"جبهة فتح الشام" وجه آخر "للقاعدة " أم تنظيم محلي جديد في سوريا؟

السبت 30/يوليو/2016 - 01:05 م
طباعة جبهة فتح الشام وجه
 
شَكَّل الظهور الرسمي لأبو محمد الجولاني الحسم النهائي لفك ارتباط قاعدة الجهاد في بلاد الشام المعروفة اختصارًا "جبهة النصرة" عن تنظيم القاعدة الأم ولإعلان اسم تنظيم ليس بوليد ولكنه جديد تحت اسم مختلف وهو "جبهة فتح الشام"؛ الأمر الذي يفتح مجالًا واسعًا للعديد من التساؤلات حول هذا التوقيت بالتحديد، ولماذا تم الكشف عن وجه الجولاني الآن؟ وأي وجه هو الذي تعدّ له "جبهة النصرة" سابقاً، و"جبهة فتح الشام" لاحقاً، في مسار عملها على الأرض السورية؟ وماذا يعني فك الارتباط بين الجبهة وتنظيم القاعدة؟ 
جبهة فتح الشام وجه
فهذه الأسئلة وكثير غيرها لا تزال تدور في أذهان من تابعوا التحولات السريعة على الساحة السورية في الساعات الماضية تحوّلات لم تعد تدور فقط في الفلك الميداني، والذي يشهد تقهقراً لقوات المعارضة في ظل تقدم قوات روسيا والنظام، بغطاء أمريكي بعد التفاهمات التي أبرمها وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، مع نظيره الأمريكي، جون كيري، بل من الواضح أنها دخلت إلى الجانب السياسي، وسط حديثٍ عن صفقاتٍ يجري الإعداد لإخراجها، قد لا يكون ظهور الجولاني، وقرار فك ارتباطه بالقاعدة، في هذا الوقت بعيداً عنها. 
في هذا الإطار، يمكن النظر إلى المسارعة الأمريكية إلى التأكيد على أن تغيير اسم جبهة النصرة لن يزيلها عن القوائم الأمريكية للإرهاب، في إشارةٍ ضمنيةٍ إلى أن التغيير الذي أعلن عنه الجولاني، يصبّ في هذا الاتجاه، ويسعى إلى حفظ مكان للجبهة، بغض النظر عن اسمها، في التركيبة السورية الجديدة تغيير الاسم وفك الارتباط مع "القاعدة" خطوةٌ أولى في هذا المجال، وخطواتٌ لاحقة ستتبعها للحاق بالمتغيرات السياسية والميدانية في سورية، والأمر الثاني الملفت في هذا السياق إشارة الجولاني في ظهوره إلى عدم ارتباط الجبهة بأي جهةٍ خارجية وهو كلام، في بادئ الأمر، يمكن اعتباره إشارةً إلى العلاقة مع تنظيم القاعدة وفك الارتباط به. لكن، يمكن أن يفسر على نحو أوسع، أي أن فك الارتباط لا يقتصر على "القاعدة"، وأصبح شاملاً الأطراف الأخرى التي تربطها علاقة بـ "الجبهة السابقة" وكأن الجولاني يحاول التلميح، عبر الكلمة المقتضبة التي ألقاها، إلى أن الجبهة باتت منفتحة على ارتباطاتٍ خارجيةٍ جديدة، وباتت متحللةً من كل تحالفاتها السابقة، خدمةً للأهداف التي أعلنها الجولاني في كلمته، وهي "تحقيق الأمن والأمان والاستقرار والحياة الكريمة لعامة الناس، والتوحد مع الفصائل المعارضة لرصّ صفوف المجاهدين، وتحرير أرض الشام، والقضاء على النظام، وأعوانه".
