وسط مخاوف سُنِّية.. إيران والحشد الشعبي في معركة الموصل برضًا أمريكي
الخميس 04/أغسطس/2016 - 01:45 م
طباعة

حسم وزير الدفاع العراقي مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل، وسط رضا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدةن ومخاوف سنية، فيما يبدو أن إيران تريد أن تكون حاضرة في المعركة عبر قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني.
مشاركة الحشد

أعلن وزير الدفاع العراقي خالد العبيدي عن مشاركة ميليشيات الحشد الشعبي الشيعية في معركة تحرير الموصل، منوهًا بأهمية حضورها في هذه العملية على مستوى دعم القوات العراقية على غرار معركة الفلوجة وغيرها من المناطق التي تم تحريرها من تنظيم الدولة "داعش" رغم التحذيرات من مغبة القيام بهذه الخطوة.
وأوضح خالد العبيدي أن تجربة الحشد الشعبي في الفلوجة سيتم تنفيذها في الموصل، في تصريح بدا بمثابة الرد الصريح لكل الأصوات العراقية والمنظمات الحقوقية المعارضة لتشريك الميليشيات في معركة تحرير الموصل.
وأكد الوزير العراقي في حديث تلفزيوني حاجة القوات الحكومية في بغداد لمقاتلي الحشد الشعبي، مثنيًا على فتوى المرجع الشيعي علي السيستاني التي كانت الدافع لظهور ميليشيات الحشد، معتبرًا أنها كانت أحد ضمانات عدم سقوط بغداد بيد تنظيم الدولة.
وبين العبيدي أن الحشد الشعبي أصبح جزءًا من المنظومة الأمنية العراقية بأمر من القائد العام للقوات المسلحة رئيس الوزراء حيدر العبادي، في إشارة إلى الأمر الذي صدر مؤخرًا عن العبادي ومنح فيه ميليشيات الحشد صلاحيات مطابقة لصلاحيات جهاز مكافحة الإرهاب وتحويله إلى تشكيل عسكري مستقل وجزء من القوات المسلحة مرتبط بالقائد العام للقوات المسلحة.
من الوجهة العملياتيّة، تعدّ مشاركة الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل ضروريّة، نظراً للخسائر الكبرى الّتي تحمّلها الجيش العراقيّ بعد سقوط ثلث العراق بيدّ تنظيم "داعش" في عام 2014. وفي الواقع، إنّ هذه المعركة تعدّ أكبر وأهمّ معركة ضدّ تنظيم "داعش"، فالموصل ثالث أكبر مدينة في العراق، وهي المعقل الرئيسيّ لتنظيم "داعش"، الّذي سيؤدّي تحريرها إلى هزيمة التّنظيم كاملة من العراق.
وأدرك قائد قوّات الحشد الشعبيّ هادي العامري حقيقة هذه المعركة وأهميّتها عندما صرّح قائلاً: "لا قوّات الجيش، ولا الشرطة، ولا الحشد، ولا العشائر يمكنها تحرير الموصل إذا عملت كلّ منها بمعزل عن الأخرى، بل يجب أن نعمل سويّاً كفريق واحد، بالتنسيق مع قوّات البيشمركة لتعبئة الأمّة كلّها من أجل هزيمة تنظيم الدولة".
حضور قاسم سليماني

