يوميات "الحسم" بمعركة حلب "الكبرى" بين الأسد وحلفائه وميليشيات المعارضة المسلحة

السبت 06/أغسطس/2016 - 02:33 م
طباعة يوميات الحسم بمعركة
 
ستظل معركة حلب الكبرى أحد أهم المعارك المهمة في تاريخ الصراع السوري الذي بدأ عقب الثورة السورية في 2011م، فبعد حصار دام لمدة ١٧ شهر، أعلن النظام السوري سيطرته على المدينة التي تعد آخر المدن السورية الكبرى التي انضمت إلى الثورة ولكن الفصائل المسلحة المعارضة للنظام لم يمهلوا النظام السوري وميليشياته الوقت ليعلنوا عن انطلاق ملحمة حلب الكبرى في ٣١ يوليو 2016م، بعد محاولات مستمرة من قبل الثوار الداخل المتواجدين في الجزء المحاصر لفك الحصار وذلك بمشاركة وحضور كافة الفصائل المعارضة المسلحة الذين وقفوا جنب إلى جنب في مشهد لم تألفه الثورة السورية منذ خمس سنوات، إضافة لحشد كافة الإمكانيات، وفق مبدأ "الأخذ بالأسباب كافة"، ومن بين الأسباب التي تم الأخذ بها والتي كانت مفصلية هي السرية التامة .
يوميات الحسم بمعركة
وكان انطلاق المعركة من حيث التوقيت مفاجأة، وإن كانت المفاجأة الأكبر هي الجبهة التي اختير الانطلاق منها، حيث اعتبرها البعض "انتحار" في حين رأى فيها البعض الآخر أنها رسالة قوية للعالم أجمع أن أي مخطط لن يمر إلا بقبول أهل الأرض الذين سيقاتلون ويخوضون أصعب المعارك ونشرت شبكة "شام" الإخبارية تقريراً مبنياً على مصادر متطابقة حول مشاركة واضحة من طيران التحالف الدولي ضد تنظيم داعش الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية، بفعالية ضد الثوار خلال معارك ملحمة حلب التي تدور رحاها، وأكدت مصادر خاصة أنه يوجد يقين شبه تام أن التحالف شارك بما لا يقل عن ١٠ ضربات جوية قوية جداً ومركزة، بشكل يستحيل أن يحققه طيران العدو الروسي، وبطبيعة الحال طيران الأسد.
وحددت المصادر أن الاستهداف الأول كان يوم انطلاق ملحمة حلب الكبرى، في ٣١ يوليو الماضى، حيث تم استهداف نقطة للتجمع قبل انطلاق المعركة بساعة، باستخدام خمسة صواريخ دفعة واحدة وأحدثت دمار هائل لم يحدث من قبل وكان الاستهداف الثاني كان في اليوم التالي للملحمة، في ١- ٨ – ٢٠١٦؛ حيث تم استهداف الآليات الثقيلة للثوار مما أدى لإفشال معركة الضاحية، كما تم تسجيل قصف من قبل طائرات التحالف وبلغ عددها أربعة في مساكن ١٠٧٠؛ حيث تم استهداف خطوط الجبهات الملاصقة لمناطق الاشتباك بشكل كبير، وهو نوع من القصف لم يحدث بشكل مطلق الأمر الذي يرجح مصدر القصف هو طائرات التحالف التي تختص بهذا النوع من القصف.
يوميات الحسم بمعركة
وتميزت معركة حلب الكبرى بحجم المشاركة والدعم الشعبي والذي تجلى بأبهى صورة من خلال الأطفال، الذين لعبوا دوراً خاصاً بهم، بعد تكفلهم بعمليات حرق الإطارات لتأمين غطاء من سحب الدخان لمنع أو التخفيف من حضور سلاح الجو في معركة كهذه بدأ بعدا الفصائل المسلحة بالزحف باتجاه حلب وبدأت المعركة الكبرى ضمن المرحلة الأولى من معركة فك الحصار، جغرافياً تمتد على طول أكثر من 20 كيلو متر تمتد من محاور السابقية بريف حلب الجنوبي حتى مدرسة الحكمة ومعمل البرغل في الأجزاء الجنوبية الغربية من المدينة.