جبهة فتح الشام وجه
أيضاً، لا بد أن يحيل ظهور الجولاني وكلامه إلى ما راج سابقاً عن محاولات تلميع جبهة النصرة، وتقديمها طرفاً معتدلاً في المعادلة السياسة السورية، ويمتلك قوةً لا بأس بها على الأرض وهذا الكلام ظهر قبل سنة، ومع ظهور صوتي للجولاني على قناة الجزيرة في مقابلة مع أحمد منصور، وكانت التوقعات حينها بأن يعلن فك الارتباط عن "القاعدة"، في إطار هذه الخطة، غير أن من الواضح أن الأوان، في ذلك الوقت، لم يكن مناسباً لمثل هذه الخطوة، خصوصاً أنه لم تكن هناك ملامح تنبئ بإمكان وصول القطبين الدوليين المؤثرين في سوريا، أي الولايات المتحدة وروسيا، إلى ما يشبه التفاهم على مصير النظام ومرحلة سورية الجديدة.
فما كان غير مناسبٍ في السابق لم يعد كذلك اليوم، على الأقل هذا ما يبدو أن "النصرة" أو "فتح الشام" تراه، وهو أيضاً ما بات يمكن استشعاره لدى كل الأطراف السياسية في سورية، الموالية والمعارضة وما كان غير ذي جدوى في السابق، ربما يرى فيه الجولاني فرصة للحاق بركب المسار الجديد، وإعادة إحياء الفكرة السابقة المتعلقة بتقديم الجبهة شريكاً معتدلاً يمكن الركون إليه وعلى هذا الأساس، كان لا بد من الظهور المرئي الأول، وعدم الاكتفاء بالرسائل الصوتية وهو ظهور يقدّم الصورة والصوت لمن يريد أن يكون شريكاً في المرحلة الجديدة وبالتالي فإنه لا زالت هناك تخمينات وتحليلات إضافية يمكن أن تُساق في إطار محاولة تفسير ظهور الجولاني وإعلانه المفاجئيْن، وعلى الرغم من أن لا جواب حاسماً يمكن أن يصدر حول هذا الأمر، إلا أن من المؤكد أنه غير اعتباطي، ومرتبط بمشهدٍ جديدٍ يتشكّل في سورية والمنطقة. 
جبهة فتح الشام وجه
عبد الباري عطوان الصحفي والمحلل السياسي أرجع الانفصال وأسبابه وتداعياته إلى ما يلي: 
1- أن قرار الانفصال ليس إرادة أبو محمد الجولاني زعيم تنظيم "جبهة النصرة" وإنما هي نتيجة ضغط الدول التي تدعم "جبهة النصرة" فالداعمون يريدون اليوم تبرئة أنفسهم من تهمة الإرهاب وتهمة دعم جماعة تنتمي لتنظيم "القاعدة" في سوريا، لكن التغيير في تقديري هو تغيير في الاسم وليس تغييرا في الجوهر، ولقد شاهدنا أبو محمد الجولاني في إطلالته الأولى على التلفزيون وهو يرتدي نفس الزي العسكري الذي كان يرتديه بن لادن وفي ذلك إيحاء بأنه ما زال يسير على خطى "القاعدة" شكلًا ومضمونًا وربما لم يقنع هذا التغيير الكثيرين سواء الأطراف التي تحارب الإرهاب أو حتى الأطراف في جبهة المعارضة السورية.
2- جبهة النصرة" استمدت أهميتها من كونها امتدادًا "للقاعدة"، فهناك أكثر من ألف تنظيم مسلح على الساحة السورية منذ بدء الأزمة والنصرة تميز عنها لأنه تنظيم ظل يحمل اسم تنظيم "القاعدة" وإرثه الممتد على أكثر من 20 عام وفك الارتباط مع القاعدة اليوم سيضعف "جبهة النصرة" ويقوي تنظيم "داعش" وسيجعل من "جبهة النصرة" واحدة من التنظيمات المقاتلة المتعددة في الساحة السورية، وسيتخلى عنها الكثير من الأنصار والداعمين وربما سيؤدي لحدوث انشقاقات فيها ورحيل العديد من مقاتليها نحو تنظيم "الدولة الإسلامية" الذي يتزعمه أبو بكر البغدادي.
