الولايات المتحدة الأمريكية وحرب "مبادرات" إسقاط الأسد الفاشلة
الأربعاء 20/يوليو/2016 - 03:12 م
طباعة

لم تتوقف الولايات المتحدة الأمريكية منذ بداية الثورة السورية في 15 مارس 2011م عن طرح المبادرات لحل الأزمة السورية والتي كانت تتضمن جميعها إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد، وهو الأمر الذي لم يتحقق على مدار 5 سنوات، مما وصم هذه المبادرات جميعا بالفشل وخرج الرئيس السورى بشار الأسد منها أشد قوة وبطشاً.

مؤخرًا وليس آخرًا عرض وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أمام نظرائه في الدول الأوروبية الرئيسية مسودة الاتفاق الذي حمله إلى الكرملين قبل أيام، وتضمن اتفاقاً بالتوازي الثلاثي بين وقف شامل للنار والتعاون العسكري في محاربة "داعش" و"جبهة النصرة" وإطلاق الانتقال السياسي في سورية وحرمان الطيران وقوات الأسد من حرية العمليات القتالية، بدءاً من أغسطس 2016م، ووضع وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على طاولة كيري وثيقة مبادئ الانتقال السياسي "من دون مستقبل بشار الأسد ووجوب عدم ترشحه ومساعديه المقربين في الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية في منتصف العام 2017".
وجرى التأكيد بالوثيقة على أن تكون مبادئ سورية المستقبلية مستمدة من "بيان جنيف" والقرار 2254 والتي من بينها "سيادة سوريا واستقلالها ووحدتها الوطنية ووحدة أراضيها، وأن تكون "ديمقراطية وتعدّديّة ولا طائفيّة" بموجب بيان المجموعة الدولية لدعم سوريا، إضافة إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية من حكومة النظام والمعارضة ومجموعات أخرىمع ضمان "بقاء المؤسسات الحكومية، بما يشمل القوات العسكرية والدوائر الأمنية مع إصلاحها لتعمل محترمةً حقوق الإنسان والمعايير المهنيّة، وتكون خاضعة لقيادة عليا تكون منبع ثقة للعموم. لكن عدا رحيل الأسد ومساعديه المقرّبين، لن تُفرَض أيّ قيود إضافيّة على تركيبة القيادة العليا".

وأكدت الدول الثلاث على التزام البرنامج الزمني للقرار 2254 للمرحلة الانتقالية لإجراء "انتخابات حرّة ونزيهة تشارك فيها أحزاب متعددة، وبعد وضع الدستور الجديد، لا بد من إجراء الانتخابات خلال 18 شهراً وأنه خلال العملية الانتقاليّة، سيتم تحويل جميع السلطات التنفيذيّة إلى حكومة انتقالية. ومن بين الخيارات الأخرى للقيام بذلك، يمكن اتخاذ تدابير دستورية مرحلية لنقل السلطات من الرئيس إلى الحكومة الانتقالية التي ستعمل مع المجتمع الدولي لمحاربة الإرهاب وأنه لا بدّ أن يكون جميع عناصر الجيش وقوى الأمن خاضعين بالكامل لسيطرة السلطات الانتقاليّة الجديدة، وأن يتم إصلاح القوى التي تُعتبَر الأكثر مشاركةً في أعمال القمع ولا يمكن للأسد أن يشارك في انتخابات خاضعة لرقابة دوليّة، وبالتالي أن يرحل عن طريقها".
وتتضمن المسودة تفاصيل تشكيل "مجموعة التنفيذ المشتركة" في عمان وتركيبتها وعدد الضباط ومسئولي الاستخبارات واللغة المستخدمة وأمور فنية. لكن كان لافتاً ربط الجانب الأمريكي هذا التعاون بالدفع لإطلاق عملية الانتقال السياسي في سوريا، إضافة إلى وضع عمليات قوات النظام تحت "إمرة" مجموعة العمل بحيث تحصل على تفاصيل تحركات الجيش وطيران النظام قبل يوم على الأقل وأي تغيير يحصل على البرنامج اليومي للعمليات البرية والجوية. وجاء في المسودة: "(طيران) النظام ممنوع من التحليق فوق المناطق المحددة التي تتضمن مناطق النصرة أو مناطق بحضور قوي للنصرة أو مناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو تضم بعض عناصر النصرة"، باستثناء عمليات الإخلاء الطبي والعمليات الإنسانية وتحديد مجموعة أهداف للغارات الجوّية التي ستشنّها القوّات الجوّية الروسيّة أو القوات العسكرية الأمريكية وتكون على صلة بعمليّات جبهة النصرة في المناطق المحدّدة، وأنه قبل إنشاء الفريق المشترك لتنفيذ الاتفاق، سيعمل خبراء تقنيّون قادمون من الولايات المتّحدة وروسيا على تسجيل الإحداثيات الجغرافيّة للمواقع التي تمّ تحديدها.

