بعد تعليق نشاطه.. هل يتم حل حزب التحرير بناء على رغبة الإخوان في تونس؟
الخميس 18/أغسطس/2016 - 12:32 م
طباعة

صدام قادم بين حزب التحرير الذي يدعو إلى إقامة دولة "خلافة"، والحكومة التونسية والتي تشارك فيها حركة النهضة الإسلامية – المحسوبة على جماعة الإخوان المسلمين- في ظل قرار قضائي بتعليق نشاط الحزب لمدة شهر؛ نظرًا لأفكاره الأيديولوجية والسياسية.
تعليق النشاط

قررت المحكمة الابتدائية في تونس؛ تعليق نشاط حزب التحرير، لمدة شهر، ابتداء من يوم 15 أغسطس 2016، بناء على دعوى من المُكلّف بنزاعات الدّولة التونسية ضد رئاسة الحكومة التي سبق أن منحت ترخيصًا للحزب.
وقال سفيان السليطي، الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية: إن المحكمة اتخذت هذا القرار "طبقا لأحكام قانون الأحزاب والجمعيات، وبناء على طلب رسمي تقدم به المُكلف بنزاعات الدولة"، وفق ما صرح به لوكالة تونس إفريقيا للأنباء.
وأضاف أن قرار التعليق جاء "على إثر تصحيح الإخلالات الإجرائية في طلب المُكلّف بنزاعات الدّولة" الذي أعدّ ملفّا قانونيا جمع فيه "إخلالات" حزب التحرير على مستوى مراجعه الفكرية وأنشطته السياسية.
من جهته، صرّح محمد علي وحيدة، مُستشار مقرّر رئيس نزاعات الدّولة، لصحيفة الشروق، أن القرار تم استصداره الاثنين؛ بعد استيفاء الحزب لمهلة التنبيه الإداري التي يتيحها قانون الأحزاب بهدف مُراجعة الإخلالات المُتعلّقة به، مُضيفًا أنه سيتم إعلام حزب التحرير، الثلاثاء، بقرار المحكمة.
وقد سبق للمحكمة ذاتها أن رفضت طلبًا مماثلًا من السلطات التونسية تقدّمت به في شهرأغسطس الماضي، بسبب خلل إجرائي في طلب التّعليق.
وكان حزب التحرير، والذي يعتبر نفسه فرعا لحزب التحرير العالمي في ولاية تونس، كان حصل على ترخيص العمل القانوني سنة 2012. وقد أثار هذا الحزب جدلًا واسعًا بحكم عدم اعترافه بالديمقراطية وبالانتخابات وبالدستور التونسي والدّولة القطرية، ودعوته إلى تبني الخلافة الإسلامية كنظام حكم.
وتأسس حزب التحرير عام 1953 في مدينة القدس الشرقية (تحت الحكم الأردني)، على يد القاضي الفلسطيني، تقي الدين النبهاني، بعد تأثره بأحوال العالم الإسلامي آنذاك إثر سقوط الخلافة العثمانية في تركيا عام 1924. فهو يرى أن نكبة فلسطين، ما كانت لتحصل لو كانت دولة الخلافة الإسلامية قائمة وشرع الله مطبق. وكان النبهاني ـ الذي توفي عام 1979 في بيروت ـ على علاقة جيدة بعدد من قادة ومفكري حركة الإخوان المسلمين في مصر، إلا أنه لم ينضم إلى اليهم. ينتشر حزب التحرير في مختلف بلدان العالم تقريبًا، وينشط بين الأقليات المسلمة في الدول الأجنبية، لكنه محظور ومطارد من قبل معظم أنظمة الحكم في البلدان العربية والإسلامية.
للمزيد عن الحزب.. اضغط هنا
موقف حزب التحرير

