المواقف الدولية من انقلاب الساعات الـ 6 بين "التناقض والترقب"
السبت 16/يوليو/2016 - 04:38 م
طباعة

من الواضح أن الرئيس التركي رجب طيب أردغان لم يدرك بعد أن نجاحه في إحباط محاولة الإنقلاب عليه من قبل بعض ضباط الجيش سوف تخلف أزمة ستستمر لفترة طويلة بين الجيش التركى والنظام الذي يقوده وان المجتمع الدولي الذي تفاوتت مواقفه تعد أكبر دليل على أنه سوف يقف في ساحة المواجهة وحيدا بدون دعم من حلفائه التقليدين وهذا ما تؤكده المواقف الأمريكية المواربة من الانقلاب في تركيا، وحالة من الترقب في موسكو، وخيبة أمل في إسرائيل بسبب فشل الانقلاب.

فمع بدء القوة العسكرية المنشقة، التمدد في الشوارع والمراكز الأساسية، وتشنّ هجومها للسيطرة على الرئاسة، ثم تصدر بياناً تذيله بتوقيع الجيش، وتعلن فيه السيطرة على البلاد، حتى خرج مسئولون أمريكيون، لم يكشفوا هوياتهم، ليصرّحوا بأن الأمور لم تحسم بعد بين قوتين متصارعتين، فيما اكتفى وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالإعراب عن أمل بلاده في استمرار السلام والاستقرار بتركيا.
ماهي إلا ساعتان، حتى عاد وانقلب الموقف رأساً على عقب، بعدما حُسم الأمر لمصلحة القوى الديمقراطية، التي التفّت حولها ودافعت عنها القوى الشعبية والسياسية، وقيادات من الجيش، ليخرج الرئيس الأمريكي باراك أوباما ويعلن دعمه الحكومة التركية "المنتخبة ديمقراطيا"، داعياً في الوقت ذاته إلى تجنب أي "عنف أو سفك للدماء". وقال بيان صادر عن البيت الأبيض، إن أوباما وكيري، اتفقا على ضرورة تحلي جميع "الأطراف في تركيا بضبط النفس وتجنب أي أعمال عنف أو سفك للدماء".
من جهته قال كيري، إنه أكد خلال اتصال هاتفي بوزير الخارجية التركي، مولود جاووش أوغلو: "الدعم المطلق للحكومة المدنية المنتخبة ديمقراطيا في تركيا وللمؤسسات الديمقراطية".
وفي موسكو، وبُعيد إصدار الانقلابيين البيان رقم 1، الذي يعلن السيطرة على البلاد، أطل "دميتري مدفيديف" رئيس الوزراء الروسي، ليشير إلى أن الأحداث الجارية في تركيا تؤكد وجود تناقضات عميقة داخل المجتمع والجيش في تركيا. ومع غلبة كفة الشرعية في تركي، خرج "أليكسي بوشكوف" رئيس لجنة الشئون الدولية في مجلس النواب الروسي (الدوما)، ليعلن أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يمثل السلطة الشرعية في البلاد بالرغم من كل قراراته المثيرة للجدل، مضيفا أن "الشرعية هي سلاح قوي ضد المؤامرة".
من جهة أخرى، وفي الوقت الذي كانت قوات الانقلاب تسيطر على الموافق العامة والمؤسسات العسكرية والإعلامية في البلاد، نقلت وكالة "تاس" الروسية عن مصدر دبلوماسي في بعثة إحدى الدول الأعضاء في الحلف الأطلسي (الناتو)، أن دول الناتو لن تشارك في مواجهة مع القوى الموالية والمناهضة للحكومة التركية داخل البلاد وأضاف المصدر: "التعليق على الوضع الذي يتغير بسرعة شديدة، من السابق لأوانه بعد. نتابع الوضع عبر وسائل الإعلام"، وشكك باحتمال التواصل مع السلطات التركية في الوقت الراهن، لافتا إلى أن "السلطات التركية المعترف بها تعمل حاليا بحل مشاكل أكثر جدية".
وأعرب عن قناعته بأن العسكريين الذين يحاولون الاستيلاء على السلطة في البلاد لن يعرضوا قوات دول الناتو المتمركزة في قاعدة إنجرليك، للخطر.
في إسرائيل، اتسمت تغطية وسائل الإعلام العبرية بنبرة تعكس خيبة أمل عميقة، لما آلت إليه المحاولة الانقلابية الفاشلة في تركيا وقد بدت حالة الارتياح على الإعلاميين الإسرائيليين في البداية، حيث تنافس المعلقون ومقدمو البرامج الحوارية في قنوات التلفزة، في رصد الأسباب التي "تبرر" قيام الجيش بالانقلاب العسكري، زاعمين أن ردة فعل الشعب "المؤيدة" للانقلابيين ستظهر سريعاً. وتحدث موقع "واللا" عن الإجراءات التي سيتبعها الجيش بعد "نجاح" الانقلاب.

