الخطبة المكتوبة: تحقيقات مع الأئمة وصراع الأزهر والأوقاف والبرلمان يحاول الحسم
الخميس 28/يوليو/2016 - 03:14 م
طباعة

في أولى تداعيات عدم الالتزام بالخطبة المكتوبة قرر الدكتور خليفة الصغير وكيل وزارة الأوقاف بالغربية، إحالة الشيخ عبد السلام محمود جمعة مدير إدارة أوقاف طنطا ثان وجميع المفتشين بالإدارة إلى التحقيق العاجل وتوقيع الجزاء المشدد لمخالفتهم التعليمات بشأن الخطبة المكتوبة.

وكان وكيل وزارة الأوقاف قد دعا مديري الإدارات الفرعية بالمراكز المختلفة لعقد اجتماعات مع الدعاة وخطباء المساجد لشرح فكرة الخطبة المكتوبة والتي من المقرر تطبيقها بداية من غد الجمعة وتوضيح إيجابياتها لإقناعهم بها دون إجبار لأحد منبهًا بعدم الضغط عليهم، إلا أن مدير إدارة ثان طنطا ومفتشي الإدارة لم يلتزموا بذلك حسب تصريحات وكيل الوزارة وتم التنبيه على الخطباء بضرورة الالتزام بالخطبة المكتوبة خشية تحويل المخالفين للتحقيق وهو الأمر الذي تسبب في حدوث حالة من البلبلة واستياء بين الدعاة وتقدموا بمذكرة لوكيل الوزارة الذي أحال بدوره الأمر للتحقيق وإخطار الوزارة لاتخاذ الإجراءات اللازمة.
من جانبه، أكد وكيل وزارة الأوقاف بالغربية، أنه سيتم عقد مؤتمر صحفي بديوان عام محافظة الغربية اليوم الخميس لشرح وتوضيح رؤية الوزارة وموقف المديرية، مؤكدًا أن الأمر ما زال اختياريًّا وليس إجباريًّا.
وقال الشيخ عبد السلام جمعة مدير الإدارة، إنه لم يجبر أحدًا على القراءة من الورقة وإنه التزم بتعليمات الوزارة وعقد اجتماعًا قال فيه للأئمة أن الأمر اختياري بين القراءة من الورقة أو الارتجال، خاصة للخطباء من كبيري السن القدماء، وإن أحد الأشخاص المعاقبين من الأوقاف زور محضر الجلسة وأرسله لوكيل الوزارة الذي اتخذ قراره السابق بناء على المحضر المزور.
وقد مثلت خطبة الجمعة قلقًا وتوترًا في وزارة الأوقاف طوال شهور وأعوام مضت؛ بسبب كثرة عدد المساجد والزوايا وامتدادها الجغرافي، وتنوع الخطباء واختلاف توجهاتهم، ما سمح أحيانًا بسيطرة خطباء متشددون أو معادون للدولة؛ مما دفع الوزارة إلى البحث عن أبواب ومنافذ لإحكام سيطرتها على منابر مصر، ولم تجد حلًّا في الفترة الأخيرة إلا الاتجاه إلى تعميم خطبة مكتوبة على الأئمة والخطباء، ملزمة لهم على اتساع مصر وتعدد منابرها، وهو ما أثار قدرًا كبيرًا من الجدل خلال الفترة الأخيرة، وفتح بابًا للصراع بين المؤسسات الدينية، ودخل البرلمان على خط الخلاف في وقت لاحق.
كانت بداية الخلاف مع إعلان وزارة الأوقاف عن إلزام الأئمة بنص الخطبة، وهو ما أثار حوارًا واسعًا في لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب، أكد الوزير خلاله أنها مجرد تجربة استكشافية وليست ملزمة في الوقت الحالي، قبل أن يعود مسئولو "الأوقاف" للتأكيد على إلزامية الخطبة المكتوبة، ما أثار هيئة كبار العلماء التابعة للأزهر الشريف، والتي قررت بإجماع آراء الأعضاء رفض الخطبة المكتوبة، وعادت اللجنة الدينية للدخول على خط المواجهة، فأعلن عدد من النواب دعمهم للخطبة، مؤكدين أنها تجربة تحتمل النجاح أو الفشل.

وفي البداية، قال النائب عمر حمروش، أمين سر لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: إن اللجنة استدعت وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة، وتناقشت معه بشأن الخطبة المكتوبة، ليخرج بيان من اللجنة بهذا الشأن، مشيرًا إلى أن تلك الفترة تمثل مرحلة دراسة وتجربة للخطبة المكتوبة دون إجبار للأئمة والخطباء، وأن اللجنة قررت دراسة الإيجابيات والسلبيات حول التجربة، وإذا كانت الإيجابيات أكثر فسيتم تطبيقها، وإذا كانت السلبيات أكثر فسيتم الاستغناء عنها.
وأضاف "حمروش" قائلاً: "أنا شخصيًّا مقتنع بالخطبة المكتوبة؛ لأنها تقينا شر الفتن، من خلال عدم إطالة وقت الخطبة، أو تحويلها إلى وجهة متشددة أو سياسية، خاصة أن الدولة تواجه الفتن في الفترة الأخيرة، ولا بد من أن نكون يدًا واحدة في مواجهة تلك الفتن".
وأشار "حمروِش"، إلى أن هيئة كبار العلماء بالأزهر الشريف لها كامل احترامها وتقديرها، وقرارها بشأن رفض الخطبة المكتوبة؛ حيث إن رأيها استشاري، ووزارة الأوقاف هي المسئولة والمعنية بهذا الموضوع، وبأمر المساجد والخطابة والدعاة أمام الدولة.