وفي أول رد على القرار القضائي التونسي، أعلن حزب التحرير الإسلامي، أنه لن يمتثل للقرار القضائي بتعليق نشاطه مدة شهر بسبب مخالفته قانون الأحزاب، داعيًا السلطات إلى التراجع عن القرار.
وقال محمد ناصر شويخة عضو الهيئة الادارية لحزب التحرير في مؤتمر صحافي: إن الحزب لن يوقف نشاطه ولن يمتثل للقرار القضائي وسيواصل عمله.
وأضاف: "هذا القرار (القضائي) يأتي في إطار دور الحكومة التي هي مجرد موظفين عند المستعمر الإنجليزي والأمريكي اللذين أعلنا حربًا على حزب التحرير في العالم؛ من أجل حله ومنعه من العمل".
وتابع شويخة: "مهلة الثلاثين يوما سنعطيها للحكومة أو لأشباه الحكومة (نقول لها) في يدك ثلاثون يوما للتراجع عن القرار القضائي".
وعقب: "العمل السياسي عندي عبادة نحن نعمل في النور، نحن نعمل في المقاهي في الساحات العامة منذ زمن (الرئيس المخلوع زين العابدين) بن علي ومنذ زمن (سلفه الحبيب) بورقيبة، يعني لا نتخفى تحت الأرض ولا نقوم بالعمل السري".
وتابع: "هناك طغمة فاسدة عميلة للاستعمار، بل الآن أصبحت موظفة عنده، وتريد أن تبيع البلاد"، مضيفًا: "المطلوب الآن من كل قوى الأمة، من الإعلام، من السياسيين الشرفاء، من الذين لم يبيعوا أنفسهم بعد، من الأمنيين، من القضاة أن يقفوا جميعًا: هذه جريمة تمر أمام أعينكم يوميًّا، وهي بيع البلاد".
وانتقد المتحدث خصوصًا صندوق النقد الدولي معتبرًا أنه أصبح يرسم السياسة الاقتصادية في تونس. واتهم حزب التحرير في بيان الاثنين قوات الأمن بتمزيق لافتات تحمل شعاره كانت معلقة فوق مقره الرئيسي قرب العاصمة.
النهضة والتحرير

البعض يرى أن تعليق النشاط يأتي في ظل تفاهمات بين حزب النهضة "الإخوان" وحزب "حركة نداء تونس"، في ظل مواجهة الإرهاب والتشدد وأظهر راشد الغنشوي حركة النهضة بأنها الحركة الأكثر اعتدالًا في صفوف الإسلاميين مع قبولها بقوانين وأحكام اللعبة الديمقراطية، فيما يرفضها حزب التحرير المتشدد.
وتصاعدت الدعوات وتوالت بخصوص حلّ الأحزاب السلفية في تونس والتي لا تعترف بالدولة وبنظمها وقوانينها، واعتبر العديد من المراقبين أن حل الأحزاب السلفية وعلى رأسها حزب التحرير يعد الدعامة والركيزة الأساسية للحرب الشاملة ضد الإرهاب.
ويرجع الباحث السياسي التونسي هادي يحمد قرار تعليق النشاط "المتردد"، إلى أن السلطة ربما تريد الحفاظ على "توازنات سياسية" في علاقتها مع حركة النهضة، التي تدخل في تشكيل الحكومة.
وقال يحمد في تعليقات لـ"سكاي نيوز عربية": إن أنشطة حزب التحرير "أصبحت مثيرةً للقلق"، مشيرًا إلى "ردود فعل سلبية في الساحة السياسية التي تعتقد أنه لا يمكن للسماح لهذا الحزب بالنشاط، في ظل رفعه لشعارات لا تختلف كثيرًا عن داعش".
وتابع: "أعتقد أن الحكومة لم تتجرأ لاتخاذ إجراء أكثر قسوة مثل منع الحزب أو سحب تأشيرته، حفاظًا على توازناتها السياسية خاصة مع حركة النهضة، فحزب التحرير يحظى بدعم الأحزاب الإسلامية الأخرى ومن بينها الحركة".
وأضاف يحمد: "هناك تردد حكومي، والسلطة لديها حسابات أخرى تمنع الحكومة من اتخاذ قرار أكثر قوة بحق الحزب".
وأكد الباحث التونسي أنه "رغم شعارات الحزب المتطرفة وخطابه المتشدد، فإنه لم يثبت عليه استعماله للعنف، ولو أن هناك من يعتبر أن العنف يتشكل في الخطاب وأن الكلمة قد تؤدي إلى ممارسة العنف".
وتوقع يحمد أن يكون قرار تعليق نشاط حزب التحرير "بالون اختبار"، قد يتبعها قرارات أخرى مثل حظره "في حال أبدى ردود فعل عنيفة بعد قرار التعليق المؤقت".
واستطرد: "من الممكن إذا التمست الحكومة أن هناك تحريضًا من الحزب أو أن له دورًا في تنامي العنف، أن تقوم بإجراءات حظر نهائي".
تاريخ من الصدام

