قاتل كاهن فرنسا سوري والذبيح تبرع بأرض الكنيسة لبناء مسجد للمسلمين
الأربعاء 27/يوليو/2016 - 03:11 م
طباعة

نشرت وسائل إعلام فرنسية صورة لمنفذ هجوم كنيسة نورماندي الفرنسية، ويدعى سيد أحمد غلام وله علاقة بالجماعات الإرهابية في سوريا، واعتقل في 2015؛ لأنه كان على وشك تنفيذ هجمات خلال عيد القيامة على إحدى الكنائس في فيلجويف.
العالم كله يشعر بحالة تعاطف كبير وألم وحسرة على النهاية المؤسفة التي انتهت بها حياة الأب جاك -84 عاما- وتتوالي الاستنكارات والتصريحات من كل الأنحاء وقال الفاتيكان: إن "البابا فرنسيس بلغه نبأ ما حدث في فرنسا"، وهو "يشاطر ألم ورعب هذا العنف العبثي"، مع "الإدانة الأكثر عمقًا لكل أشكال الكراهية"، ورفع "الصلاة للمتضررين"، وذلك تعقيبًا على العمل الإرهابي الذي تم بكنيسة في فرنسا، وقتل الكاهن خلال الصلاة. ونقل المتحدث باسم الفاتيكان الأب فيديريكو لومباردي رد فعل البابا، قائلًا "إنه خبر رهيب آخر، يُضاف للأسف إلى سلسلة أعمال العنف"، التي "سببت لنا الاضطراب في الأيام الأخيرة بالفعل، وخلقت فينا ألمًا وقلقًا هائلين".
تابع: "لقد تأثرنا بشكل خاص؛ لأن هذا العنف المروع وقع في كنيسة، وهي مكان مقدس تعلن فيه محبة الله"، والذي "شمل قتلًا وحشيًّا للكاهن والتسبب بإضطرب المؤمنين"، واختتم معربًا عن "مشاعر القرب من كنيسة فرنسا وأبرشية روان، والمجتمع المحلي الذي لحقه الضرر، ومن الشعب الفرنسي بأسره".
هذا وقد تبنى تنظيم "داعش" الهجوم عبر وكالة أعماق، التي ذكرت أن "منفذي هجوم كنيسة نورماندي في فرنسا، هما جنديان من الدولة الإسلامية"، وأنهما "نفذا العملية استجابة لنداءات استهداف دول التحالف الصليبي". وأعلن قصر الإليزيه أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أجرى اتصالًا هاتفيًا بالبابا فرنسيس، أكد خلاله أن فرنسا ستتخذ ما يلزم من تدابير لتأمين الكنائس ودور العبادة على أراضيها، وذلك بعد الهجوم الإرهابي ضد كنيسة بلدة سانت اتيان دو روفري، شمال غرب فرنسا.
ونقل بيان الرئاسة الفرنسية عن هولاند قوله: إنه "حين يتعرض كاهن لهجوم.. ففرنسا كلها هي التي جرحت وسيتم فعل كل شيء لحماية الكنائس ودور العبادة". كما ذكر خلال الاتصال بدور فرنسا في الدفاع عن مسيحيي الشرق، معربًا عن أمله، في هذه الظروف المؤلمة والشاقة، أن تتغلب روح الانسجام على الكراهية.
ودانت الحكومة الأردنية، الجريمة الإرهابية الدنيئة التي ارتكبتها عصابة داعش الإرهابية، في كنيسة بمدينة روان الفرنسية، وأسفرت عن مقتل كاهن، وجرح شخص آخر، إضافة إلى الإرهابيين المهاجمين.
وأعرب مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة عن صدمته عقب الهجوم الإرهابي الذي استهدف كنيسة بلدة سانت اتيان دو روفري، شمال غرب فرنسا، مشيرًا إلى صدمته لتصاعد وتيرة الإرهاب التي تستهدف العديد من الدول في العالم، وخاصة ألمانيا وفرنسا في الأيام الأخيرة.
وقال البيان الصادر عن المجلس: "نود أن نعرب عن تضامننا مع الكنيسة في فرنسا لتعرض واحد من كهنتها للقتل. كما ونرفع صلواتنا لجميع الضحايا ونقف بجانب عائلاتهم وشعبهم. فإبان هذه الأوقات العصيبة، علينا نحن المؤمنون أن نرفع صلواتنا إلى الرب لكي يُبقي جميع الشعوب متحدين من أجل التعاون معاً؛ للتغلّب على كل أشكال الإرهاب، وإلهام قادة العالم على التصرّف بحكمة، والتخلّص من الإرهاب وأسبابه في كل منطقة تعاني منه".
