولة القيام بانقلاب عسكري، وبوجود أفراد داخل المؤسسة العسكرية يتبعون لـ «الكيان الموازي» في إشارة الى حركة فتح الله غولن.
وقد نفى الجيش في البيان بشكل حازم نيّته القيام بانقلاب عسكري في البلاد، مؤكّداً أنّ الجيش التركي ملتزم بدستور البلاد، ويعمل تحت إطاره في كل الظروف الصعبة في مختلف انحاء البلاد من أجل حماية الشعب من المخاطر التي يتعرّض لها كما أكّد البيان على أنّ الانضباط والطاعة غير المشروطة لعناصره وعلى عمله وفق مبدأ التسلسل القيادي، مشيرا الى أنّ هذا ما يمكنّ الجيش بان لا يسمح بأن يتم خرق سلسلة القيادة أو ان تتعرض للخطر.
ولفت بيان قيادة الأركان التركية الى أنّ الادعاءات التي تروّج عن الجيش لها دوافع مختلفة بعيدة عن الواقع، متوعدا بملاحقة قضائية لكل من يتداول ويروّج لمثل هذه الإدعاءات على الرغم من أنّ الجيش لم يحدد في بيانه الادعاءات الصحفية التي كان يردّ عليها، الا أنّه من الواضح أنّ البيان جاء ليرد على نوعين من الادعاءات، الأول يروّج لوجود عناصر تابعة لما يسمى في تركيا الكيان الموازي داخل مؤسسة الجيش تحضّر لانقلاب عسكري على القيادة ، والثاني تحريضيّ يدعو المؤسسة العسكرية الى الانقلاب على السلطة السياسية وإمساك زمام الحكم

وفي 21 مارس الماضي نشر مركز «أميركان انتربرايز انستيتيوت» مقالا لمايكل روبن تحت عنوان «هل سيكون هناك انقلاب عسكري ضد أردوغان؟»، واستفاض مايكل روبن في شرح الأسباب الملائمة للقيام بانقلاب عسكري من خلال تصويره للوضع السياسي والاقتصادي والامني في تركيا بشكل سوداوي، وأن ذلك سيؤدي في نهاية الأمر الى حرب أهلية والى تقسيم تركيا، أشار الى أنّ التحليل يؤكّد أنّه سيكون باستطاعة الجيش أن ينقلب على أردوغان ويضعه ودائرته خلف القضبان، وأن ينجو بذلك دون أي تبعات ومؤكدا على أنّ أحداً في العالم لن يعترض على هذا الامر او يتدخل لحماية أردوغان إن جرى «بدليل ما حصل في مصر، وبدليل ما حصل في تركيا ايضا خلال الانقلابات السابقة».
ولقد أثارت هذه المقالة حالة من الجدل واللغط بين الجمهور التركي، لاسيما في وسائل التواصل الإجتماعي، البعض اعتبرها مؤشراً على وجود شيء ما يعدّ في واشنطن لتحقيق هذا الانقلاب بدليل ان المقال يأتي من هناك، ومايكل روبن ليس مجرّد كاتب فهو مسؤول سابق في وزارة الدفاع الأميركية، ولايزال يلقي محاضرات أكاديمية على العسكريين الذين يتم إرسالهم الى الشرق الأوسط، كما أنّه نشر بعد مقاله هذا مقالين آخرين في 28 و31 مارس يشبّه بأحدهما تركيا بأنّها أصبحت باكستان البحر الأبيض المتوسط، ويقول في الثاني أنّه لا يمكن هزيمة تنظيم «داعش» طالما أنّ أردوغان موجود في السلطة فيما يبدو انّه هجوم ممنهج على السلطة السياسية في تركيا.
البعض الآخر اعتبر أنّها بمنزلة إشارة البدء لعناصر تابعة للكيان الموازي داخل الجيش للتحرك وتنفيذ انقلاب، خصوصاً أنّ راسم أوزان كوتاهايلي (وهو كاتب في صحيفة صباح المحسوبة على الحكومة)، كان قد نشر مقالاً فيها بتاريخ 27 مارس، أي بعد ستة أيام فقط من مقال مايكل روبن، أشار فيه الى أنّ الطيار الذي أسقط الطائرة الروسية تابع لجماعة فتح الله غولن، وأنه فعل ذلك لتوتير العلاقة مع روسيا، لافتاً إلى أنّ هناك تقارير تشير إلى أنّ حوالي %50 من طيّاري مقاتلات الـ«أف – 16» التركيّة ينتمون إلى جماعة فتح الله غولن، وأنّه يجب أن يتم إقصاؤهم خلال اجتماع الشورى العسكري هذا الصيف، وإذا حاول خلوصي اكارد (رئيس هيئة الأركان) النقاش أو المماطلة، فسيتم حمله على تقديم استقالته فوراً.