وفى السياق ذاته، قال النائب شكري الجندي، عضو لجنة الشئون الدينية بالبرلمان: إن قرار هيئة كبار العلماء الرافض للخطبة المكتوبة، التي أعلنت عنها وزارة الأوقاف مؤخّرًا، يدل على أن مصر في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي تتجه في مسارها الصحيح على طريق الديمقراطية الحقيقية، وأنها بالنسبة لموضوع الخطبة المكتوبة لا تسير بالتوجيهات، سواء من جانب الرئيس أو من الجهاز الأمني، كما أشاع المغرضون وبعض جهات الإعلام الخارجية.
وأضاف "الجندى": "مصر في عهد الرئيس السيسي تتمتع بمساحة كبيرة وغير مسبوقة من الحرية، والدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، حسم أمر الخطبة المكتوبة، حينما قال من قبل إنها ليست فرضًا، والوزارة أقرتها ليهتدي بها الأئمة"، موضّحًا أنه تقدم باقتراح لتوحيد موضوع الخطبة وليس نصّها، مع التزام الأئمة بالحديث في صحيح الدين، دون تشدد أو فتنة، وأن هذا الاقتراح صادف قبولاً كبيرًا لدى السواد الأعظم من أعضاء لجنة الشئون الدينية بالبرلمان.
وأكد "الجندي"، أن الدكتور محمد مختار جمعة، أفاد في اجتماعه مع اللجنة بأن الخطبة المكتوبة عبارة عن تجربة قابلة للنجاح أو الفشل، وإذا فشلت وتم رفضها فسيتم الاستغناء عنها.

من جانبه، قال النائب محمد شيمكو، عضو لجنة الشئون الدينية بمجلس النواب: إن الخطبة المكتوبة ضرورة، نظرًا للاعتراضات الكثيرة التي ظهرت على مستوى بعض الأئمة، فضلاً عن ضعف الخطبة التي يلقونها، متابعًا: "طالبنا كثيرًا بتطوير الخطاب الديني، والخطبة المكتوبة تهدف لتطوير الفكر عند الأئمة، وتطوير مستوى الخطابة يحتاج إلى وقت، ولحين تطوير المستوى من الممكن اللجوء لتطبيق الخطة المكتوبة.
وأضاف "شيمكو": "تطوير وتصحيح المفاهيم الدينية يحتاج وقتًا، وتحديد موضوع الخطبة، من خلال بحث متطلبات المجتمع، أمر جيد، وهذه الخطوة لا تمنع الاجتهاد، بل تضع الخطوط الرئيسية العريضة، وتحدد الأحاديث النبوية الشريفة التي يمكن للدعاة والأئمة الاستعانة بها، بعد بحث مدى صحة تلك الأحاديث، حفاظًا على حق المواطنين في المعرفة السليمة، والمؤكد أن الخطبة المكتوبة ستكون لفترة مؤقتة لحين تطوير الخطاب الديني".
وتابع عضو لجنة الشئون الدينية القول: "أعتقد أن موضوع الخطبة الجمعة المقبلة سيكون عن النظافة، وتقويم سلوك المواطنين واختيار الألفاظ، وهذا شيء جيد، ولا يمكن لأحد الاعتراض على تلك الموضوعات، مؤكّدًا أن حق الاعتراض مكفول حينما يتم تحديد موضوع سياسي للخطبة، أو التمجيد والتفخيم في الحكومة".
وانتقد "شيمكو" وضع مدة محددة لخطبة الجمعة، قائلاً: "اختلاف أساليب الدعاة في إلقاء الخطبة يُحتّم عدم وضع مدة محددة لها، فضلاً عن اختلاف درجة استيعاب المواطنين للخطبة، فالخطبة في المهندسين تختلف عن نظيرتها في بولاق أو غيرها من المناطق الشعبية".

وبعيدًا عن البرلمان قد هاجم الشيخ حافظ سلامة، قائد المقاومة الشعبية بالسويس في حرب أكتوبر 1973، وزير الأوقاف بسبب الخطبة المكتوبة، قائلًا: "إن هذا الصراع وتلك المهاترات التي تفاجئ المسلمين في هذه الأيام من إسراف وزير الأوقاف ومن خلفه من رؤسائه وتحدياتهم بما أجمع عليه رأى هيئة كبار العلماء فيما استحدثه وزير الأوقاف بغير سابقة له من عمل رسول الله – صلى الله عليه وسلم- ومن خلفه إلى عهدنا هذا والرسول - صلى الله عليه وسلم- يقول: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد). وأكد حافظ سلامة في بيان له صدر اليوم الخميس، أن العالم فوجئ بهذا الصراع الذي أشعل شرارته وزير الأوقاف ومن خلفه بهذا الرأي المبتدع وكأن الإسلام هو بوحى وزير الأوقاف ومن خلفه، وكأن الإسلام بعد حوالى خمسة عشر قرناً من الزمان كان في حاجة إلى رأى وزير الأوقاف ومن خلفه. ووجه سلامة رسالة عبر البيان لـ وزير الأوقاف: "يا سيادة الوزير أفصح عما وراءك والمحرضون لك لتشويه صورة الإسلام بعد مضى حوالى خمسة عشر قرناً من عهد رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إلى يومنا هذا". وأضاف سلامة، يا سيادة الوزير اتق الله واعلم علم اليقين أن لك يوماً لا بد لك فيه من عمل تلقاه في يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم. وتابع سلامة موجة حديثة لـ وزير الأوقاف، إنك بهذا العمل المبتدع ستفرق كلمة المسلمين وتشجعهم على هجر المساجد وتضرب الناس بعضهم ببعض الأمر الذي حذر منه الشرع الحنيف قال تعالى على سبيل الاستفهام الذي يراد به النفي (ومَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى في خَرَابِهَا أُوْلَـئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ في الدُّنْيَا خِزْى وَلَهُمْ في الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ).