بعد هزيمته في سرت الليبية.. "داعش" نحو المجهول

الثلاثاء 16/أغسطس/2016 - 01:00 م
طباعة بعد هزيمته في سرت
 
بعد مرور ثلاثة أشهر، من بدء معركة تحرير مدينة سرت الليبية، من قبضة التنظيم الإرهابي "داعش"، نجحت قوات الوفاق التابعة لحكومة الوفاق الوطني، في السيطرة علي أبرز معاقل التنظيم الإرهابي "داعش" في المدينة، والتي تعد أبرز معاقل التنظيم، وحققت القوات انتصارا هامًا بسيطرتها على مقر قيادة التنظيم في مجمع واغادوغو للمؤتمرات.
بعد هزيمته في سرت
واستطاع تنظيم داعش الإرهابي السيطرة علي مدينة "سرت" في يونيو 2015 حيث أصبحت معقل تنظيم داعش في ليبيا، وبسطت قوات الوفاق سيطرتها على المزيد من المباني، حيث حررت أكثر المعاقل التي وقعت تحت قبضة التنظيم.
وأعلنت قيادة القوات الحكومية، في بيان لها بسط السيطرة على عمارات ألف وحدة سكنية، مؤكدة أنها تواصل التقدم باتجاه الحي رقم اثنين مستخدمة في ذلك المدافع الرشاشة والأسلحة الخفيفة.
وصرح محمد مصطفى الفقيه أحد القادة الميدانيين في سرت أن صفوف التنظيم الإرهابي حصل فيها انهيار، ما أدي إلي استغلال الموقف لصالح الوفاق وواصلو تقدمهم إلى غاية قاعات واغادوغو والبنك التجاري.
الناطق باسم البنيان المرصوص العميد محمد الغصري، قال إن سيطرة تنظيم داعش في سرت باتت تقتصر عمليا على حي واحد فقط هو الحي رقم واحد الواقع في وسط المدينة، لأن الحيين الباقيين، أي رقم اثنين الواقع إلى الغرب ورقم ثلاثة الواقع إلى الشرق، هما “منطقتا اشتباك.
وأشار الغصري إلي أن القوات الموالية للحكومة تمكنت من دخول الحي رقم اثنين وهي تحاول بسط سيطرتها الكاملة عليه، في حين أن تقدمها على الجبهة الثانية أي في الحي رقم ثلاثة يسير بوتيرة أبطأ، مشددا على أن المعركة انتهت عسكريا، وأن “إعلان النصر لن يطول كثيرا.
وكانت ذكرت بوابة الحركات الإسلامية في تقرير سابق لها، إن العد التنازلي لتحرير سرت قد بدأ، وبالأخص مع تقدم قوات الوفاق الليبية بمساندة الضربات الجوية الأمريكية والتي طالبها فايز السراج رئيس حكومة الوفاق.
وكان المركز الإعلامي لعملية البنيان المرصوص أعلن في بداية الأسبوع الجاري السيطرة على مبنى إذاعة كان مقاتلو داعش يستخدمونها لبث دعايتهم، وقال المركز في بيان إن قواتنا تبسط سيطرتها على مبنى إذاعة مكمداس الخاصة مراقبة المحاسبة سابقا، بعد عمليات تمشيط واسعة للمناطق التي سيطرت عليها مؤخرا. وأضاف أن مبنى الإذاعة يعد أحد أهم المراكز الإعلامية التابعة لعصابة داعش بمدينة سرت ويقع بالقرب من مجمع قاعات واغادوغو.
والجدير بالذكر أن عملية "البنيان المرصوص" التابعة لقوات الوفاق انطلقت في مايو الماضي، بهدف إنهاء سيطرة داعش على مدينة سرت، عبر ثلاثة محاور هي أجدابيا – سرت، والجفرة – سرت، ومصراتة – سرت، وتمكنت القوات من محاصرة التنظيم في مساحة ضيقة، وتكبيده خسائر فادحة في الآليات والأفراد. 
وانحصرت سيطرة تنظيم داعش في ليبيا على منطقة محدودة في مدينة سرت وسط الساحل الليبي، بعدما كان نفوذه على الساحل الأوسط يمتد من بن جواد شرقا والتي تبعد 600 كيلومتر عن طرابلس إلى منطقة السدادة غربا والتي لا تبعد سوى 90 كيلومترا عن شرق مصراتة.