في تركيا لعب الجيش دوراً هاما للغاية في الحياة السياسية خلال عقود طويلة، وعلى الرغم من الشعبية التي يتمتع بها الجيش فإن التدخل في السياسة كان عاملاً سيئاً ساعد على تدهور وضع البلاد إلى مستوى غير مسبوق، خصوصاً في فترات الانقلابات العسكرية، وان الداعون الى انقلاب عسكري اليوم في تركيا لا يفهمون بأنّ كثيراً من المعطيات التي كانت تتيح للجيش القيام بذلك دون أي عقبات أو عواقب تذكر قد تغيّرت بشكل جذري خلال ما يزيد على عقد من الزمان، لا سيما من خلال التعديلات الدستورية، وأهّما تعديلات عام 2004 و2010 التي مهّدت للكشف عن محاولات الانقلاب التي يقوم بها العسكريون، كما فتحت المجال واسعاً أمام محاسبتهم قضائياً عليها وعلى تلك الانقلابات التاريخية الشهيرة التي قاموا بها سابقاً، مما أدى إلى فتح عدّة قضايا حول التخطيط ومحاولة تنفيذ انقلاب ضد حكومة أردوغان وقد جرى بعد ذلك تغيير تركيبة مجلس الأمن القومي لمصلحة المدنيين وبرئاسة مدني، واتخاذ العديد من الإجراءات التي تقلّم أظافر الجيش وتقلّص دوره الى أقصى حد ممكن في السياسة الى أن تمّ في 17 يوليو 2013، إقرار تعديل المادة 35 من قانون الخدمة العسكرية الداخلي والمتعلقة بدور الجيش في الدستور، والتي استُعملت مرات عديدة لتبرير الانقلابات العسكرية في البلاد بحجّة دور الجيش في حماية علمانيّة البلاد من التهديدات الداخلية، فيما حددت هذه المادة وفق التعديلات التي تمت دور الجيش ومهمة القوات المسلحة بالدفاع عن الوطن والجمهورية تجاه التهديدات والأخطار الخارجية. وقد أنهى هذا التعديل الدور السياسي للجيش وأخضعه بشكل تام للقيادة المدنية السياسية.
يذكر ان لتركيا تاريخ طويل ومرير من الانقلابات العسكرية ففى 27 من مايو 1960 استيقظت تركيا على أول انقلاب عسكري أطاح بالحكومة الديمقراطية المنتخبة ورئيس البلاد الانقلاب الذي جر بعده ثلاثة انقلابات عسكرية أضرّت بالحياة السياسية والاقتصادية بالبلاد، وكبّدتها خسائر غير مسبوقة، وعزّزت الخلافات الداخلية لتسود حالة القمع والظلم كما يصفها المراقبون للشأن التركي.
القصة بدأت حينما قام 38 ضابطا برئاسة الجنرال “جمال جورسيل” بالسيطرة على مقاليد الحكم في البلاد، وأحال الانقلابيون وقتها 235 جنرالا وخمسة آلاف ضابط بينهم رئيس هيئة الأركان إلى التقاعد، كما تم وقف نشاط الحزب الديمقراطي واعتقل رئيس الوزراء “عدنان مندريس” ورئيس الجمهورية “جلال بايار” مع عدد من الوزراء وأرسلوا إلى سجن في جزيرة يصي أدا.
وفي صباح 27 مايو 1960 تحرّك الجيش التركي ليقوم بأول انقلاب عسكري خلال العهد الجمهوري، وتم وقف نشاط الحزب الديمقراطي تلا هذا محاكمة شكلية للرئيس والحكومة، حيث تم سجن رئيس الجمهورية مدى الحياة فيما حكم بالإعدام على مندريس، ووزير الخارجية فطين رشدي زورلو، ووزير المالية حسن بلاتقان، بتهمة العزم على قلب النظام العلماني وتأسيس دولة دينية.
وفي اليوم التالي لصدور الحكم في أواسط سبتمبر عام 1960 تم تنفيذ حكم الإعدام بمندريس ليكون أول ضحايا العلمانيين في الصراع الداخلي بتركيا. وبعد أيام نفّذ حكم الإعدام بوزيريه، ودفنت جثامين الثلاثة في الجزيرة ذاتها حتى التسعينيات حينما جرى نقلها إلى إسطنبول حيث دفنت هناك وأُعيد الاعتبار لأصحابها بجهود من الرئيس الأسبق تورغوت أوزال.