تابع: "من الأرض المقدسة التي ما زالت تعاني من العنف وعدم الاستقرار، نرفع صوتنا ونحثّ على وقف استخدام العنف باسم الدين، واستخدام الدين كمسار لتعزيز الاحترام والتفاهم المتبادل بين جميع الأمم". وختم البيان بالقول: "نعبّر نحن مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأرض المقدسة عن تعازينا للكنيسة والشعب الفرنسي رافعين صلواتنا لكي يحل السلام في جميع أنحاء العالم".
وقال وزير الدولة لشئون الإعلام بالأردن الدكتور محمد المومني: إن مثل هذه الأعمال الخسيسة تعبر عن مدى الفكر الإجرامي لهذه العصابة الإرهابية، مثلما تحاول إثارة الفتنة وإشاعة الفوضى في كل مكان بهذا العالم، مضيفا أن قتل وترويع الآمنين والأبرياء جريمة بحق الإنسانية، وهي أمر محرم في ديننا الحنيف وسائر الأديان السماوية.
وأشار إلى أن مثل هذه الحوادث الإرهابية تؤكد أهمية تكاتف المجتمع الدولي ضد الإرهاب والتصدي له والوقوف أمامه بكل حزم. وقدم المومني باسم الحكومة الأردنية عزاءه لأهالي الضحايا والحكومة الفرنسية، متمنيا الشفاء العاجل للمصابين.كما أدان الأمير الحسن بن طلال، الهجوم الذي استهدف كنيسة في فرنسا في حادثة تبناها تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام، أو ما يُعرف بـ"داعش،" واصفًا ما جرى بأنه "كارثة جديدة تصدم الإنسانية".
واستشهد الأمير في تدوينة له على صفحته بموقع التواصل الاجتماعي، فيسبوك بمقولة البابا فرنسيس الذي وصف مثل هذه الأعمال بـ"العنف الأعمى"، مقدمًا عزائه لذوي ضحايا مثل هذه الأعمال من بلجيكا إلى سان ايتين بفرنسا.
وكان الأمير الحسن قد قال في تدوينة سابقة له مطلع الشهر الجاري: "لا نحتاج إلى المزيد من الإساءة للإسلام والمسلمين باسم الدين. فالإرهاب لا وطن له، ولا ينتمي إلى أي دين أو عرْق أو قومية. ولا بد من الإنصات إلى صوت العقل وحكمة الشورى، ونبذ الحقد والكراهية والفتنة الطائفية، ونشر قيَم الاحترام والأخوة والوحدة، وتأكيد إنسانية الآخر".
وتابع قائلا: "إننا نتطلّع إلى الخطاب المستنير الذي يدعو إلى الإصلاح والتقارب والالتفاف حول الثوابت والاعتصام بحبل الله والتمسك بمبدأ الشورى، الذي يجب أن يمثّل أساسًا للحوار بين أبناء الأمة؛ عربًا وعجمًا؛ سنة وشيعة، لافتا إلى أن "وحدة الأمة العربية والإسلامية وجمْع شملها من جديد سيمكنها من أن تقف سدًّا منيعًا في وجه آلة التوحش التي طالت حرمة الإنسان في غير مكانٍ في شهر الرحمة والمغفرة. أمَا آن الأوان كي نستمع جميعًا إلى خطاب متسامح تملؤه المحبة والمغفرة والأخوة الصادقة بين أبناء الأمة على اختلاف مذاهبهم وانتماءاتهم الثقافية والعرقية؟".
وكانت الكنيسة الكاثوليكية في بلدة سان إتيان روفري التي ذبح فيها كاهنها قد تبرعت بقطعة أرض لبناء مسجد للمسلمين عام 2000. بني المسجد على أرض قدمتها الرعية الكاثوليكية للبلدة، وقد تعرضت كنيستهم لعملية احتجاز رهائن قتل خلالها كاهنها، ما دعا إمام البلدة لاستنكار جريمة ذبح "صديقه" على أيدي شخصين ينتميان لتنظيم "الدولة الإسلامية"، قائلا: إن الجريمة "روعته"، موجها الصلوات إلى عائلة الضحية. وقال الإمام محمد كرابيلا امام المسجد "أنا لا أفهم، كل صلواتنا تتوجه إلى عائلته وإلى الكنيسة الكاثوليكية". مضيفًا "أنه شخص أعطى حياته للآخرين. نحن في حالة صدمة في المسجد". وتابع: "مضى 18 شهرًا وهم يتعرضون للمدنيين، والآن يستهدفون الرموز الدينية ويتذرعون بالدين، هذا غير معقول".
