هل ستكون "داعش" و"النصرة" ضحايا الاتفاق "الأمريكي- الروسي" أم الشعب السوري؟
الثلاثاء 26/يوليو/2016 - 05:54 م
طباعة

يشكل الاتفاق "الأمريكي – الروسي" أحد أهم الخطوات التي من المفترض أن تساهم في حل الصراع السورى الذي اندلع منذ أكثر من خمس سنوات ولكن من الواضح أن نوايا الدولتين الكبيرتين غير موجه للحل وإنما موجه لتصفية عنصري تصدير الإرهاب اليهم وهو تنظيم داعش الدموي وجبهة النصرة فرع القاعدة في بلاد الشام حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري.

ففي الوقت الذي تضع فيه كلٌّ من روسيا وأمريكا اللمسات الأخيرة على اتفاق جديد يدعو إلى تعزيز التعاون العسكري بين واشنطن وموسكو ضد تنظيم " داعش وجبهة النصرة" في سوريا، تريد روسيا ممارسة ضغوط على نظام الأسد لوقف قصف المناطق المحررة لتستفيد منها في التفاوض مع الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث أعرب وزير الخارجية الروسي "سيرغي لافروف"، اليوم الثلاثاء 26-7-201م عن قناعته بأن الاتفاقات التي تم توصل إليها مؤخراً مع نظيره الأمريكي جون كيري، من شأنها أن تضمن فصل "المعارضة السورية المعتدلة" عن "جبهة النصرة وإننا بحثنا ما يجب علينا أن نقوم به؛ لكي يبدأ تنفيذ هذه الاتفاقات في إطار عمليات القوات الجوية والفضائية الروسية وسلاح الجو الأمريكي والتحالف الدولي الذي يقوده".
من جهته، أكد كيري وجود خطوات حاسمة بشأن الحل في سوريا ستعلن في الأول من الشهر القادم ولافروف وأنَّا سنلتقي في اجتماعات مقبلة لمناقشة المخاوف من الخطة السورية".
ومن المقرر أن يعقد المبعوث الدولي ستيفان دي ميستورا ونائب وزير الخارجية الروسي غينادي غاتيلوف والمبعوث الأمريكي إلى سوريا مايكل راتني- اجتماعاً ثلاثياً في جنيف يوم 26-7-201م لـ "البناء على التقدم" الذي حصل في المفاوضات الأمريكية- الروسية للتوصل إلى اتفاق عسكري يتضمن وقفاً لإطلاق النار لا يشمل "جبهة النصرة" و"داعش"، مع تعهد موسكو منع الطيران السوري من قصف مناطق المعارضة باستثناء الحالات الدفاعية.

هذا في الوقت الذي أكد مسئول غربي رفيع المستوى قوله: إن "المفاوضات الأمريكية- الروسية تركزت في الأيام الماضية على مسودة الاتفاق العسكري التي سلمها وزير الخارجية جون كيري إلى موسكو قبل أسبوعين، وإنه في حال حصل اتفاق عسكري على خفض العنف، وقف النار لا يشمل التنظيمات الإرهابية ، فسيكون هذا مفتاحاً يمكن البناء عليه في المجال السياسي لاستئناف مفاوضات جنيف بين وفدي النظام والمعارضة لبحث الانتقال السياسي، وإن هناك مصلحة لدى الروس في محاربة جبهة النصرة مقابل وجود مصلحة لدى واشنطن بخفض العنف وقصف قوات النظام للفصائل المعتدلة والتركيز على محاربة جبهة النصرة، وإن أسئلة كثيرة تطرح حول مدى قدرة موسكو على إقناع النظام السوري بالتعاطي الفعلي إيجاباً مع الاتفاق في حال تم إعلانه وقدرة واشنطن على الضغط على حلفائها الإقليميين لإبعاد فصائل معارضة عن "النصرة"، خصوصاً في ريفي إدلب وحلب.
في هذه الأثناء، قالت مصادر في المعارضة: إن دولاً إقليمية جددت في الأيام الأخيرة ضغوطها على قياديين في "جبهة النصرة" لفك ارتباطها بتنظيم "القاعدة"، على أمل فصل غالبية العناصر المحليين الذي يشكلون نحو 90 % عن "المهاجرين"، لتجنب محافظة إدلب مزيداً من القصف، علماً أنها تحت سيطرة "جيش الفتح" الذي ضم "النصرة" وفصائل أخرى منذ ربيع 2015م .