قرار القضاء التونسي يكشف عن صدام قادم بين الحكومة التونسية وحزب التحرير، وهو صدام له أرث تاريخي، ففي يناير من العام 1983 وفي عهد الرئيس بورقيبة، عقد عدد من الإسلاميين المؤمنين بفكر الحزب ـ والذين كانوا على مدار سنوات منخرطين في نشاطاته ـ الاجتماع التأسيسي الأول لهم، وأعلنوا عن تأسيس الفرع التونسي للتحرير، وأصدروا في أعقاب ذلك دورية سرية أطلقوا عليها اسم "الخلافة" ووزعوها داخل المساجد للتعريف بأفكارهم.
واعتمادًا على المعلومات القليلة المتوفرة، فقد تولّت قيادة الحزب في هذه المرحلة المبكرة من ظهوره مجموعة (مدنيّة ـ عسكرية) بالتوافق فيما بينها، ومن رموزها: الطاهر العيادي، ومحمد فاضل شطارة، ومحمد جربي. وكانت استراتيجية الحزب تقوم على غرس أكبر قدر ممكن من العناصر داخل الجيش، لتتمكنّ في نهاية المطاف مجموعة من الضبّاط الإسلاميين من الانقضاض على السلطة من الداخل.
وتقول التقارير التي تناولت هذه الفترة: إن المجموعة التي مثلت اللبنة الأولى للتحرير في تونس خططت للاستيلاء على السلطة بالقوة، بهدف تأسيس دولة إسلامية، وذلك بعدما نجحت في استقطاب عشرات من ضباط الجيش، الذين أمدوهم بالذخائر الحربية والأسلحة الخفيفة استعدادا لقلب نظام الحكم، إلا أن السلطات تمكنت من الوصول إليهم وتصفية مخططهم في وقت مبكر.
وقد تمّ اعتقال وملاحقة معظم قياديي الحزب وبينهم عدد من العسكريين، في النصف الثاني من عام 1983 بتهمة تشكيل جمعية سياسية، والانتساب إليها، وحضور اجتماعاتها، وتحريض عسكريين على الانتساب إلى هذه الجمعية. ومثل آنذاك أمام المحكمة العسكرية ثلاثون عضوًا وصدرت أحكام بالسجن وصلت إلى ثماني سنوات على عدد من القادة والكوادر، من بينهم (محمد جربي) زعيم حزب التحرير في تونس.
كما تم اعتقالات قيادات الحزب بعد صعود زين العابدين بن علي إلى الحكم، لا سيما عام 1991. ومنع الحزب من العمل بسبب توجهاته التي تهدف لإقامة الخلافة الإسلامية والحكم بما أنزل الله وفقا لرؤية الحزب، وهو مبدأ يرفضه حتى القانون الحالي للأحزاب الذي يتمسّك بمدنية الدولة والنظام الجمهوري.
وفي مارس 1990 تمّ تقديم مجموعة كبيرة من أعضاء الحزب ضمت 228 عضوًا إلى المحاكمة بتهمة توزيع منشورات في المساجد. وأعقبها محاكمات أخرى في الأعوام 1994 ، و1996 .
وفي مارس 2007 جرت محاكمة 8 من أفراد الحزب. لكن شهد العام 2008 عدد كبير من المحاكمات بحق عشرات من أعضاء حزب التحرير، ومنها القضايا التي حملت أرقام (10890 ، 4148) وأحيل في كل واحدة منها العشرات من شباب التحرير، بتهم: المشاركة في إعادة تكوين جمعية لم يعترف بوجودها، وعقد اجتماعات غير مرخص بها، وإعداد محل بقصد عقد اجتماع غير مرخص، وحمل نشرة من شأنها تعكير صفو النظام العام.
أواخر مارس 2008 تم إلقاء القبض على مجموعة من 12 عضوًا بالحزب تتراوح أعمارهم بين 18 و56 وجرى احتجازهم في حالة تحفظ بإدارة أمن الدولة بوزارة الداخلية دون إحالتهم إلى المحاكمة، وأوردت منظمة "حـرية وإنصاف" أسماءهم.
وفي يوليو 2009 قضت محكمة تونس الابتدائية بسجن 19 من أعضاء الحزب، تراوحت أعمارهم بين 30 و45 عامًا، لفترات بين 11 و14 شهرًا نافذة.
مستقبل التحرير

فيما يبدو قرار القضاء التونسي بتعليق نشاط حزب التحرير سيكون مقدمة لحل الحزب، والذي يسعى إلى تأسيس دولة الخلافة، والذي يقترب في أفكاره مع تنظيم الدولة "داعش"، والذي أعلن تأسيس دولة الخلافة في العراق والشام.
وفي يونيو الماضي منعت وزارة الداخلية الحزب من تنظيم مؤتمره السنوي لأسباب أمنية، في ظل حالة الطوارئ.
ويرى مُراقبون أن الدولة التونسية ماضية في إتمام الإجراءات القانونية التي ستنتهي بسحب ترخيص حزب التحرير، وأن المسألة مسألة وقت فقط.