ويري مراقبون أنه في ظل عدم وجود حاضنة شعبية لداعش في ليبيا، من المرجح أن تكون المنطقة الرخوة في الجنوب الغربي من الصحراء الليبية المحاذية لحدود النيجر والجزائر والقريبة من شمالي مالي ملاذا آمنا للعناصر الفارة من معركة سرت لتقترب من فرع داعش في نيجيريا المعروف بجماعة بوكو حرام.
ويحذر مراقبون من اصطدام قوات الوفاق مع قوات الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، بهدف انتزاع مناطق حيوية من تحت سيطرتها.
وكان هناك بوادر اشتعال حرب بين الجيش والمجلس الرئاسي المنبثق عن حكومة الوفاق، في أبريل الماضي بعد أيام من دخوله العاصمة طرابلس.
وبدأت الأزمة بعد أن قطعت قوات البنيان المرصوص الموالية لحكومة الوفاق المدعومة دوليا، الطريق على قوات الجيش الليبي بقيادة الفريق أول ركن خليفة حفتر الذي كان يجهز لتحريرها بعد أن بدأ في تحشيد قواته بمنطقتي زلة ومرادة قبل أن تسبقه قوات مصراتة التي باتت تحظى بدعم دولي بعد أن أعلنت ولاءها لحكومة الوفاق.
بعد هزيمته في سرت
ويطالب الرافضون للاتفاق السياسي الذي أقر في مدينة الصخيرات، بضرورة تعديل المادة الثامنة التي تنص على انتقال جميع المناصب السيادية والعسكرية إلى سلطة المجلس الرئاسي بمجرد التوقيع على الاتفاق بما في ذلك منصب القائد العام للجيش الذي يتولاه حاليا الفريق أول خليفة حفتر، الأمر الذي يعتبره مؤيدوه سعيا واضحا لاستبعاده من المشهد السياسي والعسكري في ليبيا.وترابط قوات الجيش الليبي منذ أشهر في مناطق حيوية بالمنطقة الشرقية.
وكان نشر رواد صفحات التواصل الاجتماعي صورة لعبارة كتبتها قوات البنيان المرصوص فور دخولها مقر قاعات واغادوغو التي سيطروا عليها، حملت تهديدا ووعيدا للسكان الأصليين لمدينة سرت.
وفي أعقاب ثورة 2011 والتي أسقطت نظام معمر القذافي، تعرض سكان مدينة سرت لتصفية تحت مبرر تطهير المدينة من الأزلام حيث تم القبض على رجالها والسطو على أموالهم وممتلكاتهم وحلي نسائهم التي كان الثوار حينها يعتبرونها غنائم حرب. وظلت المدينة تحت حكم الميليشيات الإسلامية إلى أن سقطت بقبضة تنظيم داعش يونيو الماضي.
ورغم ما أبداه سكان مدينة سرت من مقاومة للتنظيم الإرهابي كان أبرزها الانتفاضة المسلحة التي نفذها مواطنون مسلحون ضد التنظيم بعد اغتياله لأحد شيوخ السلفية في المدينة في أغسطس من العام الماضي، إلا أن التيار الإسلامي لا يتوقف عن اتهام كل سكان المدينة بالولاء للتنظيم.
وكانت شهدت مدينة سرت  وتحديدا الحي رقم 3، اشتباكات استمرت لأيام وصفت بالعنيفة بين بعض أهالي المدينة من قبليتي الفرجان والقذاذفة مدعومين بعناصر من التيار السلفي المعروف بـالمدخلي وتنظيم داعش الذي كان يسيطر على المدينة بشكل كامل إثر انسحاب مفاجئ للكتيبة 166 المكلفة من رئاسة أركان المؤتمر الوطني العام بحمايتها وتأمينها من مشروع النهر الصناعي وقاعدة القرضابية الجوية، ودخول عناصر التنظيم لها مباشرة في نهاية يونيو العام الماضي.