الأمر لم يتوقف عند مشاركة الحشد الشعبي، بل عاد قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني، للعراق هذا الأسبوع وحضر قبل يومين إلى النجف ومن ثم إلى كربلاء للاجتماع بسياسيين شيعة وقادة في الحشد الشعبي، وذلك بحسب ما أكده مصدر مطلع لـ"العربية.نت".
وأوضح المصدر أن سليماني لم يعتد البقاء فترة طويلة خارج إيران لأسباب أمنية؛ حيث إن تواجده في الخارج كان يتراوح بين 3 و4 أيام فقط، ثم يعود بعدها إلى إيران ليسافر مرة أخرى خارج البلد لمواصلة المهام الملكف بها في إطار العمليات الخارجية التي ينفذها فيلق القدس التابع للحرس الثوري بقيادته.
من جهته، كشف برلماني عراقي لصحيفة "الشرق الأوسط"عن وصول سليماني إلى حدود محافظة نينوى "لغرض الاطلاع على الأوضاع هناك، ودراسة احتمالات معركة تحرير الموصل"، مشيرًا إلى أن "سليماني كان قد دخل الأراضي العراقية من خلال معبر المنذرية، الفاصل بين الحدود العراقية الإيرانية من جهة محافظة ديالي شرق العراق، وتوجه مباشرة مع عدد من مرافقيه وحماياته إلى كركوك، وصولًا إلى حدود محافظة نينوي دون المرور ببغداد".
وأكد البرلماني المنحدر من ديالي، عضو كتلة اتحاد القوى التي يتزعمها أسامة النجيفي، الذي فضل عدم نشر اسمه، وجود سليماني في العراق بقوله: "إن ضابطًا عراقيًّا في معبر المنذرية أبلغني بأن سليماني ومرافقيه دخلوا الأراضي العراقية بسيارات رباعية الدفع، تحمل لوحات أرقام إيرانية، ومن دون أن يبرزوا جوازات سفرهم كالعادة، وإن الضابط اتصل بالجهات الأمنية المعنية، وأبلغوه بأن الجنرال الإيراني مسموح له بالدخول للأراضي العراقية بلا جواز سفر؛ كونه مستشارًا لدى الحكومة العراقية".
وتابع البرلماني: "أبلغني الضابط ذاته بما حدث كونه من أقاربي، وعندما أبلغت جهات عليا ببغداد أخبروني بأن سليماني يتمتع بموافقات حكومية لدخول الأراضي العراقية، كونه مستشارًا عسكريًّا يشارك في الحرب ضد تنظيم داعش".
وكان المتحدث باسم ميليشيات الحشد الشعبي أحمد الأسدي، علق على مشاركة هذه الميليشيات في معركة تحرير الموصل، قائلا: إن سليماني سيقود هذه المعركة، مضيفا أن "سليماني ليس مستشارا عسكريا للحشد الشعبي فقط بل للجيش والشرطة الاتحادية وجهاز مكافحة الإرهاب العراقي".
مخاوف من انتهاكات

وتتنامى المخاوف في العراق من حصول انتهاكات حقوقية جديدة، في ظل تصريحات مسئولي بغداد بما في ذلك رئيس الحكومة العراقية عن مشاركة ميليشيا الحشد الشعبي في معركة تحرير مدينة الموصل من قبضة تنظيم الدولة.
هذا ويتوجس الجانب السني من وقوع مواجهات مسلحة على غرار التي دارت في وقت سابق، بين ميليشيا الحشد والبيشمركة، في كركوك ومحيطها.
فهناك حذر عربيّ - سنيّ من دخول قوّات البيشمركة وقوّات الحشد الشعبيّ مدينة الموصل. وهذا الحذر الهويّاتي مفهوم، فالبيشمركة تمثّل الأكراد، والحشد الشعبيّ يمثّل الشيعة، والاثنان تحذّر منهما المجتمعات العربيّة ذات الطابع السنيّ في الموصل وبعض جيرانها، وتتخوّفان من نتائج دخولهما المدينة.
وكان مجلس محافظة نينوي صوّت في 29 فبراير الماضي على قرار منع مشاركة قوّات الحشد الشعبيّ في معركة تحرير الموصل. بيد أنّ محافظة نينوى تتضمّن أقليّات غير مسلمة كالمسيحيّين، وأقليّة شيعيّة كالشبك والتركمان. ومن هنا، عارض هذا القرار نوّاب الأقليّات في الموصل. والحال، إنّ هذه الأقليّات ليست حسّاسة تجاه حضور قوّات الحشد ذات الأغلبيّة الشيعيّة، وهي ترحّب بأيّ قوّة يمكنها تحرير أراضيها التاريخيّة وضمان بقائها فيها. وفضلاً عن ذلك، يُعدّ مجلس محافظة نينوى مجلساً إداريّاً وليس عسكريّاً، وهو مثل بقيّة مجالس المحافظات لا يمتلك حقّاً دستوريّاً بمعارضة مشاركة قوّات عراقيّة تعمل قانونيّاً تحت إدارة حيدر العبادي الّذي يحمل عنوان رئيس القوّات المسلّحة حسب الدستور العراقيّ.
ويتشكل المجلس من 39 عضوًا معظمهم من العرب السنة وينضم لهم فقط ثلاثة أعضاء من الأقليات. ويعقد المجلس جلساته في آربيل بعد سقوط الموصل في 2014، ولم يحضر جلساته الأقليات منذ ذلك الوقت.
رضا أمريكي