 وجاءت المعركة على عدة مراحل :
المرحلة الأولى: تمكنت الفصائل المعارضة المسلحة خلال الساعات الأولى من المعركة من السيطرة على أكبر معاقل الأسد في المنطقة والتي كانت السد الحصين الأول في وجه الثوار، وهي مدرسة الحكمة الاستراتيجية بعد أن استهدفتها جبهة فتح الشام بعمليتين استشهاديتين، لتبدأ قلاع الأسد في المنطقة بالسقوط تباعاً على طول خط الجبهة ابتداء من تلة مؤتة، فتلة أحد، ومن ثم تلة الجمعيات، تبعتها تلة السيرياتيل، فقرية العامرية، وكتيبة الصواريخ،وسواتر السابقية، قتل خلالها العشرات من عناصر الأسد وتسببت الضربة الأولى بمفاجأة كبيرة لم يتوقعها نظام الأسد وتمكنت الفصائل المعارضة المسلحة من تحقيق تقدم جديد، تمثل بالسيطرة على معمل الزيت والبناء الأحمر وسواتر السابقية ومشروع 1070 شقة، ليغدو على أطراف حي الحمدانية، وتلقت قوات النظام السوري ضربات موجعة في،الأكاديمية العسكرية ومعمل البرغل، وسط محاولات لقوات الأسد للصمود فيها، واستعادة ما سيطر عليه الثوار، إلا أنهم تكبدوا خسائر كبيرة وشهدت نوعاً من الفتور واقتصرت الاشتباكات على معارك كر وفر وسط قصف جوي وصاروخي عنيف من كل المحاور، أحرق المنطقة بشكل لا يوصف، اضطرت فيها الفصائل المعارضة المسلحة للتراجع عن بعض النقاط بينها تلة الجمعيات ونقاط على جبهة السابقية لتعيد في اليوم التالي السيطرة عليها وتكبيد قوات الأسد خسائر جديدة.
يوميات الحسم بمعركة
المرحلة الثانية: بدأت على جبهات معمل البرغل والأكادية؛ حيث تمكنت الفصائل المعارضة من تحقيق ضربات نوعية في المواقع المذكورة والتي تمثل السد الحصين لقوات الأسد من الجهة الغربية للمدينة؛ حيث ما زالت محاولات الثوار مستمرة للسيطرة على هذه المواقع والتي عززتها قوات الأسد بالدبابات والمدافع؛ لأن سقوطها قد يشكل خطراً كبيراً على مواقعها في الأحياء الغربية، تضمنها أيضاَ معارك على جبهة حي الراموسة والعامرية فجر خلالها الثوار نفق أرضي تحت مواقع قوات الأسد وتمكن الثوار من التقدم في عدة أحياء داخل حي الراموسة.
المرحلة الثالثة: وبدأت بهجوم كبير من الفصائل المعارضة على جبهة كلية المدفعية في الراموسة، بدأت بعملية انتحارية لجبهة فتح الشام كسرت الخطوط الدفاعية الأولى ليتقدم الثوار خلال أقل من ساعة داخل كتيبة التسليح وكلية البيانات ومبنى الضباط وأول مستودع للذخيرة، تلاها عملية انتحارية ثانية استهدفت كلية المدفعية، دارت على إثرها اشتباكات عنيفة طوال ساعات الليل مكنت المعارضة من السيطرة على غالبية الأبنية التي كانت تتحصن فيها قوات الأسد التي انسحبت إلى الفنية الجوية والتي تعتبر آخر معقل لقوات الأسد في كلية مدفعية الراموسة وفي حال تمكن قوات المعارضة من السيطرة على الفنية الجوية ستفتح أمامهم المجال للتقدم باتجاه ما تبقى من مواقع لقوات الأسد في حي الراموسة ودخول الأحياء المحررة لمدينة حلب وبالتالي فك الحصار بشكل كامل عن الأحياء المحاصرة في الجهة الشرقية من المدينة، وقد يتبعها عمليات تحرير جديدة لمعمل الاسمنت ووحدات المياه شرقي الراموسة في منطقة الشيخ سعيد، إضافة لنية الثوار الاستمرار في المعركة حتى تحرير كامل مدينة حلب.
يوميات الحسم بمعركة
وقال الخبير العسكري العميد الركن أحمد رحال: إن لكل معركة خصوصية وطبيعة جغرافية مختلفة؛ ففي إدلب لم تكن هناك ميليشيات إيرانية وأفغانية وحزب الله، وإن النظام يعتبر معركة حلب معركة كبرى، وحشد لها بشكل كبير؛ مما استدعى قوات المعارضة للحشد على أكثر من جبهة. 