وقالت مصادر إعلام محلية حينها إن عدد القتلى من المدنيين في الحي الثالث تجاوز المئة قتيل والعشرات من الجرحى، إضافة إلى حرق منازل المواطنين، وإضرام النار في المستشفى الميداني بمن فيه من الجرحى، كما قام التنظيم بعد ذلك بحملة إعدامات جماعية للأسرى الذين قبض عليهم خلال هذه الاشتباكات، نفذها بشكل متلاحق خلال يوم الجمعة من كل أسبوع.
وكانت تقارير دولية ذكرت أسباب التحاق بعض سكان مدينة سرت إلي تنظيم داعش، مرجعة الأمر إلى ما تعرض له سكان سرت من إهانة وظلم من قبل الميليشيات الإسلامية في الفترة التي تلت سقوط النظام وحتى ظهور داعش في المدينة.
ويري مراقبون أن مدينة سرت الليبية ستلقي نفس مصير مدينة الفلوجة العراقية بعد انتهاك ميليشيات الحشد الشعبي، فيما يتخوف البعض من أن تلقى مدينة سرت نفس المصير الذي لاقته درنة بعد تحريرها من تنظيم داعش، حيث سيطرت عليها قوات ما يعرف بمجلس شورى مجاهدي درنة، وهو فصيل مسلح يتبنى فكر القاعدة.
بعد هزيمته في سرت
وكان مراقبون قد حذروا من خوض ميليشيات مصراتة الموالية للمجلس الرئاسي لهذه المعركة، مؤكدين أن عملية تخليص المدينة من تنظيم داعش لا يمكن أن تكون إلا تحت مشروع وطني تنفذه قوى نظامية تمتلك أخلاقا عسكرية، وتدافع عن وحدة الشعب، وتخضع للقانون والمحاسبة.
وكان مندوب ليبيا لدى الأمم المتحدة، إبراهيم الدباشي، حذر من أن تلقي سرت نفس مصير مدينة درنة، قائلا: من المتوقع أن يتم تحرير سرت وإنهاء وجود تنظيم داعش في سرت خلال الأسبوعين القادمين، ومع ذلك لم نسمع عن أي خطة خاصة بالمدينة لما بعد التحرير. 
وتتشكل قوات عملية البنيان المرصوص من ميليشيات إسلامية تنحدر من مدينة مصراتة التي تحولت إلى مدينة معادية للمدن المهزومة بعد أحداث الإطاحة بنظام القذافي، لعل أبرز هذه المدن ترهونة وبني وليد وسرت وهي مدن بقيت مؤيدة للقذافي حتى سقوطه ولم تنضم إلى ثورة 17 فبراير.
ويرى محللون أن المجلس الرئاسي منساق للقوات التي تقاتل التنظيم وليست لديه أي قدرة على التحكم في تحركاتها. كما أن هذه القوات تدين بالولاء لقادتها في مدينة مصراتة وليس للمجلس الرئاسي المنبثق عن اتفاقية الصخيرات.
وتعتبر مدينة سرت آخر وأهم معقل لتنظيم داعش الإرهابي في ليبيا، لذا فإن إعادة السيطرة عليها تعني نهاية داعش من الناحية النظرية على الأقل.
وتحظى مدينة سرت بأهمية استراتيجية كبيرة بحكم موقعها الجغرافي على خريطة ليبيا، فهي تعتبر حلقة الوصل بين شرق ليبيا وغربها وتقع بمحاذاة ما يعرف بالهلال النفطي، وتشكل السيطرة عليها نجاحا مهما في معركة محاربة داعش.
ويعتقد مراقبون أن هزيمة داعش تماما غير محتملة في الوقت الراهن، حيث أن مصير عناصره الذين تم طردهم من سرت مازال مجهولا، ما يفتح المجال أمام احتمال ظهور التنظيم في مناطق أخرى وتكرار سيناريو مدن الشرق التي تم طرد مقاتلي التنظيم منها ليعيدوا رص صفوفهم والسيطرة على مدن بديلة.
ويري محللون غربيون أنه في أعقاب تحرير سرت، سيكون أمام التنظيم الإرهابي "داعش" طريقان، إما أن يلجأ إلى نقل المعركة نحو الجوار الليبي من خلال تسلل المقاتلين الهاربين من سرت إلى الدول المحيطة بليبيا، ولا سيما تونس والجزائر، أو سيكون مصيره مجهول في لبيبا وقد يتفرع في جميع أنحاء البلاد مجددًا.

شارك