يذكر أن الولايات المتحدة تعمل منذ مايو الماضي لطرح "مبادرات محددة" تستهدف وقف التصعيد في القتال الدائر في سوريا، حسبما قالت الخارجية الأمريكية التي أكدت على أن وقف إراقة الدماء في مدينة حلب على رأس الأولويات، وأن واشنطن تعمل على حث الحكومة الروسية على الضغط على الحكومة السورية لوقف ما تقول إنه قصف عشوائي على حلب.
وقال جون كيربي، المتحدث باسم الخارجية الأمريكية، في وقت سابق: إن وزير الخارجية جون كيري أجرى خلال اليومين الماضيين اتصالين هاتفيين مع ستيفان دي ميستورا، مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا، ورياض حجاب ممثل الهيئة العليا للمفاوضات، التي تمثل عددًا كبيرًا من جماعات المعارضة المسلحة والسياسية السورية، ونعمل على مبادرات محددة لإنهاء تصعيد القتال المتزايد ونزع فتيل التوتر، ونأمل في تحقيق تقدم ملموس بشأن هذه المبادرات قريبًا وأنه في المكالمتين، شدد الوزير على أن الجهود الأولية لإعادة التأكيد على وقف العمليات العدائية في اللاذقية والغوطة الشرقية (في العاصمة السورية دمشق) ليست مقصورة على هاتين المنطقتين وأن المساعي الرامية لتجديد الوقف يجب أن تشمل، بل هي تشمل حلب."
وأضاف: "نعمل على مبادرات محددة لإنهاء تصعيد القتال المتزايد ونزع فتيل التوتر، ونأمل في تحقيق تقدم ملموس بشأن هذه المبادرات قريبا وأنه أوضح لدى ميستورا وحجاب أن إنهاء العنف في حلب والعودة، في نهاية المطاف، إلى وقف دائم وشامل أولوية قصوى".. وتقول الخارجية الأمريكية: إن كيري يسعى، عبر مباحثات سوف يجريها مع دي مستورا، لتجديد اتفاق وقف العمليات القتالية في البلاد التي تمزقها الحرب قبل منذ حوالي 5 سنوات.

هذا التمهيد السابق والمبادرة الحالية ليست الأولى ولن تكون الاخيرة حيث سبق وقال مسئولون أمريكيون وغربيون خلال سبتمبر 2015م: إن وزير الخارجية الأمريكي جون كيري سيحاول طرح مبادرة جديدة للتوصل لحل سياسي في سوريا، ضمن عدة اجتماعات يعقدها في نيويورك ونقلت رويترز عن المسئولون قولهم: "إنه بعد دعم عملية السلام للأمم المتحدة وفشلها في إنهاء الصراع السوري سيختبر كيري عدة أفكار لنهج جديد خلال اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك خلال الأيام المقبلة". وقالت ويندي شيرمان وكيلة وزارة الخارجية الأمريكية وقتها: "إن كيري سيناقش الوضع في سوريا عندما يلتقي مع ظريف في نيويورك، وإن هناك مصالح متوازية، وإن الحلفاء الأوروبيين الذين يشعرون بقلق متزايد من أزمة اللاجئين يدعمون خطط كيري. ونؤيد تمامًا عملية الأمم المتحدة ونتطلع لاستكشاف سبل أخرى، ولكن المبدأ الأساسي بضرورة رحيل الأسد.
هذا التمهيد الأمريكى ثم الإعلان عن المبادرة، سبق ورحب بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قائلًا: "إن موسكو تؤيد مبادرة واشنطن إلى مشروع قرار دولي بخصوص سوريا وتتفق مع أهم نقاطها، إلا أنه لم يستبعد ألا تعجب بعض تلك النقاط الحكومة السورية، ونؤيد بشكل عام مبادرة الولايات المتحدة، بما في ذلك الاقتراح حول إعداد مشروع دولي حول سوريا، وأعتقد أنه بعد أن تتعرف القيادة السورية على نقاط القرار فإنها يجب أن تقبل به، وأن هناك بعض النقاط التي ربما لن تعجبها”.

وشدد بوتين في هذا السياق على أن تسوية أي نزاع مسلح مستمر منذ سنوات، تتطلب دائمًا قبول جميع الأطراف حلول وسط، ونرى أنه اقتراح مقبول بشكل عام، على الرغم من أنه يتطلب مواصلة العمل على صياغته، وأن المبادرة الأمريكية تدل على قلق واشنطن والدول الأوروبية من التطورات الأخيرة في الشرق الأوسط، ولا سيما في اليمن وسوريا والعراق، وأن موسكو ستُسهم بشتى الوسائل في تسوية الأزمة السورية، وستسعى إلى المساعدة في اتخاذ قرارات سترضي جميع الأطراف، وأن بلاده لن تقبل بأن يفرض أحد من سيحكم سوريا أو أي بلد آخر، وموقفنا من ذلك لن يتغير ولا نحتاج في الحقيقة إلى قاعدة عسكرية دائمة في سوريا؛ لأن روسيا تملك قدرات لاستهداف أي موقع في سوريا بإطلاق صواريخ متوسطة المدى.
مما سبق نستطيع التأكيد على أن الولايات المتحدة الأمريكية لن تتوقف منذ بداية الثورة السورية في 15 مارس 2011م عن طرح المبادرات لحل الأزمة السورية، وكانت تتضمن جميعها إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد، وهو ما فرغ هذه المبادرات من مضمونها .