3- الواقع الدولي المتغير؛ حيث تعتبر روسيا "جبهة النصرة" جماعة إرهابية والولايات المتحدة وضعتها أيضًا على قائمة التنظيمات الإرهابية، إلا أن حلفاء "النصرة" في الخليج وبالذات في السعودية وقطر أصروا على أن "جبهة النصرة" ليست إرهابية وهم اليوم مستعدون لتغيير خطها الأيديولوجي لإثبات ذلك؛ بحيث تعلن تخليها عن تنظيم "القاعدة" وانتماءها إليه، وقد بدأ هذا التوجه يؤثر على الجانب الأمريكي؛ لأن النصرة تعتبر أقوى التنظيمات على الأرض بعد تنظيم "الدولة الإسلامية" ما يسمح لها باستخدامها في الحرب ضد النظام السوري الآن. ويذكر أن "جبهة النصرة" انضمت سابقًا إلى الهيئة العليا للمفاوضات في الرياض ثم تراجع الجولاني في اللحظة الأخيرة وانسحب من هذه المجموعة المعارضة ربما تكون وقتها قد رضخت لضغوط من الدعاة الذين يؤيدون تنظيم "القاعدة" وخاصة الشيخان أبو محمد المقدسي وأبو قتادة والتغيير اليوم فرضه أيضًا التقدم الميداني الذي حققه الجيش السوري في حلب واستعادته معظم المدينة، وانشغال تركيا بأمورها الداخلية، إلا أن هذا التغيير جاء متأخرًا لأن الوقائع في الميدان اختلفت، فالتحالف الروسي السوري الإيراني استطاع أن يحسم معركة حلب لصالحه حتى الآن ويستعيد ريف المدينة الشرقي ويحاصر بعض المناطق، وفي تقديري- وباعتبار أن النظام أصبح في موقع قوة- فإن قصف "جبهة النصرة" سيستمر.
جبهة فتح الشام وجه
وبعد فك الارتباط يصبح أمام تنظيم "جبهة فتح الشام" عدة خيارات، على رأسها: 
1- التوافق مجددا مع تنظيم "داعش" رغم العداوة المستفحلة بينهما، أو الاتجاه إلى مسألة فك الارتباط مع "القاعدة" وإنشاء كيان جديد، وهو الخيار الذي يحمل من الخطورة الكثير، في ظل تردد أنباء عن خلاف محتدم بين القيادات العسكرية والشرعية في التنظيم.
2- أن تتحول إلى رأس حربة لقتال الجيش السوري باعتبارها المعارضة التي تحولت إلى "المعتدلة" لدى الغرب، بفعل الضغوط الدولية والخليجية طوال الفترة الماضية والتي كانت تركز على دفع النصرة للانسلاخ عن القاعدة.
3- حدوث انشقاق داخل الجبهة الجديدة ، وتوزع مقاتليها على مختلف التنظيمات الإسلامية المسلحة في سوريا على مختلف تبايناتها، سواء كتائب "جيش الإسلام" أو حركة "أحرار الشام الإسلامية" أو "داعش".
4- أن ثمة ميزة سيتمتع بها التنظيم الجديد وهو إزالة الحواجز أمام عشرات التنظيمات الصغيرة للانضمام إليهم بعد فك الارتباط مع القاعدة تحت اعتبار القوة والفاعلية، لكن في نفس التوقيت سوف يفرض هذا الأمر تغييرات بنيوية على التنظيم الجهادي.
جبهة فتح الشام وجه
مما سبق نستطيع التأكيد على أن تغير ربما يكون جذري أو شكلي في شبكة التحالفات الجهادية في سوريا وهو ما سينعكس على السياسة الداخلية لهذه الجماعات، ومشروعها الجهادى في سوريا، وربما سينعكس على محاولات منهم لكسب ود قوى عسكرية مؤثرة في الأرض السورية، ففك الارتباط لا يتماشى مع سلوكيات التنظيمات الجهادية؛ إذ يعتبر انحراف عن أدبيات القاعدة التي ستعيش مخاضًا عسيرًا على أصعدة لم تكن في الحسبان، وفي حينها سيتحول مشروع النصرة إجباريًّا إلى مشروع سياسي محلي ذي خطاب إسلامي خصوصًا في ظل تراجع أداء البدلاء الحاليين.

شارك