الضرر الذي تسبّب به انقلاب 1960 لم يقف عند هذا الحد فقد فتح الباب أمام “تدخّلات” للجيش في الحياة السياسية، فقد تلا الانقلاب الأول بـ 11عاما وتحديدا في 1971 الانقلاب العسكري الثاني في تركيا ففي 12 مارس 1971 من ذلك العام، حدث ما عرف باسم “انقلاب المذكّرة”، وهي مذكّرة عسكرية أرسلها الجيش بدلا من الدبابات، كما فعل في الانقلاب السابق ثم انقلاب كنعان إيفرين 1980م وهو من أشهر الانقلابات في التاريخ التركي لما تبعها من قمع ودموية أشد من سابقيها كنعان إيفرين وعقب الانقلاب الذي وقع في 12 سبتمبر 1980، جمع الرئيس الراحل إلى جانب مناصبه السابقة، رئاسة مجلس الأمن القومي، ورئاسة الجمهورية التركية وبالدستور الذي قدّم للاستفتاء الشعبي في 7 نوفمبر 1982، أصبح رسميا الرئيس السابع للجمهورية التركية، وذلك في التاسع من نوفمبر من ذات العام، وذلك حتى التاسع من الشهر ذاته
وأثار الركود الاقتصادي موجة من الاضطرابات الاجتماعية والتي تمثّلت في المظاهرات التي تجوب الشوارع، وإضرابات العمال، والاغتيالات السياسية كما تم تشكيل حركات عمالية وطلابية يسارية تعارضها الجماعات اليمينية القومية والإسلامية وقام الجناح اليساري بتنفيذ هجمات تفجيرية، وعمليات سرقة، واختطاف. وعلى الجانب السياسي، عانت أيضا حكومة رئيس الوزراء “سليمان ديميريل”، المكونة من حزب العدالة اليميني المعتدل والتي أعيد انتخابها عام 1969، من المشكل فقد انشق العديد من الفصائل داخل حزبه مكونين مجموعات خاصة بهم، مما أدى إلى الحد من أغلبيته البرلمانية تدريجيا، وبالتالي توقفت العملية التشريعية و بحلول يناير عام 1971، عمّت الفوضى أرجاء تركيا، وتوقّفت الجامعات عن العمل، وقام الطلاب بسرقة البنوك، وخُطِف الجنود الأمريكيون، ومهاجمة أهداف أمريكية محاكين بذلك العصابات في أمريكا اللاتينية، كما تم قصف منازل أساتذة الجامعات اللذين ينتقدون الحكومة وهو العام الذي شهد ثاني انقلاب عسكري بالبلاد.

ولم يختلف الحال في الفترة بين الانقلاب الثاني 1971، وحتى انقلاب كنعان إيفرين في 1980 الذي أعقبه حالة قمع سياسي غير مسبوقة. في 1997 حدث ما سمي بالانقلاب الأبيض على حكومة “نجم الدين أربكان” أو ما يعرف بـ”الانقلاب ما بعد الحداثي” ففي عام 1995 وصل حزب الرفاه و حليفه الطريق القويم إلى السلطة ليصبح الزعيم الإسلامي نجم الدين أربكان رئيسا للوزراء -أول رجل ذي توجّه إسلامي صريح يصل إلى السلطة وهو الأمر الذي أغضب العلمانيين و دعاهم إلى تحريك الأذرع العسكرية ضد الحكومة المنتخبة. انقلابات ليس لها مثيل يقول بعض المختصين بالشأن التركي أن الانقلابات العسكرية في تركيا تختلف عن بقية الانقلابات في العالم الثالث، باعتبار أنها تأتي تحت غطاء صيانة الدستور وحماية مبادئ الجمهورية والقضاء على الفوضى التى تعصف بتلك المبادئ.
وظلّت تركيا طيلة عقود الانقلابات العسكرية تعاني من أزمات اقتصادية حادة، انعكس بدوره على الوضع الاجتماعي ، فنصف مليون شاب تركي يضافون إلى سوق العمل سنويا ، مما زاد بمستوى نسبة البطالة 1-5%. وهو ما أدى بدوره إلى زيادة الهجرة من الريف إلى المدينة لا سيما مدن اسطنبول وانقرة، اللتان شهدتا ارتفاعا كبيرا في عدد السكان 6-7 % سنويا، وكانت لهذه الهجرة القروية انعكاساتها الخطيرة على الوضع الاقتصادي.

خصوصا بعد ارتفاع نسبة استعمال الآلات والمكننة الحديثة في الفلاحة، فانتشرت الأحياء السكنية الفقيرة حول المدن والتي شهدت الكثير من حوادث العنف. ومن أسباب تضرّر الاقتصاد ارتفاع التضخم ليصل سنة 1976 رقم 20% ثم 40% عام 1977 ثم 60% عام 1978. ووصلت نسبة التضخم في فبراير 1980 إلى 137% في حين أخذ مستوى المعيشة يقل تدريجيا. وارتفعت نسبة البطالة إذ بلغ عدد العاطلين حتى عام 1977 أكثر من مليوني عاطل ليرتفع إلى 4 ملايين عاطل في العامين التاليين. وأثقلت الديون الخارجية كاهل الاقتصاد التركي فقد وصلت عام 1970 إلى 2,2 بليون دولار أمريكي وارتفع إلى 12.5 بليون دولار أمريكي في نهاية 1977، وفي عام 1979 وصل إلى أكثر من 15 بليون دولار أمريكي. ومن الأسباب الخارجية أزمة النفط سنة 1973، والتي أضرّت بالاقتصاد التركي، فضلا عن إيقاف استقبال العمال الأتراك في دول أوروبا الغربية. ولكن تركيا ومع وصول حزب العدالة والتنمية للحكم حاكمت قادة الانقلاب العسكرية لما سبّبوه من دمار وتأخّر اقتصادي وسياسي وعلمي لتركيا، كما عزّز الحزب من حقوق المواطن التركي ورفع مستوى معيشته ليصبح دخله من 300-500 دولار ليتجاوز الآن العشرة آلاف دولار، كما تم تعزيز الديمقراطية بالبلاد والحرية السياسية والاجتماعية.