وعلى ضوء المفاوضات بين واشنطن وموسكو، تكثفت اتصالات موازية بين روسيا ونظام والأسد في الأيام الأخيرة، لبحث مسودة الاتفاق الأمريكي- الروسي؛ بسبب اعتراض النظام على ما جاء في المسودة إزاء ضرورة إبلاغ غرفة العمليات بمواعيد تحركات قواته البرية وجدول عملياتها الهجومية، وجاء في المسودة أيضاً: "طيران النظام السوري ممنوع من التحليق فوق المناطق المحددة التي تتضمن مناطق النصرة أو مناطق في حضور قوي للنصرة أو المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة أو تضم بعض عناصر النصرة، باستثناء عمليات الإخلاء الطبي والعمليات الإنسانية". وتوقع المسئول أن "تضغط موسكو على واشنطن لتليين بعض عناصر الاتفاق كي تستطيع تمريرها في دمشق وطهران، إضافة إلى ممارسة روسيا الضغوط عليهما؛ لأنه بات واضحاً أن قوات الأسد والعناصر الإيرانية الموالية لها، لا تستطيع تحقيق مكاسب حقيقية على الأرض من دون الدعم الجوي الروسي، وهذه نقطة نفوذ روسي على دمشق وطهران".
وفي حال أعلن الاتفاق العسكري، يشكل هذا فرصة لإطلاق المسار السياسي مع بقاء الخلاف بين واشنطن وموسكو حول جوهر العملية السياسية بين تمسك الجانب الأمريكي بـ "الانتقال السياسي" يتضمن الحفاظ على المؤسسات السورية مع إصلاحها ينتهي بخروج بشار الأسد، واقتراح الجانب الروسي تشكيل "حكومة وحدة وطنية موسعة" يمكن تسميتها "حكومة انتقالية" ورفض تنحي الأسد وهو ما يشكل اقترابًا إضافيًّا من كيري نحو مقاربة نظيره الروسي سيرغي لافروف بالتركيز على أولوية محاربة الإرهاب والاتفاق العسكري بين الجانبين أولاً ثم بحث العملية السياسية، الأمر الذي سيكون في صلب اللقاء الثلاثي في جنيف اليوم لرمي الكرة في ملعب وفدي النظام و"الهيئة التفاوضية العليا" المعارضة.

وفي السياق ذاته تم الكشف عن أن "الهيئة التفاوضية" تلقت نصائح من حلفائها بضرورة الإعلان فوراً عن تأييد الاتفاق الأمريكي - الروسي في حال إنجازه مع مطالبة موسكو تحسين موقفها وضمان وقف طيران النظام قصف المدنيين ومناطق المعارضة والضغط لفك الحصار وإدخال المساعدات الإنسانية، وكان لافتاً خروج مصدر مسئول في وزارة خارجية النظام ليؤكد أن "النظام مستعد لمواصلة الحوار السوري - السوري من دون شروط مسبقة، إضافة إلى "تنسيق العمليات الجوية المضادة للإرهاب بموجب الاتفاق بين روسيا والولايات المتحدة".
يذكر أن هيئة الأركان الأمريكية قد أشادت في وقت سابق بالتعاون الحاصل بين الولايات المتحدة وروسيا بخصوص الأزمة في سوريا، على لسان رئيس هيئة الأركان الأمريكية الجنرال جوزف دانفورد رئيس هيئة الأركان المشتركة، الذي قال: "إن أي تعاون عسكري مع روسيا سيتضمن إجراءات لضمان أمن العمليات الأمريكية".
وكان وزير الخارجية الأمريكي جون كيري عرض أمام نظرائه في الدول الأوروبية الرئيسية مسودة الاتفاق الذي حمله إلى الكرملين، وتضمن اتفاقاً بالتوازي الثلاثي بين وقف شامل للنار والتعاون العسكري في محاربة "داعش" و"جبهة النصرة" وإطلاق الانتقال السياسي في سوريا، وحرمان الطيران وقوات الأسد من حرية العمليات القتالية بدءاً من أغسطس المقبل، ووضع وزراء خارجية بريطانيا وفرنسا وألمانيا على طاولة كيري وثيقة مبادئ الانتقال السياسي "من دون مستقبل بشار الأسد ووجوب عدم ترشحه ومساعديه المقربين في الانتخابات في نهاية المرحلة الانتقالية في منتصف العام 2017".

مما سبق نستطيع التأكيد على أن الاتفاق "الأمريكي – الروسي" سيشكل أحد أهم الخطوات التي من المفترض أن تُسهم في حل الصراع السورى الذي اندلع منذ أكثر من خمس سنوات، ولكن من الواضح أن نوايا الدولتين الكبيرتين غير موجه للحل، وإنما موجه لتصفية عنصري تصدير الإرهاب إليهم وهو تنظيم "داعش" الدموي و"جبهة النصرة" فرع القاعدة في بلاد الشام، حتى ولو كان ذلك على حساب الشعب السوري ودمائه التي تسيل يوميًّا.