تراشق (سُني- شيعي) حول مستقبل الموصل قبل وبعد تحررها من "داعش"
السبت 13/أغسطس/2016 - 04:50 م
طباعة

تشهد الساحة العراقية حاليًا صراعًا شديدًا بين السُّنة والشيعة حول مستقبل مدينة الموصل قبل تحررها من داعش وبعد تحررها أيضًا، وقد اعتبرت القبائل السنية أن مشاركة ميليشيات "الحشد" في معركة الموصل أمر مرفوض، وهو ما أكد عليه أسامة النجيفي زعيم ائتلاف "متحدون للإصلاح" وهو تحالف سني قائلًا: "إن مشاركة ميليشيات "الحشد" الشيعية في الحملة العسكرية لانتزاع الموصل مركز محافظة نينوي في شمال العراق من تنظيم الدولة داعش أمر مرفوض، وإن هذا موقفه وموقف تحالفه وموقف مواطني نينوي وقادة تحالف القوى العراقية، برفض مشاركة ميليشيات "الحشد الشعبي"، لما تثيره هذه المشاركة من حساسية وتخوف من أجندات لا تصب في صالح المحافظة وإرادة أبنائها، وإن دعم الحشد الوطني والعشائري وهي فصائل مسلحة سنية عامل مهم في كسب المعركة؛ لأنهم من أهل الموصل، وهم قادرون على حشد القوى في الداخل؛ مما يسهل القضاء على الدولة الإسلامية وطردهم نهائياً وأن دعمهم يسهم في الحفاظ على البنية التحتية، ويشجع الأهالي على البقاء في المدينة، بدل حدوث موجات نزوح كبيرة، لا تستطيع الحكومة أن تستوعبها وتوفر لها المستلزمات المطلوبة".

وكان قادة اتحاد القوى العراقية، وهو أكبر ائتلاف للأحزاب السنية، قد أبلغ السفير الأمريكي بالعراق "ستيوارت جونز"، رفضهم مشاركة الحشد الشعبي في الحملة العسكرية لانتزاع الموصل من التنظيم، بعد أن سادت مخاوف لدى السنة من أن تكرر ميليشيات "الحشد" لانتهاكات ارتكبتها بحق المدنيين السنة في محافظات ديالي وصلاح الدين والأنبار عند استعادة بعض المناطق من الدولة الإسلامية.
في المقابل، يتمسك قادة ميليشيات "الحشد" بخوض المعارك إلى جانب القوات العراقية؛ حيث أكد عضو هيئة الرأي في الحشد الشعبي كريم النوري، أن مقاتلي الحشد الشعبي "قوة أساسية ستشارك حتمًا بتحرير مدينة الموص، وأن القائد العام للقوات المسلحة حيدر العبادي قرر مشاركة الحشد الشعبي في معركة تحرير الموصل باعتباره إحدى التشكيلات العسكرية التابعة للمنظومة الأمنية العراقية ولا يجوز للأطراف الخارجية التدخل في الشئون الداخلية للبلاد، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكنها منع الحشد الشعبي من المشاركة بتحرير نينوي وعلى الحكومة العراقية اتخاذ الإجراءات المناسبة لردع تجاوزاتها".

ولم تنطلق المخاوف من إسهام الحشد الشعبي في معارك التحرير من فراغ، فسياسيو أهل نينوي المشاركون في العملية السياسية حذروا بعد أيام قليلة من دخول داعش للموصل وباقي المدن في 10 يونيو 2014 من مساهمة الحشد الشيعي في عمليات التحرير، وأخيراً أصدر مجلس المحافظة وقوى العشائر الموصلية بيانات رافضة لمشاركة الحشد الشعبي، وسبق أن أعلن وزير البيشمركة الكردية جبار ياور رفض حكومته السماح للحشد الشيعي بالعبور إلى الموصل من خلال أرض كردستان، لعدم وجود اتفاق مع حكومة بغداد على ذلك باستثناء الجيش وهناك مخاوف جدية من الإصرار على إشراك الحشد الشيعي في معركة الموصل؛ لأن ذلك يفتقد إلى المبررات والدوافع السياسية والأمنية المعلنة من قبل العبادي وقادة الحشد، أما قوله بأن من حق كل عراقي المشاركة في المعركة فهو ليس إلا تمويهًا ومغالطة، وفيه تجاهل للمخاطر الجدية المحيطة بمستقبل هذه المدينة العراقية الحيوية، خلال هذه المعركة وبعدها يمكن أن تشتعل حرب طائفية أشرس وأبشع من الحرب الطائفية التي اشتعلت عام 2007 أيام حكم إبراهيم الجعفري بسبب تداخل الخنادق وتعدد مراكز القوى والاستقطابات التي ستأخذ أشكالاً مذهبية وعشائرية وقومية.

وهناك من يقول بأن هذا الإصرار خاضع لرغبات انتقامية إيرانية؛ لكي تحكم الطوق على الحدود السورية والتركية، ويريد قاسم سليماني أن يدخل مدينة الموصل كما دخل الفلوجة وقبلها تكريت، لكن الحال ستكون مختلفة؛ لأن الموصل لها خصوصية عراقية وإقليمية ودولية معقدة، وليس من الحكمة السياسية أن يفتح العبادي النار على الجارة تركيا، فهو يعلم أنه في بلد وصل فيه الحال بسبب الفاسدين من منتسبي وموالي أحزاب السلطة إلى أن يستجدي القروض الخارجية لسد العجز الخطير في موازنة العراق، فعلام هذا التجبر إن لم يكن ذلك بسبب الدعم الإيراني والأمريكي؟ وعلى العبادي ألا يلعب بمصير أهل العراق، وينساق إلى المخطط الطائفي المعروف بتصفية العرب السنة. وإن كان حريصًا على تحرير البلد من داعش، ولا شك في ذلك، نتساءل لماذا يصر على إشراك الحشد "الشيعي" في معركة الموصل، هل أن أهلها عاجزون عن تحرير مدينتهم من داعش الذي يقتل أبناءهم يومياً، وهم قادرون على طرده وفيهم رجال أكفاء وشجعان؟

مما سبق نستطيع التأكيد على أن الساحة العراقية تشهد حاليًا صراعًا شديدًا بين السُّنة والشيعة حول مستقبل مدينة الموصل قبل تحررها من "داعش"، وبعد تحررها أيضًا، وأن مشاركة ميليشيات "الحشد" في معركة الموصل أصبحت أمرًا مرفوضًا، خاصةً وأن هذه الميليشيات المدعومة من إيران تستحوذ على أسلحة الجيش العراقي، وأقدمت على ممارسات طائفية وقتلت العشرات خلال معركة تحرير الفلوجة وقبلها في الرمادي.