والمعارضة تتعامل اليوم مع كتلة نارية في الراموسة، وثكنة عسكرية ضخمة جنوب حلب، بالإضافة إلى مدرسة المدفعية، وهذه كلها مواقع لها تقدير عسكري كبير لدى النظام.
وأشار إلى أن أكثر من 15 فصيلاً اجتمعت في غرفة عمليات مشتركة لإنجاح هذه المعركة التي تعدّ توافقاً مرحلياً بين الفصائل؛ فجيش الفتح كان يضم سبعة فصائل، والآن أصبح وحدة قتالية تضم كل من يحمل السلاح وأن الهدف من هذه المعركة استراتيجي وعملي؛ فالمعارضة تسعى لإيجاد طريق بديل عن الكاستيلو، وهناك أهداف تكتيكية أخرى؛ فبعد السيطرة على قرية المشرفة باتت المعارضة على بعد أمتار من حي السكري.
يوميات الحسم بمعركة
 فيما انتقدت افتتاحية "فايننشال تايمز" صمت الولايات المتحدة الذي وصفته بالمثير للصدمة، وعدم فاعليتها في مواجهة جرائم الحرب في حلب، واعتبرت افتقار قادتها وقادة أوروبا للمبادرة نوعًا من الرضوخ، وقالت: إن معركة حلب بلغت مرحلة حرجة، وما ستفضي إليه في الأيام القادمة ينذر بمخاطر جسيمة بانتظار المدينة.
وترى الصحيفة أنه إذا ما سقط شرق حلب في قبضة الأسد فستحرم قوات المعارضة المعتدلة من آخر معقل استراتيجي لها ويحتمل أن يطلق ذلك مرحلة نهائية مريرة للثورة التي بدأت عام 2011م وإنه في مواجهة هذا الاحتمال شن تحالف يضم آلاف المقاتلين من الثوار، بما في ذلك القوات المعتدلة والجهادية، هجومًا مضادًّا وأنه رغم الاعتقاد في واشنطن بأنه لا فرق بين الثوار المعتدلين والمتطرفين في سوريا، فإن الشيء الثابت هو أن أي حل سياسي دائم للصراع يتطلب وجود غير الجهاديين ممن لديهم مصداقية وقوة كافية لتنفيذ أي اتفاق وقدرة على حمايته أيضًا من الفصائل الجهادية التي تريد إفساده.
في السياق علقت افتتاحية الجارديان على ما يجري في حلب بأنه فشل آخر للغرب يلوح في سوريا، وأشارت إلى أنه إذا سقطت المناطق الشرقية للمدينة في قبضة النظام السوري فمن المرجح أن تتغير المعادلة الدبلوماسية في الشرق الأوسط بالكامل لصالح روسيا وحلفائها بما فيهم إيران، وأن الأمل الوحيد لجعل هيكل سلطة الرئيس بشار الأسد يشارك في محادثات برعاية الأمم المتحدة يتوقف على فكرة أن الحرب الأهلية قد وصلت إلى طريق مسدود لا يمكن للثوار ولا المتمردين أن يكون لهم الغلبة فيه.
يوميات الحسم بمعركة
وأوضحت أن التدخل العسكري الصريح لروسيا أخرج المسار الدبلوماسي عن طريقه، واستفادت إيران في الوقت نفسه من غياب أي احتجاجات غربية قوية ضد أعمالها في سوريا، بغض النظر عن عدد القتلى، واثقة من أن الحفاظ على إرث التوصل لاتفاق نووي من الأهمية بمكان لإدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما، ويضاف إلى هذه المعادلة حقيقة أن تركيا قد حسنت مؤخرا علاقاتها مع موسكو وأن مصير سكان حلب فهو على المحك وكذلك مصداقية الاستراتيحيات الغربية التي ركزت فقط على تنظيم داعش، ولم تفعل شيئا يذكر لإيجاد وسيلة للتفاوض ووضع حد للحرب الأهلية التي تمثل أسوأ كارثة لحقوق الإنسان في هذا العصر. 
 مما سبق نستطيع التأكيد على أنه ستظل معركة حلب الكبرى أحد أهم المعارك الهامة في تاريخ الصراع السوري الذي بدأ عقب الثورة السورية في 2011م، وأن سيطرة النظام السوري الوقتية على المدينة وانتصارات الفصائل المسلحة المعارضة للنظام حاليًا ما هي إلا حلقة من حلقات الصراع السوري الدموي الذي لن ينتهي قريبًا. 

شارك