ويبدو أن الحكومة العراقية قد حسمت أمر مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل منذ اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي مع رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة الجنرال جوزيف دانفورد. حيث تحدثت جملة من التقارير عن أن الأخير أبدى موافقة واشنطن على إشراك فصائل الحشد الشعبي في معركة نينوي، لكن بشرط عدم دخول هذه الميليشيات مركز مدينة الموصل.
وإزاء ذلك، يبدو أنّ الولايات المتّحدة الأمريكيّة لا تمانع في مشاركة قوّات الحشد الشعبيّ بمعركة تحرير الموصل. لقد أعلن بريت ماكورك، وهو المبعوث الأمريكيّ الخاص للتّحالف الدوليّ الّذي تقوده الولايات المتّحدة ضد تنظيم "داعش"، في الخامس من مارس في مؤتمر صحافيّ عقده في مقرّ السفارة الأمريكيّة ببغداد: "إنّ عمليّة تحرير الموصل بدأت."
وأشار إلى "أنّ عمليّة التحرير ستشارك فيها مجموعة من المكوّنات العراقيّة" من دون أن يضع خطوطاً حمراء على أيّ قوّة من القوّات المشاركة حاليّاً في المعارك.
وفي حوار له مع قناة "الحرّة" الأمريكيّة، قال المتحدّث باسم وزارة الدفاع الأمريكيّة – البنتاغون: "الحكومة العراقيّة طلبت بشكل حكيم من الإيرانيّين الكفّ عن دعم عناصر الحشد الشعبيّ التي تقاتل إلى جانبها".
ولفت إلى أنّه "جرى التغلّب على المشكلة" ممّا يعنى أنّ الولايات المتّحدة مقتنعة بالوضع الحاليّ لقوّات الحشد ومشاركتها في عمليّات التحرير لمختلف الأراضي العراقيّة. ويبدو أنّ وجهة النظر الأمريكيّة لا تمانع في مشاركة قوّات الحشد، لكن لا تريدها مدعومة من قبل إيران، إذ أنّ ذلك يثير الوضع الطائفيّ ويؤخّر عمليّة القضاء على الإرهاب.
كما راجت الأنباء غداة هذا اللقاء عن مشاركة فصائل في ميليشيات الحشد الشعبي في معارك تحرير نينوى بأمر القيادة المشتركة العراقية وبعلم ورضا التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة. علمًا أن واشنطن كانت من الجهات التي أبدت في عدة مرات سابقة معارضتها لوجود هذا الفصيل في العراق وضغطت في عدة مناسبات من أجل حله.
ولكن واشنطن التي ترتب أوراقها بدقة هذه الفترة وتحاول خاصة إثبات نجاعة خطواتها في التعامل مع ملف الإرهاب، تسعى جاهدة لتامين استعادة الموصل في أقرب الآجال وفقا للخطط الأمريكية حتى تثبت للعالم تدعم صواب استراتيجية اوباما العسكرية ضد الدولة الإسلامية لا سيما بالتزامن مع المعركة الانتخابية القائمة في البلاد؛ ولهذا تنازلت عن بعض المواقف السابقة بما في ذلك المتعلقة بالحشد الشعبي وتوصلت إلى إيجاد مخرجات جديدة للملف حتى لا يسقط موقفها السابق تمامًا.
المشهد العراقي
يرى مراقبون أن التخوف من مشاركة الحشد الشعبي، المدعومة من إيران، في معركة الموصل يعود إلى ممارساتها الطائفية، مثل ما حدث في معارك سابقة في العديد من المدن التي ما زالت إلى الآن تطلق صيحات فزع جراء الانتهاكات التي تشمل عمليات القتل والاعتقال والسرقة ومصادرة الأملاك. على غرار قامت به قوات الحشد الشعبي في صلاح الدين؛ حيث لا زالت بعض الدور تفجر بالرغم من مرور أكثر من سنة على تحريرها من تنظيم الدولة.