وأجمع المعلقون على أنه على الرغم من التزام الحكومة الإسرائيلية الصمت، فإنها ترى أن نجاح الانقلاب يحسن من المكانة الإقليمية والعالمية لإسرائيل وقال المعلق في قناة التلفزة الثانية روني دانئيل: "نحن نعرف لماذا تلتزم إسرائيل بالصمت، لكن القيادة السياسية في تل أبيب تشعر بارتياح كبير لنجاح الانقلاب، على الرغم من اتفاق التطبيع الأخير، إلا أنه لا يساور أحدا في إسرائيل شك بأن أردوغان إسلامي متطرف لن يتردد في المستقبل في التنغيص على إسرائيل".
فيما أعرب الاتحاد الأوروبي عن دعمه الكامل للحكومة المنتخبة ديمقراطيا في تركيا، داعيا العودة إلى النظام الدستوري بأسرع وقت، وجاء ذلك على لسان رئيس المجلس الأوروبي دونالد توسك وقال توسك في بيان له: إن "تركيا هي شريك أساسي للاتحاد الأوروبي"، مشيرا إلى أن الاتحاد الأوروبي "يدعم بشكل كامل الحكومة المنتخبة ديمقراطيا، ومؤسسات الدولة، وسيادة القانون". كما دعت فيديريكا موغيريني، مفوضة الاتحاد الأوروبي لشئون السياسة الخارجية والأمن، في حسابها على "تويتر" إلى احترام المؤسسات الديمقراطية في تركيا.
وكتبت موغيريني، التي تشارك في أعمال قمة "أوروبا - آسيا" في العاصمة المنغولية، تعليقا على الأنباء حول محاولة انقلاب في تركيا: "أنا على اتصال مستمر مع وفد الاتحاد الأوروبي في أنقرة وبروكسل من منغوليا. أدعو إلى ضبط النفس واحترام المؤسسات الديمقراطية في تركيا".

من جانبه قال الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في وقت سابق: إن "تدخل الجيش في شئون أي دولة غير مقبول، ومن المهم أن يتم وبسرعة وبشكل سلمي تأكيد نظام مدني دستوري وفقا للمبادئ الديمقراطية في تركيا وقال "في هذه اللحظة من عدم اليقين في البلاد (تركيا)، أدعو إلى الهدوء ونبذ العنف وضبط النفس والحفاظ على الحقوق الأساسية، بما في ذلك حرية التعبير والتجمع".
فيما أعلنت المملكة العربية السعودية ترحيبها بعودة الأمور إلى نصابها في تركيا بقيادة الرئيس أردوغان وحكومته المنتخبة وقال مصدر مسئول بوزارة الخارجية بأن المملكة العربية السعودية تابعت بقلقٍ بالغٍ تطورات الأوضاع في جمهورية تركيا الشقيقة، والتي من شأنها زعزعة أمنها واستقرارها والمساس برخاء شعبها الشقيق.
وعبر المصدر عن ترحيب المملكة بعودة الأمور إلى نصابها بقيادة فخامة الرئيس رجب طيب أردوغان، وحكومته المنتخبة، وفي إطار الشرعية الدستورية، وفق إرادة الشعب التركي وان المملكة حريصة على أمن واستقرار وازدهار جمهورية تركيا .
فيما أدانت دولة قطر بشدة محاولة الانقلاب العسكري في تركيا، وأكدت تضامن الدوحة مع أنقرة في كافة الإجراءات القانونية التي تتخذها الحكومة التركية الشرعية وقالت الخارجية القطرية في بيان لها إنها تدين وتستنكر محاولة الانقلاب والخروج على القانون وانتهاك الشرعية الدستورية في جمهورية تركيا وأكدت الوزارة تضامن دولة قطر مع الجمهورية التركية الشقيقة في كافة الإجراءات القانونية التي تتخذها حكومتها الشرعية للحفاظ على أمن واستقرار تركيا وشعبها الشقيق.

ودعا البيان إلى ضرورة الحفاظ على الشرعية الدستورية، واحترام إرادة الشعب التركي، ونبذ العنف، وعدم القيام بأي خطوة من شأنها زعزعة الأمن والاستقرار في الجمهورية التركية الشقيقة وفي وقت لاحق اتصل وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو وجدد تضامنه مع تركيا.
فيما أعلنت الحكومة الألمانية على لسان المتحدث باسمها، شتيفن زايبرت، أنه يجب احترام النظام الديمقراطي في تركيا، مضيفا أنه ينبغي فعل كل شيء ممكن من أجل حماية الأرواح.
فيما قالت مصادر اعلامية ان العاصمة السورية دمشق شهدت الليلة احتفالات بعد أن تواردت الانباء عن وقوع انقلاب عسكري في تركيا وقال شهود إنهم سمعوا إطلاق نار في دمشق في ساعة مبكرة من صباح السبت احتفالا بعدما قال الجيش التركي إنه انتزع السلطة من الرئيس طيب أردوغان أحد الخصوم الرئيسيين لرئيس النظام السوري بشار الأسد في المنطقة.
الداعية الإخوانى القطري الجنسية يوسف القرضاوي، قال: "نحن مع تركيا وشعبها الحر؛ لأننا مع الحق والحرية والحكم الديمقراطي، ضد الانقلاب لأننا ضد الاستبداد والتخلف والفساد والحكم العسكري!" على حد تعبيره.
وتحت عنوان "فشل الانقلاب"، غرد الداعية السعودي سلمان العودة: "فقطع دابر القوم الذين ظلموا والحمد لله رب العالمين. ما أسرع فرج الله ! وما أسرع قنوط العباد ودعواتكم بحفظ تركيا من المكر العالمي والصهيوني ومن المتآمرين داخلها، لقد أصبح وجود تركيا القوية الآمنة النامية المحافظة على هويتها مقلقا للأعداء".
مما سبق نستطيع التأكيد على أن المواقف الدولية من الانقلاب التركي تفاوتت في التناقض بين التأييد أو الرفض والترقب لما ستسفر عنه الأحداث، وهو الأمر الذي خيب العديد من الآمال حول مستقبل أردوغان، الذي لم يدرك بعد أن نجاحه في إحباط محاولة الانقلاب عليه من قِبل بعض ضباط الجيش سوف تخلف أزمة ستستمر لفترة طويلة بين الجيش التركي والنظام الذي يقوده، وأن المجتمع الدولي الذي تفاوتت مواقفه يعد أكبر دليل على أنه سوف يقف في ساحة المواجهة وحيدًا.