وقال لأب جورج مسّوح ذكّرني ذبح الأب الكاثوليكيّ جاك هاميل (84 عامًا)، باستشهاد أحد كبار آباء الكنيسة القدّيس بوليكاربوس أسقف إزمير، عام 156، الذي استشهد عن 86 عامًا. نعم، ما جعلني أجمع بين الحدثين إنّما هو تشابه عمرَي الشهيدين. كما ذكّرتني جنسيّته الفرنسيّة، من ناحية أخرى، باستشهاد أحد أصدقائي الأب كريستيان شيسيل، ولـمّا يتجاوز الثلاثين من عمره، المهندس الذي ذهب إلى الجزائر مبعوثًا من الآباء البيض للعمل في أحد المراكز الاجتماعيّة، فقتلته إحدى الجماعات الجزائريّة الإسلاميّة المتطرّفة مع ثلاثة من زملائه عام 1994.
ثمّة رواية عن استشهاد القدّيس بوليكاربوس أنشأها شاهد عيان من مؤمني إزمير يشبّه فيها كاتب الرواية استشهاد بوليكاربوس بآلام المسيح وصلبه، فيقول: "وكان يوم الجمعة، وقد قربت ساعة العشاء... وكان في مستطاعه أن يهرب... إلاّ أنّه لم يشأ. بل قال لتكن مشيئة الله". كان الأب جاك هامل في عشاء الربّ (القدّاس)، عشائه الأخير، ولا ريب في أنّ آخر ما قاله قبل ذبحه: "لتكن مشيئة الربّ". ولكن هل حقًّا هي مشيئة الربّ أن يُذبح خادم هيكله؟ مشيئة الربّ أن يحيا الإنسان، لا أن يموت. الموت دخيل على الطبيعة البشريّة، وكلّ دخيل ليس من الله. ليس بالضرورة، إذًا، أن تتمّ مشيئة الله في زمن البشر.
بعد إلقاء القبض على بوليكاربوس وسوقه إلى الموقع الذي قضى فيه، طلب منه جلاّدوه أن يجحد إيمانه ويلعن المسيح، فأجاب بتنهّد عميق وهو يشير إلى الجماهير وينظر إلى السماء: "إنّ لي ستّة وثمانين عامًا في خدمة المسيح، ولم يسئ قطّ إليّ. فكيف يسعني أن أجدّف على ملكي ومخلّصي؟". جاك هامل الذي قضى أربعة وثمانين عامًا في خدمة المسيح، مثله كمثل بوليكاربوس، لن ينكر المسيح بعد هذه السنين الطوال، ولن يسلمه إلى الصلب، بل يذهب ليُصلب معه.
ماذا كانت ردّة فعل الجماهير؟ "إذا بعجيج الجماهير يعلو طالبًا قتله: هذا هو معلّم آسية، أبو المسيحيّين، هادم آلهتنا". هنا أيضًا تأتيني إلى الذاكرة حادثة استشهاد القدّيس يوسف الدمشقيّ، واسمه الأب يوسف مهنّا الحدّاد، ضحيّة المجازر الطائفيّة التي حدثت في دمشق في العاشر من تمّوز عام 1860. وتقول سيرته، التي حقّقها الأرشمندريت توما بيطار في كتابه "القدّيسون المنسيّون في التراث الأنطاكيّ"، إنّ أحد قاتليه صرخ حين رآه: "هذا إمام النصارى، إذا قتلناه قتلنا معه كلّ النصارى".
قتلة الشهيد بوليكربوس، وقتلة الأب يوسف الدمشقيّ، وقتلة الأب فرانس فاندرلخت (76 عامًا) الذي اختار حمص موطنًا واستشهد فيها عام 2014، وقتلة جاك هامل يجهلون أنّهم لا يستطيعون القضاء على "النصارى" إذا قتلوا إمامهم. فاليهود، قتلة المسيح، ظنّوا أنّهم بصلبه سينقذون أمّتهم وينهون رسالته، وقال زعيمهم: "خير أن يموت واحد (المسيح) عن الأمّة"، وخاب ظنّه. فصلب المسيح لم يمنع المسيحيّة من أن تنتشر إلى كلّ أطراف المسكونة.
هؤلاء هم المسيحيّون الحقيقيّون، الذين يثبتون إلى المنتهى على إيمانهم، ويقدّمون ذواتهم فداءً عن أحبّائهم، أي عن كلّ العالم. هؤلاء هم المسيحيّون الحقيقيّون الذين لم يخونوا رسالتهم ومبادئهم، لأيّ حجّة كانت، فتشبّهوا بالمسيح معلّمهم الوحيد، وحملوا صليبهم وتبعوه، ومشوا على خطاه درب الجلجلة، وقُبروا معه، وقد قاموا معه. زمن الشهداء الحقيقيّين، شهداء السلام والمحبّة والرجاء والإيمان، لم ينقضِ ولن ينقضي قبل أن يتوب العالم كلّه إلى